منذ انطلاق معركة “طوفان الأقصى” التي واجهها الاحتلال الإسرائيلي بعمليته الانتقامية الدامية “السيوف الحديدية”، تعمّد استهداف المدارس التي نزح إليها آلاف الفلسطينيين، في ظل القصف العشوائي الذي طال منازلهم، خصوصًا المدارس المحسوبة على وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا”.
ووفق بيانات الأونروا، فإن إجمالي أعداد النازحين حتى تاريخ 20 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، بلغ 1.7 مليون نسمة جرّاء الحرب الإسرائيلية المتواصلة على القطاع، والتي انتصف شهرها الثاني على التوالي دون بوادر جديّة لوقفها.
وركّز الاحتلال على استهداف التجمعات السكنية منذ بداية العدوان الإسرائيلي على غزة في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، من خلال قصف الأبراج والأبنية السكنية أو الأحياء والتجمعات، قبل أن يطلب الاحتلال من سكان مدينة غزة والشمال إخلاءها والتوجه نحو الجنوب.
وخلال هذه الفترة، اضطر الآلاف السكن في مدارس الأونروا أو المدارس الحكومية، بالإضافة إلى المستشفيات مثل الشفاء والإندونيسي في كل من غزة وشمال القطاع، بالإضافة إلى مستشفى شهداء الأقصى وسط القطاع ومستشفى ناصر في خان يونس والأوروبي في رفح.
ولم يراعِ الاحتلال خلال هذه الفترة خصوصية أي من المؤسسات الصحية أو الدولية، فعمد إلى استخدام قوة مميتة في الكثير من الأحيان، استهدفت مؤسسات تابعة للأمم المتحدة أو الأونروا، بما في ذلك المدارس التابعة للوكالة الدولية، ما أوقع شهداء وجرحى بالعشرات.
وبدا الاحتلال في قصفه المدفعي والجوي متعمّدًا استهداف هذه المنشآت منذ اللحظات الأولى للعدوان، لأسباب عملياتية وأخرى ميدانية، لتحقيق عوامل التهجير وضرب القاعدة الشعبية للمقاومة الفلسطينية، وتحقيق عوامل مضادة بعد الصورة الأولى التي حققتها المقاومة.
وتكررت خلال هذه الأسابيع حوادث استهداف المدارس التي تأوي النازحين عدة مرات، حتى إن بعض المدارس تعرضت للقصف مرتَين، مثل مدرسة الفاخورة التي شهدت استشهاد أكثر من 200 فلسطيني في عملية القصف الثاني، واستشهاد عدد من النازحين في المرة الأولى.
وتعد مدرسة الفاخورة شاهدة على المجازر الإسرائيلية، إذ إن لهذه المدرسة ارتباطًا في العقل الفلسطيني منذ عدوان عام 2009، حين قصفها الاحتلال بالفسفور الأبيض للمرة الأولى، رغم أنها مدرسة تابعة للأونروا وكانت تحوي مئات النازحين الفلسطينيين.
مجازر المدارس.. شاهد على الجرائم الإسرائيلية
يرصد “نون بوست” في هذا التوثيق أبرز المجازر الإسرائيلية التي ارتكبها الاحتلال بحقّ الفلسطينيين والمدارس في غزة، خلال حربه الجارية على القطاع المحاصر:
مجزرة مدرسة الفلاح
ارتكبها سلاح الجوّ الإسرائيلي حينما أغارَ على مدرسة الفلاح التابعة للأونروا، والتي تأوي آلاف النازحين بمنطقة حي الزيتون في قطاع غزة، هذه المجزرة من ضمن عدة مجازر وقعت خلال عملية “طوفان الأقصى”، وتسبّبت في استشهاد ما يزيد عن 20 شخصًا إلى جانب عشرات الجرحى.
مجزرة مدرسة الفاخورة
يوم 18 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، قصف الاحتلال هذه المدرسة ومدرسة تل الزعتر شمالي القطاع بالمدفعية بشكل عنيف ومتواصل خلال ساعات الفجر الأولى، ما تسبّب في تكدُّس جثث الشهداء في مختلف مناطق المدرسة، حيث وُثّق ارتقاء 200 شهيد.
