انتقلت الفكرة من الخيال إلى أرض الواقع، وبدأت فكرة “شبيبة إحسان” في قرية كفر قرع، جنوب مدينة حيفا في فلسطين، في تطبيق الإحسان في خدمة أهل قريتهم، ولمدة ست سنوات على التوالي، كانت الشبيبة وما زلت تسعى لخلق قاعدة شبابية هدفها زرع قيم العطاء في المجتمع.
شبيبة إحسان هي مبادرة شبابية تضم حوالي 45 مُحسنًا ومُحسنة من مختلف الأعمار والخلفيّات، طلاب جامعات وتلاميذ ثانويّات وأكاديميين، بالإضافة إلى ما يُقارب 55 متطّوع بعد فتح باب الانضمام خلال الشهر الكريم والتجنيد لبرنامج الإحسان، فمنذ بداية إحسان انضم الكثير من شبّان وفتيات قريتنا، قسم كبير منهم أكلموا مسيرة الإحسان وقسم آخر تعذّر عليه لأسباب وظروف حياتيّة والتزامات مختلفة. إذ تعتبر شبيبة إحسان مدرسة تطوعيّة خيريّة خرجت العديد من شباب القرية المتميّزين
كانت السنوات الأربعة الأولي منذ بداية انطلاقة “شبيبة إحسان” خاصة بالأعمال الخيرية الاعتيادية داخل القرية، من جمع للتبرعات، والمواد الغذائية وتوصيلها للمحتاجين، ومن ثم تطورت نشاطاتهم التطوعية لتشمل جميع أفراد القرية وخصوصًا الأطفال، فكان شهر رمضان مركزًا لانطلاق تلك الفعاليات الجديدة، لتكون “شبيبة إحسان” موجودة يوميًا على مدار الشهر لتقيم فعاليتها في أكثر الأماكن قيمة تاريخية بالنسبة لأهالي “كفر قرع”.
تمثلت نشاطاتهم في العام الماضي في الخيمة الرمضانية، والتي كان هدفها الأساسي إحياء رمضان من جديد في نفوس الأطفال الفلسطينيين تحديدًا، فاختلفت فعاليتها من ثقافية واجتماعية وتعليمية ودينية، بما فيها من تهاليل دينية بمناسبة قدوم الشهر الكريم، أما في هذا العام، حيث افتتحت “شبيبة إحسان” فعاليتها هذا العام في الليلة الأولى من الشهر الكريم، اجتمع فيها الكثير من أهل قرية “كفر قرع”، قدموا فيها عروضًا شيقة وأمسية ممتعة.
“هدفنا نخلق قاعدة شبابية، يجد فيها الشباب فرصة للعطاء والإحسان لخدمة قريتهم”
“سوار قربي” إحدى مؤسسي مبادرة “شبيبة إحسان”
تحدث نون بوست للقائمين على فكرة مبادرة “شبيبة الإحسان” عما يُمثل لهم العمل التطوعي، فأخبرونا بأن التطوع هو؛ “أن ننثر الخير أينما حللنا ونحاول بكلّ ما أوتينا من قدرة ورغبة بتقويم ما حولنا وغرس فكرة العمل وإيصال رسالة الإحسان. نحنُ نؤمن أنّ على الإنسان أن يسعى في أرض الله ويعمّرها، أن هذه الأرض هي أمانة أودعها خالق الكون لنا وعلينا أنّ نصون تلك الأمانة ونعمل على نهضتها وصلاحها. منذ 6 أعوام اجتمعنا، وعرفنا أن قيمة التطوع تكمن في قدرتنا على أن نُعطي دون انتظار مُقابل ولوجه الله تعالى وأنّ نسخر كل الأسباب لنمضي ونكافح رغم عقبات كثيرة في سبيل فكرة آمنا بها، ألا وهي الإحسان.
تهدف شبيبة الإحسان إلى زرع قيم العطاء في الأطفال منذ سن صغيرة، وتعزز مفاهيم التكافل الاجتماعي في نفوسهم، من أجل إحياء تلك القيم في مجتمعهم، خصوصًا كونهم مجبرين على التعامل ضمن القوانين “الإسرائيلية”، حيث يخضع “كفر قرع” الواقع بالجنوب الشرقي لمدينة “حيفا” للإدارة “الإسرائيلية”.
تعمل “شبيبة إحسان” على ضم مختلف الفئات العمرية ضمن صفوفها، لكي لا يقتصر العمل التطوعي على فئة الشباب وحدهم، فتكون المدارس والروضات مقصدًا مهمًا من قِبل القائمين على فعاليات وأنشطة شبيبة إحسان، من أجل نشر ثقافة العطاء في مختلف طبقات المجتمع بفئاته العمرية المختلفة.
