“كل شيء زاد عن حده، انقلب إلى ضده”، هذا ما قاله الحكماء منذ مئات السنين، ولكن يبدو أن “خبراء” مكافحة الإرهاب في السعودية والإمارات، لم يسمعوا بهذه الحكمة ولم يعوها، في أثناء إعدادهم لمسلسلهم الحدث “غرابيب سود”، لأن ما تم عرضه خلال الحلقات الأولى من هذا العمل الدرامي “الضخم”، لم يكن إلا دعاية كان يحلم تنظيم الدولة الإسلامية أن يحصل عليها منذ سنوات من ألد خصومه.
عندما يصل الأمر بمسلسل “غرابيب سود” إلى ترديد القوالب الجاهزة التي لطالما روجتها وسائل الإعلام العربية الممولة إيرانيًا في أثناء بداية أحداث الثورة السورية وانتقالها من طورها السلمي إلى العسكري، فهذا تأكيد على تقاطع المصالح الإيرانية الخليجية من وراء هذا العمل
ظن القائمون على هذا العمل الدرامي في أثناء كتابتهم للسيناريو وانتقاء الممثلين والبدء في التصوير، أنهم سيضربون التنظيم في مقتل وسيساهمون في مزيد من تأليب الرأي العام العربي والدولي عليه، لكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، حيث وقع هؤلاء في المحظور، لأنه بان بالكاشف أنهم “يهرفون بما لا يعرفون”.
عندما يصل الأمر بمسلسل “غرابيب سود” إلى ترديد القوالب الجاهزة التي لطالما روجتها وسائل الإعلام العربية الممولة إيرانيًا في أثناء بداية أحداث الثورة السورية وانتقالها من طورها السلمي إلى العسكري، فهذا تأكيد على تقاطع المصالح الإيرانية الخليجية من وراء هذا العمل.
أماكن التصوير والشخصيات المختارة بدقة لإنجاز هذا العمل، تصور للمشاهد للوهلة الأولى وكأنه في إحدى المدن التي يسيطر عليها تنظيم الدولة، ولكن طريقة التمثيل والاستهتار والسيناريو الضعيف، أبعد ما يكون عن محاربة التنظيم “فنيًا” خاصة مع تأكيد بعض المتابعين، أن هذا العمل كان كالدعاية المروجة لتنظيم الدولة وليس العكس.
“غرابيب سود” لم يكن إلا تكرارًا لقصص مستهلكة لطالما وردت بحذافيرها في تقارير وسائل الإعلام العربية خاصة، عن ظروف الحياة في المناطق التي يسيطر عليها تنظيم الدولة في سوريا، وهو ما أضفى نوعًا من الرتابة على هذا العمل الفني “المتعوب عليه” ماديًا أكثر منه فنيًا
ترويج فضائية “MBC” ومن ورائها الجهات السعودية والإماراتية المختصة المشرفة على العمل لكذبة “جهاد النكاح” وإعادة إحيائها بعد اندثارها، يكشف للمتابع حجم الحقد على المرأة السنية في ثنايا هذا العمل الدرامي، خاصة أن التقارير الإعلامية والمصادر الموثوقة، نفت هذه الكذبة التي سبق أن روجتها وسائل الإعلام العربية المدعومة إيرانيًا وأعادت إحياءها بعض وسائل الإعلام الخليجية المعروفة.
“غرابيب سود” لم يكن إلا تكرارًا لقصص مستهلكة لطالما وردت بحذافيرها في تقارير وسائل الإعلام العربية خاصة، عن ظروف الحياة في المناطق التي يسيطر عليها تنظيم الدولة في سوريا، وهو ما أضفى نوعًا من الرتابة على هذا العمل الفني “المتعوب عليه” ماديًا أكثر منه فنيًا، والذي كتبت عنه عشرات التقارير الصحفية.
التململ الواضح في صفوف رواد مواقع التواصل الاجتماعي وخاصة منهم الخليجيين الذين استنكروا تشويه المرأة السنية واتهامها بأشنع التهم بتعلة الحرب الإعلامية على تنظيم الدولة، وتأكيد الناقدين خلو هذا العمل من ال‘بداع والتجديد الفني شكلاً ومضمونًا، وضع قناة MBC في مأزق حقيقي، خاصة أن هذا العمل قد تأخر سنة كاملة لإخراجه في أبهى ثوب فني يمس جوهر الواقع أو يقترب من إظهار الحقائق الخفية.
إن القائمين على هذا العمل الدرامي، لو اختاروا تطبيق القصص الواقعية الموثقة عن التنظيم، مبتعدين عن التهويل والتشويق والإغراء والاستهزاء، لكان بإمكانهم تحقيق بعض أهداف عملهم
المسلسل الدرامي الذي كتب نصه علي سليم أحد المقيمين في مدينة الرقة السورية، والذي قيل إنه عايش انطلاقة التنظيم منذ بداياته، وحاول توثيق ثلاث سنوات من مهمات ومخططات التنظيم في مناطق متفرقة من سورية، والذي كلفت MBC ثلاثة مخرجين لإتمامه وهم عادل أديب وحسني شوكت من مصر وحسام الرنتيسي من سورية، كان من الأجدر أن يرسم الجانب الخفي من حياة السوريين في ظل حكم التنظيم بأسلوب درامي مركز بعيدًا عن ترديد القوالب الجاهزة، كما كان من الأجدر بإدارة القناة أن تحرص على إنتاج عمل فني قوي متكامل الأركان بدل مقاربة فنية هزيلة أقرب للكوميديا السطحية، منها إلى المعالجة الحقيقية.
يمكننا القول بعد كل هذا، إن القائمين على هذا العمل الدرامي، لو اختاروا تطبيق القصص الواقعية الموثقة عن التنظيم، مبتعدين عن التهويل والتشويق والإغراء والاستهزاء، لكان بإمكانهم تحقيق بعض أهداف عملهم، لكن في الأخير، تبقى هذه قراءة أولية للحلقات الأولى من مسلسل “غرابيب سود” على أمل العودة بتفاصيل أكثر وبتحليل أعمق بعد انتهاء هذا العمل الدرامي، الذي روجت له وسائل الإعلام العربية بكثافة حتى إننا ظننا أن مفعوله قد يتجاوز مفعول “أم القنابل” التي ألقتها الطائرات الأمريكية على سلسلة من الكهوف التي يتخذها تنظيم الدولة الإسلامية كمخابئ له، ولكنها لم تقض على أي مقاتل في صفوفه وفق روايته الرسمية.