لا تنفكّ دولة الإمارات العربية إعلانها وتسويقها لخلافها الدائم مع إيران وعلى أنها العدو الكبير لها ولجاراتها الدول الخليجية. وما زالت الإمارات وبدعوى احتلال إيران لجزرها الثلاث المتنازع عليها منذ 46 عامًا، تمثل دور الضحية والمعتدى عليها.
ففي الوقت الذي تشيطن الإمارات فيه بالعلن إيران وتحذر منها، وتدّعي محاربة أدواتها في اليمن وغيرها، وتشتري من أجل ذلك بمليارات الدولارات مختلف أنواع الأسلحة على أساس أنها في حالة حرب، ما زالت تعقد معها عشرات الصفقات وتصنع عمليات تبادل تجاري ضخمة بمليارات الدولارات، ويكأن طهران أصبحت بالنسبة لأبو ظبي ولي حميم.
آخر هذه التبادلات التجارية، ما أعلنه المدعي العام لديوان المحاسبة الإيراني فياض شجاعي اليوم أن بلاده تسلمت نحو أربعة مليارات و150 مليون دولار من مستحقاتها من شركة بترول الإمارات الوطنية (إينوك).
إينوك إحدى الشركات الحكومية الإماراتية التي تتعامل مع إيران
حيث نقلت وكالة الجمهورية الإسلامية الرسمية للأنباء (إرنا) عن شجاعي قوله إن ديوان المحاسبة دعا إلى متابعة موضوع ديون شركة “إينوك” الإماراتية المستحقة لطهران، وأن المسؤولين نجحوا في تسلم المبلغ وإيداعه بالبنك المركزي الإيراني. مشيرًا إلى أنه تمت تصفية جميع الديون التي كانت مستحقة لحكومة بلاده على الشركة الإماراتية.
أكبر مستحوذ خليجي على التبادل التجاري الإيراني
التعاملات والتبادلات الاقتصادية بين أبو ظبي وطهران لم تغب ولم تتوقف إطلاقًا، برغم من كل هذه المشاحنات المعلنة أو التي يراد تصويرها كذلك، فالإمارات واصلت التعامل التجاري مع إيران حتى قبل التوصل للاتفاق النووي بين طهران والقوى الدولية في 2015.
كما تراوح حجم التبادل التجاري بين البلدين بين 17 مليار دولار و25 مليار دولار، بين الأعوام 2011 و2014، حيث اعتبرت الإمارات آنذاك من بين أبرز المنافذ التي تولت تغذية الاقتصاد الإيراني خلال سنوات الحصار الغربي التي فرضت على طهران. وتستحوذ الإمارات حاليا على 80% من حجم التبادل التجاري بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي.
يعيش في الإمارات نحو 400 ألف إيراني بينهم نسبة كبيرة من التجار ورجال الأعمال ، وتوجد 8 آلاف شركة إيرانية تعمل في الإمارات بشكل رئيسي في قطاع المواد الغذائية والمواد الخام والحديد والفولاذ والإلكترونيات والإطارات، والمعدات المنزلية، وغيرها من المواد
الزيارات والاتفاقات بين البلدين لم تنقطع، وفي كل مرة كانت تخرج أبو ظبي بصفقة كبيرة مع إيران، حتى أن عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية الإماراتي، أكد في أحد زياراته لطهران قبل نحو عامين أن العلاقات بين بلاده وإيران هي علاقات “قديمة وتاريخية تضرب بجذورها في عمق التاريخ وترتكز على أسس متينة من الاحترام المتبادل والتعاون المشترك من أجل أمن واستقرار المنطقة”.
بن زايد وظريف في عقد إحدى الصفقات الاقتصادية بين البلدين
وفي زيارة أخرى لجواد ظريف وزير الخارجية الإيراني لأبو ظبي، أكد بن زايد “أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية شريك استراتيجي لدولة الإمارات، ولا يقتصر الأمر على التجارة والعلاقات الاقتصادية فحسب رغم أهميتها، بل يعود إلى روابط ثقافية وحضارية مشتركة تظهر آثارها فيما تشاهدون في بلدنا وما نشاهده في بلدكم” –محدثًا ظريف.
