ترجمة وتحرير نون بوست
كتب أحمد أبو عينين / جيليس إلغود
كانت ردة فعل عبد الفتاح السيسي على العملية الإجرامية التي استهدفت الأقباط في مصر سريعة، وقد تجسدت من خلال شن غارات جوية على مجموعات قتالية في ليبيا، ولكن ذلك القصف لم يستهدف الجناة الحقيقيين. لقيت عمليات القصف ترحيبا شعبيا مصريا، واحتفلت وسائل الإعلام الحكومية والخاصة بالحدث معتبرة إياه تطبيقا سريعا للعدالة، إلا أن الرئيس بحد ذاته بدا غير عارف بالأهداف التي قصفتها القوات الجوية.
عموما، استهدف القصف مجموعات إسلامية أخرى لا علاقة لها بتنظيم الدولة، الذي تبنى المجزرة التي راح ضحيتها العشرات يوم الجمعة في الجنوب الغربي لمحافظة المنيا. وبالتالي، يبدو أن الغرض الرئيسي من الغارات الجوية دعم حلفاء السيسي في شرقي ليبيا.
لرؤية صور قصف الطيران العسكري المصري لليبيا أنقر هنا
وفي هذا الإطار، صرح الدكتور إيتش هيلير، زميل بارز غير مقيم في المجلس الأطلسي، بأن ” تنظيم الدولة قد تبنى عملية المنيا، كما أن هناك عناصر نشطة تابعة لتنظيم الدولة في ليبيا، ولكن التقارير الواردة تقول إن القاهرة تستهدف مجموعات أخرى”.
في كل الحالات، أشار المحلل أن تلك الغارات الجوية لن تحدث ضررا كبيرا على الجماعات الإسلامية في القاهرة وسيناء وصعيد مصر، حيث يتخذون ملجأ حصينا منذ التسعينات يستهدفون منه السياح والأقباط والموظفين الحكوميين. ومن هذا المنطلق، ينظر للقصف الذي استهدف مخيما في ليبيا على أنه انحراف عن حقيقة فشل النظام في محاربة الإسلاميين في الداخل.
تلك الغارات الجوية قد وقع الإعداد لها مسبقا، ومثلت عملية المنيا فرصة لتنفيذها، في إطار سياسة عميقة لدعم حفتر، وذلك من خلال قصف مصر لمجموعات قوية معارضة للحليف الليبي
وفي هذا الإطار، قالت مديرة برنامج كانيغي للشرق الأوسط، ميشال دوني، إنه “من السهل شن غارات جوية على مخيم في ليبيا، إلا أنه من الصعب مواجهة المشاكل الحقيقية في الداخل المصري مثل الطائفية والتطرف، التي أدت إلى حدوث مثل هذه العمليات”. وأضافت دوني أن “كل العمليات الإرهابية التي وقعت في مصر خلفها دوافع محلية ومن المحتمل أنها كانت لتحدث حتى في غياب تنظيم الدولة. وبالتالي، لا يختلف هذا عما حدث في التسعينات من إرهاب محلي في مصر، قبل أن تظهر القاعدة وتنظيم الدولة”.
الحليف الليبي
أفاد مسؤولون مصريون وليبيون أن القصف استهدف مخيمات ومخازن للذخيرة تابعة لمجلس شورى مجاهدي درنة، وكان من بين المواقع المستهدفة مدخل مدينة درنة الشرقي، وظهر الحمر في الجنوب، والفتائح، وهو منحدر جبلي يبعد 20 كيلومترا عن المدينة. والجدير بالذكر أن مجلس شورى مجاهدي درنة لم يشارك قط في عمليات قتالية خارج ليبيا، بل إن نشاطه كان مقتصرا على درنة فقط، ونادرا ما كان يشارك في الصراعات الكبرى في ليبيا، بحسب ما قاله محمد الجرح، وهو محلل سياسي في المجلس الأطلسي بليبيا.
وبخصوص الأحداث التي جدت مؤخرا، أنكرت المجموعة تورطها في عمليات تستهدف الداخل المصري. في الحقيقة، يرى كثيرون أن الغارات الجوية قد خُطط لها مسبقا بهدف دعم أبرز حليف لعبد الفتاح السيسي في ليبيا، خليفة حفتر وجيشه القومي، الذي أسسه، وأن مجزرة المنيا استخدمت كذريعة لشن غارات جوية على ليبيا.
وبالعودة إلى ليبيا، لطالما قاتلت قوات موالية لحفتر، وهو رجل عسكري مثل السيسي، لفترة طويلة مجلس شورى مجاهدي درنة، فقطعت طرق الإمدادات عن المدينة واستهدفتها ببعض الغارات الجوية المتفرقة والمتباعدة زمنيا. وعلى الرغم من الحصار الذي يفرضه الجيش الوطني الليبي في المنطقة، إلا أن الوضع العسكري في درنة وصل إلى طريق مسدود منذ أشهر.
تلك الغارات الجوية لن تحدث ضررا كبيرا على الجماعات الإسلامية في القاهرة وسيناء وصعيد مصر
كما شنت القوات المصرية غارات جوية على جفرا، حيث يواجه الجيش الوطني الليبي مقاتلين إسلاميين هربوا من بنغازي، المدعومة من قبل قوات تابعة للأمم المتحدة المساندة لحكومة طرابلس. وقد خسر الجيش الوطني الليبي العديد من مجنديه في هجوم مفاجئ على قاعدة جوية في أوائل شهر أيار/ مايو، ولكن منذ ذلك الوقت وحّد جهوده ولملم صفوفه.
وعلى ضوء ما جد مؤخرا في مصر، أورد مختار عواد، وهو باحث في الجماعات المتطرفة من جامعة جورج واشنطن، أن “عملية المنيا مثلت محفزا للحكومة والجيش، الذي يدعم التدخل العسكري في ليبيا”. فضلا عن ذلك، أشار عواد إلى أن “هذه العملية التي شنها الجيش المصري ليست ردة فعل على ما حدث في المنيا، ولكن الهدف منها كان إبعاد أكبر عدد ممكن من المتطرفين عن الشرق”.
“كلهم إرهابيون“
أشارت السلطات المصرية إنها لا تستهدف مجموعات بحد ذاتها، لكنها تحارب أي مجموعات قد تشكل تهديدا على أمنها. وفي هذا الصدد، قال متحدث عسكري لوسائل الإعلام الحكومية يوم الاثنين إن كل المجموعات المُستهدفَة لديها الإيديولوجية نفسها التي يحملها العناصر الذين نفذوا مجزرة المنيا، وهذا سبب كاف لاستهدافهم. كما صرح مصدر استخباراتي مصري لوكالة الأنباء رويترز بأن “الأسماء غير مهمة بالنسبة لنا، فكلهم إرهابيون. من نفذ عملية المنيا ليسوا بالضرورة في تلك المعسكرات، لكن أتباعهم كانوا هناك”.
وفي الإطار نفسه، أفاد الجَرح أيضا أن تلك الغارات الجوية قد وقع الإعداد لها مسبقا، ومثلت عملية المنيا فرصة لتنفيذها، في إطار سياسة عميقة لدعم حفتر، وذلك من خلال قصف مصر لمجموعات قوية معارضة للحليف الليبي.
مجلس شورى مجاهدي درنة لم يشارك قط في عمليات قتالية خارج ليبيا، بل إن نشاطه كان مقتصرا على درنة فقط، ونادرا ما كان يشارك في الصراعات الكبرى في ليبيا
ومن جهتها، ترى الحكومة المصرية أن أي نشاط عسكري في شرق ليبيا، القريب من حدودها، يعتبر تهديدا لأمنها الداخلي، لذلك من بين الأسباب التي جعلت السيسي يدعم حفتر منذ سنة 2014، ضمان خُلوّ الشرق الليبي من الإسلاميين.
وفي شأن ذي صلة، قال الجَرح إن عبد الفتاح السيسي قد انخرط أكثر في الحرب في ليبيا بعد تحسن علاقته بواشنطن. فمن خلال توطد العلاقة بينهما، اعتقد السيسي أن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، قد أعطاه الضوء الأخضر لمحاربة الجهاديين سواء في ليبيا أو في أي مكان آخر. وخير دليل على ذلك، أنه عندما أعلن السيسي عن الجولة الأولى من الغارات الجوية في التلفاز يوم الجمعة، ناشد ترامب مساعدته. وفي هذا الصدد، صرح ترامب، الذي يسعى لتحسين العلاقات مع مصر، أن بلاده تدعم السيسي والشعب المصري.
المصدر: رويترز