“حتى يُبدي النظام الإيراني استعداده لأن يكون شريكًا في إحلال السلام يجب على كل الدول التي لها ضمير أن تتعاون لعزل إيران، وحرمانها من تمويل الإرهاب”.
بهذه الكلمات وجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حديثه إلى الزعماء العرب والمسلمين الحاضرين لقمة الرياض الأخيرة، والتي كان أحد محاورها الأساسية النظر في كيفية مواجهة إيران بمنطقة الشرق الأوسط بدعم أمريكي.
اطمئنت العواصم الخليجية تحديدًا بعد تصريحات ترامب، وفي مقدمتهم الرياض التي دفعت ثمن هذه التصريحات “باهظًا” فيما يبدو، بعد إبرام المملكة العربية السعودية صفقات سلاح واستثمارات في الولايات المتحدة تقدر بـ460 مليار دولار، تلك التي أطلق عليها مراقبون “صفقة القرن“.
استقبال إيراني بارد لهذه التصريحات
استقبل الإيرانيون ما وجه إليهم في هذه القمة بنوع من “البرود” الغير معتاد، إذ فضل الإعلام الإيراني التركيز على جوانب أخرى في زيارة ترامب للمملكة العربية السعودية، فيما خرجت تصريحات مُرشد إيران الأعلى، آية الله علي خامنئي، يوم السبت الماضي، 27 من مايو/أيار، تقول إن هذه الصفقات لن تُغيِّر شيئًا.
وقد وصفت تصريحات إيرانية أخرى ما يفعله ترامب مع السعودية “بالابتزاز”، معتبرين أن الإدارة الأمريكية الجديدة ترى في المملكة “بقرة حلوب” تدر الأموال فقط، باستخدام فزاعة التهديد الإيراني في المنطقة، مع استخدام اللهجة المعتادة المعادية للولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني.
هذا الاستقبال الإيراني البارد الذي يبدو غير مهتم بما حدث في قمة الرياض، ظهر تفسيره فيما بعد، إذ تعتقد طهران أن ما يحدث “محض تجارة” ولغة مال يجيدها ترامب وإدارته بشكل منقطع النظير، وربما ترى في استنزاف السعودية ماليًا مصلحة لها.
إيران تفهمت روح ترامب التجارية
رغم كل التصريحات العدائية المتبادلة بين ترامب وإيران منذ صعوده إلى سدة الحكم في البيت الأبيض، كشفت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية أن إيران في انتظار استلام أسطول من طائرات بوينغ الأمريكية الصنع، وذلك نتيجة صفقتين بقيمة 22 مليار دولار تحصل عليها الشركة الأمريكية.
وقد كان آخر عقدٍ وُقِّع بين شركة تصنيع الطائرات الأمريكية وشركة الطيران الإيرانية “إيران آسمان” بعد شهرين من أداء ترامب اليمين الدستورية كرئيس للولايات المتحدة.
المعادلة يمكن أن تكون وفقًا لمراقبين: “تُرخي الولايات المتحدة قبضتها عن الاقتصاد الإيراني مقابل تقديم إيران بعض التنازلات في الشؤون الإقليمية
يمكن هنا الإشارة إلى أن روح ترامب التجارية وخلفيته كرجل أعمال ترفض أن تتماهى تمامًا مع خطابه الموجه لإيران، إذ إن الازدواجية سيدة الموقف في الأمور التجارية والسياسية في إدارة ترامب حتى الآن.
فترامب غير مستعد بالمرة لإلغاء الصفقات مع إيران بعد أن كان من المتوقع أن توفر 18 ألف فرصة عمل للأمريكيين.
وفي هذا الصدد صرح ما شاء الله شمس الواعظين، المُحلل الإصلاحي للسياسة الإيرانية، حيث قال: “ترامب وتيلرسون، وغيرهم، هذه إدارةٌ مكوَّنة من رجال أعمال، إنَّهم يحلون المشكلات بالتفاوض وليس بالقتال”.
