في لحظة قدرت لنا ولهم، يأتي أبناؤنا إلى هذه الدنيا، نحمل مسؤوليتهم على عاتقنا، نبذل ما في وسعنا لنراهم أفضل ما يمكن، نختار ونقرر لهم، جهدنا دائمًا متوجهًا لهم، لكن السؤال هنا، هل حقًا نسخّر أنفسنا ليشعرون بتحقيقهم لنجاح يخّصهم ويميزهم أم قد ينتهي بنا المطاف وقد وجدنا أنفسنا جعلناهم وسيلة لتشعِرنا نحن بتحقيق النجاح؟
أتذكر جيدًا عندما كنت أجلس في أحد النوادي على حمام السباحة الخاص به، ثم لفت انتباهي مدرّب يتعامل مع البنت التي يدرّبها بطريقة في منتهى العنف والقسوة، ضربها بال “البورد” قائلًا لها بصوت أخافها كثيرًا: “ركزي واعملي الحركة صح”، ما زاد اندهاشي في الموقف أنني وجدت البنت من ذوي الاحتياجات الخاصة.
تأملت الموقف كيف له أن يفعل ذلك؟ ما الذي يجبر هذه البنت وغيرها من الأطفال على لعب الرياضة؟ أليست الرياضة مهارة وروح يجب أن تتقن بالترغيب وليس بالتهديد، أليست وسيلة يشعر بها الطفل أنه يقضي وقتًا ممتعًا بعيدًا عن أي ضغط آخر؟ لماذا يترك الآباء والأمهات أولادهم يتعرضون لهذا العنف؟ لماذا يلجأ المدربون لهذه الطرق التي قد تدفع الطفل ليكره هذه اللعبة بدلًا من التعلق بها؟ أليس هناك رقيب يمنعه من فعل ذلك؟
تقول أسماء، إحدى الأمهات التي اعتادت أن تذهب إلى التدريبات الرياضية المختلفة مع أولادها من مختلف الأعمار: “كان أولادي يذهبون بصفة دائمة إلى تدريباتهم الرياضية، ولكن توقفنا مؤخرًا، كنت قلقة أن ما يحدث لهم يوميًا في النادي يضر بنفسياتهم، ففي تدريب السباحة الذي كان يذهب إليه ابني، كان الأطفال يتعرضون للعنف البدني واللفظي، إذا أخطأ أحدهم في القيام بحركة معينة، يضربه المدرب بالـ”البورد”، وإذا تحدثت إليه أنني أرفض ذلك، يتعجب مني كثيرًا قائلًا إن ذلك الأسلوب هو الأسلوب الطبيعي المتّبع حتى يتمكّن من تدريب الأطفال بصورة أفضل”.
أما رضوى وهي أم أخرى لثلاثة أبناء تضيف: “عندما نقول العقل السليم في الجسم السليم، فإننا نعني أن الرياضة وسيلة لتعليم أبنائنا كثير من المواقف والدروس والمهارات الحياتية التي قد يفتقدون لها في أي مكان آخر مثل روح العمل الجماعي، تقبل الخسارة وكيفية التعامل معه، كيفية التصرف في المشكلات، كيفية إدارة الغضب، ولكن للأسف المدربين الرياضين لا يمتلكون الحد الأدنى من الوعي لترسيخ ذلك في نفوس الأطفال بل بالعكس يقومون أحيانًا بتدمير شخصية الطفل لأن أهدافهم تتركز فقط في تحقيق الفوز في البطولات المختلفة والتسابق لصنع اسم وسمعة للنادي أو المؤسسة الرياضية التي يعملون بها، وبذلك ينحرف الهدف بشكل كبير، ونفتقد دور المدرب في القدرة على صنع شخصيات مميّزة قادرة على المنافسة بروح رياضية”.