إلى ذلك، يعيش في الإمارات نحو 400 ألف إيراني بينهم نسبة كبيرة من التجار ورجال الأعمال ، وتوجد 8 آلاف شركة إيرانية تعمل في الإمارات بشكل رئيسي في قطاع المواد الغذائية والمواد الخام والحديد والفولاذ والإلكترونيات والإطارات، والمعدات المنزلية، وغيرها من المواد، وفقاً لتصريح سابق لمجلس الأعمال الإيراني في دبي.
ورغم تراجع التبادل التجاري بين الإمارات وإيران من 47.7412 مليار درهم (13 مليار دولار) في عام 2009، إلى نحو 25 مليار درهم (6.8 مليارات دولار) عام 2012، بعد ضغوط أمريكية متواصلة بعدما فرض مجلس الأمن الدولي جولة رابعة من العقوبات على إيران في يونيو/ حزيران 2010 بسبب اتهامات بأنها تسعى لامتلاك سلاح نووي، إلا أن الإمارات ماتزال أبرز الشركاء التجاريين لإيران، ويوجد رغبة قوية لدى حكّام الإمارات لتطوير العلاقات الاقتصادية مع طهران.
لا يمر محفل اجتماعي سياسي خليجي أو دولي تشارك فيه الإمارات إلا وتطالب بتحرير جزرها المحتلة الثلاث من إيران، لكن هذه المطالبات تتبخر مباشرة حينما يلتقي المسؤولون من كلا البلدين، ومباشرة يتم تغيير وجهة أبو ظبي نحو التأكيد على رغبتها في تطوير العلاقات الاقتصادية وتنميتها مع طهران
فوفق الاحصاءات التي اصدرتها مصلحة الجمارك في إيران في أغسطس 2013، حول التبادل التجاري لإيران حينها، فإن الامارات كانت من أهم وجهات الصادرات والواردات الإيرانية.
ولم تمنع التجاذبات السياسية بين الإمارات وإيران بسبب الجزر الثلاث (طنب الصغرى – وطنب الكبرى – وأبو موسى) الواقعة في مضيق هرمز، عند مدخل الخليج، والتي سيطرت عليها إيران عام 1971 مع انسحاب القوات البريطانية من المنطقة واستقلال الإمارات من تنامي العلاقات التجارية بين البلدين.
وقد لا يمر محفل اجتماعي سياسي خليجي أو دولي تشارك فيه الإمارات إلا وتطالب بتحرير جزرها المحتلة الثلاث من إيران، لكن هذه المطالبات تتبخر مباشرة حينما يلتقي المسؤولون من كلا البلدين، ومباشرة يتم تغيير وجهة أبو ظبي نحو التأكيد على رغبتها في تطوير العلاقات الاقتصادية وتنميتها مع طهران.
التقاء مصالح أم تناقض واضح؟
يشير كثير من المحللين والمراقبين إلى أن هذا التناقض الإماراتي في سببه هو أن حكّام الإمارات يمتلكون قدرًا كبيرًا من البراغماتية مع إيران والدول الكبرى، وذلك برغم أي خلافات لهم معها، ففي العلاقة مع طهران على سبيل المثيل، تفرق أبو ظبي بين الاحتفاظ في المطالبة بحقوقها في الجزر الثلاث، وبين الاحتفاظ بالتجارة والمصالح التي تعود عليها بالخير من إيران، في الوقت الذي تصّعد فيه وتحاول التظاهر بأنها ضحية لإيران وأطماعها عبر أدواتها الإعلامية.
