ترجمة حفصة جودة
قال مسؤولون عسكريون في الولايات المتحدة إن حلفاء أمريكا في حربها ضد داعش مسؤولون عن 80 حالة وفاة مؤكدة لمدنيين نتيجة الغارات الجوية في سوريا والعراق، لكن أيًا من هؤلاء الحلفاء الـ12 لن يعترف علنًا بدوره في تلك الخسائر.
شن هؤلاء الحلفاء أكثر من 4000 غارة جوية مجتمعة، قامت بمعظمهم المملكة المتحدة وفرنسا وأستراليا وبلجيكا وهولندا، ومع ذلك ادّعى الحلفاء أنهم حققوا سجلاً مثاليًا في تجنب إصابة المدنيين، لكن تحقيقًا أجرته شركة “آيروارز” لفورين بوليسي كشف عن أدلة تدحض هذه الادعاءات.
ظهرت هذه الوفيات المؤكدة الناجمة عن غارات جوية غير أمريكية في تقرير صدر للتحالف عن الخسائر في صفوف المدنيين يوم 30 من أبريل، أشار التقرير في هدوء إلى 80 حالة وفاة بين المدنيين ووصفها قائلاً: “هذه الخسائر متعلقة بضربات التحالف لهزيمة داعش في العراق وسوريا منذ أغسطس 2014 وحتى الآن، والتي لم يُعلن عنها من قبل”.
أكد 3 من مسؤولي القيادة المركزية الأمريكية لـ”آيروارز” أن حالات الوفاة تلك ظهرت في حوداث من مسؤولية الدول المشاركة في التحالف، مثلما قال المحققون الأمريكيون، لكن الحلفاء ضغطوا على الولايات المتحدة حتى لا تعلن تفاصيل هذه الضربات.
“لم نشاهد أي دليل على مسؤوليتنا عن وقوع ضحايا بين المدنيين” – وزارة الدفاع البريطانية
وقال مسؤول في القيادة المركزية: “هذه الوفيات حدثت نتيجة غارات جوية غير أمريكية”، وقال الكولونيل جوزيف سكروكا المتحدث باسم التحالف إن مسؤولي القيادة المركزية توصلوا إلى حساب عدد وفيات المدنيين قبل أن يتسلموا تحقيقات التحالف في أواخر 2016.
على مدى أكثر من عام، شعر بعض كبار المسؤولين الأمريكيين بالإحباط لعدم اعتراف الحلفاء بأخطائهم، وكانت القوات الأمريكية قد اعترفت بمسؤوليتها عن حدوث خسائر في صفوف المدنيين في مايو 2015، وأكدت كذلك على مسؤوليتها عن وفاة 377 مدنيًا من بينهم 105 قُتلوا في حادثة واحدة في الموصل شهر مارس الماضي.
لكن جهود المسؤولين في الولايات المتحدة لنشر المعلومات عن الخسائر التي تسببتها دول التحالف قد تسبب بعض الأضرار، وكنتيجة للاتفاق الذي وقعته دول التحالف، فإن الإصابات المدنية المدرجة في التقارير الشهرية لن تكون مرتبطة بدول معينة، هذا يعني أن الولايات المتحدة لن تتمكن في المستقبل من إعلان مسؤوليتها الخاصة عن وقوع أي ضحايا مدنيين، هذه الخطوة تتجه بشكل كبير نحو السرية، الأمر الذي يحرم أسر الضحايا من أي وسيلة للبحث عن العدالة أو الحصول على تعويضات عن هؤلاء الضحايا.
إنكار، إنكار، إنكار
عند مواجهتهم بتلك المعلومات المؤكدة عن وقوع وفيات بين المدنيين، لم تقبل دول التحالف بإعلان مسؤوليتها علنًا عن هؤلاء الضحايا، تواصلت “آيروارز” و”فورين بوليسي” مع دول التحالف الـ12 وسألتهم من المسؤول عن الـ80 حالة وفاة، تنوعت العبارات ما بين إنكار المشاركة تمامًا (أستراليا وكندا والدنمار وبريطانيا) أو عدم الرد (البحرين والأردن والسعودية وتركيا والإمارات) أو الرد بعبارات غامضة.
