البروباجندا الإسرائيلية السخيفة تحوز اهتمام جمهورها الوحيد: البيت الأبيض!

ترجمة وتحرير نون بوست

يوم 11 تشرين الثاني/ نوفمبر؛ نشر حساب على تويتر باللغة العربية تديره وزارة الخارجية الإسرائيلية مقطع فيديو يُزعم أنه صورة شخصية لممرضة في مستشفى الشفاء في غزة، وهي ساحة معركة رئيسية في الصراع الحالي والتي سيطر عليها جيش الدفاع الإسرائيلي بعد بضعة أيام. وفي مقطع الفيديو المذهل، وبينما كانت القنابل تنفجر في الخلفية، حذرت الممرضة الباكية سكان غزة من الاستجابة لنداء الجيش الإسرائيلي بالفرار إلى الجنوب. وأكدت أيضًا على العديد من نقاط الحديث المروج من قبل الجيش الإسرائيلي، ولا سيما أن حماس استولت على المستشفى وكانت تسرق المورفين والوقود.

وقد حصل الفيديو على ملايين المشاهدات، لكنه تعرض أيضًا للسخرية على نطاق واسع من قبل الكثيرين، وخاصة العرب، الذين شككوا في صحته. لسبب واحد؛ حيث لم يكن أي من العاملين في المستشفى يعرف من هي هذه الممرضة المفترضة. ومن ناحية أخرى، كانت تتحدث باللغة الإنجليزية بلهجة لا تشبه أي لهجة عربية معروفة.

كما لاحظ مارك أوين جونز من “ذا ديلي بيست” أن “كل شيء عنها كان يشبه مسرح المدرسة الثانوية – بدءًا من اللهجة الفاشلة التي بدت وكأنها مأخوذة مباشرة من مسلسل تلفزيوني إسرائيلي إلى نقاط الحديث المكتوبة بشكل مثالي في جيش الدفاع الإسرائيلي والتي تنطلق من لسانها”. وأشار جونز أيضًا إلى أن “المعطف الأبيض النقي يبدو وكأنه عاد للتو من المغسلة الجافة، والمسار الصوتي للقنابل المتساقطة الذي بدا وكأنه عينات من لوحة مفاتيح كاسيو في أواخر الثمانينيات، والتلويح بسماعة الطبيب بطريقة مفتعلة مقتبسة من مسلسل “غرايز أناتومي“.

وفي غضون يوم حذفت وزارة الخارجية التغريدة الخاصة بالفيديو. لكن بالطبع، تستمر الإصدارات التي تم تنزيلها في الانتشار.

والكذب والادعاءات متأصلة في الحروب؛ فالرأي العام هو دائمًا ساحة معركة بقدر لا يقل أهمية عن الأرض الفعلية. ولكن في حالة الحرب الإسرائيلية الجارية في غزة ــ اسميًا ضد حماس ولكنها مدمرة في الواقع للسكان المدنيين في المنطقة المحاصرة ــ فقد اتخذت الدعاية منعطفًا غريبًا. وهذه الدعاية لا تكاد تبذل أي جهد لإقناعها، بل تقدم بدلاً من ذلك حججًا سخيفة بأشكال غير قابلة للتصديق. إن الاهتمام بالدعاية الإسرائيلية في الأسابيع الأخيرة يشبه مشاهدة خدعة سحرية يقوم بها مشعوذ غير كفء؛ حيث يسمح باستمرار للجمهور برؤية المرايا والأسلاك التي من المفترض أن تخلق أوهامًا بصرية.

وكما يشير حسين إبيش، الباحث المقيم في معهد دول الخليج العربية، فإن “الدعاية الإسرائيلية كانت دائمًا سخيفة ومثيرة للسخرية، ولكن خلال هذه الحرب على غزة، كانت سيئة للغاية وتجاوزت الحدود بشكل رهيب لدرجة أنه سيكون من الصعب للغاية استعادة أي مصداقية على الإطلاق بين عدد كبير من الأشخاص في الولايات المتحدة وأوروبا”.

