ترجمة حفصة جودة
عندما تشرق الشمس على قطاع غزة وترتفع درجات الحرارة، يذهب معظم السكان إلى الشاطئ من أجل السباحة والاستجمام، لكن أسامة سبيته – 26 عامًا – وبخلاف معظم السكان لديه هدف آخر مختلف تمامًا تحت أشعة الشمس الذهبية، توثيق التاريخ الفلسطيني من خلال المنحوتات الرملية.
يقول أسامة: “لقد اخترت الشاطئ لأنه المتنفس الوحيد لقطاع غزة، وهو المكان الذي يذهب إليه الكثير من الناس”.
ترمز صورة الطفل إلى حق الأطفال في الحياة
يعتبر سبيته أول نحات رمال من غزة، نشأ سبيته في حي الشجاعية والذي دمرته الحرب عام 2014، وما كان مجرد هواية في أول الأمر اتخذ بُعدًا جديدًا، فقد جلب سبيته الفن الحيوي ثلاثي الأبعاد إلى الأحداث المهمة في فلسطين وعبر عن أهميتها من خلال عيون إبداعية.
عندما التقط سبيته أدواته لحفر وغربلة الرمال – مجرفة حديدية – نحت صورًا مختلفة تصف قطاع غزة والقضية الفلسطينية والتطورات السياسية الراهنة، تتطلب إبداعاته الفريدة الصبر والدأب لتحقيق الكمال على تلك الرمال الشعثاء، لكن المادة الرئيسية لفنه كانت متاحة مجانًا على شواطئ غزة.
تتميز إبداعات سبيته بألوانها الزاهية في أغلب الأحيان
يقول سبيته: “هذه الرسومات ليست عشوائية، إنها تعبر عن واقع الفلسطينيين خاصة سكان قطاع غزة الذين يعانون من الحصار والبطالة، وكذلك قضية الأسرى الفلسطينيين”، في إشارة إلى إضراب أكثر من 1000 أسير في سجون الاحتلال الإسرائيلي عن الطعام لمدة 40 يومًا احتجاجًا على ظروف الاعتقال السيئة والحرمان من الحقوق الأساسية.
في عام 2013، تخرج سبيته من جامعة الأزهر في غزة بشهادة في المحاسبة، لكنه فشل في العثور على عمل في مجال دراسته بسبب ارتفاع نسبة البطالة لنحو 58% بين سكان القطاع البالغ عددهم مليوني نسمة، يقول سبيته: “بدأت الرسم على الورق عندما كنت صغيرًا ثم أصبحت محترفًا بمرور الوقت، أنحت على الرمال منذ نحو 4 سنوات”.
الأيادي الممسكة بالقضبان ترمز إلى نضال الأسرى من أجل الحرية
كانت أول محاول لسبيته للنحت على الرمال قد حدثت عن طريق الصدفة في أحد الأيام وهو يلعب في الرمال على الشاطئ، أدرك سبيته أن الشاطئ وجهة لكثير من المواطنين والمصطافين وأنه المكان المثالي لممارسة فنه ورفع الوعي بالقضية الفلسطينية، وفي أبريل 2015 نحت سبيته رمزًا شهيرًا للسلام “حمامة السلامة” ومن هنا اكتسب شهرته.
في مارس 2017 نظم سبيته معرضًا عن النكبة (عندما طُرد الفلسطينيون من أرضهم وتم إنشاء دولة الاحتلال الإسرائيلي)، في المعرض الذي حضره العديد من سكان غزة والمصورين، عبّر سبيته بصوره عن النزوح والهجرة ومعاناة الفلسطينيين خلال تلك الفترة.
أصبح أسامة مشهورا بعد نحته “حمامة السلام”
يقول محمد علي – 19 عامًا – أحد سكان غزة: “دائمًا ما أذهب إلى البحر لأنه المتنفس الوحيد لسكان غزة، لقد كنت مندهشًا وأشعر بالروعة عندما رأيت رسومات سبيته في ذكرى النكبة، هذه الموهبة تحتاج للدعم لكي تمثل فلسطين في المحافل الدولية”.
أحد أهداف سبيته إثبات أن الإبداع موجود رغم حصار الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة، يقول سبيته: “كانت أول صورة نشرتها على مواقع التواصل الاجتماعي في 1 يناير 2015، حيث كتبت “2015”على الرمال في أول أيام العام الجديد في رسالة مفادها أنني آمل أن يكون هذا العام عام سلام على الفلسطينيين”.
خضر عدنان صاحب أطول إضراب عن الطعام في سجون الاحتلال الإسرائيلي
ووفقًا لما قاله سبيته، فالعديد من الشباب في قطاع غزة بدأوا مؤخرًا في ممارسة العديد من الفنون ومن ضمنها الرسم على الرمال للهروب من واقع الحياة الصعبة في القطاع، كانت موهبة سبيته قد منحته دخلاً للعيش فهو يجني ما بين 40 إلى 1000 دولار من ممارسة هوايته في نحت “شعارات الشركات” أو كتابة أسماء الأزواج أو العمل في المناسبات الخاصة مثل العطل.
يأمل أسامة في أن يكون 2015 عام سلام للفلسطينيين
من بين التحديات التي يواجهها سبيته خشونة الرمال التي تجعل من الصعب الحصول على النتائح المرجوة في أثناء عملية النحت، بالإضافة إلى أن أشعة الشمس الحارقة تجعل من الصعب المشاركة في معارض المنحوتات الرملية في الهواء الطلق.
ولأجل توثيق عمله، يصور سبيته جميع أعماله قبل انهيارها الحتمي حيث تبدأ الرمال في الانهيار، فكل إبداع يميز لحظة عابرة من الزمن، وبلا شك فأكبر أمنيات سبيته رفع الحصار عن قطاع غزة حتى يتمكن من ممارسة هوايته بحرية حول العالم والمشاركة في المسابقات الدولية للنحت على الرمال.
أسامة سبيته أمام ميناء غزة
يقول أحمد شمود – 20 عامًا – أحد مواطني غزة وناشط على وسائل التواصل الاجتماعي أن رسومات سبيته لا تركز فقط على الأحداث التاريخية التي تحدث في فلسطين لكنها تحاول أيضًا تصوير معاناة الفلسطينيين اليومية خاصة خلال الأحداث الوطنية، ويضيف شمود: “نحن معجبون بأعماله الفنية ورسوماته الإبداعية التي ترافق الأحداث الجارية في فلسطين”.
تدعم أحلام الشاعر – أحد المسؤولين بوزارة الثقافة في غزة – الفنانين الذين يعبرون عن أنفسهم خاصة منذ بداية حصار الاحتلال الإسرائيلي لغزة عام 2007 ووصول حماس إلى السلطة، تقول أحلام: “نحن في الإدارة العامة للفنون لنا علاقة وثيقة مع كل أنواع الفنانين وحتى هؤلاء الذين ينحتون على الرمال ومن ضمنهم أسامة سبيته والذي أدهشنا برسوماته الرائعة والمميزة”.
قبل تفكك المنحوتات يصورها أسامة من أجل حفظها
أشارت الشاعر إلى أن الشباب في غزة يستخدمون الفن كوسيلة للهروب بإبداع من البطالة والظروف السيئة الأخرى داخل القطاع المحاصر، وتضيف الشاعر: “يعاني قطاع الشباب من البطالة الشديدة مما جعلهم يحاولون الهرب من تلك البطالة بممارسة الفنون المختلفة، يحتوي قطاع غزة على العديد من الشباب الموهوبين والذين هم بحاجة إلى الدعم”.
المصدر: ميدل إيست آي