الحسيمة – يعيش المغرب منذ نحو ثمانية أيام على وقع احتجاجات سلمية في منطقة الريف التي تقع شمال البلاد للمطالبة برفع التهميش عن سكان المنطقة، بالإضافة إلى المطالبة بإطلاق سراح ناصر الزفزافي، وهو زعيم حركة احتجاجية تحمل اسم “حراك الريف” انطلقت منذ أكتوبر الماضي.
وتم اعتقال الزفزافي، الإثنين الماضي، بعد أن قاطع خطيب صلاة الجمعة بمسجد “ديور الملك” في مدينة الحسيمة بتهمة “عرقلة وتعطيل حرية العبادات”، ويواجه الزفزافي عقوبة قد تصل إلى السجن لمدة 3 سنوات وغرامة مالية بين 200 و500 درهم.
خطيب الجمعة يصب الزيت على النار
كانت خطبة الجمعة التي قطعها الزفزافي تتحدث عن التحذير من الفتنة، وقد دعا خلالها الإمام الخطيب إلى عدم الانسياق وراء الاحتجاجات التي تعيش على وقعها المنطقة منذ أكتوبر الماضي لأنها تسعى إلى تخريب البلاد، داعيًا المصلين إلى التمسك بوحدة الوطن.
وأظهر شريط فيديو، تم تداوله على نطاق واسع على موقع يوتيوب، كيف قطع الزفزافي الخطبة الثانية من الصلاة، ووقف يصرخ وسط المسجد بصوت عالٍ، وأعلن أنه يخاف على أعراض نساء المغرب، مستحضرًا الحديث النبوي القائل “أخوف ما أخاف على أمتي من أئمة مضللين”، معتبرًا أن اتهام الإمام لحراك الريف بأنه فتنة هو نوع من التضليل.
نددت الحركة الحقوقية في الحسيمة بتوظيف صلاة الجمعة ضد الحراك الشعبي في الريف، وطالبت بوقف الاعتقالات والإفراج عن المعتقلين، كما أكدت أن البلاد ستكون برميل بارود إذا استمرت سياسة اقتصاد الريع وخروقات حقوق الإنسان
وذكرت وكالة الأنباء الفرنسية أن مسيرة لشباب من مدينة الحسيمة خرجت منددة بتوظيف الدين لخدمة السلطة، كما ظهرت دعوات لمقاطعة صلاة الجمعة بالمساجد وأدائها في الساحات العامة.
وفي بيان لها نددت الحركة الحقوقية في الحسيمة بتوظيف صلاة الجمعة ضد الحراك الشعبي في الريف، وطالبت بوقف الاعتقالات والإفراج عن المعتقلين، كما أكدت أن البلاد ستكون برميل بارود إذا استمرت سياسة اقتصاد الريع وخروقات حقوق الإنسان.
وردت وزارة الأوقاف باستبعاد الإمام الخطيب بمسجد “ديور الملك”، واستبداله بآخر في محاولة لتهدئة الأوضاع والتخفيف من الاحتقان.
كما حصلت مواجهات بين رجال الأمن الذين توجهوا إلى بيت الزفزافي لاعتقاله وعدد من أنصاره من “حراك الريف” الذين حاولوا التصدي للأمن بالحجارة، وأفادت الحركة الحقوقية بالحسيمة أن قوات الأمن حاصرت منزل عائلة ناصر الزفزافي واقتحمته وأجرت عملية تفتيش دون أن تتمكن من اعتقاله.
ناصر الزفزافي زعيم الحركة الاحتجاجية “حراك الريف”
اعتقال الزفزافي وعدد من أنصاره
وقال أحمد الزفزافي والد ناصر، لوكالة الأناضول للأنباء، إنه تم اعتقال ابنه يوم الإثنين الماضي، موضحًا أن شباب الحراك يريدون عملاً وجامعةً ومستشفى فقط، وناشد أحمد الزفزافي، العاهل المغربي الملك محمد السادس التدخل لإطلاق سراح ابنه وبقية الموقوفين.
وذكرت وكالة رويترز للأنباء أن آلاف الأشخاص في مدينة الحسيمة شمال المغرب تظاهروا على إثر اعتقال الزفزافي، مطالبين السلطات بالإفراج عنه، ووقعت المظاهرات في وقت متأخر من مساء الجمعة في المدينة، التي تشهد توترًا متصاعدًا منذ اعتقال زعيم حراك الريف.
وأصبح ناصر الزفزافي رمزًا في الحسيمة المغربية يتم رفع صوره في المسيرات، ويهتف المحتجون “كلنا الزفزافي”، واكتسبت احتجاجات الريف زخمًا إعلاميًا نظرًا لكون المنطقة لها تاريخ من المعارضة، حيث أعلنت في السابق استقلالها خلال الحرب مع القوات الإسبانية المستعمرة.
