منذ أن بدأت المملكة العربية السعودية قيادة حملة عسكرية على اليمن في 26 من مارس 2014، لإعادة عبد ربه منصور هادي إلى الكرسي الذي فرط به، واليمنيون يتعرضون لأقسى أنواع الموت سواء عبر القصف العشوائي الحوثي لمناطق مدنية في وسط اليمن، أو عبر الرصاص العائد نتيجة مضاد الطيران، أو تلك الضربات الجوية التي تستهدف مبانٍ سكنية ومناطق آهلة بالسكان أو قاعات الأفراح أو الأسواق الشعبية والمدارس التعليمية، مرورًا بحصارهم برًا وجوًا وبحرًا ومنعهم من التنقل إلى بلاد أخرى أقلها للعلاج إلا فيما ندر وبعد موافقة السلطات الأمنية في الرياض على ذلك، وصولًا إلى الأزمة الصحية والإنسانية التي يعيشها أبناء البلد المنكوب بسبب عدم دفع الرواتب ونقص الأدوية وانتشار مرض الكوليرا.
للعام الثالث على التوالي يحل شهر رمضان على اليمنيين، وسط قتال مسؤولي البلاد على كرسي السلطة، دون وجود أفق لإنهاء الأزمة السياسية التي أرهقت كاهل المواطن اليمني، نتيجة تعنت تلك الأطراف ورفضها تقديم أي تنازلات من أجل إنقاذ ملايين اليمنيين واليمنيات من الموت بسبب الجوع أو المرض أو القتل العشوائي.
الوضع الصحي
قالت الأمم المتحدة إن وباء الكوليرا في اليمن يتفشى بشكل غير مسبوق، محذرة من أن ذلك يهدد مليون و100 من النساء الحوامل بسبب سوء التغذية في اليمن.
وأوضح لؤي شبانة، مدير صندوق الأمم المتحدة للسكان للمنطقة العربية، في بيان له يوم 28 من مايو 2017، أن تفشي وباء الكوليرا في اليمن قد يكون إضافة كارثية للصعوبات التي يواجهها الرجال والنساء اليمنيون بسبب النزاع والنزوح وسوء التغذية.
وأشار إلى أن تسجيل إصابة 2.000 حالة يوميًا بمرض الكوليرا يهدد حياة 1.1 مليون من النساء الحوامل المصابات بسوء التغذية واللاتي يحتجن إلى رعاية فورية وخدمات الصحة الإنجابية.
أدى النزاع الذي يعصف باليمن إلى تدهور النظام الصحي بشكل كبير وإعاقة وصول الأشخاص إلى الخدمات الطبية، مع تعطل وإغلاق معظم المرافق الصحية، حيث تعمل حاليًا 35% من مرافق الصحة الإنجابية فقط في البلد
فالنساء الحوامل والمرضعات اللواتي يعانين من سوء التغذية أكثر عرضة للإصابة بالكوليرا ولخطر النزيف والتعرض للمضاعفات والموت في أثناء الولادة.
وأدى النزاع الذي يعصف باليمن إلى تدهور النظام الصحي بشكل كبير وإعاقة وصول الأشخاص إلى الخدمات الطبية، مع تعطل وإغلاق معظم المرافق الصحية، حيث تعمل حاليًا 35% فقط من مرافق الصحة الإنجابية في البلد.
وارتفعت أسعار الأدوية في غالبية المناطق وأرياف المدن اليمنية إلى 20 ضعفًا من السعر الأساسي للأدوية نتيجة للحصار المفروض على البلاد، ولا يستطيع ذوو الدخل المحدود من شراء الأدوية اللازمة لتخفيف الآلام، وهو ما يؤدي إلى تضاعف بعض الحالات التي تقل نسبة المناعة لديها نتيجة سوء التغذية.
وفي ظل استمرار صراع الأطراف السياسية اليمنية، وعدم الالتفات إلى حال المواطن العادي ومتطلباته واحتياجاته، يعاني القطاع الصحي من نقص شديد في المعدات الصحية المساعدة مما أدى إلى إغلاق العديد من المراكز الحيوية منها بنك الدم في العاصمة صنعاء، وهو ما يؤثر على إجراء العمليات الجراحية، فيما حذرت منظمة الصحة العالمية من أن النظام الصحي في اليمن بات على حافة الانهيار.
وتزداد صعوبة الوضع الإنساني في اليمن يومًا بعد آخر، لا سيما مع انتشار الأمراض الوبائية وضعف الخدمة الصحية وتعثر أدائها في مناطق مختلفة.