الأسباب التي تدفع المدربين لاستخدام هذه الأساليب، يقول أحد المدربين في نادي القاهرة الجديدة مستنكرًا: “هذا أسلوب طبيعي يتم اتبّاعه في كل الرياضات في كثير من النوادي، سواء مع الأطفال الأسوياء أو الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، فإذا لم نتّبع هذا الأسلوب مع الطفل لن نستطيع أن نصل به إلى النتيجة المنشودة”
وتقول يسرا وهي أم لبنتين: “تتدرب ابنتاي رياضة الجمباز، للأسف يتعرض الأطفال خاصة الذين يلتحقون بالفرق المرشحة للبطولات لبعض مظاهر العنف من المدربين وتتمثل في ضرب على اليد، دفع الولد بشكل عنيف، الضغط على أجزاء من جسده حتى يستطيع القيام بحركات معينة تحتاج لمرونة كبيرة، وللأسف المدربين لا يقتنعون بمحاولاتنا لإقناعهم باستخدام الطرق الإيجابية مع الأطفال وتجنّب استخدام الألفاظ السيئة وكذلك الابتعاد عن إهانتهم أمام زملائهم”.
وعن الأسباب التي تدفع المدربين لاستخدام هذه الأساليب، يقول أحد المدربين في نادي القاهرة الجديدة مستنكرًا: “هذا أسلوب طبيعي يتم اتبّاعه في كل الرياضات في كثير من النوادي، سواء مع الأطفال الأسوياء أو الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، فإذا لم نتّبع هذا الأسلوب مع الطفل لن نستطيع أن نصل به إلى النتيجة المنشودة لأنه سيكون عرضة للتكاسل والدلع”.
وعندما سألته أن المدرب بذلك سيدمر العلاقة بينه وبين اللاعب، قال: “بالعكس الأطفال يحبون مدربينهم، ويمكنك اعتبار أن المدرب مثل الأم، فالأم تضرب أولادها أحيانًا وتعنّفهم لتوجّههم للطريق الصحيح”.
وقد يلخّص هذا الحوار بعض الأسباب التي تدفع المدربين لاستخدام هذه الأساليب مع الأطفال وتتمثل في أن أغلب هؤلاء المدربين نشأوا في بيئة اجتماعية بسيطة كان لها تأثير كبير على طريقة تفكيرهم وتصرفاتهم، هذه البيئة اعتادوا فيها على أن الضرب والإهانة أحد الوسائل التي يستخدمها أهله أو معلّميه تجاهه.
فنتيجة لذلك أصبح يستخدمها تجاه الطفل الذي يقوم بتدريبّه وتعليمه دون أي شعور بالذنب، بل بالعكس فقد يشعر بأنه يتبّع الأسلوب الذي يحقق مصلحة للطفل، وقد يشعرون بأن هذه الطريقة هخي الطريقة الوحيدة والمتّبعة التي يستطيع بها المدرب أن يتحكم في تصرفات الطفل ويوجهّه كما يشاء حتى يصنع منه بطلًا، قد يكون السبب أيضًا أن بعض المدربين يهتمون بالنتائج أكثر من اهتمامهم باللاعبين واهتمامهم لاكتساب اللاعبين لخبرات مختلفة في اللعب.
ولكن في الحقيقة ردًا على فعالية هذه الطريقة مع الأطفال وقدرتها على تحقيق نتائج إيجابية تقول إحدى الأمهات: “هذه الطرق تخلق أحيانًا بعض الأبطال، لكنني قد أسميهم أبطال مشوهين نفسيًا، فمن تفوق رياضيًا من الأطفال تحت ضغط أهله ومدربينه، كنت أرى أنه طفل غير سوي وصحته النفسية غير مكتملة، قد يصيبه أحيانًا بعض الغرور، وقد يتحلى ببعض الأخلاق غير الحميدة التي من المفترض ألا توجد في أي بطل رياضي، فأشعر أنه لن يستطيع أن يكمل مشواره الرياضي حتى النهاية، فمن رأيي أن الأبطال الذين يحققون الميداليات والبطولات هم أشخاص أحبوا اللعبة دون ضغط أحد عليهم، وتدربوا على يد مدربين أمناء وواعيين يدركون كيفية التعامل معهم بطريقة مناسبة”.
