لا تزال حتى هذه اللحظة ورغم مرور 3 سنوات على أعنف حرب “إسرائيلية” على قطاع غزة، توجد مئات العائلات الفلسطينية دون مسكن ويبيتون في العراء، رغم الأموال الباهظة التي تكفلت بها الدول المانحة لإعادة أعمار قطاع غزة وقدرت بـ5.4 مليار دولار أمريكي.
“أين ذهبت الأموال”؟ تساؤل مشروع بات يطرحه كل فلسطيني متضرر من الحرب “الإسرائيلية”، ولا يزال يدفع ثمنها غاليًا حتى هذه اللحظة، فمئات العائلات تبيت في الشوارع ولا تصرف لها أي أموال، غير الوعود التي تتلقاها من الجهات الرسمية بين كل فينة وأخرى.
“نون بوست” حاول فتح ملف إعمار غزة مجددًا، عله يجد الإجابة للتساؤل الكبير الذي دائما يطرح وهو “أين ذهبت الأموال”؟ في ظل أصابع الاتهام التي توجه للسلطة الفلسطينية باستيلائها على تلك الأموال لصالح ميزانيتها الخاصة على حساب قطاع غزة، وما كشفه صندوق النقد الدولي بأن السلطة حصلت على أكثر من 35% من الأموال التي كان يفترض أن توجه لإعادة الإعمار.
أين ذهبت أموال غزة؟
عملية الإعمار في غزة تسير ببطء شديد كالسلحفاة، لا سيما في ظل تشرد آلاف العوائل وتعرضها لضغوط الإيجار والعيش تحت الخيام وفي الكرفانات، حيث طالب وزير الأشغال مفيد الحساينة في آخر تصريح له بتوفير تمويل لإعمار 2000 وحدة سكنية متبقية من المنازل المدمرة كليًا خلال العدوان الأخير على القطاع.
ويؤكد الحساينة، أن عملية الإعمار ما زالت تحتاج إلى أكثر من 100 ألف وحدة سكنية بقيمة 180 مليون دولار، فيما لا زالت الحاجة إلى مبلغ 100 مليون دولار لإنهاء ملف الأضرار الجزئية لعدوان 2014 بشكل كامل.
وفي ظل هذا الحديث أصدر البنك الدولي تقريره الدوري، الذي أكد فيه أن أكثر من 35% من الأموال التي كان يفترض أن توجه لإعادة الإعمار، وجهت لدعم الموازنة العامة للسلطة و”الأونروا“.
وبحسب البيانات الواردة في تقرير البنك الدولي، فإن نسبة ما صرف على إعمار غزة (1.796 مليار دولار) 37% من إجمالي المبلغ المدفوع، بينما المال الذي ذهب لدعم الموازنة العامة للسلطة فيقدر 19%، والمبلغ المخصص لوكالة الأونروا 16%، وتتساوى هذه النسبة تقريبًا مع المساعدات الإنسانية الطارئة، ويليه المبلغ المخصص تحت عنوان “أخرى” بنسبة 7% بما قيمته 131 مليون دولار، حيث تساءل الخبير الاقتصادي ماهر الطباع عن ماهية بند “أخرى” الذي ورد في تقرير البنك الدولي
تقرير البنك الدولي
وأكد الطباع أن ما ورد من معلومات وأرقام في تقرير البنك الدولي تدلل على تعمد وتهميش فعلي لعملية إعمار غزة، موضحًا أن المانحين يبدو أنهم مرتاحون لبطء عملية الإعمار.
وكشف الطباع، عن أرقام “صادمة” تتمحور حول عملية إعادة إعمار قطاع غزة، وذلك في إحصائيات للبنك الدولي، وذكر أن 1.796 مليار دولار وصلت لإعمار غزة حتى نهاية 2016، صُرف منها 670 مليون دولار لصالح إعادة الإعمار فقط، أي بنسبة 37%، و293 مليون دولار كدعم عام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين “أونروا” بنسبة 16%، و280 مليون دولار كبند مساعدات إنسانية بنسبة 16%..