وقال الدكتور ريك برينان مدير قسم عمليات الطوارئ بمنظمة الصحة العالمية، إن النظام الصحي في اليمن يعاني بشدة ويعتمد بشكل كبير على الدعم الدولي، موضحًا أن أكثر من 14.8 مليون شخص لا يستطيعون الحصول على الرعاية الصحية الأساسية.
وقال إن أقل من 45% من المرافق الصحية تعمل في حين تضرر أو ندمر 274 على الأقل من تلك المرافق جراء الصراع الحالي.
مع بداية شهر رمضان المبارك، نذكر أن هناك سبعة ملايين يمني ويمنية مهددون بخطر المجاعة إن لم تتوقف الحرب، وربع اليمنيين غير قادرين على شراء المواد الغذائية الأساسية، وفقًا لحديث المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته لمجلس الأمني الدولي يوم الثلاثاء 30 من مايو 2017.
وأوضح ولد الشيخ أن نصف المجتمع اليمني لا يحصل على مياه صالحة للشرب أو على أبسط مستلزمات التعقيم والنظافة وهذا يساهم بانتشار الأمراض المعدية.
أقل من نصف المراكز الاستشفائية لا يزال قادرًا على العمل بالإضافة لندرة أدوية السكري وارتفاع ضغط الدم والسرطان وغيرها من الأمراض المستعصية
وأشار إلى أن انتشار داء الكوليرا مؤخرًا أدى إلى ما يزيد على 500 حالة وفاة وأكثر من 60.000 آخرين يشتبه إصابتهم بعدوى الكوليرا في 19 محافظة، مرجعًا ذلك إلى أسباب تراجع الخدمات الصحية.
وبيّن أن أقل من نصف المراكز الاستشفائية لا يزال قادرًا على العمل بالإضافة لندرة أدوية السكري وارتفاع ضغط الدم والسرطان وغيرها من الأمراض المستعصية، مؤكدًا أن اليمنيين لا يموتون فقط من الحرب المستمرة، إنما يموتون أيضًا بسبب انعكاساتها.
وقال إن أهم انعكاسات تلك الحرب هي نقص السيولة النقدية وانقطاع مصادر رزقهم التي تمنع اليمنيين من الحصول على الخدمات الصحية التي هم بحاجة إليها.
وفي 24 من أبريل الماضي أعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسف” أن طفلاً يمنيًا واحدًا على الأقل يموت كل عشر دقائق بسبب سوء التغذية والأمراض، محذرةً من أن 2.2 مليون طـفل يعانون من سوء التغذية الحاد ويحتاجون إلى العناية العاجلة، وهو ما يعني أن في السنة الواحدة يموت 51840 طفلًا نتيجة سوء التغذية والصحة معًا.
وقالت “اليونيسف” في بيانها: “يموت في اليمن على الأقل طفلاً واحدًا كل عشر دقائق بسبب أمراض يمكن الوقاية منها مثل الإسهال وسوء التغذية والتهاب الجهاز التنفسي”، وأضافت “يعاني نحو 2.2 مليون طفل يمني من سوء التغذية”.
الوضع الاقتصادي
حذر وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ستيفن أوبراين من أن اليمن يواجه انهيارًا كاملاً اجتماعيًا واقتصاديًا ومؤسسيًا، وأكد أوبراين في كلمة ألقاها أمام مجلس الأمن الدولي يوم الثلاثاء 30 من مايو 2017، أنه من الضروري اتخاذ إجراءات عاجلة إزاء الأوضاع في اليمن.
ويعاني اليمن من أزمة إنسانية طاحنة، فهناك سبعة ملايين شخص تقريبًا على حافة المجاعة، وتشير تقديرات إلى أن 18.8 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى مساعدات إنسانية.
وتسبب الصراع الدائر في اليمن منذ أكثر من سنتين بالعبث بأموال الدولة وتجييرها لصالح العمليات العسكرية، وهو ما أدى إلى زيادة أسعار السلع والمواد الغذائية في معظم محافظات اليمن، وزاد الأمر سوءًا مع دخول شهر رمضان.
وتأتي ضراوة اشتعال الأسعار مع حلول شهر رمضان في وقت يعيش فيه الموظف اليمني بشقيه المدني والعسكري بلا راتب منذ أكثر من ثمانية أشهر متوالية.
ويعيش أكثر من نصف سكان اليمن تدهورًا كبيرًا في الحالة المعيشية وبلا أمن غذائي بحسب تقارير منظمة الأغذية التابعة للأمم المتحدة “الفاو”.
يعاني المواطن اليمني خصوصًا سكان المدن من قلة الدخل وتوقف الأعمال والخدمات بسبب ما يصفونه بسوء إدارة جماعة الحوثي وإهدارها للأموال والعوائد المالية لمؤسسات الدولة
ومنذ أن نقل الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي مقر البنك المركزي اليمني إلى عدن في سبتمبر 2016، تفاقمت الأوضاع الاقتصادية للمواطن اليمني، نتيجة لعدم تسليم الرواتب ورفض الدولة الإيفاء بالتزاماتها نحو المواطنين اليمنيين وتسليمهم الرواتب.