أفادت العفو الدولية أن “السلطات المغربية قامت بحملة اعتقالات مروعة طالت عشرات المتظاهرين والناشطين والمدونين بمنطقة الريف، خلال الأسبوع الماضي بعد أشهر من احتجاجات تطالب بإنهاء تهميش المجتمعات المحلية وتحسين الخدمات في المنطقة”
من جهتها أعربت منظمة العفو الدولية عن تخوفها من “تعمد” السلطات المغربية معاقبة المتظاهرين في الريف باعتقالهم، بسبب تعبيرهم عن معارضتهم السلمية لمدة أشهر.
وفي بيان لها أفادت العفو الدولية أن “السلطات المغربية قامت بحملة اعتقالات مروعة طالت عشرات المتظاهرين والناشطين والمدونين بمنطقة الريف، خلال الأسبوع الماضي بعد أشهر من احتجاجات تطالب بإنهاء تهميش المجتمعات المحلية وتحسين الخدمات في المنطقة”.
ويقول إبراهيم حياني التزروتي، وهو مدون وكاتب صحفي مغربي: “منذ إعلان شكل حكومة العثماني والكل يعلم أننا عدنا بشكل رسمي إلى الوراء وإلى مرحلة من مراحل التاريخ الأسود بدل أن نسير للمستقبل كما حتمية التاريخ، حيث برزت السطور الكبرى لذلك من خلال عودة رجال وزارة الداخلية لإدارة البلاد وإعادة بسط أذرعهم داخل المؤسسات الكبرى في البلد والتحكم في صنع الجزء الأهم من قراراتها وسياساتها”.
اتهامات لحراك الريف بالتخوين
هرول عدد من السياسيين المغاربة إلى تخوين الحراك وزعمائه واصفين إياهم برموز الفتنة، وأنهم يريدون أخذ البلاد إلى مصير مجهول قد يكون شبيهًا بالسيناريو السوري أو الليبي.
وفي 15 من مايو الماضي أدلت الأحزاب المشاركة في الائتلاف الحكومي وهي العدالة والتنمية والاتحاد الاشتراكي والاتحاد الدستوري والأحرار والحركة الشعبية، بتصريحات لوسائل الإعلام الرسمية تصف الريف بالخونة والانفصاليين.
خلال اجتماع مع متدربي ومتدربات المعهد الملكي للإدارة الترابية بمدينة القنيطرة شمال البلاد، طالب وزير الداخلية المغربي عبد الوافي الفتيت بـ”التطبيق الصارم” للقانون وعدم الرضوخ لمن يحاولون استغلال بعض القضايا والملفات الاجتماعية لزعزعة الاستقرار
وقال الصحفي المغربي صلاح الدين عابر: “سكان الأرياف لا يُريدون الانفصال، ولا مطلب من مطالبهم تحدث عن الاستقلال أو ما شابه ذلك”، مضيفا أن رئيس الحكومة المعارض سابقًا، الذي طالب سلفًا بحكم ذاتي لـ”أهل الريف”، هو ذاته الذي اتهم مواطنين مغاربة بـ”النزعة الانفصالية”.
خلال اجتماع مع متدربي ومتدربات المعهد الملكي للإدارة الترابية بمدينة القنيطرة شمال البلاد، طالب وزير الداخلية المغربي عبد الوافي الفتيت بـ”التطبيق الصارم” للقانون وعدم الرضوخ لمن يحاولون استغلال بعض القضايا والملفات الاجتماعية لزعزعة الاستقرار، مؤكدًا ضرورة عدم الرضوخ لمزيدات ذوي النيات السيئة.
الحكومة تتراجع عن خطاب التخوين
وأفاد مصطفى الخلفي، الناطق باسم الحكومة المغربية أن مطالب سكان محافظة الحسيمة مشروعة، لكنه اتهم أطرافًا محلية، تكتم عنها، بالسعي إلى خلق حالة من الاحتقان الاجتماعي والسياسي.
طالب نواب حزب “العدالة والتنمية” بمجلس النواب المغربي باستدعاء المدير العام للأمن الوطني للمثول أمام البرلمان للاستماع إليه بخصوص تعامل القوات مع الاحتجاجات في الحسيمة وعدد من مدن وقرى الريف شمالي البلاد
من جانبه أعلن رئيس الحكومة سعد الدين العثماني إطلاق عدد من المشاريع الاستراتيجية بالمنطقة، موضحًا أنها تتطلب بعض الوقت لكي تظهر للوجود، بينها مستشفيات وطرق ومشاريع زراعية وسكنية، وأكد أن حكومته تعمل على “احترام حقوق الإنسان وحقوق المتهمين إن كان هناك متهمين، واحترام الإجراءات المنصوص عليها قانونيًا”.
