“نوعية الدراما الهادفة لا تجذب كثير من محطات العرض، ويكأن هذا الزمن لا يليق بهذه النوعية من الأعمال، فيبدو أن زمن التلفزيون الجميل قد ولّي، وتلك نظرة تشاؤمية، ولكن تكاد تكون الحقيقة، وهذا شيء منوط بمحطات ومؤسسات إنتاج كبيرة، وتلك المؤسسات تتخلى شيئًا فشيئًا عن دورها الإعلامي الواجب عليها القيام به”
كانت تلك فقرة مُقتبسة من تصريحات المخرج السوري “حاتم علي”، عقب توقف مسلسله “عمر بن عبد العزيز” عن العمل للعرض في رمضان 2015، ولكن الصعوبات التي تواجه فن المخرج السوري الهادف لم تتوقف عند ذلك الحد، ففي رمضان 2016، اختفى مسلسله “أحمد بن حنبل” عن الظهور على الشاشات رغم ترقب انتظاره من الكثيرين.
أثار مسلسل أحمد ابن حنبل ضجة إعلامية وقت إعلان عرضه في رمضان 2016، حيث غرد المشاهدون مشيرين إلى ترقبهم الشديد للمسلسل، ذلك لأهميته في التاريخ الإسلامي، وتأسيسه لرابع المذاهب الفقهية، كما تنافست القنوات الفضائية على عرضه، فكان منها قناة أبوظبي، وفورشباب و MBC.
تعرّض تصوير العمل إلى عقبات كبيرة، فسبق أن تعذر دخوله إلى مراكش، ما دفع الجهة المنتجة إلى اختيار أوزباكستان والجزائر كمكانٍ بديل، وبعدها الهند كوجهةٍ أخيرة، لكن كل تلك الخيارات لم تنجح، وانتهى المطاف بـ “أحمد بن حنبل” في ماردين التركية ولبنان.
ولكن في النهاية لم يظهر المسلسل على أي من القنوات السابقة في أول يوم رمضان من العام الماضي، وبعد حيرة بين صفوف المشاهدين، خرج التلفزيون القطري بتصريحات تشير إلى أن المسلسل تأجل عرضه لرمضان المقبل، ذلك لأنه لم يتم الانتهاء منه بالشكل المطلوب، على الرغم من مراجعة كتابته أكثر من 4 مرات من لجان شرعية وتاريخية متخصصة.
تقلص نوع الدراما النوعية على الرغم من أن الميزانيات تسمح بإنتاجها
لم يكن ما حدث مع مسلسل “أحمد بن حنبل” بالشيء الغريب، خاصة بعد تقلص هذا النوع من الدراما في الوطن العربي، بعد أن تقلص عددها ما بين مسلسل واحد فقط كل عام، ولا يخلو من الخطأ في السردية و رداءة في التمثيل والإنتاج على الرغم من الميزانيات العالية المخصصة لتلك المسلسلات النوعية ما بين كثير من الإنتاج عديم المحتوى.
التكلفة الباهظة أم سياسات مُمنهجة
تحججت كثير من مؤسسات وشركات الإنتاج بتكلفة المسلسلات التاريخية والدينية الباهظة، بسبب ما تحتاجه من مواقع معينة في دول مختلفة إضافة إلى الإكسسوارات والملابس التاريخية ولهذا اقتصر إنتاجها على القطاع الخاص فحسب، إلا أن الأخير لن يستطيع القيام بعملية الإنتاج وحده، ولهذا كانت الحجة الأساسية عدم وجود الدعم المادي والميزانية التي تسمح بإنتاج هذه النوعية من المسلسلات.
لا يمكن إنكار أن هدف المسلسلات التاريخية والدينية توعوي وتثقيفي أكثر منه مجرد مادة لجلب المشاهدات المليونية، إلا أن هذا لا يعني اقتصار الميزانية على دراما المسلسلات عديمة المحتوى التي تبتعد كل البعد عن القضايا الرائجة في البلاد العربية في هذه الأيام، وهذا ما تُبيّنه ميزانية مسلسلات الدراما المصرية في رمضان 2017.
2 مليار جنيه ميزانية هذا العام
بلغت ميزانية المسلسلات الرمضانية هذا العام حوالي 2 مليار جنيه بعدد من المسلسلات قُدّر بـ 50 مسلسل لهذا العام، فكان هناك الكثير من مواضيع السحر والشعوذة، والأمراض النفسية، وكثير من المواضيع الاجتماعية التي سبق تناول فكرتها في كثير من المسلسلات الدرامية سابقًا، وأيضًا يظهر على الساحة مسلسل يعرض “بطولات” رجال المخابرات المصرية والعقلية المخابراتية المصرية في مسلسل “الزئبق”، والذي يتوقع فريق عمله ألا يكون أقل شأنًا من مسلسل “رأفت الهجان”.
بلغت ميزانية المسلسلات الرمضانية هذا العام حوالي 2 مليار جنيه بعدد من المسلسلات قُدّر بـ 50 مسلسل لهذا العام
ما بين التحجج بالتكلفة الباهظة، وما بين السياسة المُمنهجة لاستخدام الدراما الرمضانية سلاحًا سلطويًا لتهميش قضايا شائكة بعينها والتركيز على ما هو غير واقعي، أو غير صحيح، أو مُمنهج بطريقة عنصرية، بدأ نجم الدراما العربية النوعية يتخلف في مسيرته للصعود، وهذا ظهر في إنتاج رمضان 2017.
يقول المخرج السوري “حاتم علي” في تقرير على صحيفة “الحياة” بأن
“كل صنّاع الدراما إذا ما تمّت مقارنتهم بالأضواء التي تسلّط عادة على الممثلين يمكن اعتبارهم مظلومين. هذا ناتج من تواطؤ بين صنّاع الدراما والمنتجين وبين الصحافة ومحطات العرض، وبالتالي لا يمكن اتهام الجمهور بأنه لا يرى في العمل الفنيّ إلا من هم أمام الكاميرا. من مهمات الصحافة تقديم مفاتيح للمشاهد بقراءة العمل الفنيّ بعمق واكتشاف نقاط القوّة والضعف فيه. وللأسف عادة في الصحافة يتمّ تجاهل العناصر الفنيّة والتركيز على الممثل، ولاعتبارات تجارية تركز محطات العرض على الممثل لأنه هو من يسوّق”
غرابيب سود
“إخواني في الله، إخواني في الجهاد، أنتم على أعتاب الدولة الإسلامية، أنتم على أعتاب الجنة”
– من مشهد من المسلسل
بتوع #غرابيب_سود إذا كانت #داعش_الإرهابية لديها #جهاد_النكاح فإن في أقبية وزنازين #الأسد آلاف الضحايا من #السفاح والإغتصاب على يد #مخابراته
— عبدالجليل السعيد (@abduljalilsyria) June 1, 2017
يأتي مسلسل “غرابيب سود” المعروض على قناة MBC السعودية “المحارب للإرهاب” مثيرًا للجدل بين المشاهدين، حيث من المفترض أن تُلقي أحداث المسلسل الضوء على تنظيم الدولة الإسلامية داعش من الداخل، من حيث المظاهر الاجتماعية بين صفوف التنظيم، إلا أنه وعلى عكس المتوقع، أثار جدل بين المشاهدين جاء في صف تنظيم الدولة وليس العكس.
ارتكز المسلسل في حلقاته الأولى على التقليدية في الطرح، فجاء بالصورة النمطية للحياة الجاهلية من حديث باللغة العربية الفصحى فقط، وأزياء و ديكورات وكأن المسلسل في حقبة الجاهلية، حيث يظهر كل داعشي في المسلسل على نفس النمط، بوجوه عابسة بشكل شديد التكلف، والذي من الممكن أن يكون مبالغ فيه عن الواقع.
وهنا محاولة قذرة ومثيرة للشفقة
لإلصاق فرية نكاح الجهاد بالاسلام
والتي لا يخفى على عاقل من اختلقها.. #غرابيب_سود يكذبون ويصدقون كذبتهم pic.twitter.com/TLLdoFIJML
— خالد العلكمي (@AlkamiK) May 29, 2017
لا يمكننا إغفال أنه مجموعة MBC ستستغل هذا العمل لإبراز مجهوداتها الفنية لإبراز دورها في محاربة التطرف و “الإرهاب” إلا أن ردة فعل الجمهور كان عكس المتوقع، إذ شاهد مبالغة في نشر وقائع مُبالغ فيها، مما يفقده المصداقية و احترافية الأداء والطرح.
أحمد بن حنبل
عاد مسلسل “أحمد بن حنبل” من إخراج “حاتم علي” من جديد، ولكن هذه المرة يُعرض على تلفزيون قطر، بينما تخلّت عنه قناة أبوظبي و مجموعة MBC، بعد أن حرصت شركة “البراق” -وهي الجهة المنتجة للمسلسل على تدقيق النص الدرامي قبل الشروع في تنفيذه، حيث أعيدت كتابته أربع مرات ليظهر في النهاية في الصورة اللائقة، وذلك بحسب تصريح المدير التنفيذي لشركة البراق “محمد العنزي” حيث خضع النص لمراجعة لجنةٍ شرعيةٍ وتاريخيةٍ متخصصة، لافتاً إلى أن الجانب الدرامي في المسلسل فيه عرض مشوّق للتاريخ.
العمل الدرامي #احمد_بن_حنبل والذي انتجته #قطر يمثل خدمة لمنهج #اهل_السنة_والجماعة لتوضيح سيرة وتاريخ إمام اهل السنة وصموده بمواجهة المبتدعة pic.twitter.com/Qu3quUkvEo
— وليد الطبطبائي (@Altabtabie) May 28, 2017
قليل من المسلسلات التاريخية والدينية، والكثير من مسلسلات السحر والشعوذة، الدراما السورية تفتقد الثورة، وضاعات وسط تضارب واختلاف المصالح السياسية في المنطقة، لينتشر أشهر الممثلين السوريين بين مختلف الأعمال الدرامية البعيدة عن السياسة،والدراما المصرية تمجد بطولات المخابرات المصرية و تتجه نحو الاجتماعيات والسحر والشعوذة، إلا أنه وبعد كل عام من ماراثون المسلسلات الرمضانية و تبقى الدراما العربية تفتقد زمن التلفزيون الجميل