للعام الثاني على التوالي يكمل برنامج “الصدمة” بث حلقاته التي تقوم فكرتها على إثارة قضايا اجتماعية عديدة تنتشر بين الشعوب العربية من خلال عدة سيناريوهات يؤدي أدوارها ممثلون غير معروفين حتى يسهل إقناع المشاهد بما يحدث أمامه، وتصويرها عبر كاميرا خفية لرصد ردود الفعل وانعكاسات التصرفات على المشاهدين أو المارة.
لو نظرنا إلى حلقاته التي تدوم كل واحدةٍ منها ما يقارب الثلاثين دقيقة، فسنلاحظ أن عددًا محددًا من الأشخاص الذين يشهدون الحوادث فيتدخلون فيها، والكثير يمر عليها مرور الكرام دون تدخل أو حتى رغبة في متابعة ما سيحدث، لكن التلاعب الهائل في إنتاج كل حلقة، بدءًا من المؤثرات الصوتية والموسيقية أو إعادة بعض من المشاهد، يجعلنا نظن أن عددًا كبيرًا من الأشخاص قاموا بالتدخل، السؤال هنا، هل يعرض برنامج الصدمة حقيقة ما يدور في الشارع؟
ترتكز الفكرة الأساسية للبرنامج على ما يعرف في علم النفس بـ”تأثير المتفرج” أو Bystander Effect، وهو المصطلح النفسي الاجتماعي الذي يستخدم لوصف امتناع الشخص عن تقديم أي مساعدة للضحية إذا كان هناك حاضرين آخرين
ترتكز الفكرة الأساسية للبرنامج على ما يعرف في علم النفس بـ”تأثير المتفرج” أو Bystander Effect، وهو المصطلح النفسي الاجتماعي الذي يستخدم لوصف امتناع الشخص عن تقديم أي مساعدة للضحية إذا كان هناك حاضرين آخرين، فاحتمال تقديم المساعدة يرتبط عكسيًا مع عدد المتفرجين، أي أنه كلما زاد عدد المتفرجين قلت نسبة أن يقدم أحدهم المساعدة، وهناك عدة عوامل تلعب دورًا مهمًا وتؤثر بردة فعل المتفرج فيما يحدث أمامه، أهمها مدى حدة الحالة وخطورتها، وتفكيره بعواقب ونتائج التدخل والإلمام بالبيئة المحيطة.
ووفقًا للعديد من الأبحاث والدراسات التي قامت على مدى سنين كثيرة، فتأثير المتفرج حقيقي يحدث يوميًا في الحياة الواقعية، فكم من مرة وضعنا في موقفٍ لمساعدة أحدهم أو حل مشكلةٍ له غير أننا توانينا ظنًا منا أن غيرنا سيقوم بذلك؟
المتابع لبرنامج الصدمة يجب ألا يغفل أن البرنامج وجميع الحلات التي تحدث خلاله هي ظروف تم التحكم بها ودراستها وتحديدها من قبل جهاتٍ عديدة، فلا مكان للعفوية هنا، فالبيئة والأشخاص المؤدون للأدوار والسيناريو ذاته جميعهم عوامل متحكم بها وفقًا لما يهدف إليه منتجو الحلقات ومخرجوها.
برنامج الصدمة وتليفزيون الواقع
يعرف تليفزيون الواقع على أنه نوع من البرامج التليفزيونية يعرض للمتابعين ما يبدو أنها مشاهد عفوية، من دون نص مكتوب أو سيناريو، من حياة أشخاص معينين – ليسوا ممثلين – وردود فعلهم حيال مواقف معينة، مع إمكانية تحديد البيئة والظروف التي يوجدون فيها والتحكم بها إراديًا بالطريقة التي يرغب بها منتجو تلك البرامج.
معظم البرامج العربية التي تنتمي لتليفزيون الواقع تم استنساخها من برامج أجنبية الأصل، فبرنامج “الصدمة” هو النسخة العربية من البرنامج الأمريكي الأم “what would you do”
يرجع تاريخ هذا النوع من البرامج لعام 1945 حين عرض البرنامج الأمريكي “ملكة ليوم واحد” والذي كانت تقوم فكرته على عرض الحياة الخاصة لبعض النسوة وما يعانين من ظروف ومشاكل على الجمهور، الذي يصوت بدوره لمنْ يراها تستحق الفوز بالجائزة، ومن تحصل على أكبر نسبة تصويت تتوج كملكة وتنهال عليها الجوائز تباعًا.
