ها قد هل علينا شهر رمضان الكريم، شهر الرحمة والخير والبركة، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، حل علينا وكلنا فرح باستقبال هذا الشهر العظيم الذي قال الله تعالى عنه في القرآن الكريم {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}.
رمضان شهر العبادة
ولشهر رمضان في تونس كما في سائر الدول الإسلامية مكانة عظيمة، شهر تتغير فيه عاداتنا وتقاليدنا وتكثر فيه عباداتنا وتقربنا إلى الله عز وجل من فضل الصيام والقيام وتلاوة القرآن وإقامة صلوات التراويح، فتعمر المساجد والجوامع وترتفع المآذن بالقرآن الكريم والدعاء.
التزوار من مميزات التونسيين خلال شهر البركة
إضافة إلى تبادل التهاني بوسائل الاتصال الحديثة خاصة وسائل التواصل الاجتماعي (الفيسبوك وغيرها) والهواتف يتبادل التونسيون الزيارات خلال شهر رمضان المعظم وتجتمع العائلات للتسامر والسهر وتبادل النكات والضحك.
“قفة رمضان” أولوية لا بد منها
التونسي يهتم بكل “شقيقة ورقيقة” في رمضان وتكثر شهواته الغذائية ويختصه بقضاء الحاجات والحاجيات إما من السوق البلدي أو المغازات العامة، لذلك تجده يحرص على الاهتمام بقفة رمضان التي تصبح في شهر الصيام أولوية لا بد منها وتحوي من الخضر والغلال واللحوم والأسماك وحتى الحلويات من “مخارق وزلابية” ما يملأ عين الصائم الذي يعشق الأكل بعينه قبل أن يمتلئ بطنه.
لذلك فلا تستغرب إذا ما عبرت يومًا بإحدى أسواق تونس وتجد زحامًا رهيبًا وتنافسًا على الشراء، حتى إنك لا تقدر أن تمر دون أن تسمع سخط بعض الكبار في السن وتذمرهم من الزحام الشديد ولكنك لو عدت في الغد فستعترضك نفس الوجوه والشخوص الذين يحرصون على تجديد محتويات القفة وتنويع مائدة الإفطار.
البريك التونسي
تنويع محتويات مائدة الافطار.. عدا وجبتي “الشربة والبريك”
كما نلمس حرص التونسي على التبضع والتسوق اليومي خلال شهر رمضان، فكذلك نلمس حرص العائلات التونسية على تنويع وجبات الإفطار، فالطاولة التونسية على عكس سائر الأيام والأشهر، تحوي أكثر من وجبة من أشهر الأكلات التقليدية، ومن العادات الغريبة أنك لا تجد نفس الوجبة تتكرر كل يوم عدا وجبتي “الشربة والبريك” وهما من الأكلات الموروثة منذ آلاف السنين خاصة أن التاريخ التونسي حافل جدًا وغني بتعدد الثقافات والحضارات والفتوحات الإسلامية وولوج الأندلسيين الذين جلبوا إلى البلاد التونسية عادات غذائية متنوعة.
ويعد “البريك” نوعًا من أنواع الأكلات التونسية وطبقًا أساسيًا في شهر رمضان، ويصنع من غشاء رقيق من الدقيق، وأشهر الأنواع بريك البيض، حيث تحشر بيضة كاملة في عجينة مثلثة الشكل مع بصل مقطع وتونة إلى جانب الهريسة والكبار والبقدونس، وقد يتضمن البريك أنواعًا أخرى مثل التونا، اللحم، الدجاج مع البيض المقلي والهريسة.
يقال في التقليد التونسي إن أم الزوجة (قبل الزواج) تقدم بريك البيض النيء إلى خطيب ابنتها، فإذا تناولها الخطيب دون أي يسكب أي جزء من مح البيض فبإمكانه الزواج من ابنتها.
ويقال إن البريك تركي الأصل وكلمة بريك نفسها هي كلمة بورك Börek التركية، ونجد نفس الكلمة في كل المناطق التي حكمتها الدولة العثمانية من شرق أوروبا إلى بلاد الشام والعراق ومصر وشمال إفريقيا، وتحمل نفس المعنى، هذا إضافة إلى أن العبارة ذاتها مستخدمة في المناطق التي ينتشر فيها الأتراك والتتار في كل من روسيا وإيران ووسط آسيا وتحمل نفس المعنى مع بعض الاختلافات في مكونات الحشو.
شربة الفريك من المطبخ التونسي
وتعد بدورها “شربة الفريك” من الأساسيات في طاولة رمضان التونسية وهي من المقبلات إلى جانب البريك والتمر والريقوته وحتى اللبن، وقد تستبدلها العائلات التونسية بشربة لسان عصفور أو شربة الحلالم، كتغيير بسيط للمذاق.
تنتج الفريكة في العراق وبلاد الشام ومصر والجزائر وتركيا، وهي من القمح المحصود في نهاية مرحلة النضوج الشمعي وهو لا يزال بلون أخضر حيث يتم تجفيفه، تحميصه، تجفيفه للمرة الثانية، فصله عن الشوائب ويتبعها عملية الدراس والنخل.
شكل وحجم ولون ودرجة تحميص حبة القمح تعتبر من العوامل المؤثرة على جودة الفريكة، فكلما كانت حبات الفريكة خضراء وكبيرة تعتبر الفريكة ذات جودة عالية، لذلك يفضل إنتاج الفريكة من القمح القاسي.
الخبز التونسي الشهير
الخبز له رائحة ونكهة خاصة في تونس
يعرف التونسيون باهتمامهم الشديد بنكهة الخبز خلال شهر رمضان، فليس كل خبز قابلاً للاستهلاك، لذلك تجد المخابز تحرص على التفنن في الخبز والتنويع في الصنع حتى يكون له رائحة ونكهة خاصة وطيبة تجذب الشاري وتسحر عين الرائي وتدغدغ أرنبة أنفه.
تعليم الصغار الصيام يبدأ بصيام نصف يوم
في تونس كذلك تحرص العائلات خلال شهر رمضان على تعليم أولادهم الصوم منذ سن مبكرة قبل البلوغ وذلك بأن تشجع العائلة البنت أو الولد على صيام نصف النهار أي إلى حين الظهيرة، حتى يحس الصغار بالجوع الشديد فيذهبون لتناول الطعام، إلى أن يتمكنوا فعلاً من صوم يوم كامل، قد يلجأ الصغار إلى جمع ما صاموه ويشعرون بسعادة وهم يحدثون أترابهم بعدد الأيام التي صاموها.