على الرغم من تلك التصريحات، أكدت “آيروارز” و”فورين بوليسي” أن الدول المسؤولة عن تلك الوفيات قد علمت بمشاركتها من خلال مسؤولين أمريكيين، كان الحلفاء على علم بتلك النتائج منذ أشهر إن لم يكن أكثر، وفقًا لما قاله المسؤولون الأمريكيون، لكن هذه الدول المسؤولة اختارت عدم الاعتراف عند سؤالهم.
تعتبر بريطانيا العضو الأكثر نشاطًا في التحالف بعد الولايات المتحدة، فقد نفذت أكثر من 1300 ضربة جوية منذ أكتوبر 2014، وكانت الحكومة البريطانية قد تفاخرت بعدم وقوع أي إصابات بين المدنيين رغم النشاط العالي للحملة، ومعظم هذه الضربات حدثت في مدن وبلدات بالعراق وسوريا.
في 2016 فقط، أشارت “آيروارز” إلى 120 حادثة متعلقة بوزارة الدفاع البريطانية، وتشير إلى احتمالية تسبب سلاح الجو الملكي في إصابة المدنيين في العراق وسوريا، معظم هذه الحالات تم التحقيق بها ورفضها وفقًا لوزارة الدفاع، وبالنسبة لـ11 حادثة محددة قال مسؤول بريطاني: “لا يمكننا أن نؤكد بشكل حاسم احتمالية مشاركة المملكة المتحدة وفقًا لتلك الأدلة، لكنني أستطيع أن أؤكد أنه لا يوجد أي إصابات بين المدنيين وفقًا لتقديراتنا التفصيلية عن تأثير الضربات التي قمنا بها في تلك الفترة”.
“هذا هو التطور المؤسف لدينامية عمليات التحالف، بسبب هذا الأسلوب لا يمكننا الحصول على تفاصيل حقيقية لقضايا جوهرية” – كريستوفر جينكس
وفي الرد على السؤال عن مسؤولية بريطانيا عن أي من تلك الوفيات الـ80 والتي ذكرها التحالف، أشار المتحدث الرسمي إلى تصريح وزارة الدفاع يوم 25 مارس: “لم نشاهد أي دليل على مسؤوليتنا عن وقوع ضحايا بين المدنيين”، لم تكن الدول الأخرى على استعداد لتقديم إجابات مباشرة، فعند سؤالهم تهربت فرنسا مرتين من الإجابة على السؤال.
أما هولندا – والتي تقول إنها ما زالت تحقق في حالة واحدة محتملة لإصابة مدنية حدثت عام 2014 وحالة أخرى غير معروفة – فقد فشلت في الرد على 11 استفسارًا من “أيروارز” و”فورين بلويسي” عن الوفيات الـ80، ومن ضمنها رسالة بتاريخ 9 من مايو إلى وزيرة الدفاع جانين هينس بلاشارت.
أما وزارة الدفاع البلجيكية – والتي شاركت في مئات الغارات الجوية على سوريا والعراق – أبلغت “أيروارز” و”وفرين بوليسي” أنها لن تشارك أي معلومات عن عملياتها سوى أمام اللجنة البرلمانية المختصة في جلسة مغلقة، كما قدم البلجيكيون تساؤلات للقيادة المركزية للتحالف والتي رفضت بدروها التحدث بشكل رسمي عن دول محددة من التحالف.
قال مسؤول سياسي بلجيكي لـ”آيروارز” و”فورين بوليسي”: “دون ذكر تفاصيل، يمكنني القول بأن المسؤولين في وزارة الدفاع بحثوا في قائمة الحوادث التي أصدرها تقرير التحالف ووجدوا أنه لا يوجد سبب يدفعهم للاعتقاد بأن بلجيكا تسببت في قتل مدنيين، على الرغم من أنهم اعترفوا بأنهم كانوا قريبين من قتل مدنيين عدة مرات، وليس بسبب إهمال الجيش البلجيكي لكن فقط بسبب سوء الحظ”.