رأيت كثيرًا هذا النموذج من الأهالي الذين يدفعون أبناءهم نحو تحقيق الكمال والمثالية في كل شيء، يحلمون بأن يصبح أبناؤهم متفوقون دراسيًا، متفوقون رياضيًا يحققون أعلى المراكز، أذكياء نابغون، كل ذلك دون الاهتمام بالتأثير السلبي على صحتهم البدنية والنفسية
وعلى جانب آخر عندما تلقي النظر على موقف الأمهات والآباء من هذا الأسلوب الذي يتعرض له أولادهم، تقول إحداهن: “أعتقد أن هناك بعض الآباء والأمهات أحد الأسباب الأساسية لحدوث ذلك، فعندما كانت تتدرب ابنتي رياضة التنس، اعتدت أن أشاهد كثير من الأسر يتسابقون ويشيع بينهم جو غير صحي من التنافس، كنت أسمع بعض الأمهات اللاتي يشجّعن المدرب على استخدام الشدة مع ابنائهن أو بناتهن ليتحسن مستواهم، كنت أشاهد كثير من الأسر يعرضون أطفالهم للإرهاق البدني.
فبعد الانتهاء من اليوم الدراسي، يتوجهون للنادي، يقوم الأبناء بأداء الواجبات المدرسية هناك، ثم يمارسون التدريبات الرياضية على مدار ساعات طويلة، وينتهي اليوم كما انتهى الذي قبله، كأن الأطفال في دوامة يسابقون الزمن ليحققون إنجازًا، فقط ليتفاخر به أهلهم”.
ثم أضافت: “رأيت كثيرًا هذا النموذج من الأهالي الذين يدفعون أبناءهم نحو تحقيق الكمال والمثالية في كل شيء، يحلمون بأن يصبح أبناؤهم متفوقون دراسيًا، متفوقون رياضيًا يحققون أعلى المراكز، أذكياء نابغون، كل ذلك دون الاهتمام بالتأثير السلبي على صحتهم البدنية والنفسية”.
وفي الحقيقة، التنافس الرياضي ليس السبب الوحيد لإدخال الآباء والأمهات أولادهم في هذا المجتمع الرياضي غير الصحي، فهناك من اضطر لإدخال ابنه في هذا المجتمع تحت ضغوط اجتماعية أو مادية، فتقول إحدى الأمهات: “هناك كثير من الأمهات اللاتي تواجهن يوميًا الصراع الداخلي بعقلهن والذي يتمثل في رغبتهن أن توفّرن لأولادهن كل العوامل التي تجعلهم متفوقين دراسيًا ورياضيًا، فجميع من حولهن من أصدقائهن يحرصن على تدريب أولادهن رياضة ما إذا لم يكن أكثر، وهو ما قد يشعِرهن بالتقصير إذا لم يلتحق أبنائهن بأي نشاط رياضي والذي أصبح جزءًا مهمًا لكثير من الأسر في المجتمع من حولنا، كل ذلك يقابله شعورهن أحيانًا أنها قد تقسو عليهم بسبب تعرضّهم للإجهاد والضغوط التي يتعرضون لها في التدريب”.
ولا يمكننا أن نغفل العبء المادي الذي يمثل ضغطًا كبيرًا على الأمهات والآباء، والذي قد يكون سببًا لكثير من الأسر التي تضطرهم لإلحاق أولادهم في مراكز تدريب لا تهتم بالمعاملة الجيدة تجاه الأطفال، فهناك بعض الأسر التي تتجه مؤخرًا لتدريب أولادها في المدارس الرياضية الخاصة التي يتعامل مدربوها بطريقة أفضل نسبيًا عن المدربين في أي أماكن أخرى، وتزيد تكلفة التدريب في المدرسة الخاصة عن النادي بمعدل الضعف أو أكثر، وهو ما لا تستطيع الأسر المتوسطة وخاصة التي تتكون من 3 أبناء أو أكثر تحمله.
