يعدّ البحر الأحمر واحدًا من أهم الممرات المائية من الناحية الاستراتيجية والاقتصادية، نظرًا إلى كونه يربط بين قارات ثلاث هي أفريقيا وآسيا وأوروبا، وتمثل قناة السويس في شماله شريانًا ملاحيًّا له أهمية دولية.
ونظرًا إلى هذه الأهمية، فقد حرصت القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة والصين وفرنسا والاتحاد السوفيتي السابق و”إسرائيل”، على أن يكون لها مواطئ أقدام ومناطق نفوذ فيه.
الوجود الأجنبي المكثف في المنطقة يمكن ملاحظته بوضوح في كمية القواعد العسكرية المعلنة وغير المعلنة، كتلك التي تتخذ من جيبوتي مقرًّا لها مثل القواعد الأمريكية والفرنسية والصينية واليابانية، إلى جانب القاعدة الإماراتية في ميناء عصب الإريتري، فضلًا عن الوجود العسكري الإماراتي في جزيرة ميون القريبة من مضيق باب المندب وغيرها من الجزر اليمنية.
وللدلالة على أهمية أمن منطقة البحر الأحمر، أعلنت البحرية الأمريكية في 17 أبريل/ نيسان 2022 عن تشكيل قوة المهام المشتركة 153، وذلك للقيام بدوريات في البحر الأحمر والعمل على مكافحة “الأنشطة الإرهابية والتهريب”.
وبحسب البيان الأمريكي، فإن قوة المهام المشتركة 153 هي واحدة من 4 فرق عمل للقوات البحرية المشتركة، بهدف تعزيز الأمن البحري الدولي وجهود بناء القدرات في البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن، تضم كلًّا من الولايات المتحدة والسعودية ومصر والإمارات والأردن.
حديث متكرر لرئيس الوزراء الإثيوبي
منذ عدة سنوات يكرر رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، الحديث عن أهمية “وصول بلاده إلى البحر الأحمر”، كان آخرها تصريحه الأسبوع الماضي أمام أعضاء مجلس نواب الشعب (الغرفة الأولى في البرلمان)، عندما قال: “أديس أبابا ستواصل سعيها لإيجاد ميناء بديل بما يتوافق مع النمو السكاني والاقتصادي للبلاد”.
“We have no intention of threatening the sovereignty of any nation but we would like a rules based access to the Red Sea. Our request is to initiate discussions towards sustainable solutions.”#PMAbiyResponds#PMOEthiopia pic.twitter.com/vQT2v9lEd2
— Office of the Prime Minister – Ethiopia (@PMEthiopia) November 14, 2023
ولفت أحمد إلى أنه “ليس لدينا نية لتهديد سيادة أي دولة، لكننا نرغب في الوصول إلى البحر الأحمر على أساس القواعد. طلبنا هو بدء مناقشات نحو حلول مستدامة”، في لهجة تبدو مخفَّفة عن خطاب سابق أدلى به في 13 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، جاء فيه “وجود إثيوبيا كأمة مرتبط بالبحر الأحمر”، مضيفًا أن بلاده محتاجة إلى ميناء، وتابع أن السلام في المنطقة رهين “بتقاسم متبادل ومتوازن” بين إثيوبيا المعزولة عن البحر وجيرانها.
إثيوبيا كانت تملك ميناءين
استحوذت قضية وصول إثيوبيا إلى البحر الأحمر على معظم الملاحظات التي أدلى بها آبي أحمد الأسبوع الماضي للمشرّعين، حيث لفت إلى أن إثيوبيا كانت قبل استقلال إريتريا (منذ 30 سنة) تمتلك ميناءين، وتعداد سكانها نحو 46.47 مليون نسمة فقط، وناتجها المحلي الإجمالي من 10 إلى 12 مليار دولار فقط، وبعد 30 عامًا أضحت دولة حبيسة، وتعدادها يتجاوز 120 مليون نسمة، وتعتمد بشكل أساسي على ميناء جيبوتي وفق اتفاقات تجارية محددة، مؤكدًا أن ذلك “يعرّض مصالح بلاده للخطر”.
وممّا يجدر ذكره أن إثيوبيا فقدت الوصول المباشر إلى البحر الأحمر منذ عام 1993، عندما حصلت إريتريا على استقلالها من الأولى، ما تسبّب في خسارة أديس أبابا لمنافذها المباشرة إلى البحر، ونظرًا إلى أراضيها غير الساحلية الواسعة، بدأت إثيوبيا بعد ذلك الاعتماد على ميناء جيبوتي بتكلفة اقتصادية عالية، حيث افتتحت عام 2016 خط سكك حديدية يربط أديس أبابا مع جيبوتي المجاورة بطول 700 كيلومتر، وتكلفة 4 مليارات دولار بتنفيذ شركتَين صينيتَين.
