ترجمة وتحرير: نون بوست
مع ارتفاع درجات الحرارة التي غالبا ما تكون فوق 30 درجة مائوية، يمكن أن تتسبب النفايات الملقاة في شوارع الدار البيضاء في اختناق ما يربو عن أربعة ملايين ساكن. ولكن مع مرور الزوار عبر ثاني أكبر مدينة في المنطقة المغاربية، فإن “الجنود” أو “الأيادي الصغيرة” تعمل جاهدة لتتأكد من عدم تراكم كميات كبيرة من النفايات في مدافن القمامة.
في الواقع، ينتمي هؤلاء الرجال والنساء إلى الأفراد الذين دعاهم الأنثروبولوجي دلفين كورتيل وعالم الاجتماع ستيفان لي لاي (إريس، 2011) “بعمال النفايات”. وعلى الرغم من عملهم الشاق والمضني، إلا أنه يتم إقصاؤهم من قبل المجتمع المغربي بسبب عدم نظافة عملهم، وطبيعة مساحات معيشتهم.
في الواقع، يعيش عمال النفايات في هوامش المناطق الحضرية، وفي الأحياء الفقيرة والمنازل المؤقتة التي يتم هدمها أو التهديد بذلك بشكل منتظم من قبل أصحاب المشاريع العقارية والحضرية. علاوة على ذلك، يتعرض هؤلاء العمال من خلال عملهم في الشوارع للعنف إما من قبل السلطات أو السكان.
قمنا منذ سنة 2011، بإجراء العديد من المقابلات مع أعضاء المجتمع وكان هدفنا من ذلك هو أن نبيّن أن جامعي النفايات، والفرز، وإعادة تدوير القمامة، يعتبرون مهنتهم حرفة وأن دورهم ضروري في المجتمع لا سيما وأن القضايا البيئية لم تعد على رأس جدول أعمال الدولة. ووفقا للمسح الذي قمنا به عدة مرات، تبين لنا أن ثلث النفايات المنزلية في الدار البيضاء لن يتم قبولها في “مدافن” القمامة. وبعيدا عن تقديم صورة عن البؤس والتهميش والإقصاء، نود أن نقدم لكم صورة عن هذه الفئة من السكان خالية من الوصمة التي تصاحب عادة أنشطتهم المرتبطة بالنفايات.
نظرة عامة على جزء من منطقة إعادة تدوير النفايات في الدار البيضاء، الهراويين. في الخلفية، يمكنك أن ترى منطقة الإسكان الاجتماعي في أتشاروق
تقع منطقة الهراويين في ضواحي الدار البيضاء. ويعيش معظم العمال في الدوار المجاور (الأحياء العشوائية) حيث تغيب المياه وتزود هذه المناطق بالكهرباء عن طريق المولدات أو بتوصيلات غير قانونية. والجدير بالذكر أن العديد من أصحاب المشاريع العقارية فرضوا ضغوطا على المدينة لتجديد المنطقة والتخلص من أحيائها الفقيرة. وبما أن جامعي النفايات لا يملكون الأراضي الذي يقطنون عليها في ظل غياب مشروع لإعادة الإسكان، فإنهم يعيشون في خوف دائم من إمكانية إخلائهم من المنطقة.
جامع نفايات عائد من جولته في ضواحي الدار البيضاء
في الحقيقة، يطلق على جامعي النفايات اسم “بوور” (وهي كلمة مشتقة من الكلمة الفرنسية éboueur رجل القمامة). وفي هذه الصورة، نشاهد “بوورا” عائدا من المدينة وعربته محملة بالنفايات التي جمعها طوال اليوم. في المقابل، يقلل العدد المتزايد من الحاويات المدفونة في الأحياء الغنية في الدار البيضاء من إمكانية الوصول إلى هذا المورد من النفايات.
منظر داخلي ” لجلساس” من الهراويين
إن مصطلح “الجلساس” (مصطلح مستمد من الفعل “جلس”، وهو ما يعني الجلوس في اللغة العامية لمنطقة المغرب العربي) وهي عبارة عن حاويات من مختلف الأحجام محاطة بسياج من الأوتاد (صفائح معدنية أو قشور أو ألواح أو نفايات جافة تشكل الجدار) حيث يحتفظ “البوارة” بما جمعوه من جولتهم اليومية في المدينة.
عموما، يتم بيع هذه النفايات المجمعة والتي تتكون أساسا من الورق المقوى والبلاستيك والمعادن والزجاج والأقمشة والنفايات النباتية. أما الأجسام القيمة فسوف ينتهي بها الأمر في أحد أسواق السلع المستعملة (جوتيا). وبالتالي، يعد كل شي بالنسبة لجامعي النفايات قابل لإعادة الاستخدام.
عامل فرز النفايات في جلساس المتخصصة في المواد البلاستيكية
في الواقع، يكسب “بوارة” الدار البيضاء حوالي 20 يورو يوميا، بيد أن العديد منهم يقومون باستئجار معدات عملهم (العربة والحيوان) من رؤسائهم بمبلغ يقدر بحوالي اثنين يورو. تكون “الجلساس” إما موقعا للفرز وإعادة تدوير النفايات (البلاستيك والخشب والمعادن والخرق)، حيث يتم فرز المواد حسب النوع، أو تكون مخصصة لنوع واحد من النفايات، كما هو مبين في الصورة أدناه.
لا يوجد كهرباء في الجلساس وهذا الجهاز يعمل من خلال المولد
بعد عملية الفرز والجمع، يتم ضغط بعض المواد وسحقها بهدف جعلها تحتل مساحة أقل. ثم يتم بيع المواد إلى تجار الجملة في القطاع غير الرسمي أو إلى القطاع الرسمي من خلال شاحنات صغيرة أو شاحنات مرسلة لنقل النفايات.