وبين كل هذه الأسباب والدوافع والظروف التي تفسّر وتوضح هذه الظاهرة، قد يغيب عن المشهد لكثير منّا ما يشعر به الطفل بسبب تعرّضه غالبًا للاعتداء اللفظي وأحيانًا للاعتداء البدني من قبل المدرّب، فالتحرش اللفظي والعاطفي الذي يعتمد على التهديد والتخويف والتأنيب والتقليل من الذات يسبب آثارًا سلبية تستمر مع الطفل في مستقبله وتخلق طفلاً غير واثق بنفسه، غير قادر على تحفيز ذاته، غير قادر على مواجهة المشكلات التي يمر بها في حياته.
هذا الطفل قد تتحطم شخصيته نتيجة لتعرضه للإهانة أو الضرب، فقد يذهب إلى التدريب كارهًا مجبورًا ليرضي أهله، قد يعتاد أساليب العنف ويدرك أنها شيء ارتبط في ذهنه بالرياضة بشكل عام، قد يضطر للتدريب خوفًا من مدربه أو أهله وفي هذه الحالة لن يستطيع الاستمرار وسيتوقف سواء في طفولته أو عندما يكبر عن لعب الرياضة كارهًا لما تعرّض له من آثار سلبية.
وقد يحدث ما هو أسوأ من كل ذلك أنه قد يصبح بطلًا رياضيًا كما أرادوا أن يجعلوه لكنه بطل بلا خلق سليم، بطل بلا روح رياضية، فتقول أسماء: “كنت أتمنى أن تتعلم ابنتي الرياضة حتى تكتسب الروح والأخلاق الرياضية، لكن للأسف كانت تتعرض لضغط نفسي وإحباط كبير من زميلاتها اللاتي يحققن الفوز عليها في أي بطولة رياضية”.
ولقد نشر اليوم السابع تقريرًا بتاريخ 14 من أكتوبر 2015، يروي فيه مأساة الطفل عمر لاعب الجمباز في نادي الجزيرة، يبلغ من العمر 10 أعوام الذي تحطّم حلمه على يد أحد المدربين الذي اعتاد أن يمارس أساليب قمعية مع الولد أثرت عليه نفسيًا وبدنيًا، ويروي والد الطفل شريف قائلًا إن ابنه كثيرًا ما تعرض للضرب والأذى النفسي والبدني، وأنه اشتكى مرارًا وتكرارًا إدارة النادى من سلوك المدرب، غير أنه دائمًا ما كان يواجه اعتذارات ووعود واهية من المسؤولين والمدير الفني للجمباز بعدم تكرار الأمر.
وأكد شريف أن الطريقة التى يتم تدريب الأطفال بها على الجمباز ستجعلهم يحيدون عن طريق الرياضة، مشيرًا إلى أنه بمراجعة بسيطة للفرق الرياضية بلعبة الجمباز سنكتشف عزوفًا كبيرًا من الأطفال عن اللعبة بمجرد بلوغهم سن الـ12 عامًا، لأنه أصبح واعيًا بما يدور ويرفض الإهانة النفسية واللفظية وبالتالي يترك اللعب.
وأوضح والد عمر أن نجله كان بطل الجمهورية تحت سن 8 سنوات، وكان حلمه أن يكون بطلًا كبيرًا يمثل مصر فى بطولات عالمية، إلا أنه كره الرياضة وقرر عدم الاستمرار بها، مؤكدًا أن مأساة نجله ليست الأولى في النادي، غير أن أحدًا ليس لديه الجرأة على التكلم.
وفي الحقيقة قد لا ندرك ما يتحطم وينكسر في نفسية كل طفل يتعرض لسوء المعاملة من مدربه ولكن ما قد يثبت ذلك تحقيق صحفي نشر في 14 من مارس عام 2015 بواسطة الصحفي الاستقصائي روبرت كريب في موقع “تورنتو ستار”، يروي شهادات بعض الأمهات والآباء والأطفال التي تتعلق بسوء معاملة مدرب فريق كرة السلة التابع لمدرسة تقع في فيكتوريا.