معظم البرامج العربية التي تنتمي لتليفزيون الواقع تم استنساخها من برامج أجنبية الأصل، فبرنامج “الصدمة” هو النسخة العربية من البرنامج الأمريكي الأم “what would you do”، الذي بدأ عرضه عام 2008 واستمر حتى 2015، وهدف إلى استفزاز المشاعر والقيم الأخلاقية للناس ودفعهم للتدخل في مشاهد تمثيلية، متعاطفين مع المظلوم ومنتقدين ظالمه.
هناك عدد من الأسباب التي تجعل برامج الواقع تجذب المشاهدين، قد يكون أحدها رغبتنا بتكوين رأي وتحليل المواقف وردود الفعل والعلاقات الشخصية بين الناس الحقيقيين بدلًا من الشخصيات الخيالية التي تعرضها برامج أخرى، وسببٌ آخر أننا ميالون في طبيعتنا للتلصص والرغبة في معرفة ما سيحدث، فتشدنا هذه البرامج من باب إثارة فضولنا وانتظارنا لمعرفة النهاية.
ينبع السحر المتزايد تجاه هذا النوع من البرامج من رغبتنا وتخيلنا في احتمالية اكتساب الشهرة أو السمعة بسهولة، حيث إننا نشاهد أناسًا عاديين مثلنا يفعلون أمورًا عادية – بالنسبة لنا – فنفكر بأنفسنا أننا أيضًا وبكوننا أناسًا عاديين ونستطيع فعل تلك الأمور العادية، فبالتالي بإمكاننا أيضًا أن نصبح نحن أنفسنا المشاهير في المرة القادمة.
ووفقًا لنظرية “المقارنة الاجتماعية” لعالم الاجتماع الأمريكي “ليون فستنجر” والتي تنص على أننا في ميلٍ دائم وفطري لمقارنة أنفسنا مع الآخرين كوسيلة لوضع معيار يمكننا من خلاله إجراء تقييمات دقيقة لذواتنا، فنحن نشاهد هذا النوع من البرامج لأنها تجعلنا نشعر بشكلٍ أفضل حيال أنفسنا، ووفقًا لفستنجر، فإن معظمنا – وإن لم يكن جميعنا – يلجأ للمقارنة الاجتماعية بشكلٍ أو بآخر حتى لو كان الأمر على مستوى اللاوعي واللاإدراك لديه.
أن من يشاهده سيشعر أنه أفضل من أولئك الذين يقومون بالأدوار السلبية أو الذين أتوْا بردود فعلٍ سلبية تجاه الموقف، فهو لا يصرخ على زوجته أو لا يسب أمه، على الأقل لا يقوم بمثل تلك التصرفات في العلن وأمام حشدٍ من الناس في الشارع أو في السوق أو غيرها من الأماكن، مما يجعله يشعر أنه أفضل بكثير ويرسم لنفسه صورة جيدة أو خيرة أمام ذاته
ولو أسقطنا النظرية على برنامج الصدمة، لوجدنا أن من يشاهده سيشعر أنه أفضل من أولئك الذين يقومون بالأدوار السلبية أو الذين أتوْا بردود فعلٍ سلبية تجاه الموقف، فهو لا يصرخ على زوجته أو لا يسب أمه، على الأقل لا يقوم بمثل تلك التصرفات في العلن وأمام حشدٍ من الناس في الشارع أو في السوق أو غيرها من الأماكن، مما يجعله يشعر أنه أفضل بكثير ويرسم لنفسه صورة جيدة أو خيرة أمام ذاته.
بالمحصلة، لا تختلف تلك البرامج بما فيها “برنامج الصدمة” عن كونها مثل أي مسلسل أو برنامجٍ تليفزيوني آخر، محبوكٍ بطريقة جيدة لجذب المتابعين وزيادة أعداد المشاهدات والتنافس مع القنوات وشركات الإنتاج الأخرى، والمتابع لهذا البرنامج يجب أن يعي أن ما يشاهده تم التحكم به وإدارته بطريقةٍ احترافية هدفها بالأساس استمالة التعاطف وبث المشاعر في النفوس دون أنْ تصل لحلولٍ صريحة للمشاكل التي تعرضها والحالات النفسية الحرجة التي تقدمها.