مع إتمام الدفعة الأولى من تنفيذ صفقة التبادل بين المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة والاحتلال الإسرائيلي، بموجب الاتفاق الذي رعته كل من قطر ومصر، يعود المشهد ليسلط على ملف الأسرى الفلسطينيين والتبادل من جديد بعد المرحلة الأولى من الصفقة.
تمكنت المقاومة الفلسطينية في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي من أسر نحو 250 أسير وأسيرة إسرائيلية، بالإضافة إلى حملة بعض الجنسيات منها الأمريكية، وهو الرقم الأكبر في تاريخ عمليات الأسر التي نفذتها المقاومة الفلسطينية في تاريخها القديم والمعاصر.
وتشكل قضية الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال واحدة من أهم القضايا التي تؤكد حركة حماس أنها من الدوافع الرئيسية لإطلاق عملية “طوفان الأقصى”، وبالنظر إلى نتائج هذه العملية فإن أحد أهم مخرجاتها العدد الكبير من الإسرائيليين الذين استطاعت المقاومة الفلسطينية السيطرة عليهم ونقلهم إلى قطاع غزة.
ونظرًا لوجود عدد من الأسرى والمحتجزين لدى المقاومة الفلسطينية من جنسيات أخرى بالإضافة للجنسية الإسرائيلية، فقد شكلت القضية نقطة محورية في مواقف الأطراف الدولية، وأصبحت عنوانًا من العناوين الرئيسية للمواجهة، فأصبحت “قضية الرهائن” جزءًا مركزيًا من خطاب الرئيس الأمريكي جو بايدن وأركان إدارته في تعقيبهم على المواجهة في قطاع غزة.
ففي الأيام الأولى للمواجهة، قال بايدن إن أولويته عدم بقاء أي أمريكي رهينة قيد الاحتجاز في أي مكان بالعالم، وقد وضعت واشنطن قضية المحتجزين لدى المقاومة أولوية لحواراتها مع الأطراف الإقليمية المعنية بالتواصل مع حركة حماس، كقطر ومصر وتركيا.
هذه الأجواء حول مركزية قضية الأسرى والمحتجزين بالمشهد الدولي، رافقها انعكاس كبير للقضية على البيئة الداخلية الإسرائيلية، حيث وضعت حكومة الاحتلال ومجلس حربها “تحرير الأسرى” كأحد أهداف الحرب على غزة، قبل أن يعلن رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو تعيين الجنرال المتقاعد غال هيرش مسؤولًا عن ملف الأسرى والمفقودين في قطاع غزة.
اللافت أن نتنياهو صرح في بداية الحرب أنه سيستعيد هؤلاء الأسرى بـ”القوة الغاشمة”، في الوقت الذي خرج فيه أبو عبيدة المتحدث العسكري باسم القسام ويحيى السنوار رئيس حركة حماس بخطاب مضاد قطعوا فيه الطريق على نتنياهو عبر إبداء الاستعداد لإنجاز صفقة تبادل.
ورغم ذلك، فإن المقاومة الفلسطينية نجحت هي الأخرى في نسف جزء من الرواية الإسرائيلية ضدها الرامية لـ”دعشنتها” عبر المبادرة التي نفذتها كتائب القسام من خلال الإفراج عن المحتجزتين الأمريكيتين ناتالي وجوديث رعنان و3 إسرائيليات وطفلين لدواعٍ إنسانية.
ومنذ عام 1968 أتمت قوى المقاومة والفصائل الفلسطينية 10 صفقات تبادل للأسرى مع الاحتلال الإسرائيلي حتى عام 2011، ونجحت في تحرير آلاف الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين، وشملت عددًا من أصحاب الأحكام المؤبدة والأحكام العالية، وأسرى من فلسطين المحتلة عام 1948.
تاريخ صفقات المقاومة.. العين تقاوم المخرز
نستعرض في هذا التقرير تفاصيل الصفقات الـ10 التي جرت بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي في الفترة ما بين 1968 و2011 سواء داخل فلسطين أو خارجها.
