يوم وقوف الرئيس الراحل محمد أنور السادات في كامب ديفيد الأمريكي مصافحًا رئيس الوزراء “الإسرائيلي” مناحم بيجين ووضع الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر يده على يديهما في 17 من سبتمبر/أيلول 1978م ، لم تكن المصافحة الأولى فضلًا عن الوحيدة للرئيس الراحل، أو لرئيس أو ملك عربي مع مسؤول “إسرائيلي”، قليل الشأن أو عالي الهمة فيما يخص واقع ورسوخ وتمادي احتلال “إسرائيل” للأمة، لكن الأمر الذي أعيى الملوك والرؤساء العرب آنذاك هو قدرة السادات على الفعل في العلن ما دأبوا على فعله وأكثر في السر!
وليس بخاف عن أحد ما فعله الملك الأردني الراحل حسين سرًا بإخباره العدو الصهيوني قبل أيام بموعد الهجوم المصري عليه، كان من المُفترض أن يكون مُباغتًا في 6 من أكتوبر/تشرين الأول 1973م، أو أن العداوة التي كان يتبجح الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر بإعلانها على “إسرائيل” ما هي إلا وهم كبير عاشت الأمة تقتات الهزائم من جرائه، وأن الرجل لم يكن إلا مُؤديًا بعناية لدور طلبه منه الغرب فأداه بزيادة تفاحلت مع الوقت حتى تدخل الغرب عبر “إسرائيل” لتأديبه بما قضى عليه وأماته في 5 من يونيو/حزيران 1967م، قبل إعلان موته الفعلي.
وما تخفى الحقيقة على عربي على اتساع رقعة الوطن العربي، فالولايات المتحدة حامي الحما الرئيس والأب الروحي المُحرك لـ “إسرائيل”، وما كان لنظام عربي أن يُطل على الوجود فضلًا عن أن يستقر فوق رقاب شعبه لعشرات السنوات إن لم يكن هناك رضى بل دعم مسبق ودائم من أمريكا و”إسرائيل”.
والنظام الذي يقدم خدمات هائلة على مدار حياته إليهما ثم يتوانى أو يتأخر خطوة صغيرة، أو ينبس أو (يبرطم) ببنت شفة، ويكفي أن الراحل السادات أول رئيس أو ملك عربي مُعانق “للإسرائيليين” في العلن، صاحب المعاهدة الأشهر التي خاصم لأجل جرأته فيها القاصي والداني، وجمع ملابسه بالفعل قبلها بأيام في كامب ديفيد ناويًا المُغادرة لقسوة الشروط “الإسرائيلية” التي كانت تُملى عليه، لولا أن الرئيس الأمريكي جيمي كارتر همس في أذنه بأن التخلي الأمريكي عنه لن يكون محدودًا، فبقي السادات ووقع بحب على ما كان يعرف بقسوة أن فيه إهانة له ولبلده، مما جعل وزير خارجية مصر آنذاك محمد إبراهيم كامل يتقدم باستقالته فور قراءة بنود المعاهدة مؤلفًا كتابه “السلام الضائع”.
لكن السادات ما كاد يستقبل شاه إيران الأخير فور غضب أمريكا عليه في مصر، ويتخذ قرارات منفصلة عن السياق الأمريكي “الإسرائيلي” منها اعتقال رموز المئات من القوى السياسية والوطنية وفيها العلمانية إلى جوار الإسلامية في سبتمبر/أيلول 1981م، وقوله للصحفي الأمريكي الذي سأله: “هل استشرت الرئيس كارتر قبل أن تعتقل هؤلاء؟”، ليرد السادات على الفور: “لولا أنك في بلد ديمقراطي لأخرجت مسدسي وصوبته إلى رأسك على الفور”.
ما من رئيس أو ملك عربي بقي بمنصبه هو ونظامه إلا برضى أمريكي سامٍ كان يتنزل عليه ليل نهار فترة حكمه حتى وفاته بسلام
وكان الرد الأمريكي حاسمًا، فقد تضخمت الذات لدى الرئيس الراحل حتى أصبح من الصعب السيطرة عليه، فقتل بعدها بأيام في قلب قوته العسكرية واحتفاله بالنصر الذي مثل صفعة للعدو “الإسرائيلي”، ما أوشك أن التف عليها وردها أضعافًا مُضاعفة.
وغني عن البيان أنه ما من رئيس أو ملك عربي بقي بمنصبه هو ونظامه إلا برضى أمريكي سامٍ كان يتنزل عليه ليل نهار فترة حكمه حتى وفاته بسلام، فالرئاسة مثل الملكية لدى حكامنا، فهي قميص أو إزار لا يسقط مع مرور الوقت أو اختلاف النظم فطالما العدو راضٍ عنه وماضٍ في مخططه للعبث بالأمة في وجوده فلا شيء يمنع استقرار الحاكم وبقاءه وإن سخط عليه شعبه وتمنى صاعقة تريحه منه!
