ترجمة وتحرير نون بوست
“إن حق الشعب اليهودي في أرض إسرائيل أبدي ولا يقبل الجدل.. لذلك لن يتم تسليم يهودا والسامرة لأي إدارة أجنبية. وبين البحر والأردن لن تكون هناك سوى السيادة الإسرائيلية”.. منصة حزب الليكود، 1977.
يبدو أن شعار “من النهر إلى البحر” يتمتع بقوة كبيرة لدرجة أنه دفع مجلس النواب الأمريكي إلى توجيه اللوم إلى أحد أعضائه الذي استخدمه، ودفع جامعة كولومبيا إلى إغلاق منظمتين طلابيتين ردد أعضاؤها هذا الشعار، وهاتين المنظمتين هما “الصوت اليهودي من أجل السلام” و”طلاب من أجل العدالة في فلسطين”. وقد حذت جامعات أخرى حذوها منذ ذلك الحين.
بينما انخرطت هذه الهيئات الموقرة في مداولات حول الانتهاكات الجسيمة التي ينطوي عليها التلفظ بهذه الكلمات، كان أكثر من 100 طفل يموتون يوميًا في غزة تحت وابل من عشرات الآلاف من القنابل والصواريخ وقذائف المدفعية الإسرائيلية، التي صنعت العديد منها شركات أمريكية استثمرت فيها جامعة كولومبيا ودفعت تكاليفها من قبل دافعي الضرائب الأمريكيين.
في الوقت نفسه، كان الوزراء الإسرائيليون يتحدثون عن فرض “النكبة 2023” على غزة (وهو صدى للتطهير العرقي الذي قامت به إسرائيل سنة 1948 ضد 750 ألف فلسطيني) بإجبار أكثر من 1.7 مليون من سكان غزة على ترك منازلهم، وقتل أكثر من 14000 شخص (حوالي 6000 منهم أطفال) وإصابة 30000 شخص، في حين خرجت معظم المستشفيات من الخدمة، وتعرضت نصف المباني في قطاع غزة للتدمير أو الأضرار. وتقف خلف هذه الأرقام – وبالنسبة للكثيرين كانت مجرد أرقام حول كيف يمكن توضيح الأسماء والوجوه والقصص الشخصية لآلاف الرجال والنساء والأطفال القتلى، خاصة عندما يقوم معذبوهم بقطع الكهرباء، والاتصالات عبر الإنترنت والهاتف، ومنع الصحفيين الغربيين من الحضور ليشهدوا محنتهم؟ – بعض الحقائق الوحشية.
منذ اليوم الأول لهذه الحرب، أمر وزير الدفاع يوآف غالانت الذي قال إن إسرائيل تحارب “حيوانات بشرية” بقطع الكهرباء وكذلك قطع إمدادات المياه والأدوية والغذاء والوقود، في انتهاك للمادة 23 من اتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949، التي تنص على “حرية المرور لجميع شحنات المستودعات الطبية ومخازن المستشفيات وجميع المواد الغذائية الأساسية”. وبينما دعا الرئيس بايدن إلى توصيل المساعدات الإنسانية إلى غزة؛ فإن الولايات المتحدة لم تفعل حتى الآن الكثير لتحقيق ذلك، باستثناء إقناع إسرائيل بالسماح بدخول قدر ضئيل من إمدادات الإغاثة (باستثناء الوقود)، وكأن الولايات المتحدة ليس لديها القدرة على فعل أي شيء أكثر من ذلك.
يشكّل قطع هذه السلع الأساسية وكذلك المياه والكهرباء والوقود جريمة حرب لا تقل فظاعة عن جريمة قتل غير المسلحين سواءً كانوا إسرائيليين أو فلسطينيين أو الطرد الجماعي لـ 1.7 مليون شخص من جزء واحد من قطاع غزة إلى آخر. لكن إدارة بايدن وحلفائها الغربيين لا يرفضون فقط الدعوة إلى وقف القصف والتطهير العرقي فهم لا يستطيعون حتى أن يطالبوا، تحت طائلة العقوبات، بأن تقوم إسرائيل بفتح صنابير الكهرباء والمياه، أو أن تسمح إسرائيل بتسليم مئات الشاحنات من الأدوية والغذاء والوقود يوميًا اللازمة لتلبية احتياجات 2.3 مليون شخص، معظمهم من الأطفال. فالقائد العام غير راغب في أن يأمر الأسطول الأمريكي الضخم المتمركز بالقرب من البحر الأبيض المتوسط بإيصال الإمدادات المطلوبة إلى غزة وإجلاء العدد الكبير من الجرحى، وهو ما يمكن القيام به بسهولة، بغض النظر عن رغبات المحاصرين.