ويعاني المواطن اليمني خصوصًا سكان المدن في العاصمة صنعاء ومدينتي تعز وعدن من قلة الدخل وتوقف الأعمال والخدمات بسبب ما يصفونه بسوء إدارة جماعة الحوثي وإهدارها للأموال والعوائد المالية لمؤسسات الدولة المختلفة إضافة إلى تدهور الوضع الاقتصادي والخدمي في مدينة عدن.
ويقدر حجم الإنفاق الاستهلاكي خلال شهر رمضان وعيد الفطر بنحو 5.1 مليار دولار على اعتبار أن مستوى الإنفاق الكلي للأسر على مختلف مستويات دخولها يتضاعف مرتين إلى ثلاث مرات عما عليه في بقية أشهر السنة نتيجة استهلاك أنماط كثيرة من السلع والمنتجات المرتبطة عادة برمضان والعيد.
ويعاني قطاع الإنتاج والسوق اليمنية من توقف شبه تام للصادرات اليمنية وفي مقدمتها المشتقات النفطية التي تعتمد عليها خزينة الدولة بنسبة 70% من مواردها العامة قبل الضرائب والجمارك والثروة السمكية .
الوضع الإنساني
أودى القصف العشوائي لمليشيا الحوثي والغارات الجوية للتحالف العربي بحياة ما يقارب 50 ألف مواطن وخسائر اقتصادية تجاوزت 110 مليارات دولار، فضلاً عن الأثر المجتمعي والتسبب في معاناة إنسانية كبيرة ومتفاقمة.
إن استمرار أزمة اليمن الغذائية التي تعد “الأسوأ في العالم”، بحسب وصف ستفيان أوبراين، يفاقم من الوضع الانساني، نتيجة أن أكثر من 17 مليون نسمة يواجهون أزمة إنسانية واقتصادية حادة، بمن فيهم 8 ملايين على حافة الجماعة.
وقال أوبراين أمام مجلس الأمن الدولي: “حان الوقت الآن لإنهاء أكبر حالة طوارئ غذائية في العالم وإعادة اليمن إلى طريق البقاء”، وأكد أن الأزمة ليست قادمة أو وشيكة بل إنها حقيقة واقعة اليوم وتحت أنظارنا، والناس العاديون يدفعون الثمن.
الحالة الإنسانية في اليمن ليس سببها الجفاف بل الحرب
وأضاف: “سكان اليمن يتعرضون للحرمان والأمراض والموت بينما العالم يتفرج”، وأكد أن الوضع يتجه نحو الانهيار التام اجتماعيًا واقتصاديًا ومؤسساتيًا، ويواجه اليمن نقصًا شديدًا في الغذاء طال نحو 17 مليون شخص، من بينهم نحو سبعة ملايين يقتربون من حافة المجاعة في البلاد التي تعتمد على الأغذية المستوردة.
وقال أوبراين، إن الحالة الإنسانية في اليمن ليس سببها الجفاف بل الحرب، فلولا النزاع لما حصلت المجاعة، مشيرًا أيضًا إلى أن الأمم المتحدة ستعمل كل ما في وسعها لتفادي المجاعة والوصول إلى الحل السلمي.
وسرد أوبراين الحال في اليمن وقال: “قدرة الناس على شراء الطعام تضاءلت، والمدن تعاني من انعدام الأمن، ويعاني الشعب من ارتفاع أسعار المواد التموينية الضرورية والوقود، والاقتصاد يتدهور كثيرًا، وقدرة الدولة اليمنية على التعامل مع الأمن الغذائي تتضاءل”.
وقال أوبراين “هناك أكثر من مليون يمني يعملون في الخدمة المدنية لم يحصلوا على رواتبهم منذ فترة، ونظم المياه والصرف الصحي معدومة لملايين الأشخاص، بالإضافة إلى انتشار النفايات على جوانب الطرقات، الأمر الذي أدى إلى انتشار الأمراض خصوصًا الكوليرا”.
الوضع السياسي
على اعتبار أن شهر رمضان شهر الانتصار، يزداد القتال فيه من قبل القوات الموالية لهادي وبسببه تزداد المآسي في عموم اليمن نتيجة للقتال العشوائي من قبل أطراف الصراع.
