استمرارًا لِلعبة القط والفأر بين الولايات المتحدة وإيران في العراق، يبدو أن إيران في طور الانتقال إلى محافظة ديالى، وعلى عادتها في كل مرة عندما تريد إيران أن تستولي على منطقة عربية سنيَّة جديدة، لتطرد أهلها الأصليين، فهي تستعين بتنظيم داعش وتقحمه في مجرى الأحداث كلاعب مساعد لها، لتكمل به حبكة قصتها التي أصبحت معروفة للجميع.
فالأخبار القادمة هذه الأيام من ديالى، والتي تفيد بأن تنظيم داعش قام بعملية استعراضية جديدة، هاجم بها “معسكر قرقوش” بالقرب من مدينة “بلدروز” والقريب أيضًا من مدينة “مندلي”، بأربعة انتحاريين قتل فيها عدد من الجنود الموجودين هناك، وعلى الرغم من أن هذه العملية وبكل المقاييس العسكرية ليس فيها أي جدوى عسكرية يمكن أن يستفيد منها تنظيم داعش، فإن هذا التنظيم دأب على الإقدام على مثل هذه الأعمال العسكرية الاستعراضية، لأهداف محددة يتوهم بعض المحللين السياسيين والعسكريين، ويعتبرونها تعبيرًا عن طريقة داعش في إلفات النظر إليها، أو استعمالها في إثبات الوجود، أو لنقل المعركة من الأماكن المحاصرة فيها، إلى أماكن تتمتع فيها داعش بحرية الحركة.
قصة تتكرر مرارًا منذ سنين، ومصداق هذا التحليل الإعلان عن تنظيم حملات مداهمة وتفتيش لقرى الندا وقرى مندلي للبحث عن الخلايا النائمة لتنظيم داعش وتحطيم أوكاره، وبالتأكيد أن كل شباب السنَّة من وجهة نظر المليشيات خلايا نائمة، وكل قراهم أوكار لهذا التنظيم
ولو كان لهذا التنظيم إرادة حرة واستقلالًا بقراره، لكان من الممكن أن نصدق بتلك التحليلات رغم صعوبة الاقتناع بها، بينما لو نظرنا للأمر من زاوية أخرى، لوجدنا أن كل العملية تصب في المصلحة الإيرانية جملة وتفصيلاً، ذلك لأن إشعال المنطقة يهيء الأجواء لتدخل المليشيات الشيعية ذات الولاء الإيراني فيها، والقصة التي تلي هذا التدخل معروفة للجميع، من اعتقالات وقتل طائفي وتهجير لساكني تلك المناطق من أراضيهم.
وهي قصة تتكرر مرارًا منذ سنين، ومصداق هذا التحليل الإعلان عن تنظيم حملات مداهمة وتفتيش لقرى الندا وقرى مندلي للبحث عن الخلايا النائمة لتنظيم داعش وتحطيم أوكاره، وبالتأكيد أن كل شباب السنَّة من وجهة نظر المليشيات خلايا نائمة، وكل قراهم أوكار لهذا التنظيم.
تنظيم داعش يستكمل عمله المساند لإيران
وعلى الرغم من تلقي تنظيم داعش لضربات قاصمة وفي مناطق عديدة، وأوشك على الانهيار، فإن دوره لم ينته بعد، ولا بد من استكماله، خصوصًا فيما يتعلق بمحافظة ديالى، وعلى هذا الأساس فمن المرجح أن يزداد نشاط هذا التنظيم في الأيام القليلة القادمة، وفي مناطق محددة من ديالى لم تشهد وجودًا لهذا التنظيم من قبل، ومصداق ذلك الاغتيالات التي طالت بعض الشخصيات المهمة في مدينة “كنعان”، مرورًا بوجودهم في مناطق “الوقف” التي هي عبارة عن شريط من القرى الممتدة من مدينة المقدادية إلى بعقوبة مركز المحافظة وبمحاذاة نهر ديالى، مع العلم أن القوات الحكومية والمليشيات كانت تغض الطرف عن وجودهم طيلة الفترة السابقة.
