رغم المحاولات الحكومية والملكية، تطويق أزمة “الريف المغربي” واحتواء الحراك الذي ما انفك يتصاعد، من خلال تقديم الوعود بالتشغيل والتنمية الاقتصادية مرة ومن خلال القبضة الأمنية مرة أخرى والتخوين ثالثة، فإن هذا الحراك الذي يتواصل منذ 7 أشهر ازداد انتشارًا وتوسعًا خاصة بعد حملة الإيقافات الأخيرة في صفوف عديد من الناشطين على رأسهم قائد الحراك ناصر الزفزافي.
اعتقال الزفزافي
في تطور، من المنتظر أن يحدث منعرجًا كبيرًا في “حراك الريف” المغربي، اعتقلت السلطات المغربية، أمس الإثنين، الناشط البارز ناصر الزفزافي الذي يقود “الحراك” شمال البلاد منذ أكتوبر الماضي، للمطالبة بتحسين الأوضاع المعيشية والتنمية العادلة لمنطقة الريف.
وأرجع الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالحسيمة، في بيان، أن القبض على الزفزافي تم بسبب الاشتباه في ارتكابه جريمة عرقلة وتعطيل حرية العبادات، وذلك تبعًا لأمر سابق بإلقاء القبض على هذا الشخص، ويقول مقربون منه: “الزفزافي سلّم نفسه إلى قوات الأمن المغربي بمحض إرادته بعد أن علم أنه محلّ تفتيش”.
قال الزفزافي بأن الخطيب يفتي من أجل محاصرة شبابنا واعتقالهم في خطة مع المخزن
وكان آخر ظهور للزفزافي مساء يوم الجمعة الماضي، دقائق بعد اختفائه عقب المواجهات الأمنية التي جرت أمام منزله وسط الحسيمة، في مقطع مصور دام 3 دقائق من مكان مجهول، دعا فيه المحتجين إلى مواصلة “الحراك” والتمسك بالسلميّة في مواجهة قوات الأمن، ونادى بتنفيذ إضراب عام وإغلاق المحلات التجارية بالمدينة.
وقاطع ناصر الزفزافي، الإمام في أثناء إلقائه خطبة الجمعة في مسجد محلي في الحسيمة على الساحل المتوسطي في شمال البلاد، حيث قال بأن الخطيب يفتي من أجل محاصرة شبابنا واعتقالهم في خطة مع المخزن، وطالب الزفزافي خطيب الجمعة بأن يقول كلمة الحق عوض التملق للمخزن، وتساءل موجهًا سؤاله للناس: “هل المساجد بيوت لله أم بيوت للمخزن؟“ بعدها اندلعت مواجهات بين قوات الأمن المغربية ومحتجين.
بعد ذلك، أعلن الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالحسيمة، أنه “أمر بفتح بحث في موضوع إقدام المدعو ناصر الزفزافي بمعية مجموعة من الأشخاص على عرقلة حرية العبادات داخل مسجد محمد الخامس بالحسيمة، وبإلقاء القبض عليه قصد البحث معه وتقديمه أمام النيابة العامة”، وقال بيان صادر عن الوكيل: “الزفزافي منع الإمام من إكمال خطبته، وألقى داخل المسجد خطابًا تحريضيًا أهان فيه الإمام، وأحدث اضطرابًا أخل بهدوء العبادة ووقارها وقدسيتها، وفوت بذلك على المصلين صلاة آخر جمعة من شهر شعبان.”