فتقول فرايزر وهي أم لأحد الأولاد الذين تعرضوا للإهانة من المدرب: “ابني يتدرب كرة السلة وكان يتعرض هو وأصدقائه لكثير من السب والشتائم والتحرش اللفظي، لم تكن هذه المرة الأولى التي أسمع فيها عن الأساليب الخاطئة التي يستخدمها هذا المدرب، ولكن هذه المرة قررت أنني لن أترك ابني يتعرض لهذه الإهانات مرة أخرى، وبغض النظر عن العواقب حان الوقت ليخرج ابني من هذا المكان فورًا”.
ويقول ابنها مونتي معبرًا عن تجربته التي عاشها: “إذا سألت أي أحد من أصدقائي عني، أول شيء سيذكروه كم أحب لعب كرة السلة، لكن للأسف لقد أخذوا مني كل ذلك، سرقوا مني حلمي سرقوا شغفي، كان المدرب يسبّنا بألفاظ نابية، يقوم بتخويفنا وتهديدنا إذا لم نحقق النتائج التي يريدها، بالطبع هذه التجربة كان لها تأثير سلبي كبير نفسيًا وعاطفيًا، ففي ذلك الوقت تعرضت للاضطراب النفسي ونوبات الهلع، كثيرًا ما كنت أشعر أنني عديم القيمة ليس فقط على المستوى الرياضي بل على المستوى الشخصي في حياتي بشكل عام، كنت أتساءل أحيانا قائلًا لنفسي: قد أكون جبانًا كما يناديني المدرب”.
ويقول طبيبه النفسي ألان جولدبرج : “للأسف ما زال مونتي يعاني نفسيًا بسبب الإهانات التي تعرض لها، يشعر باختلال في ثقته بذاته، ويعاني من اضطرابات في النوم، للأسف أرى أن المأساة في أنه كان يحب كرة السلة كثيرًا، كان يحلم أن يصبح بطلًا يومًا ما، وبالفعل كان لديه القدرة والإمكانية والمهارة لتحقيق ذلك، لكن للأسف كل ذلك ضاع”.
حاولت الأم ومجموعة من الأهالي إبلاغ الجهات المسؤولة عما يتعرض له الأطفال والمراهقون من الإهانة والتحرش اللفظي حتى يتم محاسبة المدرسة قانونيًا لكن للأسف لم يحدث أي شيء، وذلك لأن القانون لا يجرّم الإهانة اللفظية.
د أثبتت دراسة تم إصدارها من خلال الجمعية الأمريكية للطب النفسي عام 2015 أن المدربين الذين يهيئون بيئة صحية مليئة بالتشجيع والدعم من خلال طرق إيجابية هم أكثر قدرة على خلق ردود فعل نفسية إيجابية في نفوس المتدربين ونتيجة لذلك قدرتهم على تحسين أداء المتدربين بشكل عالٍ
وعلى الرغم من الطرق السلبية التي يستخدمها بعض المدربين وآثارها المدمرّة على الأطفال، توجد بعض النماذج الملهمة التي تبعث أملًا وتوثّق دليلًا على التأثير الرائع الذي يقوم به المدرب الواعي الذي يحفّز لاعبيه بطريقة إيجابية، ومن ضمن هذه النماذج براد ستيفن، مدرب فريق كرة السلة التابع لإحدى الجامعات الأمريكية والذي أدى فريقه أداءً سيئًا في إحدى البطولات المهة التي صرح ستيفن بعدها قائلًا: “أعتقد أنه إذا كان لا بد أن تخسر أحد الفرق، فأنني أعتبر أن خسارتنا شيء جيد لأن لاعبي فريقنا يتمتعون بشخصيات تدرك جيدًا كيف تتعامل مع أي خسارة يتلقونها”.
لقد أثبتت دراسة تم إصدارها من خلال الجمعية الأمريكية للطب النفسي عام 2015 أن المدربين الذين يهيئون بيئة صحية مليئة بالتشجيع والدعم من خلال طرق إيجابية هم أكثر قدرة على خلق ردود فعل نفسية إيجابية في نفوس المتدربين ونتيجة لذلك قدرتهم على تحسين أداء المتدربين بشكل عالٍ.
