لم يكن للأرجنتين قط رئيس يهودي على مدار تاريخها، لكن هذا الأمر صار قاب قوسين أو أدنى من أن يصبح واقعًا، بعد فوز مرشح حزب “تنمية الحرية” خافيير ميلي، بانتخابات الرئاسة.
حصل ميلي على تأييد 55.82 ٪ من الناخبين، بعد فرز 94 ٪ من صناديق الاقتراع. وبحسب النتائج الأولية التي صدرت الاثنين، حصل منافسه وزير الاقتصاد الحالي سيرخيو ماسا، على نحو 44.17 بالمئة من الأصوات.
وفي تصريح له عقب فوزه في الانتخابات، قال ميلي وهو ليبرالي يريد التحول إلى اليهودية وتحويل عملة بلاده إلى الدولار الأمريكي، إن الأرجنتين فتحت صفحة جديدة في تاريخها.
وسيتولى ميلي رئاسة الأرجنتين في العاشر من ديسمبر/كانون الأول المقبل من الرئيس الحالي ألبرتو فرنانديز ليستمر في حكم البلاد حتى عام 2027، في فترة يرى كثيرون أنها ستكون مبهجة لـ”إسرائيل”.
عاشق اليهودية
كان حب ميلي العاطفي لليهودية و”إسرائيل” أحد الصفات العديدة غير المتوقعة التي اعتاد عليها الأرجنتينيون والمحللون السياسيون خلال صعوده السريع في العام الماضي.
وألقى ميلي (53 عامًا) طوال حملته الانتخابية اللوم على الحكومة المنتهية ولايتها في ارتفاع معدلات التضخم والفقر.
وتضمنت تلك الحكومة كريستينا فرنانديز دي كيرشنر – التي اتُهمت بعرقلة التحقيق في تفجير المركز اليهودي AMIA عام 1994 – كنائبة للرئيس.
ويصف ميلي وهو خبير اقتصادي ومحلل سابق في التلفزيون والإذاعة، نفسه بأنه رأسمالي لا سلطوي. وقد وعد بإغلاق العديد من الوزارات الحكومية، بما في ذلك البنك الوطني الأرجنتيني، وهي خطوة من شأنها أن تجعل عملة البلاد هي الدولار الأمريكي.
وميلي يشبهه كثيرون بالرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، حيث يتفق الرجلان على أن مشكلة تغير المناخ ما هي إلا “خدعة” و”كذبة اشتراكية”. كما يشترك الإثنان في ولعهم الخاص بدولة واحدة في الشرق الأوسط وهي “إسرائيل”.
وتقول صحيفة جيروزاليم بوست العبرية: “ميلي يدرس التوراة بانتظام ويقتبس مقاطع منها”، مبينة أنه تحدث سابقًا عن دراسته مع الحاخام شمعون أكسل واهنيش، الذي يرأس ACILBA، وهي جالية يهودية أرجنتينية مغربية مقرها بوينس آيرس.
وأكدت أن هذا الكاثوليكي يفكر في التحول إلى اليهودية لكنه يشعر بالقلق بشأن تعارض إجازة السبت (المقدسة عند اليهود) مع واجبات الرئاسة، مبينًا أن “ممارسة العقيدة” ستكون صعبة أثناء إدارة البلاد.
ويُظهر ميلي شغفه باليهودية في المسيرات والمناسبات العامة، وغالبًا ما كان يخرج على خشبة المسرح على صوت الشوفار، وهو بوق الكبش الذي يُنفخ في رأس السنة اليهودية.
وفي إحدى الفعاليات التي شارك بها في شهر أغسطس/آب الماضي، كان صوت الشوفار ظاهرًا على الشاشة ضمن صورة لرجل يرتدي شال صلاة يهودي.
SUENA EL SHOFAR pic.twitter.com/cggV3tjgbS
— Santiago Oría (@Santiago_Oria) August 8, 2023
وتحدث عن أن أمنيته تكمن في “السفر إلى القدس كأول رحلة خارجية للتعمق في دراساته عن التوراة والتلمود والكتب المقدسة اليهودية الأخرى”.
وفي واحدة من آخر ظهوراته العلنية قبل الانتخابات، شوهد ميلي الذي يشار إليه على أنه من “اليمين المتطرف” وهو يلوح بالعلم الإسرائيلي بين حشد كبير في مدينة روساريو.
وعن الحاخام الذي يتلقن على أيديه، قال ميلي في مقابلة مع راديو جاي اليهودي الذي يبث من بوينس آيرس: “إنه شخص أحبه كثيرًا، وأستشيره بانتظام، مناقشاتنا يمكن أن تستغرق ساعتين أو ثلاث في كل مرة، وهذا أمر ممتع للغاية بالنسبة لي ويساعدني على تنمية مواقفي”.
El Ohel de todos… pic.twitter.com/qrGSUfrC4p
— Rafi Tawil (@TawilRafi) July 15, 2023
وأكثر من ذلك، تقول صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” إن ميلي زار “متحف المحرقة” في بوينس آيرس وسافر في يوليو/تموز الماضي إلى نيويورك، حيث زار قبر لوبافيتشر ريبي، الحاخام الأكثر تأثيرًا في التاريخ اليهودي الحديث.
