“كل ما أريد أن أعرفه عن الإسلام، عرفته في الحادي عشر من سبتمبر”، ربما نجد الكثير من الشعارات المختلفة في المظاهرات الغاضبة والمُعادية للإسلام في الدول الغربية وخصوصًا الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن الشعار السابق يبدو الأكثر تميزًا من بينهم، لا سيما أنه مازال يتردد حتى يومنا هذا بعد مرور أكثر من 16 عامًا على الحدث.
توقفت الإسلاموفوبيا، والتي تعني “رهاب الإسلام” أو الخوف المرضي من الإسلام، عند أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ومنذ ذلك الحين، صار عّداد جرائم الكراهية ضد المسلمين حول العالم في تزايد مستمر، وصل إلى أعلى معدلاته بين عامي 2015 و 2016 بحسب تقارير مكتب التحقيقات الفيدرالي، حيث أشار إلى وصولها إلى 67٪ وهي النسبة الأعلى منذ الحادي عشر من سبتمبر.
أصبحت الإسلاموفوبيا أكثر عشوائية، لا سيما أن ضحاياها لم يكونوا من المسلمين فقط، بل هددت الإسلاموفوبيا غير المسلمين أيضًا، ولذلك لا يمكن إغفالها بعد الآن، إذ أنها صارت قضية واسعة النطاق والمدى، وتؤثر على حياة الأفراد، من مختلف الأعراق والألوان، الخاصة والعامة بشكل مثير للقلق.
أنقذوا المسلمات فماتوا في سبيل ذلك
صورة لـ “تايلسن ميك” أحد الضحايا المقتولين
شهدت الولايات المتحدة أمس جريمة أخرى للإسلاموفوبيا، إلا أن الضحايا هذه المرة ليسوا من المسلمين، بل من الأمريكان البيض أنفسهم، حيث طُعن رجلين حتى الموت، أحدهما يُدعى “ريكي جون بيست” وعمره 53 عامًا، والآخر يُدعى “تايلسن ميك” وعمره 23 عامًا، أما الثالث فيدعى “مياك فليتشر” تمت إصابته في الحادث إلا أنه لم يُلقي حتفه.
شهدت الولايات المتحدة أمس جريمة أخرى للإسلاموفوبيا، إلا أن الضحايا هذه المرة ليسوا من المسلمين، بل من الأمريكان البيض أنفسهم
بدأ الأمر بتصرف غريب من قبل أحد ركاب القطار في مدينة “بورتلاند” أقصى شمال غرب الولايات المتحدة، حيث وصف الشهود حديثه طبقًا لتقرير صحيفة “واشنطن بوست” بأنه كان حديث عنصري تجاه امرأتين مسلمتين، ترتدي أحدهما الحجاب، حيث وجه كلامه المهين وألفاظًا مشينة لهما بحسب كلام الشهود.
احتد الجاني في كلامه لهما وبدأ في الصراخ والهذيان بأفكار مختلفة في حديثه المهين للفتاتين، كما صرحت الشرطة الأمريكية في مؤتمر صحفي عقب الحادث، حيث حاول الجاني الاقتراب من الفتاتين استعدادًا للهجوم ولكن حاول مسافرين آخرين تهدأته، إلا أنه وجه غضبه نحوها وقام بطعن كلاهما حتى الموت.
Tonight's horrific attack is a tragic reminder that hate & violence are all too real in Portland. My heart is with families of the victims.
— Sharon Meieran (@SMeieran) May 27, 2017
“شهدت مدينة “بورتلاند” حادثًا مأساويًا يشير إلى أن العنف والكراهية في المدينة هو شيء موجود وحقيقي بالفعل، أنا أواسي عائلات الضحايا”
قام الجاني بالهرب من القطار في إحدى المحطات إلا أن الشرطة اعتقلته فور تلقيها بلاغ بالشغب في إحدى عربات القطار أسفرت عن جريمة قتل، قُتل فيها اثنين من الشباب بعد طعنهما حتى الموت، أما الآخر فنُقل للمشفى لتضميد جراحه، وهو الحادث الذي تسبب في ذعر المدينة وغلق محطة القطار لساعات طويلة.
قامت الشرطة الأمريكية بالكشف عن بيانات الجاني، هو أمريكي أبيض يُدعي “جيرمي كريستيان”، وهو محتجز الآن بتهمة القتل عن عمد، وتخويف المسافرين، وتهديد فتاتين مسلمتين، وكذلك تهمة حيازة سلاح.
عُرف “جيريمي” بأنه متطرف يمني ومتعصب للعرق الأبيض
منشور من والدة “ميك” أحد الضحايا تقول فيه “فقدت ابني في حادث مؤسف أمس، أثناء ما كان يدافع عن فتاتين مسلمتين ويحميهما من الاعتداء من قبل رجل أبيض عنصري على متن القطار في مدينة “بورتلاند”، لقد كان ابني بطلًا، وسيظل بطلًا وسيلمع نجمه عاليًا، أنا أحبك يا ولدي للأبد”
صرحت الشرطة في المؤتمر الصحفي أنهم لا يمكنهم الجزم بأن الجاني كان تحت تأثير الكحوليات أو المخدرات، أو أن كان مصاب بمرض عقلي، إلا أن هذا أمر متوقع من الشرطة الأمريكية حيال جريمة كراهية يرتكبها شخص أبيض، ولكن بالنظر إلى حساب الجاني الشخصي على فيسبوك نجد أنه ليس من المفاجيء أن يقوم شخص مثله بجريمة كراهية.
