بعد فوزه بالرئاسة إثر سباق انتخابي شابه شبهات فساد، وتأجيل إعلان حكومته للتأكّد من سير الوزراء الجدد لدى إدارة الضرائب الفرنسية والهيئات الرقابية للدولة تفاديًا لتعيين وزير تتعلق به شبهات فساد، وتفادي حصول “تضارب مصالح” في التعيينات الجديدة، ها هي روائح الفساد السياسي واستغلال النفوذ وتضارب المصالح بدأت تفوح من الحكومة الفرنسية وتعكر صفو بداية ولاية الرئيس الشاب إيمانويل ماكرون في قصر الإليزيه.
انتهت البداية الوردية
لم تدم البداية الوردية للرئيس الفرنسي الجديد ماكرون الذي اتخذ من الشفافية في أخلاق العمل العام أساسًا لعهده، طويلاً، إذ تواجه حكومته برئاسة إدوارد فيليب مصاعب داخلية لم تكن في الحسبان خاصة بعد التدقيق الكبير في السير الذاتية لجميع الوزراء من قبل “الهيئة العليا للشفافية في الحياة العامة” قبيل إعلانهم تفاديًا لأي شبهات فساد.
تأتي هذه التسريبات بعد توعد ماكرون أن يكون أول اهتمامات الحكومة الجديدة مشروع قانون يربط بين القيم الأخلاقية والحياة السياسية قبل الانتخابات التشريعية
فبعد أن كانت شبهات الفساد التي تحوم حول منافسيه في سباق الرئاسة، أحد أبرز العوامل التي أوصلته إلى قصر الإيليزيه، كشفت أسبوعية “لو كانار انشينيه” الساخرة، الأسبوع الماضي، أن زوجة ريشار فيران وزير التخطيط الإقليمى في حكومته ورئيس حملته الانتخابية، حصلت على امتيازات من شركة تأمين حين كان الأخير مديرها العام بين 1998 و2012، بالإضافة إلى شبهات أخرى تتعلق بتوظيف ابنه لمدة أربعة أشهر كمساعد له يحصل على راتبه من أموال البرلمان.
وتأتي هذه التسريبات بعد توعد ماكرون أن يكون أول اهتمامات الحكومة الجديدة مشروع قانون يربط بين القيم الأخلاقية والحياة السياسية قبل الانتخابات التشريعية في 11 و18 من يونيو الحالي، يتضمن خصوصًا “منع المحاباة للبرلمانيين الذين لن يتمكنوا من توظيف أي فرد من عائلاتهم” في إشارة واضحة إلى الفضيحة التي طالت المرشح اليميني للانتخابات الرئاسية فرنسوا فيون بخصوص قضية وظائف وهمية مفترضة استفاد منها زوجته واثنان من أولاده.
فتح تحقيق
بعد أيام من هذه التسريبات، فتح الادعاء العام الفرنسي تحقيقًا اليوم الخميس، في التعاملات المالية لريشار فيران، وقال المدعي العام في مدينة برست الفرنسية إيريك ماتياس إنه قرر فتح التحقيق بعد نشر سلسلة من التقارير الإعلامية عن أعمال وتعاملات مالية يقوم بها فيران، وتعقيبًا على هذه الشبهات التي تحوم حوله، قال ريشار فيران إن تعيين أفراد الأسرة كمساعدين برلمانيين غير مجرم في القانون الفرنسي الحالي على عكس دول أخرى، فيما نفى باقي الشبهات الأخرى وارتكابه أي مخالفات، كما تقدم بشكوى ضد نائبة اليمين المتطرف الأوروبية الفرنسية التي طلبت التحقيق في شأنه.
ماكرون إلى جانب الوزير ريشار فيران
وكان ريشار فيران، من أوائل النواب الاشتراكيين الذين انضموا إلى حملة إيمانويل ماكرون الرئاسية ضد مرشّح الحزب الاشتراكي، وهو يشغل منصب الأمين العام لحركة “الجمهورية إلى الأمام” التي أنشأها الرئيس المنتخب ماكرون، وفى فرنسا لا يعني فتح تحقيق أولي أن المتهم مذنب ولكن للادعاء أن يبت، بعد هذا الإجراء الأولي، فيما إذا كان هناك أساس لفتح تحقيق شامل.
