نجحت جهود دولة قطر، بالشراكة مع مصر والولايات المتحدة، للوساطة بين الاحتلال الإسرائيلي وحركة المقاومة الإسلامية “حماس”، فقد جرى التوصل إلى اتفاق على هدنة إنسانية في قطاع غزة تستمر لمدة 4 أيام قابلة للتمديد، سيتم الإعلان عن توقيت بدئها خلال الـ24 ساعة المقبلة.
جهود وساطة قادتها قطر لم تكن سهلة، فقد تعثّرت الصفقة قبل ذلك في أكثر من مرة نتيجة التعنّت الإسرائيلي، لكن مع إصرار الدوحة ومرونة حماس تم الاتفاق على أمل أن يكون هناك اتفاق أشمل في قادم الأيام ينهي العدوان الصهيوني على غزة ويتحرّر بمقتضاه الأسرى الفلسطينيون في السجون الإسرائيلية.
لم يكن هذا الاتفاق الأول الذي ترعاه قطر وتشرف عليه، فغيره كثير، وهو ما يؤكد أن الدوحة أصبحت واحدة من أبرز الوسطاء في الحروب والأزمات في العالم، متفوقة على عدد من دول الشرق الأوسط التي تطمح إلى لعب دور الوسيط، مستغلة الإمكانات التي لديها.
تفاصيل الاتفاق
يشمل الاتفاق الأخير تبادل 50 من الأسرى الإسرائيليين (نساء مدنيات وأطفال) في المرحلة الأولى، مقابل إطلاق سراح عدد من النساء والأطفال الفلسطينيين المحتجزين في السجون الإسرائيلية، على أن يتم زيادة أعداد المفرج عنهم في مراحل لاحقة من تطبيق الاتفاق، لكن لم يتم تحديد عدد الفلسطينيين الذين سيتم إطلاق سراحهم، وهناك تقارير تشير إلى إمكانية إطلاق سراح 150 أسيرًا فلسطينيًا.
كما ينص الاتفاق أيضًا على السماح بدخول عدد أكبر من القوافل الإنسانية والمساعدات الإغاثية، بما فيها الوقود المخصص للاحتياجات الإنسانية.
صيغت وفقًا لرؤية حمــ..اس، وبجهود قطرية ومصرية مشتركة.. ما أبرز بنود اتفاق الهدنة الإنسانية المؤقتة في غزة؟ #فلسطين #غزة_الآن pic.twitter.com/Y68Jnz9V5S
— نون بوست (@NoonPost) November 22, 2023
قبل ذلك، أطلقت حماس سراح أربع رهائن – أم إسرائيلية أمريكية وابنتها، وامرأتان إسرائيليتان – نتيجة اتفاقيات توسطت فيها قطر، وطيلة الأسابيع الماضية توسّطت الدوحة بين ممثلي حماس والحكومة الإسرائيلية لتأمين إطلاق سراح الرهائن الذين يقدر عددهم بنحو 240، أسرتهم المقاومة الفلسطينية يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، خلال عملية طوفان الأقصى.
كما كان للدوحة دور بارز في التوصل إلى هدنة بين مختلف الفصائل الفلسطينية المقاومة والكيان الإسرائيلي الغاصب خلال الحروب التي شنها الأخيرة على قطاع غزة في أعوام 2009 و2012 2014 و2021.
الإفراج عن الممرضات البلغاريات في ليبيا
أولى خطوات قطر في مجال الوساطة، كانت في ليبيا، ففي سنة 2007، نجحت الوساطة القطرية في الإفراج عن الطبيب الفلسطيني والممرضات البلغاريات، المتهمين بنقل الفيروس المسبب لمرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز) عمدًا إلى 438 طفلًا ليبيًا، توفي منهم 56.
وجاء الإفراج عن الطبيب والممرضات بعد أن قضوا 8 سنوات في السجون الليبية، وصدر بحقهم حكم بالإعدام سنة 1999 تم تخفيفه سنة 2007 إلى السجن مدى الحياة، وشمل الاتفاق إنشاء “الصندوق الليبي من أجل الأطفال المصابين بالإيدز”، الذي ساهمت فيه قطر وجمهورية التشيك، فضلًا عن تعهد فرنسا بتجهيز مستشفى بنغازي وتدريب طاقمه لمدة 5 أعوام، بالإضافة إلى تدريب 50 طبيبًا آخرين.
