كمعظم الدول الإسلامية، يزداد إقبال الموريتانيين على العمل الخيري طيلة شهر رمضان الكريم، خاصة من قبل فئة الشباب الذين يقبلون على العمل التطوعي في هذا شهر، ويحرصون على جمع التبرعات والإشراف على موائد الرحمن التي تمثّل ملاذًا للفقراء هناك، كما تحرص الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني على إعانة المحتجين وتقديم يد المساعدة إليهم.
تسابق على فعل الخير طيلة الشهر
لم يعرف رمضان موريتانيا “موائد الرحمن”، إلا في السنوات الأخيرة، ومع ذلك عرف هذا العمل الخيري انتشارًا كبيرًا في مختلف أنحاء البلاد خاصة في العاصمة نواكشوط، حيث ينتشر الشباب في أحيائها للبحث عن المحتاجين الذين لا يملكون قوت يومهم، وتوجيههم إلى موائد الإفطار الجماعية.
ويحرص الموريتانيون طيلة هذا الشهر على التنافس على عمل الخيرات، في هذا الشأن يقول الشيخ يبه أحد شباب موريتانيا، لنون بوست: “ننتظر شهر رمضان بفارغ الصبر للتقرب أكثر إلى الله”، وتابع “نجد في تحضير موائد إفطار جماعية والإشراف عليها أفضل الأعمال تقربًا إلى الله، فهي تجسد معنى التضامن والتكافل الاجتماعي الذي حث عليه ديننا الإسلامي الحنيف”.
الشباب يشرفون على موائد الرحمن
ويضيف يبه لنون بوست: “موائد الرحمن عادة جيدة دأب عليها الموريتانيون في رمضان الكريم وهي عبارة عن وجبات تقدم للفقراء وفاقدي السند والبعيدين عن أهلهم، كلهم يجدون ضالتهم في هذه الموائد التي نعمل على تحسينها وتنظيمها كل سنة”.
وتسند إلى الشباب مهمة غسل الصحون وتجهيز الموائد ومساعدة المشرفات على الطعام، والتجول في الشارع بحثًا عن متبرعين وصائمين لملء الموائد وقت الإفطار، وتوزيع وجبة الإفطار للمحتاجين الذين لم يتمكنوا من الالتحاق بالموائد.
ويعاني الشعب الموريتاني من انتشار الفقر في صفوفه، حيث أظهر التقرير السنوي عن حالة الأغذية والزراعة لعام 2015 الذي أصدرته منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة “الفاو”، أن 71.3% من الموريتانيين يعيشون بأقل من دولارين في اليوم، نحو 23.5% منهم يعيشون بأقل من 1.25 دولار يوميًا، وهو أكثر المعدلات خطورة في منطقة شمال إفريقيا.
عمل فردي وجمعياتي
لا يقتصر تنظيم “موائد الرحمن” في موريتانيا على المبادرات الفردية الخاصة، بل يشمل أيضًا الجمعيات العاملة في المجال الإنساني، حيث كانت أولى “موائد الرحمن” بشكلها الحالي من تنظيم جمعية “بسمة وأمل” (جمعية شبابية موريتانية تطوعية إنسانية) في رمضان سنة 2009، وكان الهدف منها، حينها، توفير الفطور لأكبر عدد ممكن من عابري السبيل الذين تقطعت بهم السبل وأقبل عليهم الليل قبل وصولهم إلى منازلهم.
ومنذ ذلك التاريخ تقوم هذه الجمعية إلى جانب جمعيات أخرى بنصب الخيام في أكبر ملتقيات الطرق في العاصمة نواكشوط وأمام المستشفيات لذوي المرضى والفقراء والمحتاجين ومن قطعت بهم السبل وطلاب المدارس الدينية، ويتم فيهم تقديم إفطار متكامل مكونًا من تمر ولبن ومياه معدنية وحلويات وطبقًا رئيسيًا آخر بالإضافة إلى الشاي الذي لا يغيب عن أي مائدة.
إحدى الموائد التي تشرف عليها جمعية “بسمة وأمل”
ويشجع القائمون على موائد الرحمن المحتاجين ومن لا يجد من يجهز له الطعام على الإقبال على الموائد التي تتنافس في جذب أكبر عدد من الصائمين، ويخصصون مكانًا للصلاة حتى لا يضطر الصائم للذهاب إلى المسجد فيفطر بالتمر هناك مما يحرمهم أجر إفطار الصائم.
وأدّى الارتفاع الكبير في الأسعار واحتكار بعض المواد الأساسية إلى ارتفاع أعداد الوافدين على “موائد الرحمن” وتضاعف حجمهم، مما يؤدّي في عديد من الأحيان إلى نقص في الأكل المقدّم يتم تداركه على الفور، حتى لا يشعر الوافدون بالنقص.
وتراوحت نسبة ارتفاع أسعار السلع بين 10% و20% خلال الشهر الحالي، وفقًا للتجار، مما يشكل عبئًا كبيرًا على الأسر التي لم تتوقع أن تشهد الأسعار هذه الارتفاع مع دخول شهر رمضان.