فتقول نورهان خطاب إحدى بطلات الجمهورية في رياضة الجمباز: “أساليب العنف التي يلجأ إليها المدربون تعتبر من الأساليب المشهورة خاصة في رياضة الجمباز التي ألعبها لأن المدرب يكون هدفه أن نقوم ببعض الحركات الصعبة بأي شكل، ولكن أحيانًا المدرب يفعل ذلك لأنه يريد مصلحة اللاعب ويشعر أن هذا الأسلوب سيجعل اللاعب يشعر بالمسؤولية بشكل أكبر، وبالنسبة لأهلي فكانوا يشجعونني، ولم يستخدموا معي أسلوب الإجبار أو الضغط تمامًا، بالعكس كانت والدتي تشجعني أن أترك الرياضة إذا شعرت في أي وقت أنني ألعبها تحت ضغط أو إجبار أو أنها لا تحقق لي السعادة.
أما مدربتي بشكل خاص تدرك أن أساليب العنف لن تحدث أي نتيجة لأنه لا أحد يتعلم بهذه الطريقة، فالمدرب إذا أراد من اللاعب أن يحقق أهداف معينة يجب أن يتواصل ويتحدث معه، قد يستخدم طرق أخرى جديدة ومختلفة مثل مشاهدة بعض الفيديوهات والصور معه تساعده على توضّيح المطلوب منه، وبذلك يدرك اللاعب ما الأخطاء التي يفعلها ويتعلم بطريقة أكثر فعالية.
اللاعبين المحترفين الذين يستمرون في طريق الرياضة حتى سن متأخرة يكون ذلك حبًا منهم لرياضتهم ورغبةً شخصية في تحقيق النجاح من خلالها ليس بسبب ضغط أو إجبار من المدرب أو أي شخص آخر، بل بالعكس الأشخاص الذين يتعرضون لعنف بدني أو لفظي من مدربيهم لا يستمرون في هذا الطريق
وبشكل عام أرى أن اللاعبين المحترفين الذين يستمرون في طريق الرياضة حتى سن متأخرة يكون ذلك حبًا منهم لرياضتهم ورغبةً شخصية في تحقيق النجاح من خلالها ليس بسبب ضغط أو إجبار من المدرب أو أي شخص آخر، بل بالعكس الأشخاص الذين يتعرضون لعنف بدني أو لفظي من مدربيهم لا يستمرون في هذا الطريق، بل يتركونه في أول فرصة متاحة لهم، وفي المقابل الأشخاص الذين يتعامل مدربوهم بطريقة جيدة ويدركون كيف يتعاملون بذكاء مع شخصية كل لاعب يصبح ذلك حافزًا كبيرًا للاعب للاستمرار في الرياضة وحبه لها وتحقيق الإنجاز فيها بشكل مستمر”.
ولمواجهة هذه الظاهرة تقول إحدى الأمهات: “أرى أن علاج هذه المشكلة يبدأ بتوعية المدربين قبل التعامل مع الأطفال من خلال تغيير قناعاتهم وإعطائهم دورات تدريبية عن كيفية فهم نفسية الطفل والتعامل معه بطرق إيجابية، ووضع بدائل أخرى للعنف، لأن معظم المدربين وكذلك بعض الآباء يعتقدون أن عدم استخدام العنف هو أن يصبح المدرب ضعيف الشخصية مع الأطفال وبالتالي غير قادر على إحراز نتائج أفضل معهم، لذلك يجب توعّيتهم بالفارق بين أن تصبح عنيفًا مع الطفل وأن تصبح حازمًا معه.