التخفي خلف واجهة التحالف
تقترب حملة التحالف ضد داعش من نهاية عامها الثالث، وأسفر الأمر عن قدر كبير من بيانات الأهداف والضربات، كان عدد الذخيرة المستخدم والأهداف التي تمت مهاجمتها متاحة للعامة، لكن هذا الأمر لم يعتبره بعض الأفراد نوعًا من الشفافية، فرغم أن إجمالي البيانات متاح للجميع فيما يتعلق بهجمات التحالف، فإن التحالف لا يؤكد أن أي من البلدان قد قام بغارة محددة.
يقول كريستوفر جينكس أستاذ القانون بجامعة جنوب ميثوديست وخدم في الجيش الأمريكي عقدين من الزمان: “هذا هو التطور المؤسف لدينامية عمليات التحالف، بسبب هذا الأسلوب لا يمكننا الحصول على تفاصيل حقيقية لقضايا جوهرية، سواء اعتقدنا أن الضربة الجوية يقودها طيار كندي أو اعتقدنا أنه فرنسي”.
“ما يحدث الآن خطوة في الاتجاه الخاطئ” – هينا شمسي
منذ بدء عمليًا التحالف يوم 22 من مايو، أعلن التحالف عن تنفيذ 4011 ضربة جوية في العراق و404 في سوريا بقوات غير أمريكية، نفذت فرنسا وبريطانيا أكثر من نصف هذه الهجمات بينما قامت دول مثل هولندا والدنمارك وبلجيكا وأستراليا ببقية الأنشطة غير الأمريكية، أما ألمانيا فتقوم باستطلاعات جوية فقط لكنها لا تنفذ أي ضربات جوية.
أما أعضاء التحالف الإقليميين مثل الأردن والإمارات والسعودية والبحرين وتركيا فهم مسؤولون عن تنفيذ 150 ضربة جوية أي أقل من 1% من إجمالي الهجمات، لكن أيًا من هذه الدول لم يستجب إلى تساؤلاتنا عن حالات الوفاة الـ80 المؤكدة والتي وُجّهت إلى بعثاتهم في حلف الناتو أو إلى سفاراتهم في واشنطون.
القليل من ضوء النهار في الحرب ضد داعش
إحدى نتائج بروتوكول التحالف الجديد بالاعتراف بضحايا المدنيين أن الشفافية الأمريكية في الحرب ضد داعش قد تصبح معرضة للخطر، فقد أراد المسؤولون الأمريكيون أن ينشروا المعلومات عن الـ80 حالة وفاة من المدنيين لعدة أشهر، حدث هذا الأمر أخيرًا يوم 30 من أبريل لكن تكلفته كانت كبيرة، فلا التحالف ولا القيادة المركزية قدما تفاصيلاً عن تلك الحوادث التي أدت إلى هذا العدد من الوفيات، مثل متى وأين حدث ذلك وكم عدد المدنيين المقتولين في كل حادثة، هذه الحقائق كانت تُقدم في التقارير الشهرية في الوفيات الخاصة بالولايات المتحدة، لكن ليس هذه المرة.
قال مسؤولون أمريكيون أن إدارج الـ80 حالة وفاة في التقرير جاء نتيجة حل توافقي بين أعضاء التحالف، وقد وافقوا على نشر المعلومة لكن تحت اسم “ضربات التحالف” فقط.
من الآن فصاعدًا، فأي إصابات بين المدنيين بسبب ضربات التحالف سوف تُدرج في التقارير، لكن الولايات المتحدة أيضًا لن تعترف بضحايا الضربات التي تقوم بها قواتها الخاصة، يقول الكولونيل جون توماس مدير الشؤون العامة للقيادة المركزية: “سوف نعلن فقط عن عدد الضحايا تحت اسم التحالف، ولن نذكر إذا ما كانت بيد الولايات المتحدة أو غيرها”.
