فتح حصول الحقوقي والمحامي الاماراتي د.محمد الركن -الذي حكم عليه بالسجن لمدة 10 سنوات في عام 2013 في بلاده- على جائزة “لودوفيك تراريو” لحقوق الانسان اليوم الأحد، تساؤلات حول قضية هذا الرجل الذي تم اخفاؤه قسريًا في عام 2012، قبل أن يتم إدانته بتهمة التآمر ضد النظام.
لجنة جائزة لودوفيك تراريو، قالت في إعلانها الجائزة أن الركن كرس 20 عامًا من حياته للدفاع عن الحريات الأساسية، ولذلك يستحق هذه الجائزة المميزة، معربة عن أسفها لمحاكمة الركن في جلسات مغلقة، ومطالبة بالوقت نفسه بالإفراج الفوري عنه.
تعتبر هذه الجائزة التي حصل عليها الركن رغم أنه في سجنه، من أهم وأكبر الجوائز دوليًا التي تمنح للمحامين والحقوقيين حول العالم
كما انتقدت نائبة مدير مكتب منظمة العفو الدولية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حسيبة حاج صحراوي اجراءات المحاكمة والأحكام التي تعرض لها الدكتور الركن، قائلة: “يبدو أن المتهمين الإماراتيين مستهدفون بسبب آرائهم، وليس ذلك فحسب، بل تمت إدانتهم بتهم زائفة وحرموا حق الحصول على محاكمة عادلة”.
ناشطون حقوقيون أجانب يتضامنون مع الركن
وأضافت صحراوي أن “الشيء الوحيد الذي تظهره هذه المحاكمة هي العيوب الأساسية التي يعانيها النظام القضائي في الإمارات”. وبحسب منظمة العفو الدولية فقد شابت المحاكمة للركن مزاعم بممارسة التعذيب تم تجاهلها بشكل سافر، كما تم انتهاك حق المتهمين في الدفاع، وتم منع دخول المراقبين المستقلين قاعة المحكمة.
إلى ذلك، تعتبر هذه الجائزة التي حصل عليها الركن رغم أنه في سجنه، من أهم وأكبر الجوائز دوليًا للمحامين والحقوقيين، حيث تقدر قيمة هذه الجائزة بـ20 ألف يورو (22,000 دولار)، وهي تمنح للمحامين من أي جنسية تكريمًا لسعيهم للدفاع عن حقوق الإنسان رغم الخطر الذي يمكن أن يلحق بهم، كأمثال الدكتور محمد الركن.
من هو محمد الركن وما هي قضيته؟
الدكتور محمد الركن (52 عامًا)، هو محامي إماراتي يعمل في مجال حقوق الإنسان، وهو أستاذ قانون دولي، ولديه ماجستير ودكتوراه في القانون الدستوري من جامعة وارويك في المملكة المتحدة.
الركن كان وما زال عضوًا في رابطة المحامين الدولية، وهو الرئيس السابق لجمعية الحقوقيين في دولة الإمارات، وعضو مؤسس في منظمة “سد الخليج”. علاوة على انه كان أستاذ القانون الدستوري في جامعة الإمارات العربية المتحدة وكاتب للعديد من الكتب والمقالات في مجال حقوق الإنسان ومسائل قانونية أخرى.
وقع الفقيه الدستوري والحقوقي محمد الركن ضحية للاختفاء القسري لمدة ثمانية أشهر تخللها تعذيب شديد
وفي عام 2012، حصل الركن على جائزة منظمة الكرامة لحقوق الانسان كما وصل الدكتور الركن الي الدور النهائي لجائزة Frontline Defenders Award لسنة 2014، وهو أيضًا حاصل على العديد من الجوائز في مجال عمله من دولة الإمارات، فضلًا عن كونه مستشارًا سابق للحكومة في المسائل القانونية.
