ترجمة وتحرير نون بوست
يباشر المسلمون صيام شهر رمضان يوم 27 أيار/ مايو الحالي بعد ظهور الهلال، لكن، يمكن أن يتجدد الجدل بين أنصار الحسابات الفلكية ومؤيدي مراقبة الهلال، مع نهاية شهر رمضان.
خلال هذه السنة، سيباشر المسلمون صيام شهر رمضان يوم 27 أيار/ مايو الحالي
ما هي القاعدة؟
قال الله تعالي في كتابه الكريم: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ (البقرة 183). كما حدد القرآن العديد من الشروط الأخرى لصيام شهر رمضان، في كثير من الآيات الأخرى.
فيما يخص تحديد أول ايام شهر رمضان، تتفق المذاهب الفقهية الأربعة في الإسلام على أن الشهر الفضيل يبدأ مع رؤية الهلال. وبما أن يوم الجمعة هو الموافق ليوم التاسع والعشرين من شعبان، فسيتم تحديد اليوم الأول من شهر رمضان خلال ليلة الجمعة أو ما يسمى “بليلة الشك”. وفي حال تعذرت رؤية الهلال بسبب الظروف الجوية، فإن هناك حديث نبوي يحسم الجدل القائم حول هذه المسألة. وفي هذا الإطار، قال النبي صلى الله عليه وسلم «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوم».
من جانب آخر، تتمثل المشكلة الأولى في أنه لا يمكن رؤية الهلال، الذي يعتبر من بين المؤشرات التي تدل على بداية شهر رمضان، في وقت واحد في جميع أنحاء العالم. وفي هذه الحالة لسائل أن يسأل، ماذا يجب على المسلم أن يفعل؟ هل يباشر الصيام عندما يتمكن من رؤية الهلال في المكان الذي يعيش فيه؟ أم يجب عليه انتظار قرار السلطة الدينية والسياسية في الدولة التي يعيش فيها؟ أو بالأحرى في الدولة التي ينتمي إليها؟
من جهة أخرى، هل يجب على القادة السياسيين أو الدينيين أن يعلنوا عن بداية شهر رمضان بطريقة عشوائية حسب ملاحظاتهم الشخصية؟ أو عليهم انتظار ظهور الهلال في مكة المكرمة، مثل ما تفعل المملكة العربية السعودية؟ أم يجب عليهم الاعتماد على الحسابات الفلكية لتسهيل حياة المسلمين وتمكينهم من تنظيم نمط حياتهم في شهر رمضان بشكل مسبق؟
ومن هذا المنطلق، تأتي القرارات المتباينة بين مختلف الدول العربية في كل سنة لتبرهن للمسلمين أنها ليست إلا ثمرة لعدم التوازن الديني والسياسي المستقر في العالم العربي. وفي خضم الجدل القائم حول هذه المسألة، ينقسم المسلمون بين الحسابات الفلكية التي يدعمها العلماء، وخيار مراقبة الهلال الذي تؤيده المذاهب الإسلامية.
وفي هذا السياق، أعلنت الجزائر خلال هذه السنة أن “ليلة الشك” ستكون يوم الجمعة 26 أيار/ مايو الحالي، وهو ما يتوافق مع “الحسابات الفلكية”. كما صرح وزير الشؤون الدينية في الجزائر أنه “من وجهة نظر دينية، لا يمكن أن تتزامن ليلة الشك مع يوم الخميس، مثلما حددته المملكة العربية السعودية”.
هل من تطورات؟
شهد علم الفلك الكثير من التطورات منذ القرن السابع ميلادي، ولهذا السبب أصبح علماء الفلك قادرين على حساب تاريخ ظهور الهلال في سماء كل بلاد وعلى مدار السنة. وبناء عليه، يعد علماء الفلك كل سنة رزنامة حسب حساباتهم، وينشرونها بشكل مسبق للعموم. إلى جانب ذلك، تساعد هذه الرزنامة المسلمين على تحديد أوقات الصلوات في مختلف البلدان والمدن.
كيف يمكن التوفيق بين هذه الاكتشافات والمراقبة التقليدية للهلال بالعين المجرة؟
يحيّر هذا التساؤل المجتمعات المسلمة في جميع أنحاء العالم، ويقسم أحيانا بعض الأسر. ونظرا لتمكن العلم من تحديد بداية كل شهر قمري مهما كانت حالة السماء، أقر بعض العلماء بوجوب اعتماد الرؤية في تحديد موعد شهر رمضان، بينما لا يعترف البعض الآخر بهذا التطور.
وتجدر الإشارة إلى أنه خلال عهد معمّر القذافي، الرئيس الذي كان يدافع عن خيار الحسابات الفلكية الصارمة، كان المركز الليبي للاستشعار عن بعد، يعلن عن بداية شهر رمضان ويتيح لليبيين الصيام حتى قبل مسلمي باقي البلدان. ومن جهته، تبنى المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث موقفا وسطيا. وفي هذا الصدد، صرح عكاشة بن أحمد، الأمين العام لاتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا، أن “المنظمات الإسلامية في فرنسا تعتمد على الحساب العلمي لتتمكن من تحديد المكان والوقت الذين يتيحان رؤية الهلال بالعين المجردة. لكننا ننتظر بشكل عام أن يصبح الهلال مرئيا في نصف بلدان العالم ولا سيما البلدان التي يعيش فيها المسلمون”.
ما الذي سيحدث هذه السنة؟
بشكل استثنائي، اتفق العالم الإسلامي بأسره حول تاريخ بداية شهر رمضان. ووفقا لتقاليد الإسلام، أعلن المسجد الكبير في باريس أن ليلة الشك تتوافق مع ليلة 25 أيار/ مايو، بحضور ممثلين عن المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية وغيره من المنظمات الإسلامية الأخرى. ووفقا للمعطيات الواردة بهذا الشأن، تقول الحسابات الفلكية إن رؤية الهلال ستكون ممكنة في تلك الليلة؛ لكن في وقت متأخر، أي مع حدود الساعة السابعة مساء و44 دقيقة، أو الساعة العاشرة مساء و44 دقيقة في مكة المكرمة.
في هذا السياق، قال المركز الأوروبي للإفتاء والبحوث إنه “من المستحيل رؤية الهلال يوم الخامس والعشرين من أيار/ مايو، في جميع أنحاء العالم”، وخاصة في أفريقيا والشرق الأوسط. وأضاف المركز “أما في يوم 26 أيار/ مايو، سيكون الهلال واضحا في أفريقيا، والمملكة العربية السعودية، والقارتين الأمريكيتين، وأستراليا”. وبهذه الطريقة، سيتفق أنصار الحسابات الفلكية ومراقبة الهلال حول يوم بداية شهر رمضان، الذي سيكون يوم 27 من الشهر الحالي.
في المقابل، يمكن أن يطفو هذا الجدل من جديد على السطح خلال شهر رمضان، لأنه من غير المؤكد أن يكون هلال العيد ظاهرا صبيحة يوم 24 حزيران/ يونيو. لكن، تجدر الإشارة إلى أن الهلال لن يكون ظاهرا للعيان إلا في “الأمريكيتين، وفي جزء من غرب أفريقيا، وفي جنوب أفريقيا”. وعموما، في الوقت الذي أعلن فيه المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث عن موعد عيد الفطر الذي سيكون موافقا ليوم 25 حزيران/ يونيو، لم تحسم بعض البلدان الأخرى في هذا الأمر.
المصدر: لاكروا