من المرجح أن يقوم التنظيم أيضًا بعمليات عسكرية استعراضية أخرى في مناطق “دلي عباس” والقرى المجاورة لها شمال ديالى ذات الغالبية التركمانية السنيَّة، لكي تكون عذرًا كافيًا للقوات الحكومية والمليشيات لطرد سكانها السنَّة بحجة ارتباطهم بالتنظيم
أما الآن فإن هذا الوجود أعطى الفرصة المثالية والمبرر القوي للمليشيات للقيام بحملة تطهير مناطق الوقف من الوجود السني فيها من خلال تجريف بساتينهم أو حرقها بحجة وجود خلايا نائمة للتنظيم في تلك القرى والبساتين.
ومن المرجح أن يقوم التنظيم أيضًا بعمليات عسكرية استعراضية أخرى في مناطق “دلي عباس” والقرى المجاورة لها شمال ديالى ذات الغالبية التركمانية السنيَّة، لكي تكون عذرًا كافيًا للقوات الحكومية والمليشيات لطرد سكانها السنَّة بحجة ارتباطهم بالتنظيم، بالإضافة إلى النشاطات العسكرية الاستعراضية التي ذكرناها بالمقدمة في المناطق المحاذية للحدود الإيرانية، وبذلك يكون المخطط قد اكتمل في بلع هذه المحافظة وبالقوة وتحويلها إلى محافظة موالية للمشروع الإيراني في العراق.
خصوصية المنطقة بالنسبة لإيران
إيران تحاول أن تستبق الجهود الأمريكية التي تريد غلق الحدود العراقية الإيرانية بوجه تدخلات الحرس الثوري الإيراني، بنفس الطريقة التي تحاول الآن القوات الأمريكية فعله لغلق الحدود العراقية السورية، فالمنطقة التي نتحدث عنها هي الواجهة الشرقية لمحافظة ديالى والمحاذية للحدود العراقية الإيرانية، كما أنها المنطقة التي من المزمع أن يمر بها الطريق الإيراني الاستراتيجي الممتد إلى سوريا، والجميع يعلم ماذا يشكل هذا الطريق بالنسبة للنظام الإيراني من أهمية بالغة.
حيث إن القوات الموالية لها والمتمثلة بما يسمى بالحشد الشعبي يتسابق مع القوات الأمريكية للسيطرة على الحدود العراقية السورية لتأمين هذا الطريق المستقبلي بالنسبة لإيران، بعدما قامت بتأمين شطره الأوسط المار بمحافظة صلاح الدين والمناطق التي تقع إلى الجنوب الشرقي من محافظة الموصل.
الجزيرة المحاصرة لا بد لها أن تُزاح أمام “طريق طهران” المزمع إنشاؤه، فالمنطقة مطلة على معبرين مهمين من المعابر التي تربط العراق بإيران هما معبر “المنذرية” المقابل لمدينة خانقين ومعبر “سومار” المقابل لمدينة مندلي، واستكمالًا لخطة الاستحواذ على المحافظة بالكامل
المنطقة التي نتحدث عنها والواقعة في محافظة ديالى تتشكل من بادية تنتشر بها الكثير من القرى العربية السنيَّة والتي لم تشهد قلاقل أمنية مهمة، تقع تلك القرى العربية السنيَّة في منطقة محصورة ببحيرة حمرين شمالًا وقرى “قزانية” التابعة للكوت جنوبًا، ويحدها الشريط الحدودي الإيراني شرقًا ومن الغرب يحدها مانع طبيعي هو نهر “الروز” والذي تنتشر على ضفته الغربية خليطًا من القرى الشيعية والسنيَّة والتي لم تلبث مع مرور السنوات بعد الاحتلال، أن تحولت إلى قرى شيعية خالصة بسبب عمليات التضييق والاعتداءات التي كانت تقوم بها المليشيات على السنَّة هناك.
ومن هذا يتبين لنا أن هذه الجزيرة المحاصرة لا بد لها أن تُزاح أمام “طريق طهران” المزمع إنشاؤه، فالمنطقة مطلة على معبرين مهمين من المعابر التي تربط العراق بإيران هما معبر “المنذرية” المقابل لمدينة خانقين ومعبر “سومار” المقابل لمدينة مندلي، واستكمالًا لخطة الاستحواذ على المحافظة بالكامل.