وطالب نواب حزب “العدالة والتنمية” بمجلس النواب المغربي باستدعاء المدير العام للأمن الوطني للمثول أمام البرلمان للاستماع إليه بخصوص تعامل القوات مع الاحتجاجات في الحسيمة وعدد من مدن وقرى الريف شمالي البلاد.
إلى جانب مطالبتهم بانعقاد لجنة الداخلية في البرلمان، بحضور وزير الداخلية، للاستماع للمدير العام للأمن الوطني حول التدخلات الأمنية للتصدي للاحتجاجات السلمية في إقليم الحسيمة.
وعبر شريط فيديو نشره على شبكات التواصل الاجتماعي، طالب إدريس الأزمي، وهو أحد نشطاء “حراك الريف” جميع أهالي إقليم الحسيمة بالدخول في إضراب عام لمدة ثلاثة أيام انطلاقًا من يوم الجمعة الثاني من يونيو الحالي.
وذكرت وكالة الأناضول للأنباء أن المدينة دخلت بالفعل في إضراب عام، يوم الجمعة، وعددًا من التجار والعمال بالمدينة استجابوا لهذه الدعوة، في حين اختار آخرون الاستمرار في العمل بنسق عادي.
صدى دولي للاحتجاجات
بدأت احتجاجات “حراك الريف” تشهد اهتمامًا دوليًا نتيجة لنشاط المغاربة على شبكات التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى اهتمام إسبانيا بكل صغيرة وكبيرة تحدث في المغرب.
قال نائب وزير الخارجية إلدلفونسو كاسترو: “نحث الجميع وخاصة الحكومة المغربية على الحوار واحترام القانون تماشيًا مع دولة الحق والقانون، فالريف يشهد ومنذ مدة مطالب اجتماعية واقتصادية وتحاول الحكومة المغربية تلبية المطالب”
وخلال مساءلته في جلسة خاصة بلجنة العلاقات الخارجية عن موقف حكومة مدريد من الحراك، قال نائب وزير الخارجية إلدلفونسو كاسترو: “نحث الجميع وخاصة الحكومة المغربية على الحوار واحترام القانون تماشيًا مع دولة الحق والقانون، فالريف يشهد ومنذ مدة مطالب اجتماعية واقتصادية وتحاول الحكومة المغربية تلبية المطالب”، نقلاً عن وكالة أوروبا برس للأنباء.
وأضاف إلدلفونسو كاسترو أن حكومة بلاده تتابع باهتمام ما يجري في الريف وخاصة بعد تفاقم الوضع في أعقاب مسيرة 18 من مايو وانتقالها الى مناطق أخرى، موضحًا أن الدولة المغربية واعية بالتهميش الاقتصادي الذي عانته المنطقة وتحاول منذ سنة 2015 إنجاز مشروع للتقدم.
وأكد كاسترو على أهمية منطقة الريف بالنسبة للمساعدات الاجتماعية الإسبانية، حيث خصصت بلاده خلال العامين الماضيين 28 مليون يورو لإنجاز مشاريع تنموية في منطقة الريف شمال البلاد.
ولم يقتصر نشاط زعماء الحراك على حشد التعاطف الداخلي، حيث نجح نشطاء الحراك في إسبانيا في استصدار بيان تضامني من بلدية برشلونة، يتضمن تأييدًا لمطالب سكان الريف ودعوة للحكومة المغربية لتلبية المطالب التشغيل والصحة والتعليم.
الحكومة تسعى لرأب الصدع
ونتيجة لاستمرار الاحتجاجات وتوسع دائرتها قررت الحكومة المغربية تخصيص العشرات من الوظائف لشباب المنطقة، ونشرت وزارة الداخلية لائحة من 219 وظيفة شاغرة في الحسيمة، معلنة أن الاختبار للحصول عليها سيكون في 12 من يونيو الحالي.
وفي بيان له أوضح المجلس الحكومي تفهم الحكومة للمطالب المشروعة للسكان، ووعيها بضرورة توفير سبل العيش الكريم للمواطنين المغاربة والوفاء بالالتزمات التي قطعتها على نفسها في مجال التنمية.
وأشارت تقارير إعلامية إلى أن هذا الإعلان أثار حفيظة عدد من النشطاء المغاربة على شبكات التواصل الاجتماعي معتبرين أن الدولة تجاهلت احتجاجات العاطلين من حاملي الشهائد العليا في الرباط، في حين خصصت 219 وظيفة للعاطلين بالحسيمة.