وبالطبع أرى أن الطريقة الأمثل أن يبني المدرب علاقة قوية مع الطفل ويصبح صديقًا له، يشرح له أهمية اللعبة وفوائدها وأهدافها، يضع معه قواعد التدريب التي يجب عليه الالتزام بها وعواقب مخالفتها، وقد يطلّع معه على نماذج رياضية ناجحة حققت إنجازًا لتحفيزه بشكل أكبر، فإذا فعلنا ذلك مع الأطفال نكون احترمناهم وتعاملنا معهم بطريقة آدمية تراعي حقوقهم ومشاعرهم، والواجب لا يقتصر على المدرّبين فقط، كذلك نحن كآباء وأمهات يجب أن نحتفظ بحقوق أبنائنا في الاعتراض والنقاش ونعطيهم الفرصة للاستمتاع بطفولتهم والانطلاق بحرية دون تقييدهم بالتزامات الدراسة والرياضة بشكل كبير.
يجب أيضًا أن تعرف كل أم قدرات ومهارات أبنائها، فمثلًا الطفل الحركي سيستمتع بلعب أكثر من رياضة، ولكن هناك طفل آخر لديه ميول فنية كالرسم والمسرح وهذا الطفل قد يكتفي بقدر قليل من لعب الرياضة ولا يفضل إجباره على قضاء وقت طويل في ممارسة شيء لا يحبه ولا يستمتع به”.
وإذا أردنا أن ننشئ جيلًا صحيًا غير مشوه نفسيًا واعيًا بأهمية الرياضة وتأثيرها الحيوي عليه، هناك بعض المفاهيم الرياضية التي يجب أن يقتنع بها كل من المدرب والأب والأم، ومن ثم يرّسخها في ذهن الطفل إذا كان يمارس الرياضة وتتمثل في:
– الرياضة وسيلة ليتحدى الطفل نفسه أكثر من تحدي خصومه، فيقوم بالحكم على مستواه ليس من خلال المكسب والخسارة فقط، بل يحكم على نفسه من خلال تقييم أدائه كل فترة، هل يتحسّن أداؤه بمرور الوقت أم لا، لذلك فالتحسّن والتطور أيضًا هو مقياس نجاحه وليس عدد النقاط التي يحصل عليها فقط.
– مفهوم النجاح والفشل لا يقابل في المعنى مفهوم المكسب والخسارة، فالخسارة لا تعني فشلك والمكسب قد لا يعني نجاحك، فأحيانًا بعض الرياضين يحصلون على المكسب في مباريات لم يؤدوا فيها أداءً جيدًا، وفي المقابل يخسر بعض الرياضيين في مباريات قدّموا فيها أداءً ممتازًا .
– الرياضة وسيلة للطفل لقضاء وقت يستمتع به لا ليتعرض للإهانة أو يشعر بالخوف.
-عندما يحقق الطفل نجاحًا ما في الرياضة التي يمارسها فإنه يحقق هذا لذاته ليس للمدرب أو لأهله.
هناك المئات بل الآلاف من الأطفال الذين يتعرضون يوميًا في ساحات التدريب والرياضة للابتزاز العاطفي وللتشوه النفسي، يظن مدربوهم أنهم يمهّدون لهم طريقًا يوصّلهم لتحقيق النجاح ولكنهم لا يدركون أنهم اختاروا الطريق الأسهل لهم
وفي النهاية هناك المئات بل الآلاف من الأطفال الذين يتعرضون يوميًا في ساحات التدريب والرياضة للابتزاز العاطفي وللتشوه النفسي، يظن مدربوهم أنهم يمهّدون لهم طريقًا يوصّلهم لتحقيق النجاح ولكنهم لا يدركون أنهم اختاروا الطريق الأسهل لهم، يختارون طريق الإجبار والتعنيف، يبتعدون عن التشجيع والتحفيز، لا يتقبلون الأخطاء، لا يستوعبون هؤلاء الأطفال الذين لم تتشكل عقولهم بعد، لا يراعون مشاعرهم التي قد تنكسر من لفظ جارح، والنتيجة أطفال يمرّون بمشاعر الخوف والغيرة، تختل ثقتهم بأنفسهم، تهتز علاقتهم بالرياضة التي من المفترض أن تساعدهم على بناء شخصيات قوية واعية واثقة لا تهدمها ولا تدمرّها كما يحدث لها.