يرى الإماراتيون أن هذه العلاقات الاقتصادية مع إيران لا بديل عنها، حتى وإن كانت تحتل إيران أراضيهم، فلا مشكلة مع التعاون والتبادل الاقتصادي، طالما أنه يخدم مصالحهم ويعمل على ازدهار بلدهم
ولطالما اعتمدت إيران على علاقتها الاقتصادية مع دبي أبو ظبي عندما أحكم الطوق الاقتصادي العالمي عليها، فكانت الإمارات هي المتنفس الجيد لطهران، وكانت دبي تحديدًا منفذً رئيسيًا لها لورداتها وصادراتها، وهذا الأمر يصب في صالح دبي التي تعتمد ببنيتها التحتية التجارية على تقديم خدمة الترانزيت والخدمات النقدية والنقلية، وتحاول أن تلعب دور وسيط في تصدير السلع لأنحاء العالم، لإن إيران أصبحت في وضع لا يمكنها أن تكون منفتحة بشكل طبيعي مع دول العالم، ولذلك استفادت دبي أكثر مما استفادت إيران، وكثيرًا من الرأسمال الإيراني من خلال ما يملكه الأفراد تم توظيفه في الاستثمار بدبي مما جعل دبي تزدهر كثيرً.
ويرى الإماراتيون أن هذه العلاقات الاقتصادية مع إيران لا بديل عنها، حتى وإن كانت تحتل إيران أراضيهم، فلا مشكلة مع التعاون والتبادل الاقتصادي، طالما أنه يخدم مصالحهم ويعمل على ازدهار بلدهم. وفي الوقت نفسه، تستفيد طهران بشكل كبير أيضًا، فهناك استثمارات إيرانية ضخمة توظف في المشاريع الإنمائية في دبي، بحيث يظهر في المشهد أن إيران هي صديق وولي حميم وشريك حتى في بناء الإمارات.
ماذا عن الرياض وموقفها من هذه العلاقات؟
هذه العلاقة البراغماتية والمتناقضة لأبو ظبي مع طهران، كثيًرا ما أزعجت الرياض، وكانت سببًا لتوترات مع أبو ظبي، لكن السعودية هي أيضًا تحتفظ بعلاقات اقتصادية مع طهران وإن كانت محدودة وضعيفة، وكانت تشترط الرياض دومًا لتقوية هذه العلاقات وتطويرها أن تتغير السياسة الإيرانية في المنطقة، فإذا استمرت السياسة الإيرانية كما كانت عليه في الماضي فلن تتحسن سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي، مؤكدة في الوقت نفسه توقف إيران تدخلاتها في سوريا والبحرين والعراق واليمن.
أحلام وتمنيات الرياض ذهبت أدراج الرياح مع صِدام أبو ظبي وتضارب مصالحها لاحقًا معها والتي كانت ذروتها في الملف اليمني
يذكر أن العلاقات الاقتصادية بين السعودية وإيران رغم محدوديتها إلا أنها تراجعت هي الأخرى بشكل كبير من 1618 مليون ريال سعودي (431 مليون دولار) في 2009 إلى 823 مليون ريال (219 مليون دولار)في 2012، بحسب مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات السعودية.
سبب رضا الرياض وصمتها على هذه العلاقات الكبيرة بين حليفها الأول –أبو ظبي- وبين طهران، هو تأملها أن تستخدم هذه العلاقات الاقتصادية في مستقبل قريب، كورقة ضغط إذا لزم الأمر، في حال استمرت إيران في محاولاتها المستمرة في التدخل في شؤون الخليج
ويشير مراقبون إلى أن سبب رضا الرياض وصمتها على هذه العلاقات الكبيرة بين حليفها الأول –أبو ظبي- وبين طهران، هو تأملها أن تستخدم هذه العلاقات الاقتصادية في مستقبل قريب، كورقة ضغط إذا لزم الأمر، في حال استمرت إيران في محاولاتها المستمرة في التدخل في شؤون الخليج، أو في حالة وجود ضغوط دولية جديدة لإحكام الحصار الاقتصادي على إيران، لكن هذه الأحلام والتمنيات ذهبت أدراج الرياح مع صِدام أبو ظبي وتضارب مصالحها لاحقًا مع الرياض، والتي كانت ذروتها في الملف اليمني، حيث طفى على السطح خلافات كبيرة بين الحليفين، سببه هو التسابق على اختلاف برامج كل منهما، والتسابق على المصالح والمنافع الاستراتيجية في اليمن.