أحد أهمّ أهداف “شبيبة إحسان” هي الحفاظ على هويّة المُجتمع الفلسطيني وأسسه، وبناء الفكر الحرّ والمُتحرّر من رواسب الاحتلال والاستعمار
عندما سأل نون بوست فريق “شبيبة الإحسان” إن كان من الممكن اعتبارهم رمزًا للمقاومة على أرض فلسطين المحتلة، أجابونا بأن أحد أهمّ أهداف “شبيبة إحسان” هي الحفاظ على هويّة المُجتمع الفلسطيني وأسسه، وبناء الفكر الحرّ والمُتحرّر من رواسب الاحتلال والاستعمار، فهم يؤمنوا بأهميّة وجودهم على الأرض والسعي في تعميرها وغرس فكرة الإحسان بالمجتمع وفي قريتهم، حيث يعتبروا عملهم هذا يُساهم في صقل الشخصيّة والجيل الواعي الحُر، فالمقاومة أشكال وأنواع، وترى “شبيبة إحسان” أنّ سعيها وتمسكّها بهويّتها الفلسطينيّة وتوفير إطار للشباب ولأهل القريّة عامّة يساهم بمقاومة الاحتلال ورغبته باستئصال قيم التكافل الاجتماعي والسياسات المُنتهكة والخالية من الإنسانيّة وفطرة الخير.
تعمل “شبيبة إحسان” على ضم مختلف الفئات العمرية ضمن صفوفها، لكي لا يقتصر العمل التطوعي على فئة الشباب وحدهم
لا يشترط الإحسان أن يكون في قيمة ملموسة، هكذا صرح راني هيكل أحد مؤسسي “شبيبة إحسان” في
“>لقاء تليفزيوني له، حيث قال بأن من المعتاد جدًا أن يقصر الجميع فكرة العطاء والإحسان على الأشياء المادية، ويختصرونها في الصورة النمطية في طرود الغذاء، إلا أن الإحسان لا يقتصر على ذلك فحسب، بل تكون القيمة المعنوية جزءًا شديد الأهمية فيه، ولهذا نحن نهدف إلى توعية الأجيال الصغيرة به منذ سن مبكرة.
فما السير في الخير إلا اختيار
“شبيبة إحسان” هي مجموعة خيريّة، تحصل على الدعم الماديّ والمعنوي كلّه من أهالي القرية ورجال أعمال وأناس من بلدان مختلفة يؤمنون بفكرة الإحسان
لا يكون جزاء الإحسان إلا الإحسان، ولا يكون مقابل العطاء ماديًا، لهذا يكون السير في الخير اختيار، حيث تابع راني في التقرير التليفزيوني أن تلك النجاحات الصغيرة التي تُحققها “شبيبة إحسان” أفضل مقابل بالنسبة إليهم حينما يرون الفرحة في عيون الأطفال عقب انتهاء فعالية من فعالياتهم.
لا يكون جزاء الإحسان إلا الإحسان، ولا يكون المقابل عطاءً ماديًا، لهذا يكون السير في الخير اختيار
أما بشأن الدعم المادي، فكانت إجابة القائمين على تلك المبادرة الشبابية على سؤال نون بوست بأن “شبيبة إحسان” هي مجموعة خيريّة، تحصل على الدعم الماديّ والمعنوي كلّه من أهالي القرية ورجال أعمال وأناس من بلدان مختلفة يؤمنون بفكرة الإحسان ويساهمون بمبدأ التكافل الاجتماعي، حيث تنبع استقلاليّة “شبيبة إحسان” من كونها جسم حرّ ومستقل يعمل لوجه الله وبصورة تطوعيّة ولا ينتمي لأي حزب أو مؤسّسة رسميّة ويموّل من أهل الخير الكُثر.
لقاء تليفزيوني مع مؤسسي مبادرة “شبيبة إحسان”
تعمل “شبيبة إحسان” على العمل الخيري والتطوعي بالتوازي مع التركيز على تدريب فريق المحسنين، وهم المتطوعون الملتحقون بفريق “شبيبة إحسان” الأصلي، حيث تفتح “شبيبة إحسان” باب التطوع لمختلف الفئات العمرية للانضمام لتلك العائلة الكبيرة، حيث تابع راني في المقابلة التليفزيونية بخصوص هذا الشأن بأن المبادرة الشبابية تعمل على تجنيد ما يمكنهم تجنيده من محسنين لنشر ثقافة العطاء.
