أصبح شهر رمضان الكريم موسمًا للفتاوى الغريبة التي تحقق جدلًا واسعًا لا ينتهي، نظرًا لتجددها كل عام مع ظهور فتاوى أخرى منافسة، لتتحول ساحة الفتاوى إلى حلبة مصارعة يحاول كل طرف إثبات قوته بفتوى مثيرة وشاذة تخطف الأنظار إليه.
الفتاوى على أرض الواقع عديدة ما بين فتاوى أهل السنة والشيعة والسلفيين والعلمانيين والليبراليين، بالإضافة إلى فتاوى خاصة بتنظيم “داعش” ظهرت في السنوات الأخيرة، وفتاوى أخرى أثارت جدلاً ببعض الدول مثل مصر وتركيا وغيرها.
أحدث فتوى من نصيب مصر، أطلقها الشيخ مصطفى راشد، رئيس ما يعرف بـ”اتحاد علماء الإسلام من أجل السلام ونبذ العنف”، والمعروف بـ”مفتي أستراليا”، والذي له عدة فتاوى مثيرة للجدل، كانت آخرها أن “الصيام ليس فرضًا على كل مصري يقل دخله عن 9 آلاف جنيه”.
أكد راشد في الفتوى أن الصيام فرض على الأغنياء فقط، وهو تطوع بالنسبة للفقراء!
وأكد راشد في الفتوى إن الصيام فرض على الأغنياء فقط، وهو “تطوع” بالنسبة للفقراء، وأوضح أن الفقير هو الذي لا يملك قوته وقوت أسرته لمدة شهر، والذي لا يملك منزلًا أو دابة، وهي تعادل سيارة في وقتنا الحالي، والمقصود من الصيام إطعام الفقراء.
وفي فتوى سابقة له، قال “مفتي أستراليا” خلال حوار تليفزيوني سابق: تدخين السجائر خلال نهار رمضان لا يبطل الصيام، معتمدًا على أنها لا تعد طعامًا أو شرابًا، متابعًا أن تدخين السجائر حرام شرعًا، ولكنها لا تفطر الصائم في حال تدخينها خلال نهار رمضان، لأنها لا تؤكل أو تُشرب.
داعية سلفي يدّعي أن المصريين يصلون الفجر قبل موعده الحقيقي
في مصر أيضًا، قبل أيام من شهر رمضان المبارك، آثار الداعية السلفي المصري سامح عبد الحميد الجدل بشأن موعد صلاة الفجر، قائلاً: “كارثة يجب تداركها قبل رمضان، المصريون يُصلون الفجر قبل موعده الحقيقي”.
وأضاف الداعية السلفي: “أخيرًا أكدتْ هيئة المساحة مطالب السلفيين بتعديل ميقات أذان الفجر، حيث إن التوقيت الحالي لأذان الفجر غير صحيح، وقد طالبنا بتأخير وقت الأذان في النتيجة حتى تصح صلاة الناس”.
واستطرد عبد الحميد: “الفجر في مصر يُؤذن قبل وقته الحقيقي بنحو عشرين دقيقة، وللدكتور أحمد يحيى الشيخ بحث أكاديمي أثبت فيه خطأ التوقيت الحالي لأذان الفجر، ونقل فيه عن علماء الشرع وعلماء الفلك وكلام شيخ الأزهر جاد الحق في خطأ التوقيت الحالي لأذان الفجر”.
خالد الجندي: “إقامة العلاقة الزوجية في نهار رمضان مع النسيان لا تفسد الصيام، عند الإمام أبي حنيفة، مستشهدًا بأن النسيان لا يفسد العبادة عند الله”
ومن جانبه قال القيادي السلفي محمود لطفي إن مشاهدة الدراما في رمضان مكروهة إلى درجة التحريم، وقال: “الصيام هو الامتناع عن بعض المباح في وقت مخصوص فإن أراد المسلمون صيامًا مبرورًا فعليهم أن يخفضوا ميزانية الطعام والشراب إلى الثلثين على الأقل ويحرم عليهم أو يكره كراهة أقرب للتحريم متابعة أي أفلام أو مسلسلات”.
ومن أشهر الفتاوى التي أثيرت في الشارع المصري أيضًا، ما قاله الشيخ خالد الجندي أحد علماء الأزهر الشريف، خلال تقديمه برنامج “لعلهم يفقهون”، على قناة “DMC” حينما قال: “إقامة العلاقة الزوجية في نهار رمضان مع النسيان لا تفسد الصيام، عند الإمام أبي حنيفة، مستشهدًا بأن النسيان لا يفسد العبادة عند الله”.
وأكد الجندي أن الفتوى التي ذكرها عن الجماع ليست فتوى شخصية ولكنها رأي الأئمة الأربعة (الإمام أبو حنيفة والإمام مالك والإمام الشافعي والإمام أحمد بن حنبل).
وفي تركيا قامت حرب فتاوي مستعرة بدأت مع بداية شهر الصيام في 2013، والتي تمركزت حول “الغاز المسيل للدموع” الذي تطلقه قوات مكافحة الشغب والشرطة على المتظاهرين في ميادين تركيا، كميدان تقسيم، السؤال الذي أطلقه المتظاهرون الصائمون هو: “هل استنشاق الغاز المسيل للدموع يفسد الصيام”؟
وتمثلت إحدى الإجابات عن هذا التساؤل في أنه “لا يفطر الصائم طالما أنه لم يقدم على استنشاقه بمحض إرادته أو ينوي ذلك، أما إذا نوى واستنشقه عن قصد فإنه سيفطر”.