وصف توماس هذا التغيير بأنه محاولة للحد من حالات الضحايا المزعومة بين المدنيين، حيث يقول: “عدم تحديد أي الدول كانت تحلق وقت وقوع الحادث يجعل من السهل التحقيق في الأمر بطريقتنا وبسرية تامة”.
عدد الضحايا الذي أعلنه التحالف أقل 10 مرات من الرقم الذي توصل إليه الباحثون في “فورين بوليسي” و”آيروارز”
هذه الخطوة ستؤدي إلى مزيد من التعتيم على عمليات التحالف، وهناك مخاوف جدية بشأن أسر الضحايا: فإذا لم يتمكنوا من معرفة الدولة المسؤولة فسيصبح من المستحيل السعي وراء الحصول على اعتذار أو تعويض مادي من دول بعينها، ومن الصعب جدًا طلب معلومات عن الحوادث بسؤال الحكومات الوطنية.
تقول هينا شمسي مدير مشروع الأمن القومي لاتحاد الحريات المدنية الأمريكية: “هذه تحديدًا خطوة خاطئة من جانب الولايات المتحدة والتي لم تفعل ما فيه الكفاية لتحقق الشفافية فيما يتعلق بوفيات المدنيين، بشكل عام وفي العقد الماضي كان هناك المزيد من الشفافية بشأن الضربات التي تحدث في سياق النزاع المسلح المعترف به، ما يحدث الآن خطوة في الاتجاه الخاطئ”.
وعلى الرغم من نقص موارد التحالف فإن وحدة الإصابات المدنية تنظر وتحقق في المزيد من القضايا، هذا التشويش على الدول المسؤولة عن ضربات معينة يتوافق مع أسلوب الحملة سابقًا، ففي أكتوبر 2014 وتحت ضغط الحلفاء الأوروبيين توقفت القيادة المركزية عن تحديد أعضاء التحالف الذين شاركوا في ضربات محددة.
يقول جينكس: “وفي النهاية، وفقًا لطريقة تعامل الولايات المتحدة والقيادة المركزية، فهذا الأمر يضع دينامية التحالف في مقدمة المساءلة والشفافية”.
ارتفاع عدد القتلى
اعترف التحالف بقتل 352 مدنيًا منذ عام 2014 من ضمنهم الـ80 حالة أو أكثر والذين قام بقتلهم حلفاء أمريكا، ومع ذلك، لا يزال هذا الرقم غيض من فيض، فما زالت الأرقام أقل 10 مرات من أقل تقدير لـ”آيروارز” والذي يصل إلى وفاة 3500 مدني نتيجة الغارات الجوية للتحالف، هذا الرقم كان نتيجة عملية مراقبة قام بها فريق الباحثين في فورين بوليسي ولم يتضمن الرقم الحوادث المتنازع عليها أو الحوادث التي تدعمها أدلة ضعيفة.
شهدت الأشهر الأخيرة ارتفاع عدد القتلى المدنيين نتيجة الضربات الجوية في العراق وسوريا، ففي أبريل فقط قدّر الباحثون في “آيروارز” أن الضحايا المدنيين والذين قتلهم التحالف يتراوح عددهم بين 283 إلى 366، وعلى الرغم من استمرار المعركة الدموية في الموصل فلم يتم إضافة أي من ضحاياها لأن معظم الحوادث لم يتم تحديد إذا ما كان التحالف مسؤولاً عنها أم القوات العراقية البرية والجوية أم داعش، تم الإبلاغ أيضًا عن عدد كبير من الضحايا منذ عدة أشهر عن الرقة رغم نقص التغطية الإعلامية هناك.
ولأن هذه الحرب ضد داعش تتمركز في آخر معاقل الجماعة بالمناطق الحضرية، فلا شك أن المعركة ستؤدي إلى وقوع ضحايا من المدنيين، وبالتالي فإن العائلات التي تفقد أحبائها لن تتمكن من معرفة الدولة التي قتلتهم أو ربما تكون مسؤولة عن ذلك.
المصدر: فورين بوليسي