صفقة التبادل عام 1968
كانت هذه الصفقة نتاج خطف طائرة إسرائيلية بأيدي عناصر المقاومة لأول مرة عام 1968، حين خطف يوسف الرضيع وليلى خالد من “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين” طائرة تابعة لشركة العال متجهة من روما إلى “إسرائيل”، وغير الخاطفون اتجاه الطائرة فحطت في الجزائر، وطالبوا بتحرير جميع الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال.
كان على متن الطائرة ما يزيد على 100 راكب، ما أجبر سلطات الاحتلال على الدخول في صفقة تبادل يوم 23 يوليو/تموز 1968، وبوساطة الصليب الأحمر أُفرج عن 37 أسيرًا فلسطينيًا، من ذوي الأحكام العالية من ضمنهم أسرى فلسطينيون كانوا قد اعتقلوا قبل 1967، مقابل إطلاق سراح المختطَفين.
صفقة التبادل عام 1969
في أغسطس/آب 1969 اختطفت ليلى خالد وسالم العيساوي من “الجبهة الشعبية” طائرة ركاب أمريكية، في أثناء رحلتها من لوس أنغلوس بالولايات المتحدة إلى تل أبيب، وأرغم الخاطفان الطيار على التوجه إلى فلسطين والتحليق فوق حيفا على علوّ منخفض ليتمكن العيساوي وليلى خالد من رؤية مدينتهما التي هُجرا منها قسرًا، ثم توجهت الطائرة إلى سوريا فهبطت في دمشق، وأُنزِل ركابها البالغ عددهم 116 شخصًا ثم فُجِّرَت.
وتمت عملية تبادل بين الاحتلال والجبهة الشعبية، أسفرت عن إخلاء سبيل عدد من الفدائيين الفلسطينيين المسجونين لدى الاحتلال، وطيارين سوريين هبطا اضطراريًا في فلسطين.
صفقة التبادل عام 1971
نفذت خلية من 9 فدائيين ينتمون لحركة “فتح” عملية على الحدود الشمالية لفلسطين في يناير/كانون الثاني 1970، وكان الهدف وضع عبوات ناسفة على جدار مستوطنة “ميتولا” المحاذية للحدود اللبنانية، لكن الخلية اكتفت باختطاف الحارس وعادت، وبعد 4 أيام أعلنت “فتح” أن الحارس أسير عندها، وطالبت بالإفراج عن 100 أسير من الحركة في سجون إسرائيل مقابل الإفراج عن الحارس.
لكن المفاوضات التي جرت بين حكومة الاحتلال وحركة “فتح” عبر الصليب الأحمر تمخضت عن صفقة مبادلة “أسير مقابل أسير”.
وفي 28 يناير/كانون الثاني 1971 أُطلق سراح الجندي الإسرائيلي شموئيل فايز مقابل الأسير محمود بكر حجازي، الذي كان يواجه حكمًا بالإعدام، ويعد أول أسير فلسطيني في الثورة الفلسطينية المعاصرة التي انطلقت عام 1965.
صفقة “تبادل الليطاني” عام 1979
نفذت قوات الاحتلال الإسرائيلي عملية عسكرية في جنوب لبنان في مارس/آذار 1978، عُرفت بعملية “الليطاني”، وتم فيها احتلال مناطق واسعة من جنوب لبنان، وصلت حتى الليطاني ومشارف صور ومخيم الرشيدية للاجئين الفلسطينيين، وجزء من مناطق القطاع الشرقي، وخلال الاجتياح الإسرائيلي نصبت الجبهة الشعبية – القيادة العامة كمينًا لشاحنة إسرائيلية قرب صور يوم 5 أبريل/نيسان 1978، وأسفرت العملية، التي أطلق عليها “النورس”، عن مقتل 4 جنود إسرائيليين وأسر جندي من قوات الاحتياط يدعى أبراهام عمرام.
ومن خلال الصليب الأحمر، تمت صفقة تبادل للأسرى في قبرص بين الجبهة ودولة الاحتلال يوم 14 مارس/آذار 1979، وأُخْلِيَ سبيل الجندي الإسرائيلي، مقابل إطلاق سراح 76 معتقلًا فلسطينيًا من فصائل المقاومة المختلفة، بينهم 12 فتاة فلسطينية.