يشار إلى أن هيئة الإفتاء الوطنية في ماليزيا كانت قد أصدرت فتوى قبل أيام بتحريم المشاركة في المظاهرات ضد الحكومة أو تلك التي تثير الاضطراب في البلاد.
احتجاجات تركيا 2013 في ميدان تقسيم
فتوى شيعية غريبة
كبار المراجع الشيعية لهم فتاوى مثير للجدل بخصوص شهر رمضان، أبرزها فتوى السيد علي الحسيني السيستاني المرجع الشيعي الأكبر للشيعة في العالم، التي تجيز مضغ العلك في نهار رمضان!
السيد علي الحسيني السيستاني
فقد وزع مكتب السيستاني فتوى أجاز بها مضغ العلك في نهار رمضان وسأله أحد الأتباع قائلاً: “وزعت فتوى لسماحتكم تقول إن مضغ العلك في نهار رمضان لا يعد من المفطرات فهل هذا الحكم مختص بما ليس له طعم أم شامل جميع الأنواع الموجودة في الأسواق؟”، فكان جوابه كالآتي: “لا بأس بمضغ العلك في حال الصوم وإن وجد له طعمًا في ريقه ما لم يكن لتفتت أجزاءً منه إلا إذا كانت مستهلكة في الريق في بداية المضغ، فلا بد للصائم من الاجتناب عنه لا مع زوال تلك الأجزاء ولو بمضغ سابق”.
وتساهل الشيعة كثيرًا في أعذار الإفطار فقد أوجبوا الإفطار في السفر ولأدنى مسافة، معللين ذلك بحجج، مثل أن يذهب طالب أيام الامتحانات ليستفتي فيفتى بأن يسافر في كل يوم سفرًا قصيرًا إلى منطقة قريبة وتحسب له المسافة ذهابًا وإيابًا ومنها وجوب الإفطار بمجرد عبور أي نهر، ويجب الإفطار على من أدرك الفجر وهو جنب لم يغتسل، ولم يؤكدوا على قضائه.
وظهرت فتاوى تبيح شرب السجائر في نهار رمضان ومنهم من أجازها بصورة عامة والزاهد فيهم من أجاز ثلاثة سجائر في اليوم على الأكثر، وهذه الفتاوى منسوبة إلى محمد الصدر وهو مرجع شيعي معروف ومعتمد لدى الشيعة، وهي الفتوى التي أصدرها من قبل المفكر المصري الراحل جمال البنا.
فتاوى “داعش”
أما عن فتاوى “داعش“، فقد أفتى التنظيم بإلغاء صلاة التراويح باعتبارها بدعة، وقد أقر الجلد عقابًا لكل مَن يصليها على اعتبار أن صلاة التراويح لم تكن موجودة أيام النبي.
كما أصدر التنظيم تحذيره للنساء بعدم الخروج خلال ساعات الصيام واشترط على المرأة التي ترغب في الخروج بعد صلاة المغرب أن يصطحبها مرافق من أقاربها الذكور، كما تم منع المرأة من استخدام الهاتف المحمول طيلة شهر رمضان، كما أفتى بجلد من يفطر كما أقر “ببطلان صيام من يكره التنظيم”.
حذر تنظيم “داعش” النساء بعدم الخروج خلال ساعات الصيام
ومن ضمن فتاوى “داعش” أيضًا أن “من لا يصلي لا يقبل صيامه، ومن لا يحب التنظيم في العراق والشام لا يقبل صيامه”.
للعلمانيين رأي أيضًا
أما التيار العلماني فكان له رأي آخر مثير للجدل أيضًا عن الصيام، خالد منتصر، رئيس قسم الجلدية والتناسلية بهيئة قناة السويس، والمحسوب على التيار العلماني قال في فيديو له تداوله نشطاء الفيس بوك: “الصيام غير مفيد لصحة الإنسان كما يروج البعض خلال البرامج في شهر رمضان، حيث إن الامتناع لمدة 18 ساعة عن شرب المياه من الطبيعي أن يؤثر على الكلى”.
وانتقد منتصر البرامج الدينية التي تتحدث عن الصوم قائلًا: “تجد الحلقة ساعة تتحدث عن فائدة الصوم للكبد والقولون، ولكن تجد العكس تمامًا، ولو أنه مفيد ليه مبتصموش 365 يومًا في السنة طالما لقيتوا كل الطب موجود في الصوم”.
وأخيرًا، تعددت فتوى حكم الصيام في دول شمال الكرة الأرضية حيث تختلف المواقيت فيها، وأفتى بعض العلماء بنقل شهر الصيام إلى شهر معتدل أو أن يصبح تقدير الصوم على مواقيت مكة المكرمة أو بتوقيت أقرب بلد إسلامي، وفي ذات الصدد أفتى الدكتور علي جمعة، مفتي الديار المصرية الأسبق، بأنه لا يجوز أن يصوم الشخص أكثر من 18 ساعة، وأن على من يعيشون في دول تتجاوز هذه الساعات، الصيام بحسب توقيت مكة المكرمة، وإلا فطروا بعد تلك الساعات.