أمثلة قليلة لن تكون كافية؛ ففي 5 تشرين الثاني/ نوفمبر، قصفت إسرائيل سيارة كانت متجهة من جنوب لبنان إلى بيروت. وقال الجيش الإسرائيلي للصحافة إنه “أصاب مركبة في الأراضي اللبنانية تم تحديدها على أنها مركبة مشبوهة تحتوي على عدد من الإرهابيين”. في الواقع، وكما أثبتت هيومن رايتس ووتش لاحقًا، كانت السيارة مدنية، وفيها جدة وأم وثلاث فتيات صغيرات. وقد أصيبت الأم وقُتلت الجدة والفتيات. وخلصت هيومن رايتس ووتش إلى أن ما حدث كان “جريمة حرب واضحة” و”إن الهجوم على مركبة تقل فقط مدنيين فارين يظهر استهتاراً متهوراً من جانب الجيش الإسرائيلي لالتزامه بالتمييز بين الأهداف المدنية والعسكرية، وفشلاً كبيراً في اتخاذ الضمانات الكافية لمنع مقتل المدنيين”. وقد وعدت إسرائيل بإجراء تحقيق، ولكن استنادًا إلى الخبرة السابقة، فمن المرجح أن يكون التحقيق بطيئًا ولن يؤدي إلا إلى اعتراف فاتر بالخطأ.

وفي 13 تشرين الثاني/ نوفمبر؛ نشر الجيش الإسرائيلي مقطع فيديو للمتحدث باسمه دانييل هاغاري وهو يقوم بجولة في مستشفى الرنتيسي. وواصل هاغاري الحديث عن الأشياء التافهة مع الإشارة إلى أنها دليل على أن المستشفى كان يضم خلية إرهابية. وفي لحظة أشار إلى رَضَّاعة أطفال صناعية وقال: “إنها رَضَّاعة أطفال. إنها رَضَّاعة أطفال في قبو، فوق لافتة منظمة الصحة العالمية”. ثم أشار هاغاري إلى قائمة على الحائط وقال: “هذه قائمة الحراس؛ حيث يكتب كل إرهابي اسمه وكل إرهابي لديه مناوبته الخاصة، لحراسة الأشخاص الذين كانوا هنا”.

وكما أشار أولئك الذين يجيدون اللغة العربية، فإن “قائمة الحراس” المفترضة لم تكن أكثر أو أقل من مجرد تقويم يتضمن أيام الأسبوع. وألقى الجيش الإسرائيلي باللوم في الفشل على “خطأ في الترجمة”.

في 15 تشرين الثاني/ نوفمبر، أفاد موقع ميدل إيست مونيتور أن “الجيش الإسرائيلي قتل فلسطينيًا مسنًا بعد استخدامه في حملة دعائية للترويج لـ”الممر الآمن” في غزة”. ووزع جيش الدفاع الإسرائيلي صورة للرجل البالغ من العمر 79 سنة، بشير حجي، وهو يتحدث إلى جنود جيش الدفاع الإسرائيلي كدليل على رعايتهم الدقيقة للاجئين الفارين من القصف في الشمال؛ وقد تم نسف هذه الرواية من خلال الكشف عن أن قناصًا إسرائيليًا أطلق النار على حجي مرتين في مؤخرة رأسه.

كما حاول المسؤولون الإسرائيليون كذبًا الإشارة إلى أن صور المدنيين الفلسطينيين الذين يُقتلون هي افتراءات تم إنشاؤها من قبل الجهات الفاعلة في أزمة “باليوود” (باليوود هي كلمة جديدة تمزج بين الفلسطينيين وهوليوود). وهذا الادعاء ليس خاطئًا فحسب؛ بل هو تآمري للغاية ــ على مستوى المتطرفين مثل أليكس جونز، الذي قدم ادعاءات مماثلة بشأن حوادث إطلاق النار الجماعية في الولايات المتحدة. ومن المدهش أن تطلق حكومة مثل هذه الدعاية.