في مواجهة قسوة من هم في السلطة الذين يرفضون فرض وقف لإطلاق النار الإسرائيلي على قطاع غزة، يقف عدد قليل من أعضاء الكونغرس الشجعان، والمتظاهرين في الحرم الجامعي، ومن خلفهم أعداد كبيرة من المواطنين الغاضبين من مشاركة بلادهم في المذبحة والعقاب الجماعي للسكان المدنيين في غزة.
وبدلًا من الإشادة بشجاعتهم في المطالبة بالمحاسبة على القتل الجماعي والتطهير العرقي، فإن الكونغرس الوقح وإدارة الجامعة الضعيفة يحاسبونهم على استخدام عبارة تطالب بالحرية في كامل وطنهم لشعب عانى منذ سنة 1917 من الحكم الأجنبي ولم يُسمح له أبدًا بتقرير المصير. بطريقة ما، في “أرض الحرية” تصبح الدعوة إلى الحرية الفلسطينية مطلبًا كريهًا وبغيضًا.
تكمن المفارقة الكبرى فيما يتعلق بالادعاءات حول كراهية مثل هذه العبارة – التي وصفها أحد مديري الجامعة بأنها “إبادة جماعية” – في أن هذه الفكرة هي أكثر بكثير من مجرد شعار بسيط عندما يتعلق الأمر بإسرائيل بل إنه يُجسّد الواقع الذي فرضته إسرائيل على فلسطين منذ سنة 1967. تسيطر إسرائيل على كل الأراضي الواقعة بين البحر الأبيض المتوسط ونهر الأردن، وهي المنطقة التي تشكل بكل المقاصد والأغراض دولة واحدة تخضع لنظام أمني واحد وسيادة واحدة.
الدافع لإنشاء “أرض إسرائيل الكبرى” هو الهدف الأيديولوجي المركزي لحزب الليكود، الذي يهيمن على السياسة الإسرائيلية منذ سنة 1977. وقد تم تكريس الالتزام بإسرائيل الكبرى في “القوانين الأساسية” للدولة الإسرائيلية في سنة 2018 عندما أقر الكنيست قانون “الدولة القومية للشعب اليهودي”.
ينص هذا القانون على أن حق تقرير المصير الوطني في فلسطين “حق خاص للشعب اليهودي” وأن “الدولة تعتبر تطوير الاستيطان اليهودي قيمة وطنية، وستعمل على تشجيع وتعزيز إنشائه وتعزيزه”. وهذا الالتزام هو أحد “المبادئ التوجيهية” للحكومة الإسرائيلية الحالية، التي نصت على أنه “للشعب اليهودي حق حصري وغير قابل للتصرف في جميع أجزاء أرض إسرائيل”، بما في ذلك “يهودا والسامرة”.
من ناحية لدينا طُلّاب وسياسيّون يمثّلون مطالب عشرات الملايين من المواطنين الذين يطالبون بالحرية للفلسطينيين، ومن ناحية أخرى لدينا قوّة الدولة الأمريكية الداعمة للسياسات الأساسية للحكومة الإسرائيلية التي عملت على مدى العقود القليلة الماضية بلا توقف لضمان أن لا يكون “بين البحر ونهر الأردن سوى السيادة الإسرائيلية”.
وعوض التركيز على جرائم الحرب الحقيقية المصممة لدعم سيادة إسرائيل الحصرية على كامل أراضي فلسطين التاريخية من النهر إلى البحر، فإن أولويات الكونغرس ونماذج رابطة اللبلاب تكمن في مكان آخر كما يتضح من تركيزهم المشين الذي يشبه تأشير الليزر على جرائم الفكر الزائفة تمامًا.
المصدر: ذا نيشن