لكن الأب المصري الذي أسمى ابنه باسم مناحم بيجين أيام كامب ديفيد لم يتبعه أب آخر، ولم يتحقق التطبيع العربي “الإسرائيلي” كما توهم كثيرون، بل غاب بطله السادات، ولما سمح الشاعر الراحل صلاح عبد الصبور بمشاركة “إسرائيل” رسميًا في معرض القاهرة للكتاب عام 1980م وصلت دماء الشباب المعارض إلى مكتبه شخصيًا، ودفع حياته ثمنًا لرضاه عن قرار السادات عبر أزمة قلبية أصابته عقب قول رسام الكاريكتير المصري الراحل “بهجت عثمان” له: “أنت بعت بنكلة يا صلاح (النكلة مليمين ونصف المليم إشارة إلى الثمن البخس)!
ولكن فعل السر السابق في حياة الحكام العرب، والذي كان يعني الموت صار العلن في حياة آخرين، رويدًا رويدًا، والثور الذي فر من حظيرة البقر، وأقيم على محكمة ومؤتمر.
قبل ساعات من زيارة ترامب لـ”إسرائيل” وإعلانه الدعم غير المحدود لها ولأمنها واستقرارها يعقد الرئيس الأمريكي اتفاقيات بقرابة نصف التليار دولار مع أمريكا (قرابة 461 مليار دولار) مصداقًا لمقولة ترامب: “إنهم يريدون الحماية، فلماذا لا يدفعون في مقابلها”؟
وفي العام المقبل لم يعد الثور بل فرت إليه الحظيرة، بحسب الشاعر العراقي أحمد مطر، فيزور الرئيس الأمريكي الحالي الذي وعد ونفذ منذ حملته الانتخابية في الأشهر الماضية فحسب بمنع مواطني دول إسلامية من دخول أمريكا لولا تدخل محكمة بإلغاء القرار، الرئيس الذي قال في مارس/أذار 2016م إن الإسلام يكرهنا، الذي سب السعوديين في تغريدة قائلًا في 9 من نوفمبر/تشرين الثاني 2014م: “السعودية ليست سوى (فم) كبير، مجموعة من المتنمرين الجبناء، يملكون المال ولكن يفتقرون إلى الشجاعة”.
وقبل ساعات من زيارة ترامب لـ”إسرائيل” وإعلانه الدعم غير المحدود لها ولأمنها واستقرارها يعقد الرئيس الأمريكي اتفاقيات بقرابة نصف التليار دولار مع أمريكا (قرابة 461 مليار دولار) مصداقًا لمقولة ترامب: “إنهم يريدون الحماية، فلماذا لا يدفعون في مقابلها”؟
والأموال الأخيرة لا تصب إلا في خانة مصلحة “إسرائيل” وحمايتها، والاستقبال الأسطوري لترامب في السعودية السبت يسبق ضحكاته ودموعه عند حائط المبكى الإثنين والثلاثاء، وإيفانكا التي انبهر السعوديون بها حتى أعلى مستوى ما هي إلا يهودية وزوجها جاءا إلى المملكة بقرار من حاخام بجواز ركوبهما الطائرة في يوم سبت، فيما حكام المملكة لا يراعون الله في صورهم وهم يحملقون في وجهها وما سيتداول في العالم عن احتفائهم بها، بل أسمى سعودي ابنته باسمها في لعبة مخابراتية عربية بامتياز منذ مناحم بيجين.
التحديات العالمية كانت تفرض على العرب والمسلمين العمل الدائب المُخلص على نهجه، صلى الله عليه وسلم، للخروج من أسر التبعية المُفرطة للغرب وقادته وخيانة الأمة بمناصرة عدوها، لا أن يتمادى الحكام اليوم بقيادة السعودية في الفعل في العلن ما كان يُفعل في السر وبخزي قبل سنوات!
في أجواء أصعب من هذه بمراحل بعث نبي الهدى والحضارة محمد، صلى الله عليه وسلم، على أرض شبه الجزيرة العربية التي زارها ترامب مؤخرًا، فانتشل أمة ضائعة مُمزقة من أنياب التفرق والعبودية بالإخلاص وتوحيد الجهود والعمل الدؤوب، فضلًا عن حسن التعبد لله، والتحديات العالمية كانت تفرض على العرب والمسلمين العمل الدائب المُخلص على نهجه، صلى الله عليه وسلم، للخروج من أسر التبعية المُفرطة للغرب وقادته وخيانة الأمة بمناصرة عدوها، لا أن يتمادى الحكام اليوم بقيادة السعودية في الفعل في العلن ما كان يُفعل في السر وبخزي قبل سنوات!