التحقيق يصل إلى وزيرة الشؤون الأوروبية أيضًا
شبهات الفساد لم تقتصر على ريشار فيران وزير التخطيط الإقليمى في حكومة ماكرون فقط، حيث قالت صحيفة “لو فيجارو” الفرنسية، الثلاثاء، إن وزيرة الشؤون الأوروبية في فرنسا مارييل دوسانيز، خضعت للتحقيق أمام النيابة العامة في قضية تتعلق بملفات فساد، وأطلق عليها الادعاء العام “خيانة الأمانة”.
وزيرة الشؤون الأوروبية في فرنسا مارييل دوسانيز
ويشتبه الادعاء العام الفرنسى في الوزيرة مارييل دوسارنيز، كونها وظفت أحد المقربين لها في وظيفة “مساعد برلماني” لها، وتقاضى على إثرها مبالغ طائلة، وأشارت الصحيفة الفرنسية أن الوزيرة الفرنسية الحالية في الحكومة التي يرأسها إدوارد فيليب تواجه الاتهامات، وتخضع للتحقيقات الأولية منذ 22 من مارس الماضي، ولكنها تصر على موقفها من نكران أي تهمة منسوبة إليها.
ماكرون يدعو للتضامن
في أول رد له على هذه القضايا التي تمس وزراء حكومته، دعا الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، أمس الأربعاء خلال جلسة مجلس الوزراء، الحكومة إلى “التضامن والمسؤولية”، وفق ما صرح المتحدث باسم الحكومة كريستوف كاستانيه.
وأضاف كريستوف كاستانيه “ماكرون ذكر بأن هدفنا يجب أن يكون في شكل دائم أن نكون مثالاً في عملنا العام”، وكان رئيس الوزراء إدوارد فيليب قد أكّد الثلاثاء الماضي دعمه لفيران رغم مطالبة المعارضة باستقالته أو إقالته من الحكومة.
تأثير هذه التهم على الحزب الحديث
هذه الاتهامات الموجهة لوزراء حكومة ماكرون تأتي قبل أيام من الانتخابات التشريعية الفرنسية المزمع تنظيمها في الـ11 والـ18 من الشهر الحالي، وتعتبر هذه الانتخابات تحدٍ للرئيس ماكرون الذي يتطلع للحصول على أغلبية برلمانية تمكنه من الحكم بلا تعقيدات وتحقيق وعوده التي قطعها على نفسه إبان حملته الانتخابية الرئاسية.
يحتاج ماكرون البالغ من العمر 39 سنة إلى الحصول على 289 مقعدًا من أصل 577 لتكوين الأغلبية الكافية ليتمكن من الحكم وتمرير تشريعاته وإدخال الإصلاحات
وتضع هذه القضايا الموضوعة أمام الادعاء العام، حسب مراقبين، الرئيس الفرنسي الجديد إيمانويل ماكرون أمام موقف صعب، مما يستدعي التخلي عن فيران كاستانيه لتجاوز الأزمة التي من الممكن أن يقع فيها حزب ماكرون “الجمهورية إلى الأمام”.
فمن البديهي، حسب خبراء، أن تخلط هذه القضايا الأوراق في الانتخابات القادمة، لا سيما أن “حركة الجمهورية إلى الأمام” بنت حملتها على ضرورة تجديد السياسة والساسة وها هي اليوم تجد نفسها في وضع يتعارض وتوجهاتها.
ويحتاج ماكرون البالغ من العمر 39 سنة إلى الحصول على 289 مقعدًا من أصل 577 لتكوين الأغلبية الكافية ليتمكن من الحكم وتمرير تشريعاته وإدخال الإصلاحات التي وعد بها في بلد منقسم يحتاج فيه لتأييد شخصيات منبثقة من اليمين واليسار المعتدل، ودون هذه الأغلبية لن يتمكن ماكرون، حسب عديد من الخبراء، من عمل شيء فهو يدرك بذلك أن معركته ستكون خاسرة قبل بدايتها.
يذكر أن ماكرون وصل الرئاسة بعد سلسلة الفضائح التي طالت مرشح اليمين الفرنسي للرئاسة فرانسو فيون، خلال الانتخابات تتصل بمنح زوجته وظيفة وهمية بالبرلمان بلغت مداخيلها تسعمئة ألف يورو، وبعد ذلك تعهد ماكرون بمحاربة الفساد والمحسوبية في الحياة العامة الفرنسية ووضع حد له.