وتؤكد الصحيفة أن ميلي مؤيد بشدة لتل أبيب وقال إن حليفيه العظيمين هما الولايات المتحدة و”إسرائيل”.
ويصل هوسه بهم إلى درجة أن لديه العديد من كلاب الدرواس، تم تسمية اثنين منها على الأقل على اسم اقتصاديين يهود، وفق ذات المصدر.
ميلتون، نسبة إلى ميلتون فريدمان الحائز على جائزة نوبل، وموراي، نسبة إلى موراي روثبورد – الذي يُطلق عليه وصف “أب الرأسمالية اللاسلطوية”.
كما أن فريق حملة ميلي الانتخابية يرتدي قبعات مزخرفة بعبارة “قوى السماء”، في إشارة إلى انتفاضة اليهود المكابيين ضد التأثير الديني اليوناني على الحياة اليهودية في القرن الثاني قبل الميلاد.
كيف تتأثر فلسطين؟
يعد الرئيس الجديد مؤيدًا صريحًا لـ”إسرائيل”، وقد قال قبل بدء العدوان على غزة في 7 أكتوبر إنه يرغب في القيام برحلة دبلوماسية مبكرة إلى القدس ونقل سفارة الأرجنتين إلى المدينة المحتلة.
وبهذا فهو يسير على خطى دولة أخرى في أمريكا اللاتينية، وهي باراغوي، التي أعلن وزير الخارجية الإسرائيلي، إيلي كوهين في أغسطس/آب الماضي، أنها ستنقل سفارتها إلى القدس بحلول نهاية العام.
وستصبح الأرجنتين الدولة الخامسة التي تنتقل من تل أبيب في السنوات الخمس الماضية، بعد كوسوفو وهندوراس وغواتيمالا والولايات المتحدة.
وإذا اتبع ميلي هذا الإجراء، فسيكون ذلك خطوة استفزازية تجاه الفلسطينيين ويمكن أن يعرض علاقة البلاد مع بقية العالم العربي والإسلامي للخطر، وفق ما يقول موقع ميدل إيست آي البريطاني.
وستكون رئاسة ميلي بمثابة تناقض ملحوظ مع رئاسة سلف الأخير – كريستينا فرنانديز دي كيرشنر – وهي سياسية من يسار الوسط أدارت البلاد بين عامي 2007 و2015.
وانتقدت كيرشنر استخدام “إسرائيل” غير المتناسب للقوة ضد الفلسطينيين في مايو/أيار 2021، عندما قتلت القوات الإسرائيلية على مدار 11 يومًا 256 فلسطينيًا، من بينهم 66 طفلاً.
ولكن منذ ذلك الحين، تحسنت العلاقات بين البلدين، حيث تبنت وزارة الخارجية الأرجنتينية، بشكل مثير للجدل، تعريف التحالف الدولي لإحياء ذكرى المحرقة (IHRA) لمعاداة السامية.
ويثير التعريف انتقادات عديدة لأنه يعرف كل منتقدي الاحتلال والصهيونية والمدافعين عن حقوق الفلسطينيين على أنهم “معادين للسامية”.
ومن المرجح أن يشير انتخاب ميلي إلى تحول كبير تجاه القضية الفلسطينية، وهو أمر مرحب به لدى “إسرائيل”، في وقت تدين دول أخرى عديدة في أميركا اللاتينية العدوان على الحالي على غزة.
على سبيل المثال، وصف الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو قتل “إسرائيل” للمدنيين في القطاع المحاصر بأنه “إبادة جماعية”، في حين أدلى الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا بتصريحات مماثلة.
وقطعت بوليفيا علاقاتها مع “إسرائيل”، في حين أصدرت الحكومة الأرجنتينية الحالية إدانة لتل أبيب بسبب قصفها لمخيمات اللاجئين والنازحين. وقالت وزارة الخارجية في البلاد: “لا شيء يبرر انتهاك القانون الإنساني الدولي”.
أما ميلي، فقد قال عمّا يجري حاليًا إن “إسرائيل لها الحق في الدفاع عن أراضيها من الإرهابيين”. كما تُرجم الاهتمام باليهودية إلى دعم كامل لـ”إسرائيل” وعدوانها المستمر على غزة.
وقال مايلي أيضا لصحيفة تايمز أوف إسرائيل إنه ينوي تصنيف حماس منظمة إرهابية لدورها في هجوم 7 أكتوبر على مستوطنات غلاف غزة، والذي أسفر عن مقتل أكثر من 1400 مستوطن وجندي إسرائيلي.
وبالنظر إلى تاريخ الأرجنتين الحديث من المشكلات الاقتصادية وما يترتب على ذلك من تراجع ظهورها على الساحة الدولية، فمن غير المرجح أن يكون دعم ميلي المتحمس لـ”إسرائيل” خطوة رمزية فقط، إذ يأتي هذا الدعم في وقت تحتاج فيه “إسرائيل” إلى الأصدقاء، حيث أصبح حلفاؤها في الغرب يشعرون بعدم الارتياح على نحو متزايد بشأن التأثير الذي تخلفه حربها في غزة على المدنيين.