صفقة التبادل عام 1980
احتجزت حركة “فتح” أمينة المفتي، التي تم اكتشافها أثناء عملها لصالح المخابرات الإسرائيلية في لبنان، حيث كانت تقدم معلومات عن منظمات المقاومة الفلسطينية وقادتها، وتحمل المفتي الجنسية الأردنية، وتنتمي إلى عائلة شركسية مسلمة، لكنها اعتنقت اليهودية وتزوجت طيارًا يهوديًا في النمسا، واستقرت معه في دولة الاحتلال.
وفي حرب أكتوبر/تشرين الثاني 1973 أُسقطت طائرة زوجها فوق الأراضي السورية، ولما يئست من العثور عليه عادت إلى النمسا، وعرضت عليها المخابرات الإسرائيلية هناك العمل جاسوسة، وفي يوم 13 فبراير/شباط 1980 تمت عملية تبادل عبر الصليب الأحمر في قبرص، وأُطلق سراح أمينة المفتي مقابل الإفراج عن المعتقلين مهدي بسيسو “أبو علي” ووليام نصار.
صفقة التبادل عام 1983
شن الاحتلال حربًا على لبنان عام 1982، تحت شعار “عملية سلامة الجليل”، فاجتاح المدن والقرى والمخيمات، واستطاعت المقاومة الفلسطينية واللبنانية إيقاع خسائر في صفوف جيش الاحتلال، وأسرت حركة “فتح” يوم 4 سبتمبر/أيلول 1982، 8 جنود إسرائيليين من قوات “الناحال” الخاصة، بمنطقة “بحمدون” في لبنان، وتم الاتفاق مع الجبهة الشعبية – القيادة العامة، للمساعدة على إجلاء الأسرى إلى منطقة البقاع، نظرًا للتسهيلات وحرية الحركة التي تتمتع بها سيارات القيادة العامة، وقد احتفظت الجبهة الشعبية – القيادة العامة مقابل ذلك بجنديين، وبقي لدى “فتح” 6.
ويوم 23 نوفمبر/تشرين الثاني 1983 تمت عملية تبادل بين حركة “فتح” وحكومة الاحتلال، عبر الصليب الأحمر، في ميناء طرابلس بشمال لبنان، حيث تم تسليم الجنود الست الإسرائيليين المحتجزين لدى فتح، وهم: إلياهو أفوتفول وداني جلبوع ورافي حزان وروبين كوهين وأبراهام مونتبليسكي وآفي كورنفلد.
وأطلق الاحتلال سراح جميع معتقلي “معسكر أنصار” في الجنوب اللبناني، المعتقلين خلال الاجتياح وعددهم 4700 معتقل فلسطيني ولبناني، إضافة إلى معتقلين آخرين في النبطية وصيدا وصور، وكذلك أُطلق سراح 65 أسيرًا من السجون الإسرائيلية، وأُعيدت أرشيفات منظمة التحرير الفلسطينية، التي استولى عليها الاحتلال الإسرائيلي في أثناء غزو بيروت عام 1982.
ووصل مجموع عدد الأسرى المطلق سراحهم إلى أكثر من 5000 أسير، اختار 3500 منهم البقاء في لبنان، ونُقل الباقون بطائرات فرنسية إلى الجزائر عبر مطار اللد.
صفقة “تبادل الجليل” عام 1985
تعدّ هذه الصفقة امتدادًا لصفقة تبادل عام 1983، إذ أسرت “فتح” 8 جنود في عملية “بحمدون” بلبنان في 4 سبتمبر/أيلول 1982، ثم أطلقت سراح 6 جنود منهم ضمن عملية تبادل للأسرى عام 1983، وكانت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة قد احتفظت بجنديين إسرائيليين، هما: يوسف عزون ونسيم شاليم، أحدهما من أصل هنغاري والآخر يهودي من أصل مصري، مقابل مساعدتها على نقل الجنود في تلك العملية.