ففي محافظة تعز اليمنية مثلاً، شنت القوات الجهادية السلفية التي توالي الإمارات وتحت يافطة (القوات الحكومية) هجومًا شرسًا على ثكنات الحوثيين في المحافظة، وتمكنت من السيطرة على مناطق عدة داخل أحياء المدينة من بينها الاستيلاء على القصر الجمهوري في تعز، ورد الحوثيون بقصف عشوائي نتج عنه مقتل العديد من الأبرياء إضافة إلى مقتل أربعة صحفيين كانوا يعملون لوسائل إعلام خارجية.
جاء رمضان هذا العام، واليمن يعاني من انقسام سياسي حاد، وتقطع أوصاله، لا يستطيع أبناء اليمن الواحد الزيارات المتبادلة بين أسرته الساكنة في محافظة تقبع تحت سيطرة قوات التحالف.
محافظة عدن اليمنية، لا يستطيع أبناء الشمال الوصول إليها، فمجرد وطء قدمهم على الأراضي اليمنية هناك، فإنهم إما إرهابيون أو حوثيون أو عملاء لصالح، ويتم التنكيل بهم
ففي محافظة عدن اليمنية، لا يستطيع أبناء الشمال الوصول إليها، فمجرد وطء قدمهم على الأراضي اليمنية هناك، فإنهم إما إرهابيون أو حوثيون أو عملاء لصالح، ويتم التنكيل بهم، إلا قليلاً ممن يستطيع النجاة بنفسه من كل تلك التهم أو السجين، نتيجة لوجود وسطاء لديهم.
رمضان 2017 في اليمن، يختلف عن السنوات السابقة، فاليمن اليوم يعاني من التقسيم الطائفي والمناطقي، وسط صمت دولي، غير مفهوم.
فرغم إعلان عيدروس الزبيدي تأسيس مجلس عدن الانفصالي، يفترض أن يكون هناك حزمًا من قبل التحالف ضد ذلك، لكونه يخالف أهداف عاصفة الحزم، إلا أنه قابله بنوع من الفتور، وسمح له بتنفيذ خطط المجلس الانتقالي بالتحرك عربيًا لحشد تأييد عربي ودولي لمباركة إعلان الانفصال، ووصل “الزبيدي” إلى القاهرة بعد الرياض وأبو ظبي، لحشد التأييد، وسنخصص موضوع آخر عن هذا، إلا أن ذلك يعد من أهم ملامح شهر رمضان 2017.
رمضان 2017 في اليمن، يعاني فيه البلاد من تمزق في الكيان القبلي والمجتمعي، إذايتشهد اليمن حاليًا ملامح انقسام البلاد إلى أربع دويلات، قد تتناحر فيما بينها نتيجة إصرار التحالف على موقفه بإعادة هادي إلى الحكم رغم نهايته فترته الانتقالية، وإصرار الحوثيين على السيطرة على اليمن
رمضان 2017 في اليمن، يعاني فيه البلاد من تمزق في الكيان القبلي والمجتمعي، إذا يشهد اليمني حاليًا ملامح انقسام البلاد إلى أربع دويلات، قد تتناحر فيما بينها نتيجة إصرار التحالف على موقفه بإعادة هادي إلى الحكم رغم نهايته فترته الانتقالية، وإصرار الحوثيين على السيطرة على اليمن رغم فشلهم خلال الفترة الماضية، وعبثهم في مال الدولة.
إضافة إلى الوضع الكارثي والاقتصادي في البلاد وانعدام الرواتب والعوز لدى المواطن اليمني نتيجة انعدام مصادر دخله الأساسية، شكلت حكومة الحوثي/صالح، لجنة إشرافية لإجبار اليمنيين على دفع الزكاة، وهو ما ينذر بكارثة إضافية، ويثبت أن الحكومة تعمل ضد الشعب والفقراء لا من أجل المواطن.
في المقابل تعمل الحكومة المعترف بها دوليًا والمدعومة سعوديًا على مقايضة الحوثيين بتسليم إيرادات ميناء الحديدة إليها، وربطت تسليم رواتب الموظفين بتسليم ميناء الحديدة، رغم قولها إنها تقاتل من أجل الشعب اليمني، علمًا أنها منعت تسليم الرواتب منذ ديسمبر 2016، ولم تسلم إلا لقطاعات بسيطة منها جزء من القضاء وعدد من أبناء القوات الانفصالية.
أرقام
13 مليون إنسان يواجهون انعدام الأمن الغذائي.
273 ألف طفل يمني تم علاجهم في 2016 من سوء التغذية الحاد.
2.1 مليون طفل يعانون من سوء تغذية شديدة، وبسببها 500 ألف طفل دون الـ5 سنوات مهددون بالموت.
كل 10 دقائق يموت طفل يمني.
زادت نسبة وفيات الأطفال في عام 2017 إلى 200% مقارنة بالعام 2014.