أصبح الدكتور محمد الركن هدفا للمضايقة والترهيب من الحكومة الإماراتية، وظل تحت المراقبة الرسمية لسنوات بسبب عمله، وتم القبض عليه واخفاؤه قسريًا، قبل أن يتم مصادرة جواز سفره ومنعه من السفر
في عام 2011، ساهم الدكتور الركن في العريضة المرسلة إلى رئيس دولة الإمارات تطالب بالحق في التصويت وأن تعطي السلطة التشريعية إلى البرلمان. مدافعًا في الوقت نفسه أيضًا وبشكل مجاني عن العديد من النشطاء وغيرهم من الذين واجهوا انتهاكات في مجال حقوق الانسان مثل مجموعة “الامارات 5”.
أصبح الدكتور محمد الركن هدفا للمضايقة والترهيب من الحكومة الإماراتية، وظل تحت المراقبة الرسمية لسنوات بسبب عمله، وتم القبض عليه واخفاؤه قسريًا، قبل أن يتم مصادرة جواز سفره ومنعه من السفر. ومنعه أيضًا من إعطاء المحاضرات العامة في الجامعة، ومن الكتابة في الصحف الوطنية ومن القيام بمقابلات مع وسائل الإعلام.
اعتقال ثم إخفاء قسري ثم سَجن وتعذيب
في يوليو 2012، وقع الدكتور محمد الركن ضحية للاختفاء القسري لمدة ثمانية أشهر. حيث اعتقلته قوات الأمن كجزء من موجة الاعتقالات الجماعية التي بدأت في مارس عام 2012. وقد شنّت الحكومة هذه الاعتقالات بعد قيام مجموعة من النشطاء، من بينهم الدكتور الركن، بأرسال عريضة إلى حاكم الامارات يدعو فيها الى إصلاحات تشريعية.
وألقت قوات الأمن القبض عليه بينما كان في طريقه إلى مركز الشرطة للإبلاغ عن اختفاء ابنه. وبعد يوم من إلقاء القبض عليه، دعت الأمم المتحدة دولة الإمارات لضمان حماية نشطاء حقوق الإنسان، مشيرة إلى اعتقال الركن وإلى أن “الأمن القومي يُستخدم بشكل متزايد كذريعة لقمع النشاط السلمي “.
في نوفمبر عام 2015، وضعت سلطات سجن الرزين مكبرات صوت في كل زنزانة وتم وضع موسيقى دعائية، عالية جدًا، تشيد بحاكم أبو ظبي. حيث استيقظ الدكتور الركن ليلا مذعورا، بسبب هذا الضجيج الذي يصم الآذان، وسقط على الارض مغمًا عليه، وبعد ذلك تم نقله إلى الحبس الانفرادي ومنع الزيارة عنه
إلى ذلك، فقد نقلت العديد من التقارير الدولية تعرض الدكتور الركن أثناء اعتقاله من قبل قوات الأمن، للتعذيب والمعاملة المهينة. فقد تم وضعه في الحبس الانفرادي بدون سرير وبدون أغراضه الشخصية، علاوة على منعه من رؤية محاميه.
في يوليو 2013، تم الحكم على الدكتور الركن بالسجن 10 سنوات، وتم إيداعه في سجن الرزين، واحدة من أسوأ السجون في الامارات، حيث تم وضعه تحت المراقبة لمدة ثلاث سنوات إضافية وتجريده من رخصة ممارسة المحاماة.
ابنة الدكتور الركن تروي تفاصيل اعتقاله
بالإضافة إلى ذلك، فإن المحاكمة لم تكن مطابقة للمعايير الدولية للمحاكمة العادلة. فقد تم وضع محمد والمتهمين الآخرين في الحبس الانفرادي، ولم يسمح لهم بمقابلة محامين قبل المحاكمة. وقد قال العديد منهم للقاضي بأنهم تعرضوا للتعذيب، وأن “الاعترافات” المقدمة من قبل الحكومة تم انتزاعها منهم تحت وطأة التعذيب.
في نوفمبر عام 2015، وضعت سلطات سجن الرزين مكبرات صوت في كل زنزانة وتم وضع موسيقى دعائية، عالية جدًا، تشيد بحاكم أبو ظبي. حيث استيقظ الدكتور الركن ليلا مذعورا، بسبب هذا الضجيج الذي يصم الآذان، وسقط على الارض مغمًا عليه.
