على غير العادة كان استقبال شهر رمضان “محتشمًا” و”خافتًا” في الجزائر، فقد غابت مظاهر الزينة وتأخر الإعداد للشهر الكريم الذي كان ينطلق بداية شهر رجب، نتيجة تأثر الجزائريين بالحالة الاقتصادية لبلادهم.
ارتفاع الأسعار وغياب مظاهر الاحتفال
استقبال رمضان هذه السنة كان بطعم التقشّف الذي فرضته الدولة نتيجة هبوط أسعار النفط، وقانون مالية الذي رفع الأسعار وأبقى الرواتب على حالها، حيث اكتفى الجزائريون بشراء الحد الأدنى من المواد الخاصة بالشهر الفضيل.
وغاب عن عدد من الأسر الجزائرية مظاهر الاحتفال بقدوم الشهر كما كان في السنوات السابقة، فقد اعتاد الجزائريون عند اقتراب شهر رمضان على تجديد مستلزمات المطبخ، وتهيئة المنزل من خلال تنظيفه بالماء والورد واقتناء كل المستلزمات الضرورية للاستمتاع بأجواء شهر الصيام، إلا أن ذلك لم يحدث هذه السنة.
سياسة التقشف أثرت على المواطن الجزائري
وتسود السوق الجزائرية حالة من الغلاء وندرة بعض السلع، بسبب سياسة حصص الاستيراد، بدعوى تقليص فاتورة الواردات وحماية احتياطات النقد الأجنبي، وانتهجت الحكومة سياسة حصص الاستيراد رغم الانتقادات والضغوط من بعض دول الاتحاد الأوروبي، لأن تلك السياسة تتعارض مع الاتفاق المبرم مع الجزائر عام 2007، وتعتمد الجزائر في تمويل أسواقها بشكل كلي على الواردات، وتعتبر الصين وفرنسا الشريكتين الرئيسيتين معها في مختلف المجالات الاقتصادية والتجارية.
وفرضت الموازنة العامة للجزائر لهذه السنة إجراءات تقشفية استثنائية نتيجة تراجع سعر بيع النفط في الأسواق العالمية، حيث أقرت الموازنة رفع ضريبة القيمة المضافة من 17% إلى 19%، مما سبّب ارتفاع أسعار الكثير من المواد الاستهلاكية ومواد الطاقة والتجهيزات الإلكترونية والكهرومنزلية، كما أقرت عدم زيادة الأجور، وتأتي هذه التوجهات الاقتصادية الجديدة للسلطة في إطار برنامج أطلقت عليه الحكومة اسم “النموذج الاقتصادي الجديد” ويمتد من عام 2015 إلى 2019.
أسواق تضامنية ومساعدات عينية
لمواجهة ارتفاع الأسعار المسجّل في عدد من المواد الغذائية والإقبال الكبير عليها، فتحت الجزائر أسواقًا تضامنية في العاصمة لمختلف المواد الغذائية خلال شهر رمضان الكريم، على مساحات شاسعة بكل من الساحة المركزية لمقر الاتحاد العام للعمال الجزائريين بأول مايو، وآخر على مستوى قصر المعارض الصنوبر البحري، وثالث بساحة تريولي بباب الوادي، ورابع بالساحة المركزية في الرويبة، وخامس بعين البنيان، كما وعدت بردع كل التجاوزات التي يرتكبها التجار، خاصة الذين يغيرون نشاطهم في رمضان والذين يسوقون موادًا سريعة التلف.
وزّعت السلطات الجزائرية، بداية الشهر، على المواطنين ضعيفي الدخل مساعدة يطلق عليها تسمية “قفة رمضان”
وتقام هذه الأسواق، حسب السلطات الجزائرية، بهدف كسر الاحتكار وحماية القدرة الشرائية للمواطن، لأن التجار المشاركين من المستوردين والمنتجين والممونين، حيث يبيعون سلعهم مباشرة للمستهلك دون وساطة، وتعرض فيها المنتجات الغذائية واسعة الطلب خلال الشهر الكريم، على غرار دعمها بالخضراوات والفواكه واللحوم، إضافة إلى البقول والعصائر والحليب ومشتقاته والبيض والفواكه الجافة والفرينة والدقيق وغيرها من المنتجات المحلية.
إلى جانب ذلك وزّعت السلطات الجزائرية، بداية الشهر، على المواطنين ضعيفي الدخل مساعدة يطلق عليها تسمية “قفة رمضان”، وقدرت القيمة المالية لقفة رمضان في الجزائر هذا العام بخمسة آلاف دينار (قرابة 50 دولارًا) توزع في شكل مواد غذائية على مواطنين من العائلات المحدودة الدخل يتم ضبطها مسبقًا في قوائم من طرف البلديات.
وتضم قائمة المواد الغذائية لهذا العام، بحسب وزيرة التضامن السابقة مونية مسلم، الزيت الغذائي (5 لترات) وكيسًا من الدقيق (10 كيلوغرامات) وكيسًا من الطحين (100 كيلوغرام) وعلبتين من الحليب الجاف وكيلوغراما من السكر ونصف كيلوغرام من القهوة وكيلوغرامًا من دقيق الشربة وعلبة عنب مجفف (زبيب)، إضافة إلى الحمص وخميرة العجين.
ساعة للتراويح وأطول يوم صيام
من الأشياء التي ميزت الجزائر خلال هذا الشهر، أيضًا، تحديد وزارة الشؤون الدينية والأوقاف الجزائرية مدة ساعة واحدة لصلاة التراويح في رمضان، بعد أن كانت المدة مفتوحة، ووجّهت الوزارة تعميمًا لمختلف مديرياتها الفرعية عبر التراب الوطني بضبط مدة صلاة التراويح في ساعة واحدة.
ويبلغ عدد المساجد في الجزائر، حسب إحصاءات رسمية حاليًا، أكثر من 15 ألف مسجد، إلى جانب 5 آلاف في طور الإنجاز، وأغلبها تم بناؤها في حملات تطوعية للسكان، فيما تتولى الحكومة تسييرها ودفع أجور موظفيها من أئمة وخطباء الجمعة وغيرهم، وأرجعت الوزارة ذلك إلى رغبتها التخفيف على المصلين من خلال عدم إطالة وقتها.
قانون جديد لتقليص وقت صلاة التراويح
وفيما يتعلق بنوع الخطاب الديني، أكدت الوزارة، أنه لن يخرج عن الخطاب المدافع عن المرجعية الوطنية، مع حث الأئمة على ضرورة محاربة غلاء الأسعار ومرافقة مؤسسات الجمهورية في محاربة المضاربة، وتشهد الجزائر هذا العام أطول مدة صيام في اليوم لشهر رمضان في العالم العربي، وفقًا للحسابات الفلكية، بمعدل 16 ساعة و44 دقيقة، فيما يكون أقصرها بالصومال بـ13 ساعة و29 دقيقة.