سُلّطت الأضواء طيلة الأسابيع الماضية على العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، والدمار الذي ألحقه الاحتلال الصهيوني بالقطاع وسكانه الأبرياء. في الأثناء هناك كوارث أخرى تقع بالمقربة منّا لكن التغطية الإعلامية غابت عنها.
ففي السودان، يواجه الأهالي أوضاعًا قاسيةً في ظل تمدد الاشتباكات بين مليشيا قوات الدعم السريع شبه العسكرية بقيادة رجل الحرب الفريق محمد حمدان دقلو – المعروف باسم حميدتي – والجيش السوداني بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان.
اشتباكات عنيفة تدور أغلبها في دارفور، وقد حذّرت منها الأمم المتحدة والعديد من المنظمات الإنسانية، خاصة مع اقتراب مليشيا حميدتي من السيطرة على الإقليم، وهو ما يهدد وحدة البلاد، وإمكانية انزلاقها إلى حرب أهلية لا يُحمد عقباها.
الدعم السريع يتمدد في دارفور
استولت قوات الدعم السريع على مقر قيادة الجيش في الضعين عاصمة ولاية شرق دارفور، لتصبح رابع ولايات الإقليم الخمسة التي تقع تحت نفوذها، ولم يتبق أمام بسط نفوذها على دارفور، إلا مدينة الفاشر، العاصمة السياسية والإدارية للإقليم.
ويضم إقليم دارفور 5 ولايات هي: ولاية جنوب دارفور وحاضرتها مدينة نيالا، وولاية وسط دارفور وحاضرتها مدينة زالنجي، وولاية غرب دارفور وعاصمتها مدينة الجنينة، وولاية شرق دارفور وعاصمتها الضعين، أما الولاية الخامسة فهي ولاية شمال دارفور وعاصمتها مدينة الفاشر.
وتُعد مدينة الفاشر، إحدى أقدم مدن إقليم دارفور تاريخيًا وسياسيًا، وتشكّل اللحمة الاجتماعية لكل المكونات القبلية في السودان، وتلعب دورًا مؤثرًا في صنع القرار السياسي، كما تمثل المقر الرئيسي لحكومات الإقليم على مر العصور.
وتتجه قوات الدعم السريع للهجوم على المدينة بهدف السيطرة عليها، مستغلة انهيار قوات الجيش السوداني ونفاد الذخيرة منه، وتتمركز عناصر من قوات الدعم السريع حاليًا في الأحياء الشرقية من المدينة، وعلى مدخل الطريق القومي الرابط بينها وبين العاصمة الخرطوم.
استطاع حميدتي نسج علاقات قوية مع النسيج القبلي والمجتمعي في الإقليم
يؤكد تفوق قوات الدعم السريع في العديد من المناطق وفرض سيطرتها على مراكز مهمة في دارفور وأكثر من 80% من مساحة الإقليم حصولها على دعم خارجي، وتظهر بعض المؤشرات أن هذا الدعم قادم من دولة الإمارات التي عُرفت بدعمها لمليشيا حميدتي مند بداية المعركة.
وتعتبر دارفور المنطقة الأبرز التي تستطيع فيها قوات الدعم السريع التحرك بأريحية، فقد خبرتها لسنوات عديدة، وهو ما يفسر عودة حميدتي إلى هذا الإقليم، ذلك أنه يمتلك خبرة كبيرة بالمنطقة وقواته جاهزة للمعارك الطويلة داخل المدن بفضل امتلاكها مركبات صغيرة مزودة بمدافع رشاشة.
#عاجل
الدعم السريع يؤكد استلام الفرقة 20 بالضعين شرق دارفور وبهذا تصبح جميع مناطق دارفور تحت سيطرة قوات الدعم السريع ما عدا الفاشر التي يتقاسمها الجيش والدعم السريع والحركات المسلحة #الضعين #حميدتي_الان #البرهان #حرب_السودان #الجيش_السوداني #السودان pic.twitter.com/UAgF4GBwCW— إسكرين شوت _ Screenshotts (@Screenshot71) November 21, 2023
يذكر أن قوات الدعم السريع نشأت بالأساس في دارفور وتمرست القتال هناك، إذ انبثقت هذه القوات مما يُسمى ميليشيا الجنجويد المسلحة التي قاتلت مطلع الألفية في الصراع بدارفور واستخدمها نظام عمر البشير الحاكم آنذاك لإخماد تمرد الجماعات المسلحة في الإقليم.
ورغم أن مليشيات حميدتي أشرفت على انتهاكات بحق أهالي دارفور، فإن حميدتي استطاع نسج علاقات قوية مع النسيج القبلي والمجتمعي في الإقليم، واستغلها خدمة له في صراعه مع الجيش، ما مكنه من سرعة السيطرة على معظم مساحة الإقليم.
فرضيات الانقسام والحرب الأهلية
تزامنًا مع تحركات قوات الدعم السريع نحو الفاشر، دفعت القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلحة (مجموعة حركات مسلحة من ذوي الجذور غير العربية كانت تقاتل ضد حكومة الإنقاذ السابقة) بتعزيزات عسكرية كبيرة في مختلف الأحياء والشوارع الرئيسية للمدينة، فيما عزز الجيش وجوده في القاعدة العسكرية بوسط المدينة.
وخرجت هذه الحركات منذ أيام من منطقة الحياد التي اختارتها منذ 7 أشهر، وأرجعت ذلك إلى استهداف الدعم السريع المدنيين ونهب الممتلكات، كما تحدث زعيما حركتي العدل والمساواة جبريل إبراهيم، وتحرير السودان مني أركو مناوي عن أيادٍ خارجية تشارك في هذا القتال، تهدف لتنفيذ أجندة تصب باتجاه تفتيت وتقسيم السودان.
يأمل حميدتي من خلال قيادة هذا التمرد العسكري الحاصل في دارفور لإثبات وجوده
ينذر هذا الأمر باتساع جبهات الاقتتال في الإقليم الذي لم تندمل جراحه بعد وأحزان الأهالي متواصلة، فيشهد منذ أيام اشتباكات دامية بالأسلحة الثقيلة والخفيفة بين الجيش وقوات الدعم السريع، خلفت مئات القتلى، كما فرّ آلاف المدنيين إلى تشاد، ونزح آخرون إلى ولايات بعيدة.
ومن شأن مشاركة جماعات مسلحة أخرى في الحرب الدائرة بين الجيش والدعم السريع أن يزيد تأزيم الوضع أكثر، ويكرّس الانقسام في السودان ويهدّد بمواجهات عرقية ومجتمعية، تنسف ما تبقى من مقومات الدولة، وتذهب بأرواح السودانيين وممتلكاتهم.
ويتوقع أن تدافع حركات الكفاح المسلح عن مدينة فاشر وألا تسمح لقوات الدعم السريع بدخولها، ما سينتج عنه اشتباكات عنيفة، وتمثل حركات الكفاح المسلح القوة الكبرى في الإقليم، إذ تمتلك أرتالًا من السيارات القتالية، وتعتمد على أرضية خصبة من المقاتلين باعتبارهم أبناء الولاية.
على الورق تبدو حركات الكفاح المسلح والجيش أقوى، فهم يمتلكون ضعف عدد قوات الدعم السريع، ويمتازون بقدرات تدريبية أقوى ولهم عتاد متطور، وهو ما لا تمتلكه ميليشيات حميدتي، لكن المؤشرات على الميدان تظهر توازن قوة الطرفين.
هذا التوازن يوحي بإمكانية تكرار سيناريو الحروب الطويلة التي سبق أن عرفها هذا البلد العربي، على غرار تمرد جنوب السودان (1955-2005)، الذي انتهى بانفصاله رسميًا سنة 2011، وحركات التمرد في دارفور (2003-2019)، والتمرد الذي شهدته ولايتا جنوب كردوفان والنيل الأزرق (2011-2019).
التمهيد لمفاوضات قادمة
من الصعب أن يحسم حميدتي المعركة لصالحه، خاصة مع دخول حركات الكفاح المسلح الصراع إلى جانب الجيش، لكن هذا لا يعني أن قائد ميليشيات الدعم السريع وقبلها الجنجويد سينسحب ويرفع الراية البيضاء وينصاع لشروط البرهان.
تحركات حميدتي في دارفور، يُفهم منها سعيه البقاء في المشهد وتعزيز حظوظه في أي تسويات قادمة، ذلك أنه يعلم يقينًا عدم قدرته على حسم المعركة عسكريًا، فضلًا عن عدم قدرة الجيش على القيام بذلك في الوقت الحاليّ.
#عاجل | مصدر صحفي: الحركات المسلحة مسار دارفور الموقعة على أتفاق سلام جوبا تعلن الخروج من موقف الحياد والدخول في الحركات العسكرية مع القوات المسلحة لدحر مليشيا المتمرد حميدتي#الدعم_السريع_مليشيا_ارهابيه pic.twitter.com/Ad45KTD6wc
— fyroz (@fyroz123_) November 16, 2023
يأمل حميدتي من خلال قيادة هذا التمرد العسكري الحاصل بدارفور في إثبات وجوده، ذلك أنه لا يقبل التهميش والرجوع إلى الخلف بعدما صار الرجل الثاني في الدولة، وتذوق طعم الكرسي، فمن وصل هذه المكان ليس من السهل أن يتخلّى عنها.
المسألة عند قائد الدعم السريع حياة أو موت، فليس هناك أي فرصة منه للتخلي عن هدفه، ولا يهمه أن يشعل نار الحرب الأهلية والفتنة في البلاد، بل الوصول إلى هدفه ومبتغاه، وله فيما قام به رياك مشار نائب رئيس جنوب السودان الحالي دافعًا لذلك.
يذكر أن رياك مشار قاد تمردًا على الجيش الحكومي بقيادة رئيس البلاد سلفاكير ميارديت، وعاد إلى موقعه عبر تسوية رعتها الهيئة الحكومية للتنمية “إيغاد”، بعد مقتل عشرات الآلاف في المواجهات العسكرية بين الطرفين.