مع دقات الساعة السابعة صباح يوم الجمعة تغيّر المشهد كليًّا، توقف العدوان الإسرائيلي في عملية موت مؤجّلة، وجلب الهدوء المؤقت في قطاع غزة مشاهد كثيرة من اليأس والحزن والألم.
فبعد 48 يومًا من العدوان الإسرائيلي، يلتقط أهالي قطاع غزة اليوم أنفاسهم أخيرًا، ليلتئم شملهم ويلملموا جراحهم وينتشلوا جثث ذويهم من الشوارع ومن تحت الأنقاض.
وفي صباح الجمعة، نزل مئات الآلاف من أهالي قطاع غزة إلى الشوارع، ليس بغرض النزوح والاحتماء من القصف هذه المرة، لكن لاستنشاق نسمة من الهواء النقي، بعد أكثر من شهر ونصف من الغبار والدخان المصحوبَين بالموت.
ورغم أنها هدنة مؤقتة، فقد كان سكان قطاع غزة ينتظرون بفارغ الصبر وقف القتال المقرر لمدة 4 أيام، أملًا في أن يفتح ذلك الباب أمام فترة راحة أطول.
يمكنهم اليوم التجول في الشوارع، والاطمئنان على ذويهم الذين حال بينهم انقطاع الاتصالات وفصل جنوب القطاع عن شماله، كما يستطيعون لمدة 4 أيام النوم دون خوف من الموت.
وتشكّل هذه الهدنة القصيرة فرصة للتزود بالغذاء والماء والوقود الذي نفد من المؤسسات العامة والمنازل والبقالات، بعد حصار ومنع ترافقا مع العدوان.
Today is the 1st time in 17 YEARS (you read that right) that Gaza's skies are free of Israeli predator drones, albeit temporarily
& look at the immense happiness on this child's face
These drones are usually over Gazans heads 24/7 with a traumatic noise getting loudest at night pic.twitter.com/UWZA1cOaNZ
— Muhammad Shehada (@muhammadshehad2) November 24, 2023
وغردت نور نعيم بالقول: “غزة استيقظت لتتنفس أربعة أيام، لدفن من بقي تحت الأنقاض، لمعرفة من لا يزال على قيد الحياة، لتجميع بقايا المنازل، للبحث عن الحطب والطحين، وكوب ماء”.
Gaza morning …
Gaza awoke to breathe for four days ..
to bury those remaining under the rubble, to find out who still a live, to piece together the remnants of homes, to search for firewood and flour …. and a cup of water !! #Gaza pic.twitter.com/fWngfYsW3d— Nour Naim| نُور (@NourNaim88) November 24, 2023
وأعلن الاحتلال أن سكان جنوب قطاع غزة الذين يعيشون في ملاجئ بائسة يطالها القصف ولا تتوفر فيها مقومات الحياة، لا يمكنهم العودة إلى منازلهم في الشمال.
حاول الآلاف منهم العودة إلى بيوتهم في مدينة غزة وفي المناطق الشمالية التي لا تزال تتمركز فيها الآليات العسكرية، بدلًا من أن يتوجهوا جنوبًا إلى معبر رفح، في خطوة تؤكد إفشال مخطط تهجيرهم إلى صحراء سيناء.
أهالي #غزة يعودون إلى بيوتهم في بيت حانون بعد بدء سريان #الهدنة pic.twitter.com/dRuMHQkNDU
— alrasid _the observer🔴 (@46887092yagyath) November 24, 2023
وبدلًا من مغادرتها، وصل عشرات الفلسطينيين العالقين في مصر إلى قطاع غزة عبر معبر رفح، بعد أسابيع من الانتظار للسماح لهم بالدخول.
