ترجمة وتحرير: نون بوست
أظهرت الدراسات التي أجريت في السنوات الماضية أن الليل يزداد دفئا بشكل أسرع من النهار (في الحقيقة إن المناطق الباردة عند مرورها بفصول باردة تكون فيها درجات الحرارة خلال اليوم أكثر دفئا مقارنة بنظيراتها في المناطق الأشد حرا). وبما أن الإنسان يقضي ثلث حياته نائما، ما هو تأثير الحرارة غير العادية في الليل على جودة النوم؟ هذا هو السؤال المحوري لدراسة واقعية لمعرفة علاقة حرارة الليالي العادية باضطرابات النوم، وما مدى مساهمة تأثير الاحتباس الحراري في جعل الوضع أسوأ.
كيف تؤثر الحرارة على نومك؟
عندما يستعد الجسم للنوم تتمدد الأوعية الدموية لخفض حرارة الجسم عبر ترك مساحات تتسرب منها الحرارة إلى الخارج. وحسب مؤلف الدراسة، فإن حرارة جسمنا تبقى منخفضة أثناء النوم حتى وقت قليل قبل استيقاظنا. لذا فإن ارتفاع درجة حرارة المحيط تمنع حرارة الجسم من الانخفاض فيؤثر هذا سلبا على نومنا.
تملكت نيك أوبرادوفيتش، المؤلف الرئيسي والمختص في العلوم السياسية، فكرة دراسة تأثير التغير المناخي على النوم منذ سنة 2015. فعندما كان طالبا في الدكتوراه في جامعة كاليفورنيا سان دييغو، المدينة التي عاشت موجات حر استمرت حتى فصل الخريف، لاحظ بنفسه تأثير ذلك على نمط نومه وعلى باقي الطلبة أيضا. وفي هذا السياق، قال ممهدا، “قد كشفت دراسات عديدة أن النوم مهم جدا لصحة الإنسان”.
ما كشفته الدراسة التي قمنا بها؛ لا يتعلق فقط بحرارة المحيط والنوم المضطرب ولكن أيضا بتأثير التغير المناخي، الذي قد يؤثر سلبا على نمط النوم لدى الأشخاص من نقص عدد ساعات النوم العادية”
وفي الوقت الذي اهتمت فيه عديد الدراسات بتوقع أثر التغير المناخي، وكيف سيقضي على الحياة في البر والبحر، وكيف سيتسبب ذلك في تعزيز النشاطات البركانية، ودوره في ارتفاع نسبة ثاني أكسيد الكربون، لم تهتم أي دراسة بتأثير التغير المناخي على واحدة من أهم أنشطة الإنسان الأساسية، ألا وهي النوم.
والسياق نفسه، أضاف أوبرادوفيتش أن “القليل من النوم يجعل الشخص أكثر عرضة للأمراض المزمنة، كما قد يضر بحالته النفسية ووظائفه المعرفية. ما كشفته الدراسة التي قمنا بها؛ لا يتعلق فقط بحرارة المحيط والنوم المضطرب ولكن أيضا بتأثير التغير المناخي، الذي قد يؤثر سلبا على نمط النوم لدى الأشخاص من نقص عدد ساعات النوم العادية”.
بعد مراجعة 765 ألف إجابة من استطلاع عن الصحة العمومية قام به مركز “التحكم في الأمراض ومنعها”، في الفترة بين 2002 و2011، تبيّن وجود رابط بين تقرير قلة النوم وارتفاع درجات الحرارة الليلية. أهم ما يمكن استنباطه من هذه الدراسة أن ارتفاع درجة الحرارة الليلية بدرجة واحدة عن المعدل الطبيعي، كاف لإدخال اضطرابات في النوم لمدة ثلاثة ليالي لعدد من الأشخاص لا يقل عن 100 شخص في الشهر. بشكل أوضح، إن عممنا هذا الاستنتاج على كامل الشعب الأمريكي فإن هذا يعني وجود 9 مليون ليلة إضافية من اضطرابات النوم في الشهر أو 110 مليون ليلة إضافية من التقلب في الفراش سنويا.