وفي 11 يونيو/حزيران 1982 أسرت القيادة العامة الرقيب أول حازي يشاي وهو يهودي من أصل عراقي، خلال معركة السلطان يعقوب حينما كان يقود إحدى الدبابات ضمن رتل من الدبابات الإسرائيلية، فضلّ طريقه وأُصيبت الدبابة وحاول يشاي الفرار، لكن القيادة العامة تمكنت من أسره، وبدأت مرحلة جديدة من المفاوضات، اشترطت فيها القيادة العامة أن توافق دولة الاحتلال على عدد الأسرى المطلوب تحريرهم قبل تقديم قائمة الأسماء، كما على دولة الاحتلال عدم رد أي اسم يُطرح في القائمة، وبعد مفاوضات شاقة تمت الموافقة على جميع المطالب، وفي 20 مايو/أيار 1985 تمت عملية التبادل بين “إسرائيل” والقيادة العامة.
ووفقًا لاتفاق التبادل أُطلق سراح 1155 معتقلًا في السجون الإسرائيلية، وشمل الإفراج 118 أسيرًا تم اختطافهم أثناء التبادل مع حركة “فتح” عام 1983 من “معسكر أنصار”، و154 أسيرًا تم نقلهم من المعتقل نفسه إلى معتقل “عتليت”، خلال خروج القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان.
صفقة التبادل عام 1991
ألقت مجموعة من الجبهة الديمقراطية عام 1983 القبض على الجندي الدرزي سمير أسعد، وكان يعمل مترجمًا في الخدمة الدائمة لدى جيش الاحتلال، وأعلنت الجبهة الديمقراطية حيازتها للجندي، ثم نشرت مقابلة له في 5 أبريل/نيسان 1984، كانت قد طلبت أجراءها بواسطة تليفزيون أمريكي.
وفي 28 يونيو/حزيران من العام نفسه أعلنت الجبهة أن الجندي قُتل في غارة إسرائيلية في جزيرة الأرانب، وتمت صفقة تبادل يوم 13 سبتمبر/أيلول 1991، فاستردت “إسرائيل” جثة الجندي الدرزي بعد 8 سنوات، وفي المقابل سمحت بعودة أحد مبعدي الجبهة، وهو النقابي علي عبد الله “أبو هلال” من أبو ديس، الذي أبعدته “إسرائيل” عام 1986.
صفقة “الحرائر” عام 2009
نفذت كتائب القسام يوم 25 يونيو/حزيران 2006 بالتعاون مع “ألوية الناصر صلاح الدين” و”جيش الإسلام”، عملية عسكرية نوعية نجحت خلالها المقاومة في التسلل عبر نفق أرضي تحت الحدود، ومباغتة القوات الإسرائيلية، حيث أسفرت عن مقتل قائد دبابة ومساعده، وإصابة 5 بجراح، وتدمير دبابة “ميركافا” وناقلة جند مصفحة، إضافة إلى أضرار في الموقع العسكري، وأُسر خلال العملية الجندي “جلعاد شاليط”.
وبهدف حصول الاحتلال على معلومات عن وضع الجندي الإسرائيلي، تمت عملية تبادل بين الاحتلال وحماس، عبر وسيط ألماني، يوم 1 أكتوبر/تشرين الأول 2009، سميت “صفقة الحرائر” أطلقت إسرائيل بموجبها سراح 20 أسيرة فلسطينية من الضفة الغربية وقطاع غزة، وقدمت المقاومة مقابل ذلك شريط فيديو لمدة دقيقتين يظهر فيه شاليط بصحة جيدة.
صفقة “وفاء الأحرار” عام 2011
لم تسفر سنوات من المفاوضات عبر أكثر من وسيط عن تحرير شاليط، رغم أن “إسرائيل” بذلت جهودًا كبيرةً لذلك، عبر قنوات مختلفة، وشنت حربًا على القطاع في نهاية عام 2008 ومطلع عام 2009، لكنها لم تفلح في الوصول إلى مكان الجندي الأسير، وبعد أكثر من 5 سنوات قضاها شاليط في الأسر، اضطر الاحتلال يوم 18 أكتوبر/تشرين الأول 2011، لإنجاز صفقة تبادل مقابل 1027 أسير وأسيرة.