“دولة الإمارات العربية المتحدة هي “دولة مجنونة في المراقبة، حيث إن الجميع هناك مراقبون، وخصوصًا أولئك الذين يعتبرون خطرًا على البلاد بطريقة ما. إنها المكان الذي لا يحترم سيادة القانون”
وعلى الرغم من إطلاق جرس الإنذار ووجود الكاميرات في كل زنزانة لم يكن هناك اي رد فعل من الحارس. وفي النهاية اكتشف الأطباء أن لديه ارتفاعا في ضغط الدم والتهابا حادًا في الأذن سببه ضوضاء المكبرات الصوتية. وبعد ذلك تم نقله إلى الحبس الانفرادي ومنع الزيارة عنه.
سَجن الركن خسارة كبيرة وجنون
تقول جيني باسكواريلا، المحامية الأمريكية التي عملت مع محمد الركن في عام 2011 أثناء محاكمة نشطاء حقوق الإنسان، إن “دولة الإمارات العربية المتحدة هي “دولة مجنونة في المراقبة، حيث إن الجميع هناك مراقبون، وخصوصًا أولئك الذين يعتبرون خطرًا على البلاد بطريقة ما. إنها المكان الذي لا يحترم سيادة القانون، والذي يحبس الناس من أجل تحقيق مكاسب سياسية”.
وتضيف المحامية الأمريكية أن محاكمة الركن، كانت بشكل كلي، دليلنا لحالة حقوق الإنسان هناك، وتحدث لنا عن جميع إشكالات المحكمة. وكان سخيًا للغاية في منحنا وقته، حيث كان يؤمن حقًا بقضية حقوق الإنسان، والديمقراطية، وخلق مجتمع أكثر انفتاحًا، كنا نقابله في الأماكن العامة، وكان هناك دائمًا تقريبًا أناس يراقبونه.
“من العجب ألا يكون هذا الرجل مستشارًا لأعلى سلطة في البلاد. وقد كان الركن قبل أسابيع من اعتقاله قد قدم استشارات لعضو رفيع من العائلة المالكة في أبو ظبي بشأن قضية داخلية، ولذا، كيف يمكنهم فعل كل هذا به؟”
وتقول المحامية الأمريكية في تقرير نشرته منظمة العفو الدولية في ديسمبر 2014، أن الركن كان يشعر دائمًا بأناس يراقبونه، حيث قال في أحد المرات لها: “علينا أن نتحرك لأن هؤلاء الرجال يستمعون إلينا”. ولكنه لم يتوقف عن العمل على القضية، حتى عندما كان المحامون مثله يتعرضون لتهديدات بالقتل. إن العمل في بيئة كهذه يتطلب شخصًا استثنائيًا، وأنا أشعر بخيبة أمل وحزينة جدًا لاعتقاله. إنه أقل شخص في العالم يستحق ذلك. آمل أن يكون هناك جيشًا ضخمًا للقتال من أجله، لأنه دافع عن الكثير من الناس”.
يقول من تبقى من أصدقاء الركن بعد أن تم زج كثير منهم في السجون، أنه خسارة كبيرة لدولة الإمارات العربية المتحدة أن يكون هذا الرجل في السجن، فمن العجب ألا يكون هذا الرجل مستشارًا لأعلى سلطة في البلاد. وقد كان الركن قبل أسابيع من اعتقاله قد قدم استشارات لعضو رفيع من العائلة المالكة في أبو ظبي بشأن قضية داخلية، ولذا، كيف يمكنهم فعل كل هذا به؟
يذكر أن الركن كان واحدًا من رواد عمل منظمة العفو الدولية في الخليج، حيث كان قد قدّم دعمًا كبيرًا لمشروع كبير في مجال حقوق المرأة في منطقة الخليج. وله أيضًا عشرات الكتب والأبحاث في مجال حقوق الإنسان والقانون، وكان أيضًا نائبًا لرئيس الاتحاد الدولي للمحامين في فرنسا، في الفترة ما بين عامي 2002 و2008، وقد كان عضوًا في الجمعية الأمريكية للقانون الدولي.