Suspect in brutal Portland hate crime murders is known white supremacist. I photo'd him giving Nazi salute in April https://t.co/oZJvre8oL5 pic.twitter.com/wHuylG5C2f
— doug brown (@dougbrown8) May 27, 2017
صورة للجاني يؤدي التحية النازية في إحدى المظاهرات في بورتلاند
عُرف “جيريمي” بأنه متطرف يمني ومتعصب للعرق الأبيض، فقد امتلأ حسابه على فيسبوك بكثير من الصور والمنشورات عن كراهية المهاجرين المسلمين، كما كانت له فيديوهات وصور له قام بوضعها بنفسه على حسابه وهو يصرخ بعبارت وشعارات عنصرية عقب فوز دونالد ترامب بالرئاسة الأمريكية، كما أنه أوضح في منشوراته عقب تعليقات بأنه يشبه في تصرفاته النازيين بعد نشر صورته يؤدي التحية النازية، حيث أشار إلى أنه على استعداد لضرب وقتل كل من يصفه بأنه عنصري.
في خطاب أرسلته شقيقة أحد الضحايا لصحيفة “واشنطن بوست” قالت فيه: “أصبح من المألوف جدًا السماع عن جرائم الكراهية في هذه الأيام، لقد فقدنا أخي إثر واحدة من تلك التحاملات العنصرية ضد أشخاص بعينهم، لقد أصبح ذلك شائع جدًا هنا، عُرف أخي باحترامه لجميع البشر مهما اختلفت هيئاتهم ومعتقداتهم، وما فعله قبل موته يشهد له بشجاعته ودفاعه عن كل ما آمن به في حياته، سيظل حيًا في قلوبنا، يدفعنا أن نطلب التغيير، مستغلين تلك المأساة بأن نعكس الحالة التي وصلنا إليها ونطلب أن تنتهي”.
الإسلاموفوبيا تهدد غير المسلمين أيضًا
مجموعة من المهاجرين “السيخ”
بدأت سلسلة التحول الجذري للأحداث المؤثرة على الإسلاموفوبيا بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ومن ثم قرار الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” بمنع المسافرين والمهاجرين من بلاد إسلامية بعينها من القدوم للولايات المتحدة الأمريكية، كان ذلك مثالًا لفعل سياسي يشكل رأي الجمهور تجاه المسلمين، لتبدأ بعدها موجة من الوصم والتهميش بعد ذلك.
بدأت سلسلة التحول الجذري للأحداث المؤثرة على الإسلاموفوبيا بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ومن ثم قرار الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” بمنع المسافرين والمهاجرين من بلاد إسلامية
أعرب المهاجرون في الولايات المتحدة من أعراق وجنسيات مختلفة قلقهم حيال الإسلاموفوبيا، كفعل موضي يهدد حياتهم هم أيضًا، حيث هوجم العديد من الأمريكان المهاجرين بسبب الاشتباه بهم في كونهم مسلمين، فيتم مهاجمتهم بسبب لونهم أو عرقهم أو حتى مظهرهم الخارجي إن كانوا يرتدون غطاءًا للرأس، على الرغم من أنهم ليسوا مسلمين.
في مطلع هذا العام، أبلغ 382 شخصًا في اسكوتلندا من أعراق وجنسيات مختلفة حالات من الاعتداء أو العنصرية ضدهم على محمل الخطأ بكونهم مسلمين، كما ينطبق الحال على الهندوس والأفارقة السود، والمهاجرين من دول الجنوب الآسيوي، الذين يتعرضون لأفعال وتصرفات عنصرية بناء على عرقهم لاشتباههم في كونهم مسلمين كذلك.
في مطلع هذا العام، أبلغ 382 شخصًا في اسكوتلندا من أعراق وجنسيات مختلفة حالات من الاعتداء أو العنصرية ضدهم على محمل الخطأ بكونهم مسلمين
بعد ارتفاع نسبة جرائم الكراهية في بريطانيا إلى 200٪، وهي أيضًا النسبة الأعلى لجرائم الكراهية بناء على العنصرية منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر، عانت المجتمعات المهاجرة من “السيخ” إحدى المعتقدات الهندية، من الاعتداءات الجسدية العنيفة في الشوارع.
السيخ يرتدون غطاءًا للرأس، يشبه في شكله العمامة التي يرتديها أئمة المسلمين، كان ذلك سببًا كافيًا لتعرضهم للعنف والعنصرية من قبل المجتمع البريطاني، مشيرين إلى أن الإسلاموفوبيا لم تترك أحدًا، والجهل كان سببًا في أن يجعلها مشكلة ذات نطاق واسع، ربما لن نستطيع أن نسيطر عليه في المستقبل.
تبدو أن الإسلاموفوبيا أسوأ من أي وقت مضت عليه في الأيام الحالية، فبعد أن قضى المسلمون سنوات من التمييز العنصري ضدهم، والذي أدى إلى الاعتداءات الجسدية، وحرق وهدم للمساجد والمراكز الإسلامية، والخطابات المثيرة للجدل بين المرشحين للرئاسة الأمريكية، أصبح أمام المسلمين خارج بلادهم خيارين، إما أن يلتزموا بعقيدتهم، وإما أن يتخلوا عنها محاولين الاندماج مع تلك المجتمعات خوفًا من تعرضهم للإهانة أو للتهميش.