ويتضح أيضًا صرف 336 مليون دولار لبند دعم الموازنة العامة للسلطة الفلسطينية بنسبة 19%، وصرف 86 مليون دولار لصالح بند وقود بنسبة 5%، وبند أخرى “دون تفصيل أو توضيح” بنسبة 7%.
الأرقام تعكس استمرارًا لنهج السلطة الفلسطينية القائم على احتكار المعلومة وإخفائها، وتقديم أرقام ملتوية في كل ما يتعلق بغزة
إلا أن رئيس المرصد الأورمتوسطي والخبير الاقتصادي رامي عبده، أكد أن التقرير الذي يصدر دوريًا لعرضه أمام لجنة تنسيق المساعدات الدولية لم يأت بجديد، ودرجت العادة أن يقدم نفس التقرير معلومات مشابهة، مبينًا أنّ الإشكالية أن هناك غياب لدور رقابي من مختصين وإعلاميين ومنظمات مجتمع مدني.
وأوضح عبده، أن الأرقام تعكس استمرارًا لنهج السلطة الفلسطينية القائم على احتكار المعلومة وإخفائها، وتقديم أرقام ملتوية في كل ما يتعلق بغزة.
وأضاف “هذا الأمر يظهر بوضوح في غياب أي بيانات مالية عن حجم الإنفاق والإيرادات من غزة على المستوى الإجمالي أو حتى على المستوى التفصيلي، لكن يبدو أن المنظمات الدولية أيضًا تتواطأ في هذا الاتجاه.
أرقام التقرير الدولي
وبحسب بيانات البنك الدولي، فإن من أصل مجموع التعهدات لإعادة إعمار غزة البالغة نحو 3500 مليون دولار، بلغت قيمة التعهدات المدفوعة حتى نهاية العام الماضي 1796 مليون، وصل منهم فعليًا لإعادة الإعمار وفق خطة الاحتياجات فقط 670 مليونًا، فيما ذهبت البقية إلى موازنة السلطة والأونروا ووقود ومساعدات إنسانية.
ويشير البنك الدولي إلى أن إيرادات السلطة الضريبية ارتفعت العام المنصرم بنحو 25%، إذ بلغت 3452 مليون دولار مقارنة بـ2754 عام 2015.
ما جاء في التقرير يؤكّد أنّ الأموال التي صرفت على عملية الإعمار في غزة لن تكفي من أجل إتمامها، وستظل تسير ببطء شديد
ويوضح التقرير أنّ قطر قدمت نحو 22% من تعهداتها لإعمار غزة، فيما قدمت السعودية نحو 18% والكويت 24%، فيما التزمت الولايات المتحدة الأمريكية بتغطية كامل التزاماتها، والاتحاد الأوروبي 85%، وتركيا 70%.
ويشير الطباع، أنّ ما جاء في التقرير يؤكّد أنّ الأموال التي صرفت على عملية الإعمار في غزة لن تكفي من أجل إتمامها، وستظل تسير ببطء شديد.
فيما نبه الحقوقي عبده، إلى ضرورة التدقيق جيدًا فيما ورد من معلومات عبر تقرير البنك الدولي، معربًا عن قلقه من تغييب الدور الرقابي للمؤسسات الرقابية الدولية أو حتى المحلية.
معاناة متواصلة وحقوق مسلوبة
في قطاع غزة تعيش الآلاف من العائلات الفلسطينية منذ أكثر من 11 عامًا متواصلة، أوضاعًا إنسانية واقتصادية صعبة وقاسية خاصة بعد تشردها من منازلها عقب العدوان الأخير صيف 2014 .