لماذا لا تتخذ القوات الأمريكية إجراء ضد هذه الممارسات؟
ووفق لعبة القط والفأر بين الغريمين الإيراني والأمريكي، يفترض على القوات الأمريكية أن تفعل شيئًا ضد هذه النشاطات الإيرانية، لا سيما أن لها وجودًا جديدًا في معسكر “المنصورية” الذي يقع على الجهة الشمالية من المنطقة المستهدفة إيرانيًا، إلا إننا لم نر لحد الآن تحركًا من تلك القوات.
الأمريكان لا يريدون الدخول في مواجهة مسلحة بجنودهم
والسبب يعود ربما لعدة أمور، منها أن تلك القوات جاءت لهذه المنطقة منذ فترة قصيرة لا تتجاوز الشهرين، كما أن الولايات المتحدة لم تعلن عن وجودها ذلك بشكل علني، السبب الثاني حسب اعتقادنا أن الأمريكان لا يريدون الدخول في مواجهة مسلحة بجنودهم، ولأنها لم تشكل قوة رديفة تقاتل معها من أبناء المنطقة لحد الآن، فهي مضطرة أن تبقى في الفترة الحالية تراقب الوضع عن كثب انتظارًا للفرصة المواتية لها لضرب تلك القوات.
إيران تدرك ذلك جيدًا لذلك تتسابق مع الزمن لتنفيذ مشروعها وصولًا للحد الذي لا تجد القوات الأمريكية من تجنده لمحاربة النفوذ الإيراني في تلك المنطقة، بعد أن تُهجر المليشيات الإيرانية كل السنَّة من المنطقة.
ما مستقبل محافظة ديالى؟
بعد هذا، ما المتوقع لمستقبل هذه المحافظة في حال استمرار هذا المخطط الإيراني على الوتيرة التي نراها الآن؟ من المؤكد إذا استمر الحال بالمضي على هذه الوتيرة، فإن إيران سوف تبتلع المحافظة لا محالة، وفي هذا الصدد نتذكر مقولة أحد قادة المليشيات “ديالى بالنسبة للشيعة مثل كركوك بالنسبة للأكراد”، والتي تدل على عظم أهمية هذه المحافظة للمشروع الإيراني في العراق.
واقع ديالى الحالي وبعد أربع عشرة سنة من عمر الاحتلال، تخرج بحصيلة مروعة للغالبية السنيَّة فيها، فقد دفعت 78600 مغدور، 27400 مغيب، 250 مسجدًا مهدمًا للسنة، و139 قرية سنيَّة تم تسويتها بالأرض، و15 مجزرة بحق أبناء المكون السني
واقع ديالى الحالي وبعد أربع عشرة سنة من عمر الاحتلال، تخرج بحصيلة مروعة للغالبية السنيَّة فيها، فقد دفعت 78600 مغدور، 27400 مغيب، 250 مسجدًا مهدمًا للسنة، و139 قرية سنيَّة تم تسويتها بالأرض، و15 مجزرة بحق أبناء المكون السني، ناهيك عن الأعداد الهائلة من الأرامل والأيتام، وسوف يستمر المسلسل هذا دون انقطاع، إلى أن تصل إيران للمرحلة التي تضمن بها ألا صوت للسنَّة يُسمع بعد الآن في هذه المحافظة، وأنها قد أتمَّت ابتلاعها أمام أنظار الجميع.
لا تختلف هذه الأساليب عن الأساليب التي تتبعها إيران مع سنَّة سوريا، ولن تختلف أساليبهم مع أي بلد يتمكنون من الاستيلاء عليه، فيا ترى هل يأخذ العرب من مصيبة أهل العراق عبرة لهم؟ ويا ترى هل هم جادون لإنقاذ أهل السنَّة بالعراق؟ تساؤلات لا نعتقد أن لها إجابة عند إخواننا، ولو كانت لديهم إجابات، لرأينا لهم موقفًا حقيقيًا لوقف مصائب عربية أخرى مثل مأساة فلسطين ومأساة ليبيا واليمن.