التقى الرئيس الأمريكي ترامب قادة حلف شمال الأطلسي الناتو الـ 27 للمرة الأولى خلال جولته التي استهلها بزيارة كل من السعودية و”إسرائيل” والفاتيكان ومن المقرر أن يلتقي اليوم وغدًا قادة مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى في مدينة “تاورمينا” بجزيرة صقلية الإيطالية، وقد وصف رئيس الحكومة الإيطالية “باولو جينتيلوني” المحادثات، أمس الخميس بأنها لن تكون سهلة، في الوقت الذي من المتوقع أن تظهر الدول السبع الكبرى جبهة موحدة ضد “الإرهاب” بالإضافة إلى مناقشات أخرى حول التجارة الدولية والمناخ الذي يرفض الرئيس الأمريكي الاعتراف بشأن مخاطر تبدل المناخ العالمي، بينما أكد الرئيس الفرنسي ماكرون أن الدبلوماسية الأوروبية تحاول دفع الولايات المتحدة في الاتجاه نفسه حول تبدل المناخ.
ترامب أمام قادة الناتو
افتتح ترامب لقاءه بقادة الأطلسي بإرسال رسالة مبطنة إلى ألمانيا التي يحاول ترامب تعديل الميزان التجاري الخاسر معها، إذ قال أمام رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر، ورئيس المجلس الأوروبي، دونالد توسك، وعددًا من مسؤولي الاتحاد الأوروبي أن “الألمان سيئون، إنهم سيئون جدًا” بحسب صحيفة دير شبيغل الألمانية. وقال ترامب “انظروا إلى ملايين السيارات التي يبيعونها في الولايات المتحدة هذا مريع، سوف نوقف هذا الأمر”. والواقع أن كلام ترامب يعد جولة ضغط أخرى على ألمانيا للوصول إلى اتفاقية تجارية معها لتعديل الميزان التجاري معها. ولم يصدر أي موقف ألماني أو أمريكي حول ما ذكره ترامب بينما دافع يونكر، عن ألمانيا مؤكدًا أن التجارة الحرة مفيدة للجميع.
استجاب الناتو لترامب لتشكيل وحدة مخابرات دولية لمحاربة الإرهاب وتحسين تبادل المعلومات
صحيفة دير شبيغل نفسها قالت بعد زيارة ميركل إلى أمريكا، بأن “سياسة ترامب تعد أكبر مهدد للاقتصاد العالمي منذ أزمة المال العالمية في 2007 وأن ألمانيا تقف على خط النار”. فألمانيا تعتمد على الولايات المتحدة بشكل كبير والاقتصاد الألماني يعتمد بـ50% من وظائفه على التصدير ويعد السوق الأمريكي أكبر سوق لبضائعها.
ونمو الاقتصاد الألماني يعتمد على الصادرات حيث تشير أرقام مكتب الإحصاءات الألماني أن الشركات الألمانية صدرت ما قيمته 115 مليار دولار إلى الولايات المتحدة خلال العام الماضي، وهو ضعف ما استوردته ألمانيا من الولايات المتحدة، فالميزان التجاري مائل لصالح ألمانيا، وتشكل السوق الأمريكية أقوى سوق لصادرات الشركات الألمانية بنسبة 10% من مجموع الصادرات الألمانية.
مند وصول ترامب إلى البيت الأبيض يدعو إلى حماية المنتج المحلي والمواطن الأمريكي من تغول الشركات الأجنبية التي تبيع منتجاتها في أمريكا بدون ثمن بفضل اتفاقيات التجارة الحرة معها. وكان ترامب قد طلب من إدارته إجراء تعداد بالدول المسؤولة عن العجز التجاري للولايات المتحدة، مع التركيز على الصين أو اليابان، بالإضافة إلى دول أوروبية مثل ألمانيا أو فرنسا. علمًا أن بروكسل أرسلت رسالة إلى الإدارة الأميركية لتذكيرها بأن الاتحاد الأوروبي يجب الإشارة إليه كـ”كتلة واحدة” في المسائل التجارية.
ترامب يقول أن هناك 23 دولة من بين 28 دولة من حلف الناتو لم تدفع، حتى الآن، ما يجب عليها أن تدفعه وما يفترض أن تدفعه للدفاع عنه
حاول ترامب خلال القمة إظهار المسؤولية المالية التي تقع على كاهل الحلفاء إذ تطالبهم واشنطن منذ سنوات بتخصيص جزء من الناتج المحلي يبلغ 2% لتمويل قطاع الدفاع، إلا أن أوروبا لم تستجب لتلك الدعوات، وكانوا وعدوا في العام 2014 بتطبيق تلك السياسة إلا أن ذلك لم يتم حتى الآن، حتى أتى ترامب وصار يهدد بعدم التزام أمريكا لحماية أوروبا وأن عليها أن تدفع مستحقات مالية لقاء تلك الحماية، وتحت ضغط ترامب تعهد القادة بتقديم خطط سنوية توضح كيفية تحقيق هذه الأهداف.