وتحاول حكومة رامي الحمد الله بسط سلطتها على قطاع غزة ومتابعة شؤون إعادة الإعمار ومعالجة قضاياه بنفسها دون تدخل من أي أحد، الأمر الذي يؤكد أنها سبب رئيسي في تعطيل تنفيذ مشاريع إعادة إعمار قطاع غزة وإدخال مواد البناء، رغم تلقيها أموال لإعادة الاعمار، ورغم أن ما تحصله من منح ومساعدات مالية مرصود للأراضي الفلسطينية ككل بما فيها قطاع غزة المحروم من هذه الأموال.
كما فرضت السلطة حصارًا محكمًا على التفاصيل والبيانات المالية وباتت تتعامل مع الموازنة بدرجة عالية من السرية في ظل غياب الرقابة، ولا تنشر أي تفاصيل عن الإيرادات والمصروفات التفصيلية للمحافظات.
ويؤكد حسن الوالي منسق عام رابطة النازحين والمهجرين الفلسطينيين، أن عملية إعمار غزة تسير بخطى بطيئة جدًا، وأنه حتى هذه اللحظة لم يتم إعمار سوى 3000 وحدة سكنية، فيما توجد هناك 3000 وحدة سكنية متوفر لها تمويل، في وقت تبقى 7000 وحدة دون تمويل.
وعن العائلات التي تعيش في منازل بدل إيجار وكرفانات، يقول الوالي، إن هناك أكثر من 6000 أسرة نازحة منها ما يعيش بدل إيجار، في وقت يوجد أكثر من 750 كرفانًا تعيش فيه عائلات هدمت بيوتها في منطقة خزاعة بخان يونس، ومناطق متفرقة بغزة.
أبرز التحديات التي يواجهها قطاع غزة فيما يتعلق بإعادة الإعمار، عدم متابعة السلطة الفلسطينية مع الدول المانحة، حيث إن جزءًا من المتضررين يتبع المنحة السعودية وبعضها يتبع المنحة القطرية والكويتية، حيث تم تجزئة ملف الإعمار من خلال الأونروا بالاتفاق مع السلطة برام الله
وتعيش العائلات وفق ما ذكره منسق عام رابطة النازحين، في ظروف إنسانية ومعيشية قاسية وصعبة، خاصة في ظل استمرار فقدانها لمقومات الحياة الهادئة والمريحة، الأمر الذي أثر على الحالة النفسية والاقتصادية أيضا، موضحًا أن الرابطة تقوم بدورها في التواصل مع وزارة الأشغال لتحفيزها على القيام بدورها ومتابعة ما تقوم به .
وعن أبرز التحديات التي يواجهها قطاع غزة فيما يتعلق بإعادة الإعمار، يضيف الخبير الاقتصادي: “عدم متابعة السلطة الفلسطينية مع الدول المانحة، حيث إن جزءًا من المتضررين يتبع المنحة السعودية وبعضها يتبع المنحة القطرية والكويتية، حيث تم تجزئة ملف الإعمار من خلال الأونروا بالاتفاق مع السلطة برام الله“.
وفيما يتعلق بالأموال التي أخذتها السلطة ووضعتها في خزينتها ولم تمنح قطاع غزة منها سوى 670 مليون دولار لأجل الإعمار، أكد الخبير الاقتصادي نهاد نشوان، أن السلطة تعاني من أزمة مالية وتستغل غزة من خلال جباية المقاصة نتيجة مشتريات القطاع، في وقت تستثمر السلطة فيه أي عدوان على غزة لجلب الأموال لخزينتها مثلما حدث خلال زيارة رامي الحمد لله لتركيا منذ أيام.
وشن الاحتلال الإسرائيلي عدوانًا شرسًا على قطاع غزة في صيف تموز/يوليو 2014، حيث أسفر عن تدمير أكثر من 12 ألف وحدة سكنية بشكلٍ كلي، فيما بلغت عدد الوحدات المدمرة جزئيًا 160 ألف وحدة، منها 6600 وحدة غير صالحة للسكن.