تعمل “شبيبة إحسان” على العمل الخيري والتطوعي بالتوازي مع التركيز على تدريب فريق المحسنين
فعاليات “شبيبة إحسان”
تحاول شبيبة إحسان العمل في مضمارين متوازيين، الأوّل هو الأعمال الخيريّة الإنسانيّة مثل جمع وتجهيز طرود غذائيّة للعائلات المستورة، توزيع لحوم العيد و حلوى العيد، بالإضافة إلى حملة ملابس شتائيّة وأجهز تدفئة للمحتاجين، و زيارة المسنّين المُقعدين، زيارة مراكز لذوي الاحتياجات الخاصّة والتعاون مع هذه المؤسّسات، زيارة نادي المسنين في القرية، زيارة وتفقد للمشافي والأقسام الخاصّة بالأطفال، وتنظيف واعمار المساجد.
تسعى شبيبة إحسان لبناء الفرد الواعي الرائد والمُثقف، إذ تخصص أيضًا فعاليّات داخليّة للشبيبة للعمل على بناء الشخصيّات المُحسنة في كل مجالات الحياة والمُلتزمة لفكر الإحسان والسعيّ في الأرض
أمّا المضمار الثاني فهو على صعيد البلدة كاملة، إذ تنظمّ شبيبة إحسان طوال شهر رمضان المُبارك برامج ثقافيّة ودينيّة وعلميّة وإحسانية في أماكن مختلفة الغرض منها إحياء ليالي رمضان ومنح العائلات والأطفال والشباب برامج وأطر ملائمة خلال الشهر الكريم. خلالها تهتم شبيبة إحسان بانتقاء أفكار واختيار أماكن ذات معنى تاريخي ووطني في “كفرقرع”. إضافة إلى كلّ هذا تسعى شبيبة إحسان لبناء الفرد الواعي الرائد والمُثقف، إذ تخصص أيضًا فعاليّات داخليّة للشبيبة للعمل على بناء الشخصيّات المُحسنة في كل مجالات الحياة والمُلتزمة لفكر الإحسان والسعيّ في الأرض والمساهمة في إعمارها.
فكرة الخيمة الرمضانية فهي تعود لفكرة اللجوء، وتتزامن مع أزمات وطننا العربي والنزوح من أرض الوطن واللجوء.
عندما سألهم نون بوست عن فعالية “الخيمة الرمضانية” التي أقامتها “شبيبة إحسان” العام الماضي، أخبرونا بأنه قبل عام تحديدًا قد جاءت المبادرة بفكرة الخيمة الرمضانيّة في أرض “البيادر”، والبيدر هو سهل الزراعة، أمّا في “كفرقرع” فكانت أرض البيادر عدا عن كونها أرض الزراعة، هي أرض الأجداد والأفراح والمناسبات القديمة التي كانت تقام في القرية.
أمّا فكرة الخيمة الرمضانية فهي تعود لفكرة اللجوء، وتتزامن مع أزمات وطننا العربي والنزوح من أرض الوطن واللجوء. “شبيبة إحسان” تؤمن أننا كلنا لاجئين في أرض الله وأنّ الخيمة تجسّد البيت الذي يحتضن الإنسان في صقيع الحرب وشدّتها وأنّ الخيمة كانت وستظل رمزًا من رموز نضال الإنسان عامةً ونضال الفرد الفلسطينيّ خاصةً.
صورة من فعالية استقبل شهر رمضان مُنظمة من “شبيبة إحسان”
تهدف “شبيبة إحسان” إلى التوسع من مجرد مبادرة شبابية إلى تكوين مجلس للإحسان بشكل عام، يخدم قريتهم وأيضًا يقدم نشاطات خارجية
ستقيم المبادرة الشبابية في كل يوم جمعة في شهر رمضان المبارك فعاليات تُسمي بالأمسيات الثقافية والعلمية، لها دور تربوي وتعليمي لأطفال “كفر قرع”، بالإضافة إلى فعالية “ماركت إحسان”، وهو عبارة عن سوق مُصغرة تبيع المنتجات الغذائية بأسعار مُخفضة، كما سيحتوي على ورش للعمل اليدوي، لتشجيع كل من يعمل بالأعمال اليدوية وليجدوا مكانًا لبيع منتجاتهم.
تهدف “شبيبة إحسان” إلى التوسع من مجرد مبادرة شبابية إلى تكوين مجلس للإحسان بشكل عام، يخدم قريتهم وأيضًا يقدم نشاطات خارجية، تهدف لمساعدة المحتاج، وتنشئة الصغار على مبادئ العطاء، وتحارب الظلم من أجل خلق عالم يتساوى فيه الجميع.
في نهاية حديث نون بوست مع “شبيبة إحسان” قالوا لنا؛ “نحن نؤمنّ أن الإحسان رسالة، وأنّ نمضي لنعمّر هذه الأرض، وأن رسالة الإحسان عليها أن تصل لكل مكان وتكون في كل دولة ومدينة وقرية، وأن صلاح هذه الأرض وسط هذا الدمار يكون بحمل هذه الرسالة وصون تلك الأمانة السعيّ في نشرها ونثرها في كل بقعة في هذه الأرض.”