استغل ترامب “الهجوم الإرهابي” في مدينة مانشستر في بريطانيا وأثار ارتباكًا في نفوس نظرائه، بلهجة فظة وبعيدة عن الأسلوب الدبلوماسي حسب مصادر إعلامية، عندما بدأ الحديث عن “ديون الحلفاء” “المترتبة لأمريكا، أثناء افتتاح نصب تذكاري لضحايا “الإرهاب” بمقر الناتو، وحذر من تكرار هجوم مانشستر في حال عدم وفاء أعضاء الناتو جميعهم بالتزاماتهم المالية.
وقبل بدء القمة ذكر ترامب إن “23 دولة من بين 28 دولة لم تدفع، حتى الآن، ما يجب عليها أن تدفعه وما يفترض أن تدفعه للدفاع عنها” وأضاف أن “هذا غير عادل للشعب ولدافعي الضرائب في الولايات المتحدة”.
أثار ترمب قلق حلفاء أوروبيين بطلبه زيادة الإنفاق الدفاعي، وحديثه خلال حملته الانتخابية عن تشكيل تحالف مع روسيا لمواجهة تنظيم “داعش”، وأنه يتبنى نبرة أكثر مرونة مع روسيا عدو أوروبا اللدود، وعبر ترامب أكثر من مرة عن إعجابه بالرئيس الروسي بوتين، بينما اعتبر أن “الزمن عفا” على الحلف الأطلسي.
بينما في إدارة الرئيس السابق أوباما كانت الولايات المتحدة عملت مع الناتو لحشد الدعم لحكومة كييف الموالية للغرب، بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم ودعمها لتمرد في شرق أوكرانيا.
ترامب يصالح حلف الأطلسي مقابل دخولهم بحرب ضد الإرهاب
كانت إدارة ترامب قد أعلنت تخصيص نفقات إضافية لقوات الردع الأميركية على التراب الأوروبي، بزيادة تصل إلى 40% في عام 2018 مقارنة بعام 2017. وهو ما يشكل ضغطًا إضافيًا على الدول الأعضاء التي لم يتردد أمين عام الناتو، ينس ستولنبرغ، في تحذيرها بأن “الزيادة في إنفاق الولايات المتحدة لا ينبغي أن تمنع الأوروبيين من بذل المزيد من الجهود. فنحن بحاجة إلى ذلك”.
ويبدو أن الآلية التخويفية التي اتبعها ترامب ضد الناتو، نجحت حتى الآن في جرهم للانضمام إلى التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن ضد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، علمًا أن انضمامهم إلى الحلف لا يعني المشاركة في العمليات القتالية لكن يعني أن الحلف يشارك التحالف الدولي الرؤية الدولية في “محاربة الإرهاب” وسيعمل على التنسيق بشكل أكبر في الفترة المقبلة مع التحالف في سبيل هذا.
حلف الناتو ينضم للتحالف الدولي الذي تقوده واشنطن ضد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”
ويعد هذا نجاحًا بالنسبة لترامب إذ تمكن من إعادة اصطفاف العالم تحت قبة واحدة ضد “داعش” والمنظمات الإرهابية المصنفة في أمريكا والعالم، وتطويع “الناتو” لصالح قتال “الإرهاب” إلى جانب أمريكا، إذ استجاب الناتو أيضًا لترامب لتشكيل وحدة مخابرات دولية لمحاربة “الإرهاب” وتحسين تبادل المعلومات.
ويشهد الناتو تحولًا في سياسته العامة تحت ضغط ترامب، ففي العام 2003، رفضت مجموعة من البلدان مشاركة حلف شمال الأطلسي في الحرب التي كانت القوات العراقية تشنها في العراق. أما في عام 2017، فلا تقف أي دولة لعرقلة انضمام الناتو إلى التحالف الدولي ضد “داعش” بشرط عدم المشاركة في مهمة قتالية. مشاركة الناتو في التحالف الدولي ضد “الإرهاب” يلعب دورًا مهمًا ضد تنظيم “داعش” عبر طلعات المراقبة التي تنفذها طائرات الأواكس في السماء التركية والبحر المتوسط وتدريب الجيش العراقي.
عمليًا ترامب جاء إلى القمة لطمأنة قادة الحلف على التزام واشنطن تجاه الحلف بالحماية المعهودة، ولكن مقابل تقاسم المسؤولية بين الحلفاء ودور الناتو في ما يسمى الحرب على “الإرهاب”.