“الزفزافي”، زعيم حراك الريف
مع انطلاق الاحتجاجات في مدينة الحسيمة بمنطقة الريف المغربي في أكتوبر من السنة الماضية، إثر مقتل بائع السمك الشاب محسن فكري سحقًا داخل شاحنة نفايات، برز شاب عاطل عن العمل، عمره 38 سنة، ويدعى ناصر الزفزافي، استطاع بفصاحته أن يجمع الناس حوله ويقود الحراك، ومنذ ذلك الحين، أصبح الزفزافي يعرف إعلاميًا بزعيم حراك الريف في مدينة الحسيمة المغربية، حيث أصبح حاضرًا في كل اللحظات، يقود المسيرات ويخطب في الجماهير وتتداول تصريحاته وسائل الإعلام المحلية والدولية، وكثيرًا ما كان يردّد الزفزافي أنه يسير على نهج الزعيم المغربي الكبير محمد عبد الكريم الخطابي في التحرر والوقوف ضد الظلم والدفاع عن المهمشين.
ناصر الزفزافي يخطب بين المحتجين
كان محور أول خطابات الزفزافي التي أصبحت الملهم الأبرز للاحتجاجات، التهميش الذي يعانيه الريف المغربي وسكانه، وانعدام التنمية هناك وانتشار البطالة والظلم والفقر وفساد الحكومة، حسب وصفه، ثم بدأت نبرة خطاباته تزداد حدّة، فبدأ يوجه نقده للمخزن والملك المغربي محمد السادس مباشرة.
ويتجاوز مشاهدو فيديوهات ناصر الزفزافي على قناة اليوتيوب مئات الآلاف، وبث كلماته المباشرة على صفحته على “فيسبوك” تحصد إعجاب ومشاركة الآلاف أيضًا، نتيجة الكاريزما الخاصة التي يتمتع بها وتجعل الناس يلتفون حوله.
اعتقال عشرات الناشطين
قبل اعتقال ناصر الزفزاني، اعتقلت قوات الأمن الوطني المغربي عددًا من نشطاء حراك الريف داخل مدينة الحسيمة وفي المناطق المجاورة مثل إيمزورن وبني بوعياش، فيما أصدرت السلطات الأمنية المغربية بإقليم الحسيمة مذكرة بحث واعتقال بحق 57 شخصًا، وفق تقارير إعلامية محلية.
وذكر بلاغ للوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالحسيمة أن الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، أوقفت بتاريخ 26 و27 من مايو، 20 شخصًا وذلك للاشتباه في ارتكاب جنايات وجنح تمس السلامة الداخلية للدولة وأفعال أخرى تشكل جرائم بمقتضى القانون.
البيان أوضح أن المعطيات الأولية للبحث أفضت إلى توفير شبهة استلام المشتبه فيهم تحويلات مالية ودعم لوجستيكي من الخارج بغرض القيام بأنشطة دعائية من شأنها المساس بوحدة المملكة
وقال بلاغ الوكيل العام للملك بالحسيمة، السبت: “تكليف الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بإجراء البحث في هذه القضية، جاء بعد تبليغ النيابة العامة بالاشتباه بارتكاب أفعال تقع تحت طائلة القانون الجنائي وذلك في أعقاب الواقعة التي عرفتها مدينة الحسيمة منذ حوالي سبعة أشهر“.
وأوضح البيان أنّ المعطيات الأولية للبحث أفضت إلى توفير شبهة استلام المشتبه فيهم تحويلات مالية ودعم لوجيستيكي من الخارج بغرض القيام بأنشطة دعائية من شأنها المساس بوحدة المملكة، وزعزعة ولاء المواطنين للدولة المغربية والمؤسسات الشعب المغربي، فضلاً عن إهانة ومعاداة رموز المملكة في تجمعات عامة إضافة إلى أفعال أخرى.
وأضاف البلاغ ذاته، “المعطيات الأولية للبحث المأذون به من طرف النيابة العامة والمنجز تحت إشرافها كشف عن جمع وتحصيل قرائن وأدلة بخصوص الاشتباه في تورط الأشخاص الموقوفين في التحريض والمشاركة في ارتكاب جنايات وجنح تمس النظام العام وضد سلامة موظفين عموميين تجسدت في الأفعال الإجرامية التي وقعت بمدن الحسيمة وامزورن وبني بوعياش، مما ترتب عنها من تخريب وإضرام للنار وأفعال إجرامية أخرى”.