مجزرة المدرسة الماليزية
ارتكبها الاحتلال في المدرسة الواقعة بالنصيرات وسط القطاع في 15 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، ما تسبّب في استشهاد 50 فلسطينيًّا وإيقاع عشرات الجرحى.
مجزرة مدرسة أسامة بن زيد
ارتكبتها القوات الإسرائيلية يوم 3 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، أوقعت أكثر من 20 شهيدًا وأُصيب العشرات في المجزرة التي وقعت مساء يوم الجمعة في منطقة الصفطاوي شمال مدينة غزة، حيث كانت تضمّ المدرسة مئات النازحين.
قصف مدرسة المغازي
تعرّضت مدرسة تابعة للأونروا لمجزرة إسرائيلية بعد قصفها بصورة مباشرة في 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، ما تسبّب في استشهاد 7 فلسطينيين وإصابة العشرات، علمًا أن المدرسة كانت ترفع شعار الأونروا وتضم العشرات من النازحين.
أسباب ودوافع.. عقيدة الضاحية والفتك بالمدنيين
منذ بداية المواجهة الحالية، عمد الاحتلال إلى تبنّي عقيدة الضاحية التي هي بالأساس استراتيجية عسكرية انتهجها جيش الاحتلال في حربه على لبنان في يوليو/ تموز 2006، حيث اتخذت اسمها من الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت، والتي تتمركز فيها مقرّات “حزب الله”.
ويُعتبر غادي إيزنكوت، قائد القيادة الشمالية في جيش الاحتلال آنذاك، عرّاب هذه العقيدة التي تقوم على تفعيل قوة نار غير متكافئة مع مصدر التهديد، وتسوية البنى التحتية للقرى والبلدات بالأرض، بهدف تدفيع الحاضنة الشعبية ثمن خيارات قيادة المقاومة، وبالتالي تأليبها على المقاومة، ناهيك عن كسر موازين القوى العسكرية في الميدان.
ويُمكن وصفها بأنها عقيدة التدمير لأجل التدمير، من دون أي هدف عسكري يمكن التماسه من الدمار، وهو ما تكرر في القطاع خلال المواجهة الحالية، حيث عمد الاحتلال إلى اتّباع هذه الاستراتيجية، بغضّ النظر عن طبيعة المناطق المستهدفة.
ويمكن القول إن الاحتلال عمد إلى استهداف هذه المدارس التي يعلم بالأساس أنها تابعة لمنظمات أممية ودولية، من أجل تحقيق عنصر التهجير الذي سعى إليه منذ البداية، وللضغط على المقاومة الفلسطينية ميدانيًّا لانتزاع تنازلات فيما يتعلق بملفّ الأسرى لديها.
وركّز الاحتلال على استهداف هذه المدارس بشكل متكرر ومركّز في غالبية المناطق بالقطاع، حتى تلك الواقعة جنوب وادي غزة التي دعا جيش الاحتلال السكان للنزوح إليها، وهو أمر يعكس رغبة إسرائيلية في تحقيق أهداف أبعد ما تكون عن المعلنة.
ومن الأسباب التي أراد الاحتلال تحقيقها هو نزع صفة الخصوصية عن أي من هذه المنشآت، وتحويل جميع المناطق في القطاع إلى أهداف قابلة للاستهداف في أي وقت تحت ذرائع عسكرية وأمنية، وهو ما اتضح من خلال استهداف المنشآت الأممية أو المراكز الصحية والمستشفيات.
وإلى جانب هذا، كثّف الاحتلال من استهداف المدارس عبر تحويل عدد منها، لا سيما الحكومية، إلى مقارّ لقواته العسكرية المتوغّلة في مناطق الشمال وغرب مدينة غزة، ما يعني أن هذه المنشآت لم تحظَ بأي خصوصية أو مراعاة لكونها منشآت تعليمية.
بحسب سجله المشين والإجرامي، فلا يبدو أن الاحتلال سيتوقف خلال الفترة المقبلة عن استهداف هذه المدارس أو مراعاة تواجُد النازحين فيها، لا سيما أن الأسبوع الأخير شهد تكرار المجازر في عدد من المدارس، دون أي اكتراث منه لردود الفعل الصادرة عن الدول أو المؤسسات الدولية.