اتفاق الدوحة بين الفرقاء اللبنانيين
تمكنت الجهود القطرية في مايو/أيار 2008، من الوصول إلى اتفاق بين الفرقاء في لبنان ينهي الأزمة السياسية التي كادت تعصف بالبلاد، ويقضي الاتفاق بانتخاب رئيس جديد للجمهورية وتشكيل حكومة وحدة وطنية واعتماد القانون الانتخابي لعام 1960 مع تعديلات خاصة ببيروت.
كما نص الاتفاق حينها على حظر اللجوء إلى السلاح أو العنف لحل الخلافات، في إشارة إلى سلاح “حزب الله” وعلى حصر السلطة الأمنية والعسكرية على الدولة، إضافة إلى تأكيد التزام القيادات بوقف استخدام لغة التخوين.
وقادت القيادة القطرية جهودًا مضنيةً لتقريب وجهات النظر بين فريق 14 آذار الحاكم والمعارضة، ومهدت تلك التسوية لإنهاء الأزمة اللبنانية التي امتدت لأكثر من 18 شهرًا، وكادت أن تدفع البلاد إلى حافة حرب أهلية جديدة.
وساطة بين الحكومة اليمنية والحوثيين
قبل هذا الاتفاق بأشهر قليلة، تمكنت قطر من إقناع الحكومة اليمنية والحوثيين، بالتوقيع على وثيقة تتضمن إجراءات لتطبيق اتفاق للمصالحة بينهما، في مسعى منها لتخفيف حدة التصعيد ووقف التوتر بين الطرفين.
وفي سنة 2010، توصلت الحكومة اليمنية والحوثيين إلى اتفاق في قطر لتعزيز هدنة هشة والبدء في حوار سياسي لإنهاء حرب أهلية لم يخمد فتيلها منذ سنة 2004، وهو ما سمح حينها للحكومة بالتركيز على مساعيها للحد من الحركة الانفصالية المتصاعدة في الجنوب والتصدي لجناح تنظيم “القاعدة”.
المصالحة بين جيبوتي وإريتريا
نجحت قطر في يونيو/حزيران 2010 في حمل حكومتي جيبوتي وإريتريا على إبرام اتفاقية سلام لتسوية النزاع الحدودي القائم بينهما، وبموجب هذه الاتفاقية تم نشر جنود قطريين في جيبوتي قرب المناطق المتنازع عليها، وانتهت الوساطة القطرية أيضًا إلى إطلاق سراح أسرى من جيبوتي كانت تحتجزهم أسمرة.
نجحت الجهود القطرية في الوصول إلى اتفاق لتسريع وتيرة المصالحة الوطنية الفلسطينية
وقع النزاع الحدودي بين البلدين في يونيو/حزيران 2008، حين اتهمت جيبوتي القوات المسلحة الإريترية باختراق البلاد وحفر الخنادق على جانبي الحدود، وخلال النزاع، قدمت فرنسا الدعم اللوجستي والطبيعي والاستخباراتي لجيبوتي، لكنها لم تشارك في القتال المباشر.
وثيقة سلام دارفور
يوم 14 يوليو/تموز 2011، وقعت الحكومة السودانية وحركة التحرير والعدالة “وثيقة الدوحة للسلام” في دارفور، ووقع على الاتفاق ممثلون عن دولة بوركينا فاسو والاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة ودولة قطر التي تولت الوساطة بين الفرقاء على امتداد ثلاثين شهرًا من المفاوضات.
وتضمن اتفاق الدوحة بنودًا لحل أزمة دارفور على غرار تقاسم الثروات والسلطة بين حكومة الخرطوم وحركات دارفور، فضلًا عن التصدي لقضايا أساسية للنزاع المسلح في الإقليم كإقرار تعويضات للنازحين، وموضوع اللجوء ووضع الإقليم من الناحية الإدارية.
وفي أبريل/نيسان 2013، وقعت الحكومة السودانية وحركة العدل والمساواة السودانية في إقليم دارفور اتفاقًا للسلام في قطر، ضمن وثيقة الدوحة للسلام في دارفور، كما استضافت الدوحة يوم 23 يناير/كانون الثاني 2017 توقيع اتفاق بين الحكومة السودانية وحركة “جيش تحرير السودان ـ الثورة الثانية” بمناسبة استكمال عملية السلام في دارفور.