مشاهد وصول العالقين في الجانب المصري إلى قطاع غزة بعد أسابيع من الانتظار نتيجة إغلاق معبر رفح أمام عودتهم. pic.twitter.com/6GMeWSbNC6
— رضوان الأخرس (@rdooan) November 24, 2023
وقال الناطق باسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي: “يا سكان غزة، لن يُسمح بأي شكل من الأشكال بتنقل السكان من جنوب القطاع إلى شماله، إنما من الشمال إلى الجنوب فقط”، كما ألقى الاحتلال منشورات تؤكد على ذلك، وتقول إن شمال القطاع “هي منطقة قتال ويحظر البقاء فيها”، وأن “الحرب لم تنتهِ بعد”.
🚨Israel threw leaflets on Gaza on the very morning of the ceasefire, ordering Gazans NOT to attempt to go back to their homes in the North
IDF has been firing at & shelling people trying to cross back, multiple reportedly wounded
Only fleeing from North to South is allowed pic.twitter.com/mGzGB6L7Kz
— Muhammad Shehada (@muhammadshehad2) November 24, 2023
لم تكتفِ قوات الاحتلال الإسرائيلي بذلك، بل أطلقت قنابل الغاز والرصاص وأصابت 7 بجراح حتى الآن، لتخويف المواطنين ومنعهم من العودة إلى منازلهم.
🎥- إطلاق قوات الاحتلال النار تجاه نازحين توجهوا نحو منازلهم التي هُجّروا منها في غزة وشمالها pic.twitter.com/3QDLac3Hxx
— عربي بوست (@arabic_post) November 24, 2023
ولم يلقِ السكان الذين تعوّدوا على القصف والقتل بالًا لتلك التحذيرات، إذ يريد هؤلاء الاطمنئان على من تبقّى من أفراد عائلاتهم، ومعاينة الأضرار في منازلهم أو التزوُّد ببعض الملابس، بعد أن خرجوا منها بفعل العدوان المتسارع.
ونجح سكان يتواجدون في الجنوب بالفعل بالعبور بأعداد قليلة نحو الشمال، عبر وادي غزة الذي تتمركز فيه الآليات العسكرية، والذي يعدّ نقطة الفصل الرئيسية بين الجانبَين، لكن بعد تزايد الأعداد بدأ إطلاق النار نحوهم.
عبور المواطنين لجسر وادي غزة بعد دخول الهدنة المؤقتة حيز التنفيذ صباح اليوم pic.twitter.com/le5ND1U19q
— القسطل الإخباري (@AlQastalps) November 24, 2023
ومثل كثيرين حاولوا الانتقال شمالًا، غرد النازح أمجد الدردساوي قائلًا: “إلى غزَّة.. ربما تكون صورة أخيرة.. دعواتكم”، وحاول هؤلاء الوصول رغم موجة البرد، ومع توقف حركة المركبات بفعل عدم توفر الوقود.
الي غزَّة..
ربما تكون صورة أخيرة..
دعواتكم#Gaza pic.twitter.com/nqU1hZbqu9— 𝙰𝙼𝙹𝙰𝙳 𓂆 𝙶𝙰𝚉𝙰 🇵🇸 (@AlDirdasawii) November 24, 2023
#Watch: Despite IDF warnings, Gazans continue to approach the northern areas of the Gaza Strip since the ceasefire began. VIDEO from Beit Hanon
All I can say is FAFO pic.twitter.com/2EjtXY60Kq
— Open Source Intel (@Osint613) November 24, 2023
وغردت الفلسطينية يارا عيد بالقول: “تخيل أنه تم منحك 4 أيام فقط من (عدم القصف) بعد 48 يومًا من الرعب الكامل، 4 أيام ثم ستعود إلى الإبادة الجماعية، 4 أيام ثم تعود للقصف والمجازر المتواصلة، 4 أيام ثم ستقتل في أي لحظة”.
وتابعت: “في تلك الأيام الأربعة، لا يُسمح لكم حتى بالعودة إلى منازلكم في المدينة/ الشمال للتحقق ممّا إذا كان أحباؤكم ما زالوا على قيد الحياة، أو للبحث عن أشلاء أطفالكم تحت الأنقاض.. لجمع ما تبقى منهم ودفنهم”.
