ترجمة وتحرير نون بوست
في الآونة الأخيرة، لا يبدو الجيش الإسرائيلي منبهرا بالإنجازات التي حققها الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب في حربه ضد تنظيم الدولة. وهذا على الأقل الانطباع الذي ارتأيته من آخر زيارة لي لإسرائيل، بما في ذلك زيارتي للجزء الذي تحتله القوات الإسرائيلية من مرتفعات الجولان. وفيما يتعلق بهذه المنطقة، قدم المسؤولون الإسرائيليون وجهة نظر فريدة من نوعها عن الفوضى، التي ألقت بظلالها على المنطقة، الناجمة عن الحرب الأهلية السورية، التي دخلت عامها السادس.
من موقعه فوق شبكة من الأنفاق الأرضية، التي يرجع تاريخها إلى حرب يوم الغفران في سنة 1973، أشار المجند، الذي يرافقني في رحلتي، إلى الشمال الشرقي للقنيطرة، المدينة السورية المهجورة، التي تتبادل فيها قوات بشار الأسد وحزب الله قذائف الهاون مع المقاتلين المتمردين الذين يسيطرون على قريتين قريبتين.
وعلى بعد مسافة قصيرة بالسيارة من الجنوب، التي تقع بجانب بساتين الكرز والتفاح، كان علم جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة يرفرف فوق موقع الأمم المتحدة المهجور. أما في الجنوب، مرورا بقاعدة طائرات إسرائيلية بلا طيار الواقعة فوق منحدر متعرج عبر الوادي، نجد قاعدة تدريب لتنظيم الدولة وهو ما يدل على اختراق عناصر التنظيم لمواقع جديدة بعيدا عن عاصمته الرقة، التي تبعد أكثر من 300 ميل عبر الصحراء.
قال أحد المسؤولين في قوات الدفاع الإسرائيلية إنه “إذا لم يكن التوجه إلى الشمال أو الغرب من بين الخيارات المتاحة لعناصر التنظيم فسيضطرون إلى التحرك في مناطق أخرى”
وفي هذا الصدد قال أحد المسؤولين في قوات الدفاع الإسرائيلية إنه “إذا لم يكن التوجه إلى الشمال أو الغرب من بين الخيارات المتاحة لعناصر التنظيم فسيضطرون إلى التحرك في مناطق أخرى”، مشيرا إلى معسكر تدريب صغير لتنظيم الدولة الذي يقع جنوب سوريا بين إسرائيل والأردن. كما أضاف المصدر نفسه أ، “بعض العناصر حلوا بذلك المكان، وهو ما أثار قلق الأردن”.
وجاءت رحلتي قبل عدة أسابيع من وصول ترامب إلى إسرائيل في زيارة خارجية سيتم فيها بالأساس مناقشة معضلة تنظيم الدولة الذي تعهد ترامب “بتدميره ودحره”. ولكن التقييم الذي تلقّاه ترامب من أحد أقرب حلفاء الولايات المتحدة، الذي كان لأجيال يتصدى للمسلحين الإسلاميين، والذي كشف مؤخرا عن معلومات حساسة عن مؤامرة يحيكها تنظيم الدولة لاستخدام أجهزة الكمبيوتر المحمولة لتفجير الطائرات، لم يكن كما يريده.
وفي بناء على رأي الوحدات العسكرية والاستخباراتية الإسرائيلية التي زرتها على مدى عدة أيام في أواخر نيسان/ أبريل، فإن الاستراتيجية الأمريكية في العراق وسوريا قد تزيد الأوضاع تعقيدا وتأزما. وأفاد الضابط، الذي كنت أتبادل معه أطراف الحديث، أنه في إطار إرساء العقلية المتطرفة في الشعب اللبناني والأردني قاموا بدس العناصر المتشددة بغية زرع الخراب في لبنان المجاور والأردن، ومن بينهم بعض الأشخاص الآخرين الذين فروا إما إلى أوروبا أو الولايات المتحدة.