المصالحة بين حركتي حماس وفتح
في فبراير/شباط 2012، نجحت الجهود القطرية في الوصول إلى اتفاق لتسريع وتيرة المصالحة الوطنية الفلسطينية، وقعه الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) خالد مشعل.
نص الاتفاق حينها على أربع نقاط أساسية هي: التأكيد على الاستمرار في خطوات تفعيل وتطوير منظمة التحرير الفلسطينية، وتشكيل حكومة توافق وطني من كفاءات مهنية مستقلة، فضلًا عن التأكيد على استمرار عمل اللجان التي تم تشكيلها، والتأكيد على تنفيذ ما تم الاتفاق عليه في القاهرة لبدء عمل لجنة الانتخابات المركزية في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس.
كما احتضنت الدوحة عدة جولات أخرى للمصالحة بين حركتي فتح وحماس، خلال السنوات الماضية، لكن الانقسام الفلسطيني ما زال متواصلًا إلى الآن، في ظل رغبة بعض الأطراف الفلسطينية في السلطة في بقاء الوضع على ما هو عليه.
الإفراج عن راهبات محتجزات في شمال سوريا
جهود الوساطة القطرية، وصلت سوريا أيضًا، إذ قادت الدوحة عملية وساطة للإفراج عن راهبات محتجزات في شمال سوريا، وأسفرت هذه الجهود عن إطلاق سراح 13 راهبة في مارس/آذار 2014، في مقابل إطلاق سراح أكثر من 153 معتقلةً سوريةً في سجون النظام السوري.
وزادت فترة احتجاز راهبات دير “مار تقلا” الأرثوذكسي في بلدة معلولا بالقلمون شمال دمشق على ثلاثة أشهر، وبعد إفراج جبهة النصرة عنهن، تم نقلهن إلى داخل لبنان ومنه مباشرة إلى دمشق.
تبادل أسرى بين طالبان والولايات المتحدة
قادت قطر سنة 2014، وساطة بين طالبان والولايات المتحدة الأمريكية، وفي يونيو/حزيران من تلك السنة، أسفرت الجهود القطرية عن إطلاق سراح الرقيب بالجيش الأمريكي باو برغدال وتسليمه إلى القوات الخاصة الأمريكية في أفغانستان، مقابل إطلاق سراح 5 أسرى من كبار حركة طالبان معتقلين في معتقل غوانتانامو.
اتفاق التبو والطوارق
تدعمت جهود الوساطة القطرية سنة 2015، إذ شملت العديد من الجبهات، ففي ليبيا، تمكنت قطر من لعب دور وساطة ناجحة بين قبائل التبو والطوارق، وتم توقيع اتفاق سلام بين الطرفين يوم 23 نوفمبر/تشرين الثاني في الدوحة، منهيًا نحو سنتين من الصراع.
ونص الاتفاق على عودة النازحين والمهجرين جراء العمليات العسكرية إلى مناطقهم، وفتح الطريق العام نحو مدينة أوباري، وإنهاء كل المظاهر المسلحة، ويأتي الاتفاق الذي تم التوصل إليه بعد محادثات استمرت في الدوحة نحو عام.
الإفراج عن جنود لبنانيين
في نفس السنة، نجحت قطر في الوصول إلى اتفاق يوم 1 ديسمبر/كانون الأول، بمقتضاه تم الإفراج عن الجنود اللبنانيين الـ16 الذين اختطفتهم “جبهة النصرة” في أغسطس/آب 2014، مقابل إفراج الحكومة اللبنانية عن 13 سجينًا بينهم خمس نساء.
تم التوصل إلى هذا الاتفاق بعد مفاوضات مضنية استمرت نحو عام وأربعة أشهر بقيادة قطر، ومرت هذه المفاوضات الماراثونية بين الجانبين بعقبات كثيرة، ميدانية وسياسية ولوجستية.
الإفراج عن أسرى جيبوتيين لدى إريتريا
أفرجت السلطات الإريترية في مارس/آذار 2016، عن أربعة أسرى من جيبوتي كانوا معتقلين في سجونها منذ ثماني سنوات، وذلك ثمرة جهود وساطة قطرية، وكانت جيبوتي هي التي طلبت الوساطة القطرية لحرصها على السلام وحسن الجوار.