دوافع أديس أبابا للوصول إلى البحر الأحمر
بحسب دراسة لمركز رع، فإن لإثيوبيا العديد من الدوافع حول سعيها للحصول على منفذ بالبحر الأحمر، حيث تنظر إلى منطقة القرن الأفريقي وحوض النيل والبحيرات العظمى كمنطقة نفوذ إقليمي تسعى لإبراز هيمنتها وتوسيع نفوذها من خلالها، ويمكن الإشارة إلى تلك الدوافع فيما يلي:
– دوافع اقتصادية: ينظر رئيس الوزراء آبي أحمد إلى تلك القضية على أنها مسألة وجودية لإثيوبيا تؤثر على اقتصاد البلاد، فالوصول إلى البحر الأحمر من وجهة نظره يعزز بشكل كبير من النمو الاقتصادي.
– دوافع سياسية: تعدّ قضية الوصول إلى البحر الأحمر ضرورة لأمن إثيوبيا، حيث حمل خطاب آبي أحمد دلالات سياسية داخلية تقوم بالأساس على الهيمنة الإثيوبية في القرن الأفريقي، وذلك من خلال تعزيز أديس أبابا علاقاتها مع دول المنطقة وربطها بها لضمان ولائها ودعمها في الدفاع عن قضاياها على الصعيدَين الأفريقي والدولي من خلال لعب دور الوساطة، مثلما تقوم بالانخراط الدائم في أزمات السودان وجنوب السودان.
– دوافع استراتيجية: تكمن في عدد من المصالح، أهمها تعزيز المكانة الإقليمية التي تمكّن إثيوبيا من لعب دور مهم في معادلة أمن البحر الأحمر، وحماية مرور التجارة الدولية والملاحة البحرية في البحر الأحمر.
الشغل الشاغل لآبي أحمد منذ عام 2018
كانت معضلة إثيوبيا كدولة حبيسة الشغل الشاغل لرئيس الوزراء آبي أحمد، منذ توليه الحكم قبل 5 أعوام، منذ ذلك الوقت بدأ يتحدث عن إعادة تكوين القوات البحرية الإثيوبية التي تم تفكيكها في أعقاب استقلال إريتريا.
قال رئيس الوزراء آبي أحمد على التلفزيون الحكومي، بعد أقل من شهرَين من تنصيبه عام 2018: “بعد الجهود التي بُذلت لبناء دفاعنا الوطني، بنينا واحدة من أقوى القوات البرية والجوية في أفريقيا. علينا أن نبني قدرات قواتنا البحرية في المستقبل”، وبعد فترة وجيزة من حديث آبي أحمد، قال الجنرال برهانو جولا إن رئيس الوزراء آبي لديه رؤية بأن إثيوبيا سوف تبني قوات بحرية مزودة بالتكنولوجيات الحديثة.
أضاف الجنرال برهانو الذي كان يشغل آنذاك منصب نائب رئيس الأركان: “رغم أننا لا نملك منفذًا بحريًّا، إلا أننا قريبون جدًّا من البحر الأحمر والمحيط الهندي”، موضّحًا: “نرى العديد من البلدان أظهرت رغبة متنامية لبناء قواعد بحرية في الصومال وجيبوتي وبونتلاند وإريتريا، ويمكننا بناء أسطولنا البحري على بُعد 60 كيلومترًا من الساحل”.
وقال أيضًا: “يجب أن نُظهر نفوذنا حول البحر. هناك دول عديدة قدمت إلى المنطقة من مسافات بعيدة ولديها تأثيرها على البحر.. نحن دولة عظيمة يبلغ عدد سكانها أكثر من 100 مليون نسمة، لا يوجد أي سبب لأن تظل إثيوبيا دولة حبيسة”.
الصومال يرفض الدخول في مفاوضات مع إثيوبيا
ردًّا على حديث رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد عن أهمية وصول بلاده إلى موانئ البحر الأحمر، قال وزير الدولة الصومالي للشؤون الخارجية، علي عمر، إنه في حين أن الصومال “ملتزمة بشدة” بتعزيز السلام والأمن والتجارة والتكامل، إلا أنها غير مهتمة بتوفير الوصول إلى أصول استراتيجية مثل الميناء.