يتوقع العلماء أن المناطق الغربية والشمالية في الولايات المتحدة ستتأثر بارتفاع درجات حرارة الكرة الأرضية
لا يبدو أن المستقبل مشرق، فاستنادا على أسوأ السيناريوهات التي أعدتها وكالة “ناسا اورث إكستشاينج”، سيؤدي الانحباس الحراري إلى ارتفاع درجة حرارة الكرة الأرضية بشكل سريع. فضلا عن ذلك، ستكون هناك 6 ليالي إضافية من اضطرابات النوم لكل 100 شخص في الشهر مع بلوغ سنة 2050، و14 ليلة إضافية لكل 100 شخص مع بلوغ سنة 2099. بالنسبة لهؤلاء الذين لديهم القدرة على استخدام المكيفات الهوائية فالأمر لا يعنيهم، غير أنه ليس من المفاجئ أن يكون كبار السن أول المتضررين، لأنهم يعانون بطبيعتهم من صعوبة تعديل حرارة أجسامهم. كما سيجد أصحاب الدخل الذي يقل عن 50 ألف دولار صعوبات في التعامل مع التغير المناخي.
ما مصير الملايين الذين يعيشون في دول نامية مثل جنوب شرق آسيا والصحراء الإفريقية الكبرى، حيث يعيش الناس هناك بما مقداره 3.10 دولار أمريكي في اليوم؟
ولكن مع كل ما قيل في هذا الشأن، تظل هذه الدراسة محدودة. ووفقا للكاتب، يعود سبب نسبية النتائج المتحصل عليها إلى أن اضطرابات النوم الحالية ليست ناجمة فقط عن ارتفاع درجة الحرارة عن المعدل العادي في الليل، وإنما هناك أسباب أخرى. فقد يكون سبب اضطرابات النوم عند البعض مدى استخدامه للتكنولوجيا، وعدد ساعات العمل، ومستوى الضغط النفسي الذي يعيشه، فضلا عن تغير البناء البيئي في محيطه.
أما بالنسبة لأولئك الذين يعيشون في دول ثرية مثل الولايات المتحدة والدول الغربية، لن يعجزوا عن إيجاد حل للتأقلم مع ارتفاع درجات حرارة الكرة الأرضية وكل الإشكاليات المتعلقة به (والتي هي أسوأ من مجرد اضطرابات في النوم). ولكن ما مصير الملايين الذين يعيشون في دول نامية مثل جنوب شرق آسيا والصحراء الإفريقية الكبرى، حيث يعيش الناس هناك بما مقداره 3.10 دولار أمريكي في اليوم؟
إن سلمنا أن الأرقام متشابهة فعندها لك أن تتخيل ما يمكن أن نجده في دولة فقيرة أو شديدة الحرارة أو تعاني من كلتا المشكلتين في الوقت نفسه. وبالتالي، ما سنجده سيكون أسوأ مما لدينا بالتأكيد”.
وفق تقرير صادر عن الفريق الحكومي المكلف بمتابعة تغير المناخ سنة 2014، فإن ارتفاع حرارة الكرة الأرضية سيكون له بالغ الأثر على تلك الشعوب التي تعيش في المناطق الساحلية في آسيا. ومن بين الآثار المتوقعة للاحتباس الحراري أن موجات الحرارة لن تزيد في انتشار الأمراض والأوبئة والموت فقط، بل سيترتب عنها نقص فادح في الإنتاجية نظرا لعامل الضغط الحراري. بشكل أو بآخر، ستعيش عديد الشعوب، خاصة تلك الشعوب الفقيرة، نقصا في عدد ساعات النوم.
وفي هذا الإطار، أشار أوبرادوفيتش إلى أن “الولايات المتحدة الأمريكية معتدلة نسبيا ومزدهرة، كما أنه لا تتوفر لدينا بيانات عن النوم في باقي دول العالم، ولكن إن سلمنا أن الأرقام متشابهة فعندها لك أن تتخيل ما يمكن أن نجده في دولة فقيرة أو شديدة الحرارة أو تعاني من كلتا المشكلتين في الوقت نفسه. وبالتالي، ما سنجده سيكون أسوأ مما لدينا بالتأكيد”.
المصدر: نيو أتلاس