إن أكبر فشل دعائي مستمر يتعلق بمستشفى الشفاء، وهو فشل لا تتورط فيه الحكومة الإسرائيلية فحسب؛ بل إدارة بايدن أيضًا. ففي 13 تشرين الأول/ أكتوبر، نشر الجيش الإسرائيلي رسمًا تفصيليًا يُزعم أنه يُظهر “المقر الرئيسي لأنشطة حماس الإرهابية”. وأظهر الرسم شبكة واسعة من الأنفاق المضاءة جيدًا وغرفًا كبيرة لا تشبه عرين الشرير في أحد أفلام جيمس بوند.

وقال جون كيربي، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي، يوم الثلاثاء: “أستطيع أن أؤكد لكم أن لدينا معلومات تفيد بأن حماس والجهاد الإسلامي الفلسطيني يستخدمان بعض المستشفيات في قطاع غزة بما فيها مستشفى الشفاء والأنفاق الموجودة تحتها لإخفاء ودعم عملياتهما العسكرية واحتجاز الرهائن”.

وسيطرت إسرائيل على مستشفى الشفاء في اليوم التالي، وما وجدوه هناك كان مخيبًا للآمال، وكما أشارت صحيفة واشنطن بوست يوم الخميس، قال الجيش الإسرائيلي إن “عمليات التفتيش عثرت على جثة أسيرة إسرائيلية في منزل قريب من المستشفى، بالإضافة إلى أسلحة. وفي يوم الأربعاء، نشر الجيش الإسرائيلي صورًا ومقاطع فيديو لمخابئ صغيرة للأسلحة قال إنها مملوكة لحماس”. وأظهر هذا الفيديو أيضًا أن المستشفى كان به صندوق تمر (فاكهة محببة عند العرب) ونسختين من القرآن (كتاب مقدس لمئات الملايين). وكان مما نشر:

“أضاف الجيش إلى روايته يوم الخميس صورة وفيديو لتجويف خشن وصفه بأنه “عمود نفق قيد التشغيل”. وتحققت صحيفة واشنطن بوست من موقع البئر داخل مجمع مستشفى الشفاء، لكنها لم تتمكن من التحقق من المكان الذي أدى إليه الفتح أو الغرض منه. ولم تتوصل إسرائيل بعد إلى نتائج تؤكد مزاعمها بأن مستشفى الشفاء يقع فوق مقر حماس وأنه كان مركزيًا لعمليات الجماعة المسلحة في شمال غزة”.

وزعم الجيش الإسرائيلي أيضًا أن “حماس كانت تعلم أننا قادمون” وقامت بنقل المقر، ولهذا لا يوجد دليل قوي على وجود حماس. وهذه هي حقًا أرض دونالد رامسفيلد أثناء حرب العراق، عندما قال في عبارته الشهيرة إن “غياب الأدلة ليس دليلًا على الغياب” في ما يتعلق بأسلحة الدمار الشامل غير الموجودة.

ويظل من الممكن أن يكون عدد قليل من مقاتلي حماس متحصنين في مستشفى كبير للغاية يضم مئات المرضى، ولكن يبدو من غير المرجح أن يكون المستشفى “المقر الرئيسي” لحماس. وقد يجد الجيش الإسرائيلي المزيد من الأدلة على وجود حماس هناك؛ ومع ذلك، يبدو أن السرد الأصلي عبارة عن خرافة.

ولكن فكرة إنشاء مركز قيادة لحماس هي في حد ذاتها ضرب من الخيال؛ فالجناح العسكري لحماس ليس جيشًا نظاميًا، بل هو قوة متمردة تنسج داخل وخارج السكان، وتتحرك “بين الناس كما تسبح السمكة في البحر”، على حد تعبير ماو الشهير. لقد عرضت إسرائيل على جيش حرب العصابات شكل قوة أكثر تقليدية تنظمها دولة قومية، وهو خطأ شائع في حرب مكافحة التمرد.

ومع ذلك، يبدو أن جو بايدن غير منزعج من هشاشة الأدلة التي قدمتها إسرائيل؛ حيث قال يوم الأربعاء: “لديك ظرف ترتكب فيه حماس جريمة الحرب الأولى من خلال إخفاء مقرها الرئيسي، وجيشها، تحت المستشفى. وهذه حقيقة؛ فهذا ما حدث”. وإن عبارة “جريمة الحرب الأولى” موحية، لأنها تبدو مثل شكوى طفل تم القبض عليه وهو يضرب شقيقه وهو يتجادل حول من بدأ هذه الجريمة. وبموجب القانون الدولي؛ فإن ارتكاب حماس لجريمة حرب لا يمنح إسرائيل ترخيصًا لارتكاب جرائم حرب أخرى، كما أنها لا تسمح للولايات المتحدة بدعم جرائم الحرب رداً على تصرفات حماس.

وعندما سئل عن أدلة مركز القيادة، قال بايدن: “لا، لا أستطيع أن أخبرك – لن أخبرك”، كما زعم بايدن أن إسرائيل كانت حذرة للغاية في الاستيلاء على مستشفى الشفاء مقارنة بإجراءاتها السابقة. ووفقًا للرئيس: “لذلك؛ هذه قصة مختلفة عما أعتقد أنه كان يحدث من قبل، حيث كان القصف عشوائيًا”. إن اعتراف بايدن بأن إسرائيل، بدعم أمريكي، قامت بقصف عشوائي هو اعتراف آخر بجريمة حرب.

وفي حالة مثول بايدن ونتنياهو أمام محكمة لاهاي بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وهو أمر غير مرجح، فقد قدم بايدن أدلة وافرة بكلماته الخاصة.

كل هذه الأخطاء ينبغي أن تساعد في التخلص من الأسطورة الدائمة المتمثلة في أن الجيش الإسرائيلي والموساد (وكالة الاستخبارات الإسرائيلية) كقوات مقاتلة تتمتع بالكفاءة المطلقة. في الواقع، كان هجوم حماس في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، والذي أثار الجولة الحالية من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، في حد ذاته فشلًا استخباراتيًا هائلًا – وهو فشل يدعو إلى التشكيك في السياسات طويلة الأمد التي اتبعتها حكومات متعددة (بما في ذلك الولايات المتحدة، ولا تمثل هذه الإخفاقات سوى القليل من الأهمية). طالما أن إسرائيل تستفيد من التعصب الناعم المتمثل في التوقعات المنخفضة من قبل مؤيديها، بما في ذلك رئيس الولايات المتحدة.

ومن الواضح أن جو بايدن على استعداد لدعم أي شيء تفعله إسرائيل، بما في ذلك القصف العشوائي وجرائم الحرب الأخرى، ووسائل الإعلام الأمريكية متواطئة أيضًا. وكما وثق موقع “هاف بوست”، فإن شبكة “سي إن إن” لديها عادة بث مقاطع فيديو للجيش الإسرائيلي تحتوي على معلومات كاذبة (بما في ذلك الفشل في التقويم). بعد ذلك، عند الإشارة إلى الأخطاء، يتم تحرير مقاطع الفيديو نفسها بعناية لحذف الأكاذيب عند وضعها على الإنترنت، دون ملاحظة تحريرية تشرح أو تعترف بما تم قطعه. وفي الواقع، تعتبر شبكة “سي إن إن” شريكة للجيش الإسرائيلي في الدعاية.

لكن الدعاية الإسرائيلية غير الناضجة لا تستهدف الأشخاص العاديين، فسرعان ما أصبح الرأي العام الأميركي غاضبًا من الحرب الإسرائيلية. وبحسب تقارير رويترز؛ فإن 32 في المائة فقط من الأمريكيين يؤيدون إسرائيل في هذا الصراع، مقارنة بـ 41 في المائة قبل شهر. ويظهر الاستطلاع نفسه أن 68 بالمئة يؤيدون وقف إطلاق النار.

من المؤسف أن حقيقة عدم تصديق الجمهور لحملة الأكاذيب الإسرائيلية لا تعني الكثير. فالسياسة الخارجية تصنعها النخب، ولا يزال بايدن والكونغرس الأمريكي يقفان بقوة خلف إسرائيل، وحتى لو كان جو بايدن هو الشخص الوحيد على وجه الأرض الذي يصدق حقًا الدعاية الإسرائيلية؛ فإن هذا أكثر من كافٍ لإنجاحها.

المصدر: ذا نيشن