وأضاف في تصريح مقتضب، أن “سيادة الصومال وسلامته الإقليمية -البرية والبحرية والجوية- على النحو المنصوص عليه في دستورنا، مقدسة وغير مفتوحة للمناقشة”.
تفاقُم التوترات بين آبي وأفورقي
حديث رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد المتكرر عن الوصول إلى البحر الأحمر، وقوله إن إثيوبيا كانت تمتلك ميناءين في السابق (مصوع وعصب)، فاقما من توتر العلاقات بينه وبين الرئيس الإريتري إسياس أفورقي، بعدما كان الأخير حليفًا لآبي خلال الحرب الوحشية الأخيرة التي خاضها الجانبان في إقليم تيغراي الإثيوبي.
إذ ردّت وزارة الإعلام الإريترية ببيان مقتضب لا يتعدى 5 أسطر، وذلك من دون ذكر اسم آبي أحمد ولا منصبه، واصفةً حديثه حول المياه والمنافذ البحرية بأنه كثير ومفرط، وأثار “حيرة جميع المراقبين المعنيين”.
بيان صحفي
إن الحديث – الفعلي والمفترض – حول المياه والمنفذ إلى البحر والموضوعات ذات الصلة التي طُرحت في الآونة الأخيرة كثيرة ومفرطة بالفعل. وقد أثارت هذه القضية حيرة جميع المراقبين المعنيين.
وفي هذا السياق، تؤكد الحكومة الإرترية مرارًا وتكرارًا أنها لن تنجر، كما هو الحال دائما،… pic.twitter.com/LMl11ruSGe
— Ministry of Information, Eritrea (@shabait) October 16, 2023
وأضاف البيان الذي تم نشره باللغتَين العربية والإنجليزية: “تؤكد الحكومة الإريترية مرارًا وتكرارًا أنها لن تنجر كما هو الحال دائمًا إلى مثل هذه المسارات والمنابر. وتحثّ الحكومة الإريترية كذلك كافة الأطراف المعنية على عدم الاستفزاز بهذه الأحداث”.
الكاتب والباحث الإريتري المقيم في النرويج، محمد خير عمر، ذكر في مقال نشرته مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية، أن إثيوبيا وإريتريا قاتلتا معًا جبهة تحرير شعب تيغراي، والآن قد يقاتل بعضهم بعضًا مرة أخرى.
يضيف عمر، وهو عضو سابق في جبهة التحرير الإريترية: “آبي أحمد يعرَف بنهجه المتناقض في الدعوة للسلم بينما يخطط للحرب. لطالما كان حريصًا على حلّ المشكلات السياسية من خلال الوسائل العسكرية. يرى نفسه موجّهًا بإلهام إلهي في سعيه لمجد إثيوبيا، حيث يلعب البحر الأحمر وإريتريا دورًا محوريًّا”.
ويصف عمر إسياس أفورقي بأنه ديكتاتور مخضرم لا يرحم لديه ميل إلى الحرب بالوكالة، قد يعزز دعمه لميليشيات الأمهرة وجيش تحرير أورومو المعارضَين لإضعاف آبي أحمد، و”يُقال إن رئيس إريتريا يدعم بالفعل الأمهرة بالتدريب والأسلحة، وفقًا لمصادر عسكرية داخلية”، بحسب ما ذكر محمد خير عمر.
طريقة العرض الإثيوبي تسبّبت في ردود فعل صارمة
من جانبه، يرى الصحفي والباحث المتخصص في الشأن الأفريقي عباس محمد صالح أن طريقة عرض الجانب الإثيوبي لقضية الوصول إلى موانئ البحر الأحمر، قبل مناقشتها مع الدول المعنية في الأضابير لاستشكاف مدى تقبّلها للطرح من عدمه، قد أدّت إلى ردود فعل فورية صارمة، بالتالي يصبح تحقيق هذا الهدف أقرب إلى إثارة الصراع منه إلى الحوار والتفاوض.
وأضاف صالح في حديثه لـ”نون بوست” أن “اللجوء إلى وسائل الإعلام لإثارة قضية بهذه الحساسية، يفتح الباب للأصوات الشعبوية والشعور الوطني المتشدد، لا سيما في ظل تأثير وسائل الإعلام وصعود التوجيهات والمشاعر القومية المعادية لإثيوبيا لأسباب تاريخية في بعض الدول، وتحديدًا في إريتريا والصومال، وقد أُغلق باب الحوار حول هذا الموضوع في مهده”.
وزاد بقوله: “فهِم الإريتريون أنهم الطرف المقصود بصورة أساسية دون بقية الدول الساحلية، فالنزعة القومية للإريتريين أقوى وسط المعارضة من جانب الحكومة، والشعور بتهديد لوحدة أو سلامة كيان البلاد سيوحّدهم أكثر فأكثر”.
