واحدة من أهم القيم التي تعتمد عليها العديد من المجتمعات الغربية، وإحدى أهم محددات الرأسمالية التي صاغها آدم سميث كانت تقديس الملكية الفردية وتعزيز قيم الفردانية حتى وإن كان هذا على حساب المجتمع أو الجماعة بشكل عام، هذا تحديدا ما يعرضه فيلم “ذئب وول ستريت” لبطله ليوناردو ديكابريو و مخرجه مارتين سكورسيزي.
الفيلم المأخوذ عن السيرة الذاتية للاقتصادي (أو المحتال) الأمريكي جوردن بلفورت التي كتبها بعنوان «لعبة المال والجنون», رُشح لخمس جوائز أوسكار من بينها أحسن ممثل رئيسي (ليوناردو ديكابريو) وأحسن ممثل مساعد (جوناه هيل)، أحسن إخراج (مارتن سكورسيزي) وأحسن فيلم لهذا العام، كما أن ليوناردو ديكابريو فاز بالفعل بجائزة غولدن غلوب كأحسن ممثل.
قصة الفيلم تركز على جوردن بلفورت، سمسار البورصة الذي يرفض التعاون في قضية احتيال كبيرة تتضمن فساد في وول ستريت والتلاعب بالأسهم في تسعينات القرن الماضي.
يبدأ الفيلم بجوردن الموظف الجديد في شركة السمسرة الذي يقابل معلمه الأول، ويقدم الأستاذ للتلميذ الدرس الأول في دنيا السمسرة: ضع في اعتبارك أن النقود في جيب عميلك لا بد وأن تنتقل إلى جيبك. ثم تقوم ببيع الأسهم له. وعندما يعود لك أقنعه بأن أسهمه في صعود مستمر اجعله يشتري المزيد منها، أو أية أسهم أخرى وسيعود إلى زوجته فرحا بوهم أنه أصبح ثريا. خذ منه نقوده أولا بأول. ملوحا له بفرص جديدة واحذر من أمر واحد وأساسي: وهو أن يسترد أمواله.
ثم يخبره المعلم الأول بالدرس الثاني، وهو أن إدمان المخدرات والنساء هما سبب نجاحه، وبالفعل، يبدأ جوردن أولى خطواته فى العمل والنجاح سالكا هذا الطريق.
ثم يأتى الاثنين الأسود على بورصة نيويورك في 19 أكتوبر 1987، ليجد نفسه بلا عمل ولكن زوجته تدفعه للعمل فى شركة صغيرة تلعب فى الأسهم الصغيرة جدا فى البورصة، والتي ليس لها سوق حقيقي أصلا، ثم يقرر أن ينشئ شركته الخاصة مع مجموعة من مروجي المخدرات ويعلمهم كيف يمكن أن يبيع الإنسان أى شىء وينجحوا نجاحا ساحقا ولكن أغلب نجاحاتهم تكون بالغش والتدليس ليتحولوا إلى أصحاب ملايين في ظرف أشهر قليلة وكل من يعمل معهم كذلك ويغرقون فى الإدمان والفساد بكل صوره.
ما فعله جوردن بلفورت يسمى بظاهرة Boiler Room والتي تحذر منها السلطات المالية حتى اليوم، لكن ما الذي يعنيه ذلك؟
مصطلح Boiler Room وترجمتها الحرفية هي غرفة السخان أو المرجل يشير إلى مكاتب غير مرخصة ولا مسجلة يقوم فيها الوسطاء وبشكل مكثف بالاتصال بالعملاء بهدف إقناعهم بالاستثمار في أسهم رخيصة الثمن مدعين تأمين عوائد مرتفعة جدا مع وعود بأن المخاطر شبه معدومة. ويعتمد الوسيط في إقناعه للعملاء على طرق فاسدة وغير شرعية، ويطالب برد سريع، مهددين العملاء المترددين بأنهم يضيعون فرصة العمر.
ولكن لا شىء يبقى على حاله! ففسادهم فاحت رائحته ووصلت للمباحث الفيدرالية التى قبضت على جوردن وشركائه ثم يخرج من السجن ليعمل كمدرب مبيعات شهير يعلم الناس كيف يمكن أن تبيع أى شىء وكل شىء فى مشهد أخير.
الأسماء الحقيقة للشخصيات الموجودة في المذكرات تم تغييرها. صديقه المقرب دوني أزوف الاسم الحقيقي له هو داني بوروش، عميل مكتب التحقيقات الفيدرالي الذي قبض عليه باتريك دنهام هو جورجي كولمان، ومحاميه ماني ريسكين هو آرا لي سوركين. زوجة بلفورت الأولى، دينيس لومباردو تم تغير اسهما الى تيريزا بترلوا، بينما زوجته الثانية نادين كريدي أصبحت نعومي لاباجليا. مارك هانا معلمه وأستاذه في وول ستريت لم يتغير اسمه.
الفيلم تكلف أكثر من 100 مليون دولار إلا أنه استطاع جني أرباح تجاوزت 268 مليون دولار حتى الآن في السينما داخل الولايات المتحدة وعلى مستوى العالم.
ذئب وول ستريت تخطى حدود السير الذاتية العادية، وحدود عالم المال و”البيزنس”، وضعته بعض الدول على القائمة السوداء، فمنعت دخوله البلد مثلما فعلت كينيا التي بررت حكومتها القرار بوصف مستوى الفيلم “بالهابط”. كما أن الفيلم الذي يمتدّ على مدى 3 ساعات، لم تتمكّن الصالات العربية إلا من عرض ساعتين فقط منه، بعدما أعمل الرقيب مقصّه حذفاً، وتشذيباً، وتهذيباً، حيث يمتليء الفيلم بالمشاهد التي تُعبر عن الحياة الحقيقية لجوردن بلفورت المليئة بالجنس والمخدرات.
الفيلم في مجمله تلقى نقدا إيجابيا للغاية من معظم النقاد والمتابعين، إلا أن مخرجه مارتن سكورسيزي (مخرج أفلام رائعة ومميزة مثل Taxi Driver, Good Fellas, The Departed) تعرض لبعض الانتقادات التي تناولت عرضه الفج لبعض المشاهد من حياة بلفورت، في حين أن بعض الانتقادات قالت أنه مهما حاول أن يصورها في الفيلم فلن يصل إلي درجة “فجور” بلفورت في حياته.