من جانب آخر، أعرب رئيس القسم الإستراتيجي لجيش الدفاع الإسرائيلي في تل أبيب، رام يافن، عن الحيرة المشتركة التي عمت صفوف عدد من كبار القادة الإسرائيليين فيما يخص هاجس الجيش الأمريكي بهزيمة مجموعة لا تشكل تهديدا إستراتيجيا كبيرا، قائلا إنه “ليس متأكدا من أنه سيكون من السهل هزيمة تنظيم الدولة، كما يدعي ترامب”.
تعهد وزير الدفاع الأمريكي، جيمس ماتيس، يوم الجمعة، بتدمير تنظيم الدولة؛ أولا من خلال استعادة الرقة، ثم بدعم الحملة التي تنظمها القوات العربية والكردية المحلية لاستعادة مدن سورية أخرى تقع على طول نهر الفرات من براثن التنظيم
فضلا عن ذلك، أشار العديد من المسؤولين إلى أن عدد عناصر تنظيم الدولة يضاهي عدد المنتسبين لحركة حماس، وهي جماعة فلسطينية مسلحة تسيطر على قطاع غزة. في المقابل، يرى ترامب الأمر من منظور مخالف تماما لذلك أذِن لقادته العسكريين بتعزيز التدخل العسكري الأمريكي في كل من العراق وسوريا، بما في ذلك منح البنتاغون مزيدا من السلطة لبذل قصارى جهده لدحر التنظيم، كما أرسل المئات من القوات الأمريكية الإضافية إلى سوريا.
وفي شأن ذي صلة، تعهد وزير الدفاع الأمريكي، جيمس ماتيس، يوم الجمعة، بتدمير تنظيم الدولة؛ أولا من خلال استعادة الرقة، ثم بدعم الحملة التي تنظمها القوات العربية والكردية المحلية لاستعادة مدن سورية أخرى تقع على طول نهر الفرات من براثن التنظيم. كما صرح ماتيس للصحفيين “نحن نتواجد هناك من أجل الإطاحة بالتنظيم” كما برر الإستراتيجية العدوانية التي تعتمدها الولايات المتحدة بأنها تندرج ضمن سعيهم “لإبادة عناصر التنظيم”.
وافق بعض القادة الإسرائيليين مَدِّي بتقييمهم للصراع السوري شريطة عدم الكشف عن هويتهم، وقالوا بأن إستراتيجية الولايات المتحدة في سوريا والعراق، (حيث قامت القوات العراقية المدعومة من الولايات المتحدة مؤخرا بتحرير مدينة الموصل)، يمكن أن تجعل تنظيم الدولة والجماعات التابعة له في أماكن أخرى من المنطقة ما يشكل تهديدا أكبر للغرب. ولعل هذا ما دفع أحدهم إلى القول بأن “القادم أسوأ”.
وفي هذا الإطار، شدد العديدون على أنه على عكس تنظيم القاعدة، وهي جماعة إرهابية سنية مسؤولة عن الهجوم الذي استهدف الولايات المتحدة في الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر، قدم تنظيم الدولة نفسه في صورة الجماعة التي لا تستهدف فقط الغرب، بل تسعى أيضا إلى تقديم نسخة ثورية محدثة عن الإسلام في أكثر شكل متطرف ومتزمّتٍ له.
أخبرني ضابط مخابرات في قاعدة القيادة الشمالية لجيش الدفاع الإسرائيلي، خارج مدينة صفد، وهو ينظر لخريطة الحدود السورية، أنه يعتقد أن الولايات المتحدة فشلت في فهم المصالح المتنافسة والتحالفات المتغيرة باستمرار، في حين قَدَّر جيش الدفاع الإسرائيلي أن هناك ما بين 400 و500 مجموعة مختلفة تقاتل في الحرب الأهلية السورية
وبناء على ذلك، أشار ضابط الاستخبارات في قاعدة القيادة الشمالية للجيش الإسرائيلي إلى أنه “ما كان تنظيم الدولة يسعى إلى تحقيقه منذ تأسسه، هو إرساء مفهوم الخلافة، في إطار ترتيب ما اسماه “بالبيت الداخلي”، ثم الشروع في مواجهة القوى الخارجية”. فضلا عن ذلك، أخبرني ضابط مخابرات في قاعدة القيادة الشمالية لجيش الدفاع الإسرائيلي، خارج مدينة صفد، وهو ينظر لخريطة الحدود السورية، أنه يعتقد أن الولايات المتحدة فشلت في فهم المصالح المتنافسة والتحالفات المتغيرة باستمرار، في حين قَدَّر جيش الدفاع الإسرائيلي أن هناك ما بين 400 و500 مجموعة مختلفة تقاتل في الحرب الأهلية السورية.
كما أضاف، المسؤول العسكري “خذ الموصل، على سبيل المثال؛ مدينة المليون مواطن، وأكبر التقديرات تشير إلى أن هناك ثمانية آلاف مقاتل. وبالتالي، لا يمكنك السيطرة على مدينة مليون شخص بحوالي ثمانية آلاف شخص إذا لم يكن لديك بعض الدعم من السكان المحليين هناك”. وفي نفس الإطار أوضح أنه “في شرق سوريا، يوعز الاعتقاد بأن تنظيم الدولة له تواجد قوي، لعدد السكان الملائم لتنفيذ مآربه. وعندما تحاول جلب المَنْطق الغربي لعقلية عربية شرقية فسيصعب تطبيقها واستيعابها. كما أن العقل الغربي لا يفهم الفروق البسيطة في المجتمعات القبلية العربية في الشرق الأوسط”.
خلال حملته الانتخابية، وعد ترامب “بنسف تنظيم الدولة” لكن الحملة العسكرية التي تقودها الولايات المتحدة ضد الجماعة، مثل الهجمات الوحشية التي شنها ضد قوات الأسد وحلفائه العسكريين الروس، قد تكون مجرد محاولة نشر مزيد من التطرف في صفوف جيل جديد عازم على مهاجمة الدول الغربية. وفي هذا الشأن، قال ضابط المخابرات العسكرية إن “الضرر الذي تسببه الغارات الأمريكية التي تُشن أكثر من الفائدة”. ومن المرجح أن تتأسف الولايات المتحدة على ما قامت به في المستقبل.
وعلى ضوء فهم آلية اجتياح التنظيم لبؤر التوتر في الشرق الأوسط، أفاد ضابط الاستخبارات في القيادة الشمالية للجيش الإسرائيلي بأن “كيفية انتشار تنظيم الدولة شبيهة بالسرطان، فمن السهل التخلص من الأورام، لكن كيف يمكنك منع الخلايا الصغيرة من التوسع والتغلغل؟ وبماذا فكر التنظيم عند دخول الأمريكيين والعراقيين الموصل؟ بدأ بتدمير كل شيء، حيث نفذ حوالي ألف عملية انتحارية في غضون أشهر معدودة، وسيفعل الشيء ذاته في الرقة، التي ستسقط حتما تحت سيطرته، وبعدها ستبدأ الخلايا السرطانية الصغيرة بالانفجار في أنحاء سوريا كلها”.
في رأي الإسرائيليين الذين تحدثت إليهم، أساءت الولايات المتحدة تقدير الأوضاع. على سبيل المثال، يُنظر إلى جهود الولايات المتحدة لتدريب المقاتلين المتمردين داخل سوريا لمحاربة التنظيم على أنها كان لها نتائج عكسية. وفي هذا الصدد قال ضابط المخابرات “من جهة، دربت وكالة الاستخبارات الأمريكية المعارضة لقتال الأسد، ومن جهة أخرى، ركزت وزارة الدفاع “البنتاغون” على تدريب مقاتلين للمشاركة في قتال تنظيم الدولة، وبالتالي، الموقف الأميركي هنا غير واضح”.
وضع المحللون الإسرائيليون عدة سيناريوهات محتملة للحرب الأهلية السورية، بما في ذلك استعادة الأسد سيطرته على بلاده (وهو أمر مستبعد)، وإمكانية منح النظام بعض المتمردين الحكم الذاتي الجماعي وبعض الحوافز الاقتصادية مقابل التعايش السلمي (وهو ما يجري تنفيذه بالفعل).
من منظور هؤلاء الضباط الإسرائيليين، فإن الإستراتيجية الأنسب تتمثل في التراجع وترك الجماعتين تعملان على احتواء الصراع بدلا من محاولة إنهائه بالقوة العسكرية. وكما قال ضابط مخابرات جيش الدفاع الإسرائيلي، “إن معركة الردع أسهل من معركة النفوذ”
كما أكد المحللون أن الولايات المتحدة تؤمن بأن الفائز الوحيد في الحرب هو الأسد دون منازع والفضل في ذلك يعود إلى حزب الله، الوكيل الشيعي المتشدد في إيران. كما أضاف الخبراء أن ما يسمى بجيش الله، الذي دخل مرتين في حرب مع إسرائيل وقام بتشكيل دولة داخل دولة في لبنان المجاورة فقد ما يقدر بنحو 1700 مقاتل من أجل دعم الديكتاتور السوري بشار الأسد. ومقابل ذلك، سيُمكنهم الأسد من التوسع داخل سوريا، وهو ما يعني فتح المجال لتوسع نفوذ الملالي في طهران. كما قال لي أحد المسؤولين في جيش الدفاع الإسرائيلي في مرتفعات الجولان إنه “إذا فاز الأسد، فلن نواجه حزب الله على حدود واحدة بل على حُدودين”.
من جانب آخر، أفاد يافين أن النفوذ الإيراني أكثر إثارة للقلق من تنظيم الدولة والجماعات الإرهابية الأخرى، حيث أقر بأنه “إذا كان بإمكاني أن أكون صريحا فإن المحور الراديكالي الذي تترأسه إيران أكثر خطورة من الجهاد العالمي، إذ أنها أكثر دراية بالأوضاع، وأقوى، وتمتلك ترسانة أكبر”.
ومن منظور هؤلاء الضباط الإسرائيليين، فإن الإستراتيجية الأنسب تتمثل في التراجع وترك الجماعتين تعملان على احتواء الصراع بدلا من محاولة إنهائه بالقوة العسكرية. وكما قال ضابط مخابرات جيش الدفاع الإسرائيلي، “إن معركة الردع أسهل من معركة النفوذ”.
عندما وجّهت سؤالا مماثلا لأحد المسؤولين في جيش الدفاع الإسرائيلي في الحدود السورية عن التداعيات المترتبة عن الحرب التي تشنها الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة في المنطقة، أجابني بأنه “لا يوجد نقص في الجماعات الإسلامية المسلحة هنا، لكنك فقط لم تسمع عنهم بعد”
وبالتالي، لسائل أن يسأل؛ هل يعني ذلك أنه على الولايات المتحدة وحلفائها أن يسمحوا لتنظيم الدولة بالاحتفاظ بما يسمى بالخلافة في أجزاء من شرق سوريا وشرق العراق؟ وللإجابة عن هذا السؤال قال الضابط “لما لا؟ عندما سألوا رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل مناحم بيجن عن الطرف الذي تدعمه إسرائيل في الحرب العراقية الإيرانية، التي جدت خلال الثمانينات، أجاب قائلا “حظا سعيدا لهما، دعهم يقتلون بعضهم”، والشيء ذاته يقال الآن، فلديك تنظيم الدولة يقتل الآلاف من عناصر من تنظيم القاعدة، وتنظيم القاعدة يفعل الشيء ذاته، وكلاهما يقاتل حزب الله والأسد”.
وعندما وجّهت سؤالا مماثلا لأحد المسؤولين في جيش الدفاع الإسرائيلي في الحدود السورية عن التداعيات المترتبة عن الحرب التي تشنها الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة في المنطقة، أجابني بأنه “لا يوجد نقص في الجماعات الإسلامية المسلحة هنا، لكنك فقط لم تسمع عنهم بعد”.
المصدر: بوليتيكو