نساء يقمن بفرز النفايات البلاستيكية
في الهراويين، لم نر العديد من النساء في الجلساس. فمن بين ثلاثة آلاف عامل في إعادة تدوير النفايات، كان معظمهم من الشباب، وقدرنا أن هناك حوالي 500 إلى 600 امرأة فقط لا يتم تكليفهن سوى بالفرز. والجدير بالذكر أن الأزمة الاقتصادیة في المغرب أدت إلی زیادة عدد عمال النفایات في الدار البیضاء.
مساكن جامعي النفايات هي أيضا مصنوعة من النفايات
في الحقيقة، ينحدر جل جامعي النفايات إما من الريف إذ يأتون هربا من الفقر أو من القرى البعيدة جدا في المناطق الشرقية من الدار البيضاء. ويأتي الكثيرون، ولا سيما الشباب منهم، ويذهبون وفقا للدورات الزراعية حيث أن يقارب عن 19 في المائة من سكان المغرب الذين يعتمدون على الزراعة لا يزالون يعيشون في الفقر أو مهددون بأن يصبحو فقراء. وعموما، يستضيف هؤلاء العمال الموسميون أقربائهم وذويهم في دوار قرية الهراويين أو يعيشون في حظائر داخل “الجلساس”.
مالك الجلساس يلتقط صورة برفقة حصانه
يشغّل صاحب هذه الجلساس العديد من جامعي النفايات وهو يمتلك بعض العربات التي يتم سحبها إما من قبل حمار أو حصان. وفي الغالب، يكون صاحبو الجلساس متوسطي الدخل. كما أن هناك تسلسل هرمي في عالم إعادة التدوير؛ في أسفل الهرم نجد البوار البسيط والنساء اللواتي يقمن بالفرز ويحصلن على دخل منخفض. أما في أعلى الهرم، فنجد زعماء الجلساس الذين يمتلكون عربة شحن أو أكثر بالإضافة إلى آلة سحق البلاستيك.
من جهتهم، يكون زعماء الجلساس في الأغلب على دراية كاملة بتكلفة وقيمة المواد في السوق كما يسعون دائما للبقاء على إطلاع على تذبذب الأسعار من خلال الإنترنت أو هواتفهم النقالة. ولذلك، هم يعرفون بالضبط أين، ولمن ومتى يعرضون بضاعتهم للبيع وذلك بهدف على أعلى فائدة.
جامع نفايات وهو بصدد العمل على تفريغ مكب نفايات مديونا
يقع مكب مديونا على بعد 20 كيلومترا من جنوب الدار البيضاء الكبرى، ويستقبل حوالي 3500 طن من النفايات المنزلية كل يوم، تجلبها شاحنات شركات إعادة تدوير النفايات. وفي هذا الموقع، الذي ينبغي أن يمثل عادة نهاية عمر نفايات الدار البيضاء، يستخرج حوالي 600 من جامعي النفايات غير القانونيين ما يربو عن 1000 طن من المواد يوميا، والتي سيتم إعادتها لدائرة إعادة التدوير غير الرسمية والرسمية.
فضلا عن ذلك، تقوم أعمال مصانع إعادة التدوير وتجار الجملة بشكل كبير على أنشطة جامعي الشوارع أو مكب مديونا الذي يشترون منه المواد المعاد تدويرها بتكلفة أقل. أما المواد الخام الثانوية التي ينتجها القطاع الرسمي للاقتصاد، فعادة ما يتحصل عليها هؤلاء العمال المجهولين.
حاول أحد تجار الجملة إنشاء جمعية لمجمعي النفايات في منطقة الهراويين وذلك من أجل الحصول على اعتراف رسمي من الدولة وتنظيم سير عملهم. لكن مطالبه لم تلق إلى حد الآن صدى من قبل السلطات
وبغض النظر عن الحدود، فإن هذا العالم الصغير من العمال غير الرسميين يشارك بشكل مباشر أو غير مباشر في السلسلة الاقتصادية على كل المستويات؛ المحلية والإقليمية والوطنية بل وحتى الدولية. كما أنهم على دراية بأهمية الدور الذين يضطلعون به. وفي هذا الصدد، قال مصطفى أحد الأشخاص الذين أجريت معهم مقابلة خلال سنة 2013: “نحن نساهم في اقتصاد المغرب. ويعود لنا الفضل في إعادة تدوير هذه الفضلات بدلا من أن يتم دفنها بكل بساطة أو حرقها. هذا هو مورد رزقنا وهذا العمل هو الذي يسد رمق جوعنا”.
من جانب آخر، حاول أحد تجار الجملة إنشاء جمعية لمجمعي النفايات في منطقة الهراويين وذلك من أجل الحصول على اعتراف رسمي من الدولة وتنظيم سير عملهم. لكن مطالبه لم تلق إلى حد الآن صدى من قبل السلطات. ويُوعز فشله في إنشاء جمعية إلى الوصمة الدائمة الملازمة لمهنة جمع النفايات، كما يدلّ أيضا على نزول هذه المهنة إلى هوامش المكانة الاجتماعية لعاصمة المغرب الاقتصادية. ومع ذلك، فإن المبادرات فضلا عن توحيد صفوف المجتمع، والجمعيات هي خير دليل على أن اندماج جامعي النفايات وتحقيق مطالبهم الاجتماعية، والاعتراف بهم، أمر ممكن.