مثلت مذبحة رابعة العدوية والنهضة يوم 14 من أغسطس 2013 نقطة فاصلة في تاريخ مصر الحديث، فلأول مرة يرى المصريون قوات الجيش والشرطة تقوم بعملية إبادة جماعية لاعتصام سلمي داعم لرئيس منتخب والتي قتل فيها وفق تقارير رسمية مصرية نحو 800 مصري ووفق منظمة العفو الدولية ما يقارب 1200 مصري، وطرحت همجية الفض – في ظل صمت بل ودعم إقليمي له – تساؤلات عماهية هذا الدعم وحجمه وقدرته على الضغط في اتجاه تصعيد خطير مثل مذبحة رابعة.
للإجابة عن هذه التساؤلات فإننا نحتاج للعودة قليلاً إلى الوراء، حقبة الرئيس المنتخب محمد مرسي وإشارته في اجتماع القمة العربية في مارس 2013 لدولة عربية تقوم بالعبث بالأمن القومي لمصر في إشارة فسرها كثير من المحللين والمراقبين إلى دولة الإمارات.
لماذا أرادت الإمارات إسقاط التجربة الديموقراطية في مصر؟
أولاً: البعد الفكري والأيدولوجي
أحدثت الإمارات عندما نشرت قائمتها “للمنظمات الارهابية” في نوفمبر 2014، صدمة في أوساط منظمات إسلامية “خيرية” معروفة في الغرب وجدت نفسها على قائمة واحدة مع تنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية، ولم يكن مفاجئًا وجود الإخوان المسلمين على رأس هذه القائمة نظرًا للجهود الكبيرة التي بذلتها الإمارات لمواجهة التنظيم الإسلامي العالمي.
توسيع الإمارات قائمتها لهذه الدرجة يهدف إلى التأكيد على أن الحرب على الحراك الإسلامي حرب أيديولوجية في الأساس
إلا أن وجود منظمات مثل مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية (كير) في واشنطن، جمعية الإغاثة الإسلامية في بريطانيا وبعض أكبر الجمعيات الإسلامية في فنلندا والسويد والنرويج ودول أوروبية أخرى، أثار مطالبات بتقديم تفسير من قبل الإمارات عن خطوة إدراج هذه المنظمات التي لم يعرف عنها أي نشاط “إرهابي”.
ويرى خبراء أن توسيع الإمارات قائمتها لهذه الدرجة يهدف إلى التأكيد على أن الحرب على الحراك الإسلامي حرب أيديولوجية في الأساس، وفي الحقيقة فإن حكام الإمارات لا يخفون توجهاتهم العدائية تجاه تيار الإسلام السياسي وقد وظفوا كل إمكاناتهم المادية الإعلامية لإسقاط أي تجربة إسلامية ناجحة في الحكم.
ثانيًا: البُعد الاقتصادي
طرح الرئيس مرسي فكرة مشروع “تنمية محور قناة السويس” والذي تضمن إقامة منطقة تنمية كاملة صناعية وزراعية وتجارية وخدمية وتكنولوجية عرضها بين 7-10 كيلومترات بطول القناة بالكامل (193 كيلومترًا)، ويهدف إلى جذب المستثمرين من مصر وجميع أنحاء العالم.
وهنا يأتي التساؤل: من أكثر الأطراف تضررًا من نهضة صناعية مصرية خاصة في نطاق الملاحة البحرية والدعم اللوجستي؟
للإجابة عن هذا السؤال ينبغي أن ننظر لأهم المشاريع المنافسة في المحيط الإقليمي لمصر، فمشروع تنمية محور قناة السويس إذا تم إكماله كان سيشكل ضربة قاصمة لمواني دبي ومواني الدعم اللوجستي للسفن بالإمارات.
المنافس الوحيد لمنطقة جبل علي بالإمارات جغرافيًا وإقليميًا، قناة السويس، لموقعها الجغرافي الواصل بين القارات والدول
فالمنافس الوحيد لمنطقة جبل علي بالإمارات جغرافيًا وإقليميًا، قناة السويس لموقعها الجغرافي الواصل بين القارات والدول، وفي حال العمل على تنميتها تنمية شاملة ستكون منطقة استراتيجية تغطي على منطقة جبل علي المنزوية في الخليج والتي لا تتمتع بميزات تنافسية بقدر ما ستتمتع منطقة السويس في حال قيامها بالدور الذي تقوم به منطقة جبل علي.
الإمارات والثورة المصرية
بدأت ملامح السياسة الإماراتية تجاه الثورة المصرية والتجربة الديموقراطية تتضح شيئًا فشيئًا بعد الانقلاب العسكري على الرئيس مرسي، فمع وجود أدلة مسجلة على تورط الإمارات في إنشاء حركة تمرد والإنفاق عليها أصبح الموقف أكثر وضوحًا.
فبعد عامين من الانقلاب العسكري ظهر دور الإمارات في تمويل المخابرات الحربية التي كان يقودها عبد الفتاح السيسي، وبرز أيضًا رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير من خلال الزيارات “السرية” لعبد الفتاح السيسي (وزير الدفاع آنذاك) ومحمود حجازي (مدير المخابرات الحربية) وصدقي صبحي (رئيس الأركان).
وقد أظهرت تسريبات، الأحد 1 من مارس 2015، حجم الدعم الذي قدمته الإمارات للسيسي ليُتم انقلابه، وقد تضمن التسريب مكالمة هاتفية بين مدير مكتب السيسي اللواء عباس كامل وسلطان الجابر وزير الدولة في الإمارات، يتحدث فيه عباس عن صعوبة التصرف في وديعة إماراتية للجيش المصري لأنها حوّلت كوديعة للبنك المركزي من بنك أبو ظبي، بينما هي تمويلات مقدمة لمشاريع الجيش، ويطالب عباس كامل المسؤول الإماراتي بالتصرف لتسهيل صرفها.
انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي بعد عزل مرسي، صورة لوزير خارجية الإمارات عبد الله بن زايد بين مؤسّسَي حركة تمرد محمود بدر ومحمد عبد العزيز، تداولها النشطاء كدليل على دور الإمارات في تمويل الحركة التي يقال إنها مدعومة من جهات سيادية في مصر
كما أوضح التسجيل أن يوسف – الذي ذكر اسمه في المكالمة الهاتفية بين كامل وسلطان الجاسم – هو يوسف يعقوب مدير العلاقات العامة ببنك أبو ظبي الوطني، وقال كامل موجّهًا حديثه للجابر: “والنبي يا فندم هنحتاج بكرة 200 من حساب تمرد”، مضيفًا: “أنت عارف الجزء بتاع الإمارات”.
وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي بعد عزل مرسي صورة لوزير خارجية الإمارات عبد الله بن زايد بين مؤسّسَي حركة تمرد محمود بدر ومحمد عبد العزيز، تداولها النشطاء كدليل على دور الإمارات في تمويل الحركة التي يقال إنها مدعومة من جهات سيادية في مصر.
الإمارات ومذبحة رابعة العدوية
قبيل مذبحة رابعة العدوية بدأت تتوالى الزيارات بين قيادات أمنية في مصر والإمارات، ففي يوم 12 من يوليو 2013، زار القاهرة وفد وزاري إماراتي يرأسه مستشار هيئة الأمن الوطني هزاع بن زايد، في أول زيارة عربية رسمية منذ عزل مرسي.
وفي صبيحة يوم 25 من يوليو 2013 أي بعد أقل من شهر من الانقلاب العسكري وقبل 20 يومًا فقط من مذبحة رابعة العدوية، وصل الفريق الركن حمد محمد الرميثي، رئيس أركان القوات المسلحة بدولة الإمارات إلى القاهرة، في زيارة لمصر استغرقت عدة ساعات التقى خلالها عددًا من المسؤولين، وقالت مصادر دبلوماسية بمطار القاهرة الدولي: “الفريق الرميثي رافقه وفد يضم عددًا من المسؤولين الأمنيين بالإمارات”.
هل كانت هذه الزيارات من قبيل المصادفة أم كانت بهدف التنسيق والتخطيط الأمني لتنفيذ المذبحة خاصة في ظل الارتباطات العسكرية الوثيقة بين دولة الإمارات وشركة بلاك ووتر الأمنية وارتباطهم بالكثير من الأماكن والعمليات الحربية والأمنية؟!
وتثير هذه الزيارات علامات التعجب في ظل انقلاب عسكري (لا يوجد مناورات عسكرية أو حروب) وقبل أيام من أكبر مذبحة بشرية شهدتها مصر في القرن الواحد والعشرين!
فهل كانت هذه الزيارات من قبيل المصادفة أم كانت بهدف التنسيق والتخطيط الأمني لتنفيذ المذبحة خاصة في ظل الارتباطات العسكرية الوثيقة بين دولة الإمارات وشركة بلاك ووتر الأمنية وارتباطهم بالكثير من الأماكن والعمليات الحربية والأمنية؟!
يأتي ختام دور الإمارات في هذا المشهد في تصريحها الرسمي، حيث أيدت أيضًا فض الاعتصام، وأصدرت وزارة خارجيتها بيانًا قالت فيه إنها تتفهم الإجراءات السيادية التي اتخذتها الحكومة المصرية!
فكانت الإمارات بذلك أول دولة ترحب بإطاحة الجيش بالرئيس المنتخب محمد مرسي يوم 3 من يوليو، وأول دولة تبارك المذبحة بل وتكافئ مرتكبها بمساعدات مالية كبيرة قدرها مراقبون بـ30 مليار دولار!