“تمسُّك إثيوبيا بطرحها حول الوصول للموانئ أثار مخاوف جدّية لدى قوى دولية تخشى على مستقبل الأمن والاستقرار، كما تخشى أكثر على مصالحها أو التهديدات المحتملة لأمنها القومي انطلاقًا من هذه المنطقة”، قال عباس صالح.
العلاقات توتّرت أيضًا بين أفورقي وأبوظبي
لاحظ مراسل “نون بوست” أن منصة TesfaNews المقربة من النظام الإريتري لم تعد تكتفي فقط بالهجوم على رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، بل أصبحت مؤخرًا تتهم الإمارات بالوقوف وراء “أجندة البحر الأحمر لآبي أحمد”.
في منشور على موقع التواصل الاجتماعي “إكس” الجمعة الماضية، قالت TesfaNews: “كما نعلم جميعًا، الإمارات حريصة على ترسيخ وجودها على البحر الأحمر، وهي المنطقة التي تعتبرها منافستها الأكبر والأقوى، المملكة العربية السعودية، مجال نفوذها الحصري”.
Who’s Behind PM Abiy’s Red Sea Agenda?
As we all know, the Emirates is keen to establish a presence on the Red Sea, a region that its larger and more powerful rival, Saudi Arabia, regards as its exclusive sphere of influence.
To pursue this grand agenda, the UAE is currently…
— ⓉⓃ (@tesfanews) November 16, 2023
وأضافت: “قدّم رئيس الوزراء آبي أحمد فجأة أجندة لا تتعلق فقط “بالوصول” إلى البحر، لكن أيضًا يؤكد “الحق في امتلاك” ميناء على البحر الأحمر. لأسباب واضحة، لا يمكن لإثيوبيا تغيير الحدود الجغرافية لجيرانها. ومع ذلك، مضى رئيس الوزراء قدمًا في تهديده الصريح باستخدام القوة، إذا لزم الأمر، ما يزيد من خطر نشوب صراع دموي محتمل، على الأرجح مع إريتريا، التي تحظى بالطبع بدعم كامل من السعودية ومصر، على سبيل المثال لا الحصر”.
وحذّرت المنصة المقربة من النظام الإريتري من أن الانخراط في صراع مع خصم كبير (إريتريا)، قد يؤدي إلى سقوط رئيس الوزراء آبي في نهاية المطاف، قبل أن تصف آبي أحمد بأنه “يعمل بشكل أساسي كحصان طروادة لدولة الإمارات”.
في وقت سابق من نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي، سأل مراسل “نون بوست” الباحث والأكاديمي الإريتري محمد خير عمر عن أسباب توقف رحلات الرئيس إسياس إلى أبوظبي، فجاءت إجابته على النحو التالي: “العلاقات بين البلدَين ليست جيدة في الوقت الحاضر. يمكنك أن ترى ذلك في القتال في السودان، أسمرة تدعم البرهان، والإمارات تدعم حميدتي”.
The relations between the two countries are no good at present. You can see it in the Sudan fighting, Asmara backs Al Burhan, UAE backs Hemedti
— Mohamed Kheir Omer (@mkheirom) November 10, 2023
كما استطلع “نون بوست” توقعات الباحثة والأكاديمية في جامعة أديس أبابا “م. ت” بشأن التوترات القائمة بين إثيوبيا وإريتريا، فأجابت أن تلك التوترات بدأت أثناء الصراع في تيغراي بشأن إدارة المعركة في مواجهة قوات الإقليم، مشيرة إلى أن استجابة آبي أحمد للضغوط الدولية وتوقيعه اتفاق بريتوريا للسلام مع جبهة تحرير تيغراي، تسبّب في صدع كبير بين الرجلَين.
وأبدت الأكاديمية -التي رفضت ذكر اسمها كاملًا لحساسية الموضوع- مخاوفها من اندلاع قتال جديد، قائلة إن الزعيمَين لا يؤمنان بالحلول السلمية، مشيرة إلى أن آبي أحمد خاض 3 حروب خلال 5 سنوات فقط من توليه السلطة، رغم أنه يحمل جائزة نوبل للسلام، وقالت إن إسياس أفورقي بادر بشنّ الحرب على إثيوبيا عام 1998 عندما نشبت أزمة الحدود بين البلدَين.
جسر سلاح إماراتي لإثيوبيا
استدلت محدثتنا على قُرب اندلاع الصراع بشحنات الأسلحة التي ترسلها الإمارات عبر جسر جوي، والتي يتابعها مراقب السماء “غريون” بشكل مستمر، حيث بلغت 25 رحلة شحن خلال أسبوع واحد في نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي.
#جيونيوز | 24 رحلة خلال أسبوع.. الإمارات تكثف رحلاتها الجوية إلى إثيوبيا، ما القصة؟#فيديو #إيكاد pic.twitter.com/mJgSS1d8jc
— Eekad – إيكاد (@EekadFacts) November 13, 2023
تلفت “م. ت” إلى أن دعم الإمارات غير المحدود لرئيس الوزراء الإثيوبي، قد يتسبّب في فقدان قاعدتها العسكرية الاستراتيجية في ميناء عصب الإريتري، والتي قامت أبوظبي بتفكيكها “جزئيًّا” مطلع العام 2021، بيد أن عقد الإيجار ما زال ساريًا ويستمر لـ 30 عامًا بدأت من العام 2015 وفقًا لتقرير “أسوشيتد برس”.
كما أن استياء الرئيس أفورقي من حليفته السابقة أبوظبي، قد يدفعه كذلك إلى البحث عن حلفاء آخرين مثلما حدث مؤخرًا: زيارته إلى الرياض وإشادته بالقمة السعودية الأفريقية وتضخيمه للعلاقات مع المملكة، وفقًا للباحثة “م. ت”.
فيديو | رئيس إريتريا أسياس أفورقي: ماضون في خطى ثابتة لخلق تعاون ثنائي مع المملكة في القطاعات كافة#نشرة_النهار#الإخبارية pic.twitter.com/jT1q92dKF6
— قناة الإخبارية (@alekhbariyatv) November 12, 2023
خلاف داخل جبهة تيغراي بشأن التحالف مع آبي
تشير مصادر “نون بوست” إلى وجود خلاف داخل جبهة تحرير تيغراي بشأن التحالف مع آبي أحمد، وذكرت المصادر أن هناك تيارًا في الحزب يميل إلى دعم رئيس الوزراء في صراعه الحالي مع جماعة فانو في إقليم أمهرة وصراعه المحتمل مع النظام الإريتري، بهدف إضعافهما واسترداد أراضي “غرب تيغراي”، بينما يجادل التيار الآخر مذكّرًا بما ارتكبه نظام آبي من فظائع بحقّ مواطني الإقليم وأنه لا يمكن الوثوق فيه.
وفيما يتعلق بإمكانية التحالف بين آبي أحمد وجبهة تحرير تيغراي، يرى الباحث عباس محمد صالح أنه في ضوء تعقيدات الداخل الإثيوبي، لا تتوفر إمكانية لتحالف رئيس الوزراء الإثيوبي مع جبهة تحرير تيغراي، باعتبارها خصمًا يتطلع إلى الانتقام من النظام في أسمرة لتحقيق طموح الوصول إلى البحر الأحمر.
يبقى هناك احتمال بأن تنجح إثيوبيا في توقيع اتفاق جديد مع حكومة أرض الصومال، يتيح لها تملُّك حصة في ميناء بربرة، بعد أن أعلنت حكومة الإقليم الانفصالي العام الماضي أن إثيوبيا فقدت حصتها في ميناء بربرة البالغة 19%، بسبب عدم استيفاء الشروط المطلوبة لإتمام صفقة الملكية.
لكن، وبالنظر إلى المعطيات الحالية التي تم التطرق إليها، فإنّ احتمال وقوع مواجهة عسكرية بين إثيوبيا وإريتريا لا يبدو مستبعدًا رغم العواقب الإقليمية المتوقعة، فإثيوبيا لم تتعافَ بعد من حرب تيغراي وتخوض نزاعًا في الوقت الحالي بإقليم أمهرة مع مسلحي فانو، كما يشهد السودان المجاور حربًا وحشية دخلت شهرها الثامن من دون أفق حسم عسكري أو حل تفاوضي، وآخر ما يحتاجه القرن الأفريقي هو حرب أخرى، كما قال الأكاديمي الإريتري محمد خير عمر.
يشبّه عدد من الباحثين والمراقبين خطابات رئيس الوزراء الإثيوبي بشأن البحر الأحمر، بطموح القوى الجيوسياسية الكبرى مثل الصين وروسيا، فكلاهما أظهر استعدادًا لاستخدام القوة العسكرية للسيطرة على المياه الاستراتيجية، كما يتضح من الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم عام 2014، والمواقف العسكرية الصينية في بحر الصين الجنوبي.