خروج الجيش الأمريكي من أفغانستان
في 29 فبراير/شباط 2020، وقعت الولايات المتحدة وحركة طالبان اتفاقًا تاريخيًا في الدوحة نصّ على إنهاء الحرب التي دامت 19 عامًا في أفغانستان، وذلك بانسحاب القوات الأمريكية، وجاء ذلك بعد أن أعلنت واشنطن خفض وجودها العسكري في كابول إلى 4 آلاف جندي من أصل نحو 13 ألفًا سابقًا.
منح هذا الاتفاق واشنطن وحلفاءها في حلف شمال الأطلسي (الناتو) ما عجزوا عنه عسكريًا، وهي فرصة الخروج من أفغانستان دون خسائر بشرية خلال عام كامل، وذلك للمرة الأولى منذ دخول القوات الأجنبية للبلاد عام 2001.
إنهاء القطيعة بين كينيا والصومال
أنهت الجهود القطرية في مايو/أيار 2021 خصومة دامت نحو 5 أشهر بين كينيا والصومال، بسبب خلاف حدودي بين الدولتين نشأ في ديسمبر/كانون الأول 2020.
وكان الصومال قد اتهم نهاية سنة 2020، كينيا، بالتدخل في شؤونه الداخلية، وتوفير دعم لرئيس إقليم جوبالاند أحمد مدوبي، إلى جانب تسليح مليشيات بالقرب من الحدود المشتركة بين البلدين بهدف زعزعة أمنها، هذا فضلًا عن وجود خلافات بين نيروبي ومقديشو بشأن مكامن نفطية متنازع عليها على الحدود البحرية بين البلدين، وهو ما رفضته الخارجية الكينية.
السلام في تشاد
يوم 8 أغسطس/آب 2022، وقّعت السلطات الانتقالية في تشاد وجماعات من المعارضة في الدوحة اتفاقًا للسلام برعاية قطرية، ومن أبرز بنود الاتفاق: إعلان وقف شامل لإطلاق النار بين المجلس العسكري الانتقالي والحركات السياسية العسكرية.
كما أكد الاتفاق التزام الأطراف الموقعة بعدم القيام بأي عمل عدائي أو انتقامي على أساس عرقي أو سياسي، وتمّ التوقيع على اتفاقية بعد محادثات في قطر امتدت منذ مارس/آذار 2022 بين الجانبين بحضور ممثلين عن الاتحاد الإفريقي وعدد من المنظمات الإقليمية والدولية.
تبادل محتجزين بين أمريكا وإيران
في أغسطس/آب 2023، توصلت الولايات المتحدة إلى اتفاق مع إيران لإطلاق سراح 5 أمريكيين في مقابل إفراج واشنطن عن إيرانيين مسجونين لديها بتهم خرق العقوبات، كما تضمن الاتفاق الذي تم برعاية قطرية إلغاء تجميد نحو 6 مليارات دولار من عائدات النفط الإيراني.
الأموال الإيرانية التي كانت مجمدة في كوريا الجنوبية وأودعت في البنوك القطرية، والأصول المفرج عنها هي أموال مستحقة لإيران بموجب بيع النفط إلى كوريا الجنوبية، لكن سول جمّدتها منذ انسحبت الولايات المتحدة أحاديًا عام 2018 من الاتفاق بشأن برنامج طهران النووي وأعادت فرض عقوبات على الجمهورية الإسلامية.
لمّ شمل أطفال أوكرانيين مع عائلاتهم
في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أعلنت قطر، نجاح عملية لمّ شمل عدد من الأطفال الأوكرانيين بعائلاتهم في أوكرانيا، وعدّتها بداية مهمة نحو لم شمل بقية الأطفال المتأثرين بالحرب الروسية الأوكرانية بعائلاتهم.
استضاف ممثلون قطريون القُصّر في السفارة القطرية في موسكو، وسهلوا مغادرتهم الآمنة إلى أوكرانيا، وذلك بعد تعاون كييف وموسكو لضمان سلامة وأمن الأطفال ومغادرتهم إلى أوكرانيا، وتوفير الرعاية والعلاج.
خلال هذه المحطات العديدة، أثبتت قطر أنها صانع سلام عربي في المنطقة، مستغلة علاقاتها المتميزة مع أغلب الأطراف المؤثرة في العالم، وهو ما فشلت فيه العديد من الدول في المنطقة على غرار السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة.