ترجمة وتحرير: نون بوست
كشف علماء سوريون، يعيشون حاليا في المنفى، اللثام عن إشرافهم على تصنيع السلاح الكيميائي الذي استعمله النظام السوري ضد شعبه. وهناك مؤشرات تدل على أن ديكتاتور الشام كان مستعدا لاستعمال الغاز السام لقمع معارضيه منذ سنة 2009، أي قبل سنتين من هبوب رياح التغيير واندلاع الربيع العربي في سوريا.
منذ سنة 2009، اتخذ النظام السوري قرار اعتماد الغاز السام، خصوصا غاز السارين الذي يدمر الأعصاب، ضد شعبه في حالة نشوب احتجاجات داخل سوريا. ومع حلول شهر تموز/ يوليو من سنة 2011، تسببت الانشقاقات العسكرية صلب الجيش السوري في إجبار بشار على تعزيز أمن مواقع إنتاج السلاح الكيميائي. كما أصدر الأسد أمرا مباشرا للضباط المسؤولين عن هذه المواقع بضرورة الإسراع في تأمين الذخيرة الحاملة لمكونات كيميائية على غرار، الذخائر، والقنابل، و قذائف المدافع المضادة للدبابات.
تجدر الإشارة إلى أن الأمر الذي أصدره بشار الأسد، سنة 2009، بخصوص السلاح الكيميائي تمثل في تعزيز سبعة قواعد جوية عسكرية بهذا السلاح، مع مدها بكمية كبيرة من قنابل غاز السارين والقذائف الكيميائية. وتمثلت نية الأسد في ذلك الوقت في تسميم شعبه في حالة تعرض نظامه للتهديد.
مع احتداد الثورة السورية، استعمل نظام الأسد السلاح الكيماوي ضد شعبه، مع العلم أن معاهدة الأمم المتحدة، المسجلة بتاريخ شهر كانون الثاني/ يناير سنة 1993، تنص على تجريم استعمال غاز السارين في المعارك. وفي ذلك الوقت، يذكر أن سوريا لم توقع على هذه الاتفاقية قبل أن تجبر على توقيعها بالإكراه سنة 2013.
لم يمنع ذلك الديكتاتور السوري من مواصلة نكرانه لاستعمال ترسانته من السلاح الكيماوي ضد شعبه وبالأخص غاز السارين، إذ أنه من الصعب كشف هذا الغاز السام لأنه عديم لنهلأانه لأنه عديم الرائحة واللون. ويمكن لهذا الغاز أن يسبب الموت في غضون دقائق، حيث يضرب مباشرة الجهاز العصبي والجهاز التنفسي ويتسبب في شلهما. كما أنه يسبب للناجين الذين استنشقوه أضرار عصبية دائمة.
في وقتنا الحاضر، من بين 300 ألف شخص الذين قتلوا في الحرب الأهلية السورية، قرابة 2000 شخص منهم وقعوا جراء استعمال قوات النظام السوري للسلاح الكيماوي، وذلك بحسب مصادر منبثقة عن منظمات إنسانية وطبية تنشط على عين المكان في سوريا.
هؤلاء العلماء لم يقع الكشف عن هويتهم في هذا التقرير. كما أن البعض منهم خير الالتحاق بصفوف المعارضة المسلحة السورية، حيث دربوهم على كيفية تجنب التعرض إلى الغاز السام وكيفية حماية أنفسهم منه. وفي هذا الموضوع، سرب هؤلاء الخبراء السوريون معلومات جديدة للصحيفة بخصوص المجمع العسكري-العلمي في سوريا
في هذا الخصوص، أجرت صحيفة “ميديابار” عدة محادثات جمعتها بعلماء، وخبراء، ومهندسين سوريين من بين الذين أشرفوا على تصنيع السلاح الكيمياوي في سوريا. يعيش أغلبهم في دول أوروبية وأخرى شرق أوسطية. وقد أقدمت الصحيفة على هذه الخطوة لتفهم سبب إصرار وتعمد ديكتاتور الشام استعمال سلاح بهذه الخطورة ضد شعبه.
والجدير بالذكر أن هؤلاء العلماء لم يقع الكشف عن هويتهم في هذا التقرير. كما أن البعض منهم خير الالتحاق بصفوف المعارضة المسلحة السورية، حيث دربوهم على كيفية تجنب التعرض إلى الغاز السام وكيفية حماية أنفسهم منه. وفي هذا الموضوع، سرب هؤلاء الخبراء السوريون معلومات جديدة للصحيفة بخصوص المجمع العسكري-العلمي في سوريا.
وفي هذا الإطار، تطرق العلماء للحديث عن طبيعة وحجم ترسانة النظام السوري من الأسلحة الكيميائية، وكشف العلماء أيضا عن مصدر المادة الأولية المستخدمة في تصنيع هذا النوع من الأسلحة القتالية المحظورة دوليا، وعن الوسائل المستخدمة في عملية الإنتاج. فصلا عن ذلك، أماطوا اللثام عن مواقع البحوث والدراسات لتصنيع السلاح الكيماوي، وكشفوا عن وسائل نقل الجيش السوري لهذا السلاح، خصوصا كيفية تضليل الخبراء الأمميين التابعيين لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية الدولية.
من جهة أخرى، فسر العلماء أسباب خدمتهم لصالح نظام بشار الأسد ووالده، وتطرقوا للحديث عن سبب هروبهم وخروجهم من سوريا. وفي الإطار ذاته، كشف هؤلاء العلماء السوريون عن بعض “أسرار تصنيع” السلاح الكيماوي التي من شأنها أن تأكد بالدليل القاطع استعمال النظام السوري لهذا السلاح ضد شعبه. وبالتالي، ستحفظ هذه الشهادات وتقدم كدليل إدانة ضد بشار الأسد وحاشيته في حالة عُرض على محكمة دولية يوما ما.
وفي السياق ذاته، تعد شهادتهم وتجاربهم الخاصة مصدرا أساسيا في الكشف عن طبيعة سياسة النظام السوري، وشخصية قياداته وجرائمهم المرتكبة في حق السوريين. والجدير بالذكر أن الخبراء الفرنسيين قد استفادوا من المعلومات المقدمة من قبل هؤلاء العلماء المنشقين، حيث ساعدت شهاداتهم خلال التحقيق في إيجاد أثار غاز السارين على ضحايا قصف بلدة خان شيخون في إقليم إدلب، تحديدا أين توفي 88 شخص، بينهم 31 طفل، جراء استعمال طيران النظام السوري للسلاح الكيماوي يوم 4 نيسان/ أبريل من سنة 2017.
ذكر الباحثون أن آل الأسد قد بدؤوا في تصنيع السلاح الكيماوي منذ 30 سنة تقريبا. كما أشاروا إلى أن المواد التي استخدمت في تصنيع هذا السلاح تعد “كلاسيكية” مع تعديلها لتتكيف مع بعض التوليفات المحلية. ونتج عن هذه التعديلات الوصول إلى تركيبة تفضي إلى تصنيع منتجين لنشر الغاز السام في الجو.
لماذا بدأ يعد منذ سنة 2009 إستراتجية تقتضي باستعمال السلاح الكيماوي ضد شعبه ومعارضيه، في الوقت الذي منح والده، حافظ الأسد، هذا السلاح لسوريا بهدف تذليل الفارق في القدرات العسكرية مع الجارة النووية “إسرائيل”؟
وبالنظر في تركيبة السلاح الكيمياوي، تبين أن المادة الأولى تتمثل في مادة “ميثيل فوسفونات”، وهي تركيبة ثانوية في مجمل تركيبة الغاز السام. أما المادة الثانية، فتتمثل في مادة “هكسامين”، التي استعملها الكيميائيون السوريين بهدف تيسير تدفق التركيبة ككل. وأضيف هاذين المركبين إلى تركيبة تصنيع ما يعرف بغاز السارين “على الطريقة السورية”. وتجدر الإشارة إلى أن هذه المواد المستخدمة يسهل الكشف عنها في المخابر، حيث تستقر المادتين، المذكورتين في صنع غاز السارين، بشكل دائم في التربة، وبقايا الذخيرة، والدم، وفي وبول وثياب الضحية.
وبالعودة إلى تحقيقات مجزرة بلدة خان شيخون، وقع جمع أدلة لا غبار عليها تدين بشار الأسد ونظامه. وعلى ضوء هذه التحقيقات المكثفة، تحصل الباحثون والمنقذون والأطباء على أدلة من عين المكان، ثم وقع تحويل العينات إلى خبراء تابعيين لجهاز المخابرات الفرنسية بهدف تحليلها مستندين على توضيحات باحثين سوريين منشقين عن النظام. وبعد ثلاثة أسابيع، اتهم جان مارك أيرو رسميا، وهو وزير الشؤون الخارجية في حكومة فرانسوا هولاند، النظام السوري “بقصف المدنيين في خان شيخون بالسلاح الكيماوي وغاز السارين”.
ولسائل أن يسأل، ما الذي غير بشار الأسد، من الشخص الذي كان يحاول منذ خلافة والده سنة 2000 أن يعكس صورة الرئيس “العصري” والمتقبل لفكرة الانفتاح السياسي؟ إلى درجة أن ساركوزي استدعاه في موكب 14 تموز/ يوليو سنة 2008. لماذا بدأ يعد منذ سنة 2009 إستراتجية تقتضي باستعمال السلاح الكيماوي ضد شعبه ومعارضيه، في الوقت الذي منح والده، حافظ الأسد، هذا السلاح لسوريا بهدف تذليل الفارق في القدرات العسكرية مع الجارة النووية إسرائيل؟
تأثير احتجاجات الانتخابات الإيرانية سنة 2009، أو كما تسمى “بالثورة الخضراء”
ذكر أحد العلماء السوريين، من بين الذين تحدثت معهم الصحيفة، أن “بشار الأسد قد انتابه خوف شديد عشية احتجاجات الانتخابات الإيرانية سنة 2009. خوفا على نظامه، أعطى تعليمات بتعزيز سبعة قواعد جوية عسكرية بالأسلحة الكيميائية وبقنابل وذخائر مجهزة بغاز السارين. وقد استعد لذلك بعد أن اتخذت الاحتجاجات في إيران منعرجا أشبه بالثورة، حيث نزل الإيرانيون إلى الشوارع منددين بإعادة انتخاب أحمدي نجاد رئيسا لولاية ثانية… أما بالنسبة لبشار، فهو مستعد لقمع أي احتجاج ضده قبل أن يبدأ حتى لو كلفه ذلك استعمال السلاح الكيماوي”.
فضلا عن ذلك، أشار مهندس سوري آخر من بين ضيوف الصحيفة إلى أن “أكبر دليل على أن بشار قد انتابه رعب شديد من قيام احتجاجات ضده، يتمثل في توريده لقرابة 10 آلاف قنبلة غاز مسيل للدموع من إيران. كما طلب منها المساعدة في تركيز نظام مراقبة شامل ومتطور داخل أكثر المناطق حركية في دمشق.
مركز الدراسات والبحوث العلمية السوري هو عبارة عن مركب عسكري-علمي تأسس سنة 1970. وقد حظي هذا المركز بمكانة خاصة لم تحظ بها سائر المراكز العلمية الأخرى على غرار، مراكز البحوث الجامعية
وفي نفس الشأن، أضاف المهندس المنشق عن النظام السوري أن “هذا النظام يحتوي على كاميرات مراقبة عالية الجودة، حيث لا تقتصر مهمته على مراقبة الحركية في الشارع فحسب، بل بإمكانه التقاط صورة واضحة للأشخاص والتعرف على ملامح وجوههم. وقد أكد خبراء في ذلك الوقت، أن بشار الأسد يعمل على توفير نظام شبكة مراقبة وتجسس فريدة من نوعها بهدف السيطرة على الحشود. علاوة على ذلك، ركز الأسد نظام رقابة يشمل مراقبة شركة الاتصالات اللاسلكية”.
وفي شأن ذي صلة، يعد مركز الدراسات والبحوث العلمية السوري أحد المؤسسات “المدللة” من قبل بشار الأسد ووالده. وللتوضيح أكثر، فإن مركز الدراسات والبحوث العلمية السوري هو عبارة عن مركب عسكري-علمي تأسس سنة 1970. وقد حظي هذا المركز بمكانة خاصة لم تحظ بها سائر المراكز العلمية الأخرى على غرار، مراكز البحوث الجامعية. فضلا عن ذلك، يشرف قصر الرئاسة مباشرة على مركز الدراسات والبحوث العلمية، ولا يخضع لإشراف أية وزارة. لكن مكانة المركز المرموقة لدى النظام السوري ليست أمرا عرضيا، نظرا لأنه المركز الوحيد المختص في البحوث الخاصة بالتسليح في البلاد.
وفيما يخص آلية العمل في المركز، يمارس كل من الجيش وجهاز المخابرات السوري رقابة صارمة ويقظة خلال انتداب طاقم العمل داخل المركز وخارجه، كما أن موقعه يمتد على طول منطقة شبه عسكرية. وينقسم مركز الدراسات والبحوث العلمية السوري إلى خمسة أقسام وهم على التوالي: قسم رقم 1000، المختص في الإلكترونيات، قسم رقم 2000 المختص في الميكانيكا، قسم رقم 3000 المختص في الكيمياء، وقسم رقم 4000 المختص في الطيران، أما القسم الخامس فيتمثل في المعهد العالي للعلوم التطبيقية والتكنولوجيا المختص في الصناعات العسكرية.
بحسب العلماء المنشقين عن النظام، فإن قرابة 9000 عامل كانوا ينشطون في مركز الدراسات والبحوث العلمية السوري، حيث كان قرابة 5500 عامل منهم ينشطون في الأقسام المتعلقة بالطيران، والإلكترونيات، وتطوير صناعة الصواريخ والقنابل وذخيرة المدافع المضادة لدبابات
وفي سياق مغاير، وقع إخفاء انجاز المشروع السري، الذي أطلق عليه اسم “مشروع 99″، حيث عملت سوريا على تصنيع وإنتاج صواريخ سكود الخاصة بها مع توريد بعض مكونات تركيبه من كوريا الشمالية. ويذكر أن كل قسم من مركز الدراسات والبحوث العلمية لديه فروعه الخاصة المنتشرة في كامل أنحاء البلاد تقريبا، حيث تستقطب هذه الفروع عدة عمليات تجربة وتدريب.
وبحسب العلماء المنشقين عن النظام، فإن قرابة 9000 عامل كانوا ينشطون في مركز الدراسات والبحوث العلمية السوري، حيث كان قرابة 5500 عامل منهم ينشطون في الأقسام المتعلقة بالطيران، والإلكترونيات، وتطوير صناعة الصواريخ والقنابل وذخيرة المدافع المضادة لدبابات.
أما بالنسبة للقسمين 1000 و2000 فيتكفلان بتزويد باقي الأقسام بقطع الغيار الإلكترونية، بالإضافة إلى تصنيع أنظمة التوجيه ومنصات إطلاق الصواريخ المركزة فوق الشاحنات المصفحة. وفي السياق ذاته، كان قرابة 300 شخص يتظاهرون بالعمل في القسم 3000، وهو كما أشرنا القسم المختص في الكيمياء، حيث يتظاهر هؤلاء بالعمل بهدف التمويه وتغطية الفرعين الذين يمثلان قسم الكيمياء والمشغلين بين 3100 و3600 عامل.
في المقابل، يختص قسم عدد 3100 في مجال البحث والتطوير في علم الأحياء، ودراسة المواد السامة، والإنتاج الكيميائي، والدهانات للاستخدام العسكري. كما يختص نفس القسم في تركيب الأسلحة الكيميائية ومضاداتها على غرار، أجهزة كشف مناطق التلوث بالمواد الكيميائية وتطهيرها. ومن هنا، أكدت صحيفة “ميديابار” أنه من بين العلماء الذين استجوبتهم باحثون عملوا أو تقلدوا مسؤوليات هامة ضمن هذا القسم أو هذه الوحدة.
الاستعمال الأول في كفر تخاريم في شهر تشرين الأول/ أكتوبر من سنة 2012
كلف الفرع الآخر (3600) من قسم الكيمياء بإنتاج الأسلحة الكيميائية. ويمتلك هذا الفرع قواعد أخرى في الصحراء، تبعد حوالي 100 كلم عن دمشق، من بينها موقع الضمير التاريخي الذي دُمر جزئيا بعد الاتفاق الروسي الأميركي حول حظر استعمال الأسلحة الكيميائية سنة 2013 من قبل الأمم المتحدة. ويُدعا المدير الحالي لقسم 3000 – الذي تغيرت تسميته مؤخرا كي يحمل اسم قسم 5000 بهدف إعادة “خلط أوراق اللعبة”- زهير فضلون.
علاوة على ذلك، هاجمت الطائرات الإسرائيلية موقع آخر لقسم 3000 التابع لمركز الدراسات والبحوث العلمية والواقع في منطقة جمرايا، تحديدا فوق سفوح جبل قاسيون (شمال غرب دمشق)، أين يتم تجميع وتخزين الصواريخ. في الحقيقة، تكرر هذا الهجوم في مناسبتين، في شهر كانون الثاني/ يناير ثم في شهر أيار/ مايو من سنة 2013. ولتفسير هذه العمليات، زعم الجيش الإسرائيلي أنه استهدف هذه النقطة لتدمير مركبات كيميائية خطرة أو توشك أن تُنقل إلى حزب الله.
على ضوء هذه المسألة، صرح الرئيس السابق لفرع قسم 3000 بأن “مركز الدراسات والبحوث العلمية قد عمل على انتداب العديد من الإطارات، إثر تحصلنا على شهادة البكالوريوس، ويعود ذلك إلى ارتفاع درجاتنا في المواد العلمية. كما دُعينا أيضا إلى مواصلة دراساتنا في سوريا وفي خارجها، وحظينا بمنح دراسية قدمها لنا المركز. ونظرا لمساهمة هذا المركز في تحديث الوسائل العسكرية، صرنا من المدافعين عن الوطن، مثل الجنود تماما”.
وأضاف هذا المسؤول السابق “بالنسبة لي، تشكل المساهمة في تطوير المكاسب الإستراتيجية الوطنية المتمثلة في الأسلحة الكيميائية، طريقة لحماية أرضنا من أي خطر إسرائيلي أو هجوم معادي محتمل. وتجدر الإشارة إلى أن الشعور بهذا الخطر قد تنامى وانتشر في صفوف الكثير من أبناء وطني. كما ستدعم هذه الخطوة موازين قوى سوريا، الأمر الذي سيمكنها من التفاوض ندا لند مع إسرائيل لاستعادة منطقة الجولان.
“الشكوك والمشاكل بدأت بالبروز عندما تم تعييننا لتجهيز القواعد الجوية السبعة وأمرنا بتصميم ذخائر “غاز المنمنم”. لم تكن مسارات المطارات المختارة طويلة بما يكفي للسماح بإقلاع مقاتلات “سوخوي 22″ و”ميغ 23″ التابعة لطيراننا، لذلك لم تكن تخدم أي استعمال إستراتيجي للأسلحة الكيميائية”
وفي هذا السياق، أفاد نفس المصدر “أن الحرب لن تسمح لبلدنا بتحقيق هذا الهدف. أنا لست علويا، كما لا تربطني أي صلة بنظام عشