الهدنة المؤقتة.. غزة تلملم جراحها وتحصي شهدائها قبل استئناف المعارك

مع دقات الساعة السابعة صباح يوم الجمعة تغيّر المشهد كليًّا، توقف العدوان الإسرائيلي في عملية موت مؤجّلة، وجلب الهدوء المؤقت في قطاع غزة مشاهد كثيرة من اليأس والحزن والألم.

فبعد 48 يومًا من العدوان الإسرائيلي، يلتقط أهالي قطاع غزة اليوم أنفاسهم أخيرًا، ليلتئم شملهم ويلملموا جراحهم وينتشلوا جثث ذويهم من الشوارع ومن تحت الأنقاض.

وفي صباح الجمعة، نزل مئات الآلاف من أهالي قطاع غزة إلى الشوارع، ليس بغرض النزوح والاحتماء من القصف هذه المرة، لكن لاستنشاق نسمة من الهواء النقي، بعد أكثر من شهر ونصف من الغبار والدخان المصحوبَين بالموت.

ورغم أنها هدنة مؤقتة، فقد كان سكان قطاع غزة ينتظرون بفارغ الصبر وقف القتال المقرر لمدة 4 أيام، أملًا في أن يفتح ذلك الباب أمام فترة راحة أطول.

يمكنهم اليوم التجول في الشوارع، والاطمئنان على ذويهم الذين حال بينهم انقطاع الاتصالات وفصل جنوب القطاع عن شماله، كما يستطيعون لمدة 4 أيام النوم دون خوف من الموت.

بدأ مئات آلاف النازحين الفلسطينيين، صباح الجمعة، العودة لأحيائهم ومنازلهم بمناطق قطاع غزة المختلفة لتفقدها مع بدء سريان الهدنة الإنسانية المؤقتة. (مصطفى حسونة – وكالة الأناضول)

وتشكّل هذه الهدنة القصيرة فرصة للتزود بالغذاء والماء والوقود الذي نفد من المؤسسات العامة والمنازل والبقالات، بعد حصار ومنع ترافقا مع العدوان.

وغردت نور نعيم بالقول: “غزة استيقظت لتتنفس أربعة أيام، لدفن من بقي تحت الأنقاض، لمعرفة من لا يزال على قيد الحياة، لتجميع بقايا المنازل، للبحث عن الحطب والطحين، وكوب ماء”.

وأعلن الاحتلال أن سكان جنوب قطاع غزة الذين يعيشون في ملاجئ بائسة يطالها القصف ولا تتوفر فيها مقومات الحياة، لا يمكنهم العودة إلى منازلهم في الشمال.

حاول الآلاف منهم العودة إلى بيوتهم في مدينة غزة وفي المناطق الشمالية التي لا تزال تتمركز فيها الآليات العسكرية، بدلًا من أن يتوجهوا جنوبًا إلى معبر رفح، في خطوة تؤكد إفشال مخطط تهجيرهم إلى صحراء سيناء.

وبدلًا من مغادرتها، وصل عشرات الفلسطينيين العالقين في مصر إلى قطاع غزة عبر معبر رفح، بعد أسابيع من الانتظار للسماح لهم بالدخول.

وقال الناطق باسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي: “يا سكان غزة، لن يُسمح بأي شكل من الأشكال بتنقل السكان من جنوب القطاع إلى شماله، إنما من الشمال إلى الجنوب فقط”، كما ألقى الاحتلال منشورات تؤكد على ذلك، وتقول إن شمال القطاع “هي منطقة قتال ويحظر البقاء فيها”، وأن “الحرب لم تنتهِ بعد”.

لم تكتفِ قوات الاحتلال الإسرائيلي بذلك، بل أطلقت قنابل الغاز والرصاص وأصابت 7 بجراح حتى الآن، لتخويف المواطنين ومنعهم من العودة إلى منازلهم.

ولم يلقِ السكان الذين تعوّدوا على القصف والقتل بالًا لتلك التحذيرات، إذ يريد هؤلاء الاطمنئان على من تبقّى من أفراد عائلاتهم، ومعاينة الأضرار في منازلهم أو التزوُّد ببعض الملابس، بعد أن خرجوا منها بفعل العدوان المتسارع.

ونجح سكان يتواجدون في الجنوب بالفعل بالعبور بأعداد قليلة نحو الشمال، عبر وادي غزة الذي تتمركز فيه الآليات العسكرية، والذي يعدّ نقطة الفصل الرئيسية بين الجانبَين، لكن بعد تزايد الأعداد بدأ إطلاق النار نحوهم.

ومثل كثيرين حاولوا الانتقال شمالًا، غرد النازح أمجد الدردساوي قائلًا: “إلى غزَّة.. ربما تكون صورة أخيرة.. دعواتكم”، وحاول هؤلاء الوصول رغم موجة البرد، ومع توقف حركة المركبات بفعل عدم توفر الوقود.

وغردت الفلسطينية يارا عيد بالقول: “تخيل أنه تم منحك 4 أيام فقط من (عدم القصف) بعد 48 يومًا من الرعب الكامل، 4 أيام ثم ستعود إلى الإبادة الجماعية، 4 أيام ثم تعود للقصف والمجازر المتواصلة، 4 أيام ثم ستقتل في أي لحظة”.

وتابعت: “في تلك الأيام الأربعة، لا يُسمح لكم حتى بالعودة إلى منازلكم في المدينة/ الشمال للتحقق ممّا إذا كان أحباؤكم ما زالوا على قيد الحياة، أو للبحث عن أشلاء أطفالكم تحت الأنقاض.. لجمع ما تبقى منهم ودفنهم”.

وعن مآسي ما بعد توقف العدوان، قالت إحدى الفلسطينيات على إكس: “لا يعلم الكثير من سكان غزة عن وقف إطلاق النار، لأن إسرائيل قطعت الاتصالات عن العديد من المناطق”.

وتابعت قبل دخول الهدنة حيز التنفيذ بيوم: “غدًا سيكون حمّام الدم، سيبحث الناس عن المؤن، معتقدين أنهم آمنين لكنهم لن يكونوا كذلك، سنشهد مذبحة أخرى”، في إشارة إلى المشاهد التي سيشاهدونها بعد توقف العدوان مؤقتًا.

وترك الاحتلال خلفه عشرات الجثث ملقية في الشوارع، كما جرف ودمّر الشوارع والمنازل على طول الطريق الساحلي (الرشيد)، والطريق الشرقي المقابل له والمعروف باسم شارع صلاح الدين.

https://twitter.com/khalilo1/status/1727998332688019753

ونشر رئيس المركز الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، رامي عبده، عدة صور، معلقًا عليها بالقول: “ظهر مشهد مروع على جانب طريق منطقة الرشيد غرب مدينة غزة، عشرات الجثث لمدنيين نازحين ملقاة في الشوارع، وقصصهم غير مروية”.

https://twitter.com/RamAbdu/status/1727962651685199907

في الأثناء، بدأت شاحنات المساعدات الغذائية والوقود بالدخول لأول مرة بهذا الحجم منذ بدء العدوان، لكنها عبّرت عن خيبة أمل أخرى.

ففي الوضع الطبيعي، كان قطاع غزة يستقبل 500 شاحنة يوميًّا من الغذاء والوقود، لكن ما سيدخل يوميًّا خلال الـ 4 أيام سيكون ما بين 200 إلى 300 شاحنة على الأقل من بينها 8 شاحنات وقود، وهو ما يشكّل نقطة في محيط.

وقال المتحدث باسم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا”، عدنان أبو حسنة: “في الوضع الحالي نحتاج معدل 800 شاحنة يوميًّا تستمر لمدة شهرين أو 3 أشهر حتى يمكن توفير الاحتياجات الأساسية لسكان غزة”.

ورغم هذه المآسي، يأمل الغزيون أن يكون اتفاق تبادل الأسرى (50 إسرائيليًّا مقابل 150 فلسطينيًّا) الذي شكّل أساسًا للتهدئة، مقدمة لهدنة طويلة الأمد.

وتتعزز هذه الآمال مع فشل الاحتلال حتى الآن بتحقيق إنجاز عسكري فعلي يُذكر ممّا أعلن عنه سابقًا، كالقضاء على حركة حماس، وفي ظل تصاعد الانتقادات الدولية للولايات المتحدة بسبب دعمها لهذه الإبادة.