Imagine that you’re given only 4 days of (no bombardment) after 48 days of complete terror. 4 days then you’ll go back to the genocide. 4 days then you’ll go back to the nonstop bombardment and massacres. 4 days and then you’ll be killed any minute. And in those 4 days you’re not…
— Yara Eid 🇵🇸 يارا عيد (@yaraeid_) November 24, 2023
وعن مآسي ما بعد توقف العدوان، قالت إحدى الفلسطينيات على إكس: “لا يعلم الكثير من سكان غزة عن وقف إطلاق النار، لأن إسرائيل قطعت الاتصالات عن العديد من المناطق”.
وتابعت قبل دخول الهدنة حيز التنفيذ بيوم: “غدًا سيكون حمّام الدم، سيبحث الناس عن المؤن، معتقدين أنهم آمنين لكنهم لن يكونوا كذلك، سنشهد مذبحة أخرى”، في إشارة إلى المشاهد التي سيشاهدونها بعد توقف العدوان مؤقتًا.
Many Gazans don’t know about the ceasefire delay because Israel has cut off telecommunications in many areas of Gaza. Tomorrow is going to be a bloodbath. People will go in search of provisions, thinking they’re safe, but they won’t be. We’re going to witness another massacre.
— noorii 🔮🍉 (@nooriireads) November 23, 2023
وترك الاحتلال خلفه عشرات الجثث ملقية في الشوارع، كما جرف ودمّر الشوارع والمنازل على طول الطريق الساحلي (الرشيد)، والطريق الشرقي المقابل له والمعروف باسم شارع صلاح الدين.
https://twitter.com/khalilo1/status/1727998332688019753
ونشر رئيس المركز الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، رامي عبده، عدة صور، معلقًا عليها بالقول: “ظهر مشهد مروع على جانب طريق منطقة الرشيد غرب مدينة غزة، عشرات الجثث لمدنيين نازحين ملقاة في الشوارع، وقصصهم غير مروية”.
https://twitter.com/RamAbdu/status/1727962651685199907
في الأثناء، بدأت شاحنات المساعدات الغذائية والوقود بالدخول لأول مرة بهذا الحجم منذ بدء العدوان، لكنها عبّرت عن خيبة أمل أخرى.
Trucks carrying aid enter the #Gaza Strip after the temporary ceasefire agreement between the #Palestinian resistance and #Isreali occupation, following weeks of siege that affected all aspects of life. pic.twitter.com/lYSP07jOCw
— Quds News Network (@QudsNen) November 24, 2023
ففي الوضع الطبيعي، كان قطاع غزة يستقبل 500 شاحنة يوميًّا من الغذاء والوقود، لكن ما سيدخل يوميًّا خلال الـ 4 أيام سيكون ما بين 200 إلى 300 شاحنة على الأقل من بينها 8 شاحنات وقود، وهو ما يشكّل نقطة في محيط.
وقال المتحدث باسم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا”، عدنان أبو حسنة: “في الوضع الحالي نحتاج معدل 800 شاحنة يوميًّا تستمر لمدة شهرين أو 3 أشهر حتى يمكن توفير الاحتياجات الأساسية لسكان غزة”.
ورغم هذه المآسي، يأمل الغزيون أن يكون اتفاق تبادل الأسرى (50 إسرائيليًّا مقابل 150 فلسطينيًّا) الذي شكّل أساسًا للتهدئة، مقدمة لهدنة طويلة الأمد.
وتتعزز هذه الآمال مع فشل الاحتلال حتى الآن بتحقيق إنجاز عسكري فعلي يُذكر ممّا أعلن عنه سابقًا، كالقضاء على حركة حماس، وفي ظل تصاعد الانتقادات الدولية للولايات المتحدة بسبب دعمها لهذه الإبادة.