ويقول أيضًا حسين شيخ الإسلام، مستشار محمد جواد ظريف، وزير الخارجية الإيراني، إنَّه لا يستبعد المفاوضات المباشرة، لكنه أضاف أنَّ الإيرانيين لا يزالون يحاولون فهم شخصية ترامب، وأضاف حسين عن ترامب قوله: “إنَّه رجلُ أعمالٍ، ولكن حتى في الأعمال التجارية، يتصرَّف تصرفاتٍ مُتهوِّرة ولا يمكن التنبؤ بها”.
العلاقات ليس فقط على صعيد الاقتصاد
وفقًا لنيويورك تايمز، سيكون من الصعب على الولايات المتحدة حل المشكلات في لبنان وسوريا العراق واليمن من دون إيران، مشيرة إلى أن الأعمال ستفتح قنوات اتصال مع طهران، وهو ما معناه أن التواصل بين إدارة ترامب وطهران لن يقتصر على المال فقط، بل قد يمتد إلى السياسة مع الوقت.
تحتاج إدارة روحاني إلى تنفيذ وعودها الجديدة في استكمال عملية التحرر من العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة من جانبٍ واحد، والتي لا تزال تخنق الاقتصاد الإيراني
فالمعادلة يمكن أن تكون وفقًا لمراقبين: “تُرخي الولايات المتحدة قبضتها عن الاقتصاد الإيراني مقابل تقديم إيران بعض التنازلات في الشؤون الإقليمية”.
وعلى الصعيد الإيراني اقترح حسن روحاني، الرئيس الإيراني الذي أُعيد انتخابه مؤخرًا، إمكانية ترتيب مفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران، ولكن بعد أن تحظى إدارة ترامب بمزيدٍ من الوقت في السلطة، وتأخذ طهران فترةً أطول لتقييم الرئيس الأمريكي، على حد قوله.
وأضاف روحاني في تصريحاته بمؤتمرٍ صحفي عقده الأسبوع الماضي: “ننتظر أن تستقر الإدارة الأمريكية الجديدة على تحديد موقفها وجدول أعمالها وطريقة تفكيرها، وحينئذٍ، سنحظى بوجهة نظر أدق تجاه واشنطن”.
تلك التصريحات التي تشير إلى إمكانية التواصل بين الجانبين على الرغم من نبرة العداء المتصاعدة مؤخرًا، إذ تحتاج إدارة روحاني إلى تنفيذ وعودها الجديدة في استكمال عملية التحرر من العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة من جانبٍ واحد، والتي لا تزال تخنق الاقتصاد الإيراني.
الجدير بالذكر أن إيران توصلت إلى اتفاق مع الغرب ممثلًا في مجموعة “5+1” ينظم رفع العقوبات المفروضة على طهران منذ عقود، ويسمح لها بتصدير واستيراد أسلحة، مقابل منعها من تطوير صواريخ نووية، وقبولها زيارة مواقعها النووية.
وصفت تصريحات إيرانية أخرى ما يفعله ترامب مع السعودية “بالابتزاز”، معتبرين أن الإدارة الأمريكية الجديدة ترى في المملكة “بقرة حلوب” تدر الأموال فقط، باستخدام فزاعة التهديد الإيراني في المنطقة
وفي أثناء حملة ترامب الرئاسية، انتقد الرجل الاتفاق النووي مع إيران، ووصفه بـ”أسوأ صفقةٍ على الإطلاق”، لكن في أبريل/نيسان ومايو/أيار وقَّع بهدوء على تنازلاتٍ جوهرية عن بعض العقوبات التي تسمح باستمرار الاتفاق، وتُمكِّن إيران من إبرام صفقاتٍ تجارية دولية، والحصول على الأرصدة التي جمَّدتها الولايات المتحدة منذ فترةٍ طويلة.
وكانت إدارة ترامب قد فرضت سلسلةً من العقوبات على أفرادٍ وشركات بعد أن أجرت إيران اختبارًا صاروخيًا في فبراير/شباط الماضي، إلا أن هذه العقوبات لم تتجاوز سقف إدارة أوباما السابقة التي انتقدها ترامب في التعامل مع إيران، ولا تؤثر بشكل كبير على الاتفاق النووي.