التضامن وصل مواقع التواصل الاجتماعي
مع اعتقال زعيم “حراك الريف” ناصر الزفزافي، وعدد من النشطاء الآخرين، برزت عديد من الهشتاغات في مواقع التواصل الاجتماعي، أبرزها #ناصر_الزفزافي و #كلنا_ناصر_الزفزافي و#كلنا_حراك_الريف و #كلنا_المعتقلين.
وعن الفتنة التي تحدث عنها خطيب الجمعة الذي أوقفه الزفزافي، كتب ناشط مغربي يدعى عبد الله العتيبي مغردًا في حسابه الخاص على التواصل الاجتماعي “تويتر”: “تخوّفونا بالفتنة، ما معنى الفتنة ومعظم الشباب لا يجدون قوت يومهم أو هاجروا.”
"تخوّفونا بالفتنة، ما معنى الفتنة ومعظم الشباب لا يجدون قوت يومهم أو هاجروا".
.
ناصر الزفزافي
ناشط مغربي مانعاً خطيب المسجد من متابعة الخطبة
— عبدالله العتيبي (@aotaibii) May 26, 2017
من جهتها نشرت فتاة تطلق على نفسها “حسناء المغربية”، في حسابها الخاص على التويتر فيديو يظهر توديع الزفزافي لأمه لحظات قبل تسليم نفسه لقوات الأمن الوطني واعتقاله.
فيديو مؤثر جدا ل #ناصر_الزفزافي عندما ودع أمه يقول لها لاتبكي فنحن رجال احرار https://t.co/v46b94y3Rt#Maroc #Hirak ?? #المغرب #hoceima
— حسناء المغربية (@elmaghariba) May 30, 2017
وتناقل مغردون آخرون صورًا للمظاهرات التي شهدتها مدينة الحسيمة وأخرى لمظاهرات جابت شوارع العاصمة الرباط تضامنًا مع المحتجين.
“الحراك” متواصل
عقب هذه الاعتقالات، خرج الآلاف في عدد من المدن المغربية في مظاهرات ليلية بعد صلاة التراويح، للتضامن مع المعتقلين ومع حراك الريف، واجتمع المتظاهرين في كل من الرباط والدار البيضاء ومراكش وأزيلال وإفني بالتزامن مع مظاهرات مماثلة في عدد من مدن الريف في الشمال المغربي، مطالبين بإطلاق سراح المعتقلين، كما رفعوا في هذه المسيرات شعارات تطالب بإنهاء ما وصفوه بعسكرة الريف، وما أسموه اختطاف النشطاء في الشمال المغربي، حيث تقول تقارير حقوقية إن عدد المعتقلين بلغ 70 ناشطًا في أقل من 24 ساعة.
تظاهرة في الحسيمة
وتتزامن هذه المظاهرات مع مساعٍ حكومية لاحتواء غضب سكان الريف بإحياء سلسلة من المشاريع التنموية للمنطقة، كما بادرت بعدد من الإعلانات المتعلقة بتنمية اقتصادية هناك، مرسلة وفودًا وزارية في الأشهر الست الأخيرة، لكنها عجزت عن تهدئة الاحتجاجات.
ومن أبرز المطالب الملحة للجهة، الإسراع بالكشف عن مآل التحقيق في ملف وفاة محسن فكري والإفراج عن المعتقلين على خلفية الأحداث الأليمة التي أعقبت احتجاجات “إمزورن” و”بني بوعياش” وإعطاء الأولوية للمطالب ذات الطبيعة الاجتماعية المتعلقة بالصحة والتعليم والتشغيل عبر خلق مؤسسة جامعية ومستشفى للسرطان، وخلق فرص للشغل عبر تقديم تحفيزات وامتيازات ضريبية للمستثمرين، حسب المحتجين.