كاره للإسلام ومعادٍ لقضاياهم.. ماذا يعني فوز خيرت فيلدرز في انتخابات هولندا؟

سنة 2010، حصل حزب الحرية اليميني الذي يتزعمه المتطرف خيرت فيلدرز على 24 مقعدًا من بين 150 مقعدًا في مجلس النواب الهولندي، ما مكنه حينها من التوصل إلى اتفاق مع الحزبين الليبرالي والديمقراطي المسيحي يتيح له ممارسة النفوذ من خلف الستار على أول حكومة أقلية في هولندا منذ الحرب العالمية الثانية، رغم أنه يحاكم بتهمة التحريض على الكراهية.

لم يرض فيلدرز بممارسة النفوذ من خلف الستار، فهدفه كان الحكم مباشرة، وها هو يقترب من ذلك، معتمدًا على خطاب يميني متطرف، إذ يجاهر هذا السياسي الهولندي بمعاداة الإسلام ورفض الهجرة والمهاجرين والمؤسسات الأوروبية أيضًا.

يقترب فيلدرز البالغ من العمر 60 عامًا، من الحكم، بناءً على نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة وحصوله على 37 مقعدًا في البرلمان المقبل، وهو ما يمثّل زلزالًا سياسيًا في هولاندا وأوروبا ككل، فإذا تمكن اليميني المتطرف من جذب خصومه لتشكيل حكومة ائتلاف ستكون العواقب وخيمة على الأوروبيين وقبلهم العرب والمهاجرين.

ضبابية المشهد الهولندي

لم تتحدد بعد صورة الحكم في هولندا، ذلك أن فوز حزب فيلدرز بالأغلبية لا يعني إمكانية تشكيله الحكومة، وهذا الأمر مرتبط بقدرته على إقناع أحزاب أخرى بالانضمام إليه لتشكيل ائتلاف يضمن تأييد 76 عضوًا في البرلمان المؤلف من 150 مقعدًا، فهولندا تحكمها دائمًا حكومات ائتلافية متعددة الأحزاب.

وأفرزت الانتخابات التشريعية الأخيرة، حصول تحالف اليسار الوسط على المركز الثاني بـ25 مقعدًا، يليه حزب “الشعب من أجل الحرية والديمقراطية” الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء المنتهية ولايته مارك روته، بعد حصوله على 24 مقعدًا، ثم حزب “العقد الاجتماعي الجديد” بـ20 مقعدًا.

ضبابية المشهد لن تكون حكرًا على هولندا فقط، وإنما ستمتدّ نحو القارة الأوروبية أيضًا

يقول اليميني المتطرف فيلدرز، إنه يرغب في تولي رئاسة الحكومة القادمة، لكن هذا الأمر ليس سهلًا، ومن غير المؤكد أن تنتهي المفاوضات بقيادة فيلدرز أو دخول الحزب الحكومة أو هيمنته عليها، إذ يمكن أن يستبعد من التشكيلة الحكومية القادمة.

زلزال في أوروبا

ضبابية المشهد لن تكون حكرًا على هولندا فقط، وإنما ستمتدّ نحو القارة الأوروبية أيضًا، فاسم خيرت فيلدرز يتردد كثيرًا الآن في أوروبا وأروقة الاتحاد الأوروبي في انتظار مآلات مفاوضات تشكيل الحكومة الهولندية الجديدة.

ومثّل فوز حزب الحرية بقيادة فيلدرز صدمة ومفاجأة كبيرة للقادة الأوروبيين، ذلك أن هذا الفوز سيعطي حافزًا أكبر للقوى اليمينية المتطرفة في باقي الدول الأوروبية، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات الأوروبية والانتخابات البلجيكية.

وأثبت فوز حزب الحرية أن أحزاب اليمين المتطرف في معظم أنحاء أوروبا تكتسب زخمًا، وتقترب أكثر من الوصول إلى السلطة في بلدانها، إذ ينتظر أن تنضم هولندا للمجر وإيطاليا وبولندا التي تتولى الأحزاب اليمينية المتطرفة الحكم.

تشارك الأحزاب اليمينية المتطرفة الحكم في فنلندا والسويد وسويسرا، وكادت أن تحصل المفاجأة في فرنسا، فقد حصلت مارين لوبن زعيمة حزب التجمع الوطني، وهو أكبر حزب يميني متشدد، في الانتخابات الرئاسية الأخيرة على دعم 42% من الجمهور، أما في ألمانيا فإن حزب “البديل من أجل ألمانيا”، ما فتئ يتقدم في عمليات سبر الآراء.

وبرز فيلدرز بتصريحاته المشككة في جدوى الاتحاد الأوروبي، وتتعارض بعض بنود البرنامج الانتخابي لفيلدرز مع قوانين الاتحاد الأوروبي، وهو ما يثير قلق القادة الأوروبيين، ويطرح اليميني المتطرف فكرة الخروج من الفضاء الأوروبي ويمكن أن ينظم استفتاءً لهذا الغرض.

كما يطرح السياسي الهولندي المتطرف فكرة وضع حد لحرية الحركة الشاملة لعمال الاتحاد الأوروبي، وإنهاء الدعم العسكري لأوكرانيا في حربها ضد روسيا المتواصلة منذ فبراير/شباط 2022، وإدخال تغييرات شاملة داخل حلف شمال الأطلسي “الناتو”.

عداوة متواصلة لتركيا

صعد فيلدرز إلى ساحة الفعل السياسي، منذ انشقاقه عن الحزب الليبرالي الهولندي سنة 2004، معارضًا محاولة تركيا الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وسبق أن قال رئيس حزب الحرية إنه لا يرغب في رؤية تركيا بين دول الاتحاد الأوروبي، ويعارض دخول الأتراك إلى الأراضي الأوروبية من دون الحصول على تأشيرات.

يرجع رفض فيلدرز دخول تركيا للاتحاد الأوروبي لكون غالبية الأتراك مسلمين، إذ قال: “لا يمكن أن تكون دولة مسلمة مثل تركيا جزءًا من الاتحاد الأوروبي، فنحن لا نريد مزيدًا من المسلمين، بل على العكس، نود أن ينقص عددهم بيننا”.

ينظر المسلمون في هولندا إلى انتصار فيلدرز بحذر كبير

كما سبق أن طالب فيلدرز سلطات بلاده بطرد السفير التركي من هولندا، كما طالب بطرد تركيا من حلف شمال الأطلسي، بدورها تصف السلطات التركية السياسي الهولندي بالفاشي والنازي، وكتب عمر جيليك المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية الحاكم سنة 2021 على تويتر “هذا الفاشي الذي هاجم رئيسنا كان سيصبح نازيًا لعينًا لو عاش خلال الحرب العالمية الثانية. ولو كان يعيش في الشرق الأوسط الآن لكان أحد سفاحي داعش”.

وفي فبراير/شباط 2021، فتح الادعاء العام في أنقرة تحقيقًا بشأن تغريدة نشرها خيرت فيلدرز كتب فيها كلمة “إرهابي” مرفقة بصورة للرئيس التركي أردوغان ظهر فيها الجانب الأيمن من وجهه على خلفية العلم التركي والجانب الأيسر وهو ملتح وبشرته داكنة على خلفية علم تنظيم “الدولة الإسلامية” بالأسود والأبيض.

مناهضة للإسلام والمهاجرين

فضلًا عن معاداته للمؤسسات الأوروبية، أقام فيلدرز خطابه على مناهضة الإسلام والمهاجرين بشكل عام، وسبق أن شبه القرآن الكريم بكتاب “كفاحي” للزعيم النازي أدولف هتلر، قائلًا إنه يحرض على العنف، ويعيش نحو مليون مسلم في هولندا من بين إجمالي عدد السكان البالغ 16.5 مليون نسمة.

وينظر المسلمون في هولندا إلى انتصار فيلدرز بحذر كبير، إد عُرف اليميني المتطرف، بمناداته بحظر المدارس الإسلامية والمصاحف والمساجد والحجاب في المباني الحكومية، ودائمًا ما يقول إن هولندا لا يمكنها “أن تشهد المزيد من الأسلمة”، ويقول أيضًا: “الإسلام فكر عنيف استبدادي يجافي قيم الحرية والديمقراطية والتسامح”.

في سنة 2008 نشر فيلدز فيلمًا مدته 15 دقيقة على الإنترنت بعنوان “فتنة” يربط الدين الإسلامي الحنيف بالعنف، ما أثار احتجاجات واسعة في دول إسلامية عدة على غرار إندونيسيا، وفي مايو/أيار 2023 سخِر فيلدرز مما قال إنه تزايد عدد المسلمين في هولندا، وأضاف أن مشاهدتهم وهم يؤدون الصلاة في طرقات هولندا تعبر عن تجريد هولندا من هويتها.

وفي أبريل/نيسان العام الماضي، حجبت شركة “تويتر” (إكس حاليًا) حساب فيلدرز على خلفية تغريدة هاجم فيها الإسلام، وأشار فيها إلى رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف، ودائمًا يستخدم فيلدرز حسابه على منصة X بنشاط لمهاجمة المسلمين والمهاجرين.

وينادي فيلدز بحظر الهجرة خاصة على المسلمين، وسبق له أن هاجم المغاربة في هولندا في سنة 2016 عندما وصف بعضهم بالـ”حثالة”، ويأمل في فرض قيود صارمة على الهجرة ووقف كامل لطلبات اللجوء إلى هولندا، كما يريد التصدّي لطالبي اللجوء الذين يسعون إلى دخول هولندا من دول الاتحاد الأوروبي المجاورة وترحيل أولئك الذين يدانون بارتكاب جرائم جنائية.

الاستثمار في الشعبوية

عُرف فيلدرز بمواقفه وتصريحاته الشعبوية، إذ دائمًا ما يخوض حروبًا جداليةً ضدّ المسلمين والمهاجرين، ما جعله عرضة للمحاكمة أكثر من مرة بتهم التحريض والتمييز ضد جماعات عرقية ودينية، وقد استغل ذلك لرفع رصيده السياسي لدى المتطرفين.

تمت محاكمة فيلدرز بتهم تتعلق بالتحريض ضد جماعات عرقية ودينية، كان آخرها رفض محكمة هولندية الطعن الذي تقدم به ضد قرار محكمة أدانته بتهمة إهانة جماعة عرقية، لكنها برأته من تهمة التحريض على الكراهية والتمييز.

رغم عدائه الكبير للمسلمين والهجرة ورغبته في الخروج من الفضاء الأوروبي، فإن ذلك لا يعني حتمية تطبيق هذه البرامج على أرض الواقع

في سنة 2016، أدانته محكمة هولندية في أعقاب تقدم نحو 6400 شخص بشكاوى للشرطة ضده بسبب تصريحات أدلى بها في أثناء حملته بالانتخابات المحلية في لاهاي، وفي ذلك التجمع الانتخابي سأل فيلدرز أنصاره عما إذا كانوا يريدون مغاربة أكثر أم أقل في هولندا والذين بدورهم هتفوا “أقل.. أقل”، فابتسم قائلًا: “سنعمل على تحقيق ذلك”.

وفي سنة 2011، حوكم فيلدرز نتيجة تصريحات معادية للإسلام بعد مقارنته الدين الإسلامي بالنازية والدعوة إلى حظر القرآن، لكن تمت تبرئته في هذه القضية أيضًا، ما أعطاه دفعة معنوية كبيرة، استثمرها في قادم حملاته السياسية ضدّ الإسلام.

يذكر أنه مُنع سنة 2009 من دخول بريطانيا، إذ اعتبرت الحكومة البريطانية أنه يشكل تهديدًا “للوئام المجتمعي وبالتالي الأمن العام”، وكان فيلدرز ينوي حينها عرض فيلمه الذي تبلغ مدته 15 دقيقة بعنوان “فتنة”، وينتقد القرآن.

داعم للاحتلال الإسرائيلي

يدعم خيرت فيلدرز بشكل واضح الاحتلال الإسرائيلي، ويؤيد نقل سفارة هولندا إلى القدس، مقابل إغلاق البعثة الدبلوماسية الهولندية في رام الله، وسبق أن دعا حكومة بلاده إلى الاعتراف بالقدس عاصمة لـ”إسرائيل” وإطلاق تسمية فلسطين على الأردن لتكون وطنًا بديلًا للفلسطينيين، وهو ما أثار حفيظة الأردن.

ونشرت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية مقطع فيديو يظهر فيلدرز وهو يحتفل بالنتائج الأولية التي تظهر تصدر حزبه نتائج الانتخابات، وخلفه العلم الإسرائيلي، في إشارة إلى دعمه للكيان الإسرائيلي.

كان فيلدرز الذي وُلد في فينلو على الحدود الهولندية الألمانية لأسرة كاثوليكية، قد زار الكيان الإسرائيلي وعمره 17 سنة وعمل هناك في مزرعة تعاونية إسرائيلية (كيبوتس)، وقد كان لزيارته تلك أثر كبير في آرائه السياسية لاحقًا.

رغم عدائه الكبير للمسلمين والهجرة ورغبته في الخروج من الفضاء الأوروبي، فإن ذلك لا يعني حتمية تطبيق هذه البرامج على أرض الواقع، إذ يُرجح أن يتم احتواء فيلدرز كما حصل مع رئيسة الوزراء الإيطالية جيورجيا ميلوني، التي تغير خطابها ما إن وصلت السلطة.