تسريبات الإمارات تكشف تنسيقها الفعلي مع أطراف موالية لـ “إسرائيل”

ترجمة وتحرير نون بوست
كتب زايد جيلاني/راين غرين
مؤخرًا، تم اختراق البريد الإلكتروني لواحد من أكثر الدبلوماسيين الأجانب تأثيرًا في واشنطن، وخلال هذا الأسبوع تم إرسال عينة صغيرة من رسائل هذا الدبلوماسي المسربة إلى عدد من وسائل الإعلام، من بينها مواقع ذي إنترسبت، هافينغتون بوست، ديلي بيست، كما توعد القراصنة بنشر المزيد من هذه الرسائل التي حصلوا عليها.
يعود هذا الحساب البريدي الموجود على خدمة الرسائل الإلكترونية “هوتميل”، إلى سفير الإمارات في الولايات المتحدة يوسف العتيبة، وقد تأكدت ذي إنترسبت من أن العتيبة يستخدم هذا العنوان لبعث جل مراسلاته الرسمية في العاصمة واشنطن، كما أقرت هافينغتون بوست بأن واحدة من هذه الرسائل على الأقل حقيقية، فيما أعلنت الإمارات أن البريد الإلكتروني للعتيبة قد تعرض للقرصنة فعلاً.
ويعزى نفوذ العتيبة القوي في واشنطن بشكل خاص إلى دفتر شيكاته، حيث اشتهر هذا السفير بتنظيم حفلات العشاء الفاخرة والسهرات الراقصة التي تحتضن أبرز الوجوه السياسية، بالإضافة إلى تنظيمه العديد من الرحلات التي تتسم بالرفاهية والبذخـ والجدير بالذكر أنه وقبل بضعة سنوات، أرسل السفير الإماراتي أجهزة “آي باد” كهدايا بمناسبة احتفالات أعياد الميلاد لثلة من الصحفيين وعدد من الشخصيات المؤثرة في واشنطن.
تربط يوسف العتيبة علاقات قوية مع جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ومستشاره
والجدير بالذكر أن القراصنة الذين اخترقوا البريد الإلكتروني للسفير الإماراتي يستعملون في الواقع عنوانًا بريديًا من روسيا، ويسمون أنفسهم “غلوبال ليكس”، في إشارة إلى ارتباطهم بموقع “دي سي ليكس”، الذي نشر سابقًا رسائل بريدية خاصة بالحزب الديمقراطي، ومن هذا المنطلق، رجحت الاستخبارات الأمريكية أن هذا الموقع مرتبط بروسيا، وذلك يعني أن القراصنة الذين اخترقوا البريد الإلكتروني الخاص بالعتيبة إما مرتبطون بروسيا أو أنهم يحاولون إيهام الجهات المعنية بذلك.
في الأثناء، تعتبر دول الخليج المتحالفة مع الولايات المتحدة خصمًا تقليديًا لروسيا، حيث يدعم الطرفان جبهتين متصارعتين في سوريا، في الوقت نفسه، تخوض دول الخليج منذ عقود صراع مع إيران التي تعد حليفًا مقربًا من روسيا، وفي هذا الإطار، تظهر الرسائل التي تم الكشف عنها لصالح موقع ذي إنترسبت تطور العلاقة بين الإمارات العربية المتحدة ومركز دراسات موالٍ لـ”إسرائيل” ومقرب من المحافظين الجدد، يعرف باسم “مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات”.
في الظاهر، يفترض أن يكون لهذا التحالف بين الإمارات وأطراف تابعة لـ”إسرائيل” وقع مفاجئ، نظرًا لأن الإمارات لا تعترف بشكل رسمي بـ”إسرائيل”، ولكن، في الواقع، عمل كلا الطرفين جنبًا إلى جنب في الماضي ضد عدوهما المشترك إيران، في 10 من آذار/مارس من العام الحالي، كتب مارك ديبوفيتز، الرئيس والمدير التنفيذي لمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، رسالة وجهها لشخصين، ألا وهما سفير الإمارات يوسف العتيبة وكبير مستشاري المؤسسة جون هانا، الذي شغل سابقًا منصب مستشار الأمن القومي مع نائب الرئيس ديك تشيني، وكانت هذه الرسالة تحت عنوان: “لائحة من الشركات المستهدفة التي تستثمر في إيران والإمارات والسعودية”.
وفي هذه الرسالة، أفاد مارك ديبوفيتز: “عزيزي السيد السفير، الوثيقة المرافقة للرسالة تتضمن تفاصيل عن شركات تم تبويبها حسب البلد، وتضطلع هذه الشركات بأنشطة مع إيران وفي الوقت نفسه لها علاقات تجارية مع الإمارات والسعودية، هذه الشركات التي تم إدراجها ضمن هذه القائمة سيتم وضعها أمام خيارين، كما سبق وتحدثنا”، وفي الملف المرفق مع الرسالة التي بعث بها ديبوفيتز، كانت هناك قائمة طويلة من الشركات غير الأمريكية التي تتمتع بجملة من الأعمال في السعودية والإمارات، والتي تبحث عن فرص للاستثمار في إيران.
يعزى نفوذ العتيبة القوي في واشنطن بشكل خاص إلى دفتر شيكاته
في واقع الأمر، تتضمن هذه اللائحة عددًا من الشركات العالمية المعروفة، من بينها شركة “إيرباص” الفرنسية وشركة “لوك اويل” الروسية، ويبدو أنه قد تم الإشارة إلى هذه الشركات حتى تمارس الإمارات والسعودية جملة من الضغوط عليها، حتى لا تستثمر في إيران التي تشهد إقبالاً غير مسبوق من قبل المستثمرين الأجانب منذ توقيع الاتفاق النووي في سنة 2015.
أظهر العتيبة حماسًا كبيرًا في أثناء حديثه عن الانقلاب الذي شهدته حكومة محمد مرسي
في الواقع، شهدت العلاقات بين “إسرائيل” ودول الخليج تقاربا ملحوظا في السنوات الأخيرة، في ظل تنامي مخاوف الطرفين من تطبيع إيران مع الغرب، وتعاظم نفوذها في منطقة الشرق الأوسط، ولكن ظل الاعتراف بهذا التنسيق بين الجهتين في العلن أمرًا مستبعدًا، وقد تطرق أحد المسؤولين رفيعي المستوى في “إسرائيل” إلى هذا الموضوع في حوار سابق مع هافينغتون بوست، في أثناء الحديث عن السفير يوسف العتيبة ورأي “إسرائيل” بشأن هذه المسألة، حيث قال: “وقوف “إسرائيل” والعرب جنبًا إلى جنبا يمثل مكسبًا كبيرًا بالنسبة لنا، لأن ذلك يعني تجاوزًا للسياسات التقليدية والإيديولوجيا السابقة، في حال وقف العرب و”الإسرائيليون” في صف واحد، سنضمن بذلك اكتساب قوة غير مسبوقة”.
من جانب آخر، تظهر الرسائل المسربة تنسيقًا قويًا بشكل لافت بين دولة الإمارات وهذه المؤسسة اليمينية المتشددة، علمًا أن ذلك يتم عبر قنوات سرية، ويمول هذا الكيان أي مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات الموالية لـ”إسرائيل” الملياردير المقرب من تل أبيب شلدون أدلسون، الذي يعد حليفًا مقربًا من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وأحد أبرز المؤثرين في الساحة السياسة في الولايات المتحدة.
عمومًا، توحي الرسائل المتبادلة بين العتيبة وجون هانا بأن العلاقة بينهما ودية إلى أبعد الحدود، ففي 16 من أغسطس/آب من السنة الماضية، أرسل هانا إلى العتيبة مقالاً صحفيًا يشير كاتبه إلى أن الإمارات ومؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات مسئولتان عن الانقلاب العسكري الفاشل الذي شهدته تركيا، وقد علق هانا عن هذا المقال مازحًا: “نحن نتشرف بأن نكون إلى جانبكم”.
تظهر الرسائل التي تم الكشف عنها لصالح موقع ذي إنترسبت تطور العلاقة بين الإمارات العربية المتحدة ومركز دراسات موالٍ لـ”إسرائيل” ومقرب من المحافظين الجدد، يعرف باسم “مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات”
في نهاية أبريل/نيسان من العام الحالي، ندد هانا في رسالة إلكترونية أخرى أرسلها للعتيبة باحتضان قطر اجتماع لحركة حماس في فندق تعود ملكيته للإمارات، وقد رد العتيبة أن هذا الأمر ليس خطأ الحكومة الإماراتية، وأن المشكل الحقيقي يتمثل في وجود قاعدة عسكرية أمريكية في قطر، وقال العتيبة مازحا: “ما رأيك في هذا المقترح، أنتم تغيرون مكان القاعدة العسكرية ثم نقوم نحن بتغيير مكان الفندق؟”.
علاوة على ذلك، تضمنت هذه الرسائل المسربة تفاصيلاً تتعلق بجدول أعمال مقترح بخصوص اجتماع مرتقب بين مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات ومسؤولين من الحكومة الإماراتية، الذي كان المفترض انعقاده بين 11 و14 من حزيران/يونيو، وقد ورد ضمن قائمة الحضور اسم كل من ديبوفيتز وهانا، بالإضافة إلى جوناثان شانزر، نائب رئيس المؤسسة، أما المسؤولون الإماراتيون الذين تمت دعوتهم، فقد تضمنت اللائحة اسم الشيخ محمد بن زايد ولي العهد وقائد القوات المسلحة الإماراتية، وقد اشتمل جدول أعمال اللقاء على الخوض في نقاشات معمقة بين الطرفين عن قطر، ومن بين المواضيع التي سيتم طرحها: “الجزيرة كأداة لزعزعة الاستقرار في المنطقة”.
في الوقت ذاته، تضمن برنامج المداولات بين هذه الأطراف “نقاشًا عن السياسات الممكن بعثها من قبل كل من الولايات المتحدة والإمارات لإحداث تأثير إيجابي فيما يتعلق بالأوضاع الداخلية في إيران”، ومن بين هذه السياسات المقترحة، اللجوء إلى آليات سياسية واقتصادية وعسكرية، فضلاً عن المخابرات والوسائل الرقمية، على اعتبارها وسائل مطروحة للرد على طهران واحتواء العدوان الإيراني.
ومن المثير للاهتمام أن مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات اليمينية المتشددة، قد تدخلت وأثرت على بعض السياسات في الشرق الأوسط فضلاً عن العديد من المداولات في صلب إدارة الرئيس ترامب، وبالتالي، يمكن القول إن الإمارات ترى في هذه المؤسسة وسيلة ممكنة لممارسة جملة من الضغوط على دونالد ترامب، حتى يتبنى وجهة نظرها ومواقفها.
وخلال الشهر الماضي، صرح ديفيد وينبيرغ، الباحث في هذه المؤسسة، أن “الإمارات متحمسة جدًا حيال طبيعة السياسة الخارجية الجديدة لإدارة الرئيس ترامب فيما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط”، كما أفاد ديفيد وينبيرغ لصالح مجلة “أرابيان بيزنس” أن “الإماراتيين كانوا يبحثون عن شريك أمريكي موثوق للوقوف في وجه إيران، في الواقع، ترغب الإمارات في أن تجسد أمريكا أقوالها على أرض الواقع وتحولها إلى أفعال”.
من ناحية أخرى، تربط يوسف العتيبة علاقات قوية مع جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ومستشاره، وقد التقى الطرفان لأول مرة في حزيران/يونيو الماضي، خلال مراسم تأبين توماس باراك الملياردير المساند لترامب، وخلال شهر شباط/فبراير الماضي، نشرت مجلة “بوليتيكو” مقالاً أوردت من خلاله أن جاريد كوشنر على اتصال دائم بالسفير الإماراتي عبر الهاتف والبريد الإلكتروني، ومهما كانت أهداف الإمارات وأجندتها، فمن الواضح أنها لا تهدف لنشر الديمقراطية، وذلك يبدو جليًا من خلال توجهاتها.
بينما اتسعت رقعة الاحتجاجات في مصر، سلط العتيبة العديد من الضغوط على البيت الأبيض من أجل دعم حسني مبارك، ولكنه فشل في ذلك، وبعد وصول الإخوان المسلمين إلى السلطة عبر الانتخابات الديمقراطية، أمطر العتيبة صندوق البريد الخاص بفيل غوردن، مستشار البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط، بعدد هائل من الرسائل التي عمد من خلالها إلى شيطنة الإخوان المسلمين فضلاً عن المساند الرسمي لهم أي قطر.
في المقابل، امتنع فيل غوردن عن الرد على هذه الادعاءات، وفي وقت لاحق، صرح غوردن، أن “العتيبة لديه فريق من الأشخاص الذين يقومون ببعث رسائل إلكترونية بشكل آلي ومكثف تمامًا مثل الروبوت، من الواضح أنه حين يكون لدى العتيبة شيء ليقوله، يقوم بإرسال ذلك إلى كل شخص في وزارة الخارجية والبيت الأبيض، مع اعتماد الصياغة نفسها وربما يقوم بنقل الرسالة نفسها للجميع”.
ومن خلال هذه الرسائل المسربة، أخذ يتضح شكل الحوارات التي كانت تدور بين الجانبين، ففي رسالة بتاريخ 3 من تموز/يوليو سنة 2013، أي بعيد الانقلاب العسكري الذي شهدته مصر والذي أطاح بالرئيس محمد مرسي، حاول العتيبة تسليط المزيد من الضغوط على مسؤولين سابقين في إدارة الرئيس بوش، على غرار جوشوا بولتون، وستيفن هادلي الذي يشغل الآن منصب مستشار في مؤسسة “رايس هادلي غايتس”، وذلك بغية فرض رؤيته بشأن مصر والربيع العربي بشكل عام، وفي هذه الرسالة، أفاد العتيبة أن “دولاً مثل الأردن والإمارات تمثل آخر ما تبقى في صلب معسكر الاعتدال، لقد أدى الربيع العربي لتغذية التطرف على حساب الاعتدال والتسامح”.
وفي الإطار ذاته، أظهر العتيبة حماسًا كبيرًا في أثناء حديثه عن الانقلاب الذي شهدته حكومة محمد مرسي، حيث قال: “ما يحدث في مصر اليوم هو ثورة ثانية، يفوق عدد المواطنين في الشوارع عدد الأشخاص الذين خرجوا في يناير 2011، هذا ليس انقلابًا، إنها الثورة الثانية، يمكن الحديث عن انقلاب عندما يفرض الجيش إرادته على المواطنين بالقوة، ولكن العسكر في مصر يستجيب لإرادة الشعب”، والجدير بالذكر أن مصر اليوم تعد دولة ديكتاتورية بامتياز، وهي حليف مقرب جدًا من الإمارات والولايات المتحدة.
المصدر: ذي إنترسبت