تفتح ذراعيها لكل باحث عن الهدوء والراحة، ترحب بكل عاشق للطبيعة، متيم بجمالها أينما كانت، إنها مدينة “أزيلال الصغيرة” التي تقع وسط المملكة المغربية بين ملتقى جبال الأطلس المتوسط وجبال الأطلس الكبير، غير بعيد عن إقليمي بني ملال ومراكش.
رائحة المدن تأخذكم في جولتها الأسبوعية لمدن المغرب العربي، إلى مدينة “أزيلال الصغيرة”، الهادئة والحالمة حيث الناس الطيبون والعيون والأنهار والسلاسل الجبلية والهضاب، المحيطة بشلالات أوزود والبيئة الأمازيغية.
نموذج خاص من المدن المغربية الصغيرة
على ارتفاع 1360 مترًا فوق سطح البحر، تقع مدينة “أزيلال الصغيرة”، التي تعني “قمة المرتفع” بالأمازيغية، محاولة تقديم نموذج خاص من المدن المغربية الصغيرة، ويساعدها في ذلك مناخها الجبلي الجاف وهواؤها النقي المنعش وأنواع الأشجار والزهور التي تناسبه.
مدينة صغيرة تسحر العقول بجمالها
عند الوصول إلى هذه المدينة الجبلية الصغيرة، تشعر بألفة وتصالح مع المكان، حتى وإن لم تكن قد زرته من قبل، هذا الانطباع الأول يجعلك تنسجم بسهولة مع فضاءات المدينة التي ترحب بالسائح الباحث عن الهدوء والسكينة والعزلة، فلا صخب هناك ولا ضجيج، فقط الراحة والهدوء.
فرغم كونها لا تتوفر على منشآت سياحية في داخلها، فلا مدينة للملاهي الصاخبة ولا فنادق فخمة ولا متاجر كبرى للماركات العالمية، فقد استطاعت ببساطتها أن تجلب السياح وتكون مقصدًا لهم، فهي مدينة منغلقة على نفسها وفي نفس الوقت مفتوحة على العالم.
مدينة منحت المملكة النسيج “البزيوي”
عند الدخول إلى المدينة، تشاهد المنازل التي تنتشر في البناء صاعدة نحو الجبال المحيطة بأزيلال من ناحية شروق الشمس، تُطَوِّقُها طبيعة روعة فيما يكن، الجنة على الأرض، جبال سامقة شامخة ذات ارتفاعات جد شاهقة ومنحدرات وعرة تكتمل روعتها في المساء عند غروب الشمس.
لباس المناسبات المهمة في المغرب “البزيوي”
في هذه المساكن البسيطة المتلاحمة والمتفرقة تقطن أسر أمازيغية “تشلحيت” تعتمد الفلاحة في العيش، وتعرف بطيب خلقها وحسن استقبالها للضيف، وتمتاز بـ”صناعات تقليدية متنوعة وجميلة” مثل النسيج “البزيوي” وهو المنسوج الذي قيل عنه إن الملك الراحل الحسن الثاني فضله واختاره أن يكون لباسًا تقليديًا رسميًا في المملكة المغربية، حتى أصبح هذا اللباس يعتمد في أثناء افتتاح الدورة البرلمانية من كل سنة وفي أثناء اختتامها أيضًا، حيث يظهر كل النواب في قبة البرلمان، وهم يرتدون النسيج البزيوي.
عيون وهضاب ميزت المدينة
بين سلسلة جبال الأطلس الشامخة والهضاب المحيطة بالمدينة، انفجرت عيون وأنهار ووديان، أضفت على “أزيلال الصغيرة” هالة من الجمال والشموخ، مما زادها جمالاً على جمالها وروعة قلّ مثيلها في باقي مدن المملكة.
في هذه المدينة الصغيرة الهادئة، تستهويك المناظر الجبلية الخلابة الفاتنة التي تبهر الناظرين والمناخ الصحّي الذي يستهوي الكثيرين من سكان المملكة والسياح الأجانب من أجل الاستجمام والعلاج من العديد من الأمراض البدنية، كالربو وغيره.
سهول وهضاب المدينة
إضافة إلى الجبال والعيون، تستمد المدينة جمالها من الهضاب التي تنتصب هناك مكونة ثاني أعلى قمة بالمغرب، ومن أشهر هذه الهضاب المنتشرة هناك، يجد الزائر هضبة آية بوكماز أو الهضبة السعيدة كما يسميها المرشدون السياحيون، والتي تمتد على أكثر من30 كيلومترًا ،فإلى جانب كسوتها الخضراء وألوان زهورها الفاقعة، تحتضن قراها بيوتًا طينية تزيدك متعة إلى جانب سحر الطبيعة.
شلالات أوزود
على بعد دقائق من المدينة، وبعد طريق وعرة كلها منعرجات تحيط بها القمم الجبلية، يخطف سمعك وبصرك شلالات أوزود (كلمة أمازيغية بمعنى الرحى الذي يدور بقوة دفع الماء) ومياهه التي تتدفق بقوة نحو الوادي، محدثة صوتًا مسترسلاً مدويًا، في مشهد جميل ورهيب في الوقت نفسه.
وتستمد شلالات أوزود التي يبلغ ارتفاعها 110 أمتار، صبيبها المائي من أطول نهر في المغرب وهو نهر أم الربيع الذي يبلغ طوله 600 كيلومتر ونهر وادي العبيد الذي يعتبر الرافد الرئيسي للشلالات.
هناك لك أن تشاهد إلى جانب قوس قزح الذي يعكس امتزاج رذاذ مياه الشلال مع أشعة الشمس، شباب يتسلقون إحدى الصخرات أعلى الشلال ثم يرتمون نحو الأسفل، في منظر مُبهر، وشباب آخرون خيروا نصب الخيام للاصطفاف، ومنهم من يجلس إلى ظل صخرات وشجيرات يستمتع بنسيم الظلال، وآخرون يسبحون في الوادي.
“أوزود” والمناظر الطبيعية الساحرة
في الوادي الذي يقع أسفل الشلال، والذي يسهل الوصول إليه من خلال طريق مُظَلَّل بأشجارِ الزيتون، تجذب نظرك مراكب صغيرة مُدثرة بثوب سميك أخضر، مصنوعة بشكل عجيب مخصصة للتجوال بالزوار المغاربة والأجانب لمسافة معينة على الوادي، تعلوها طيور تشع على المكان جمالاً خاصًا، كل مركب يتشكل من نحو اثنى عشر برميل كبير، و”كنبات” منمقة ومزوقة بورود اصطناعية في أطرافها، ومغلفة بأثواب كستنائية، فيما هناك صنف آخر من المقاعد المثبتة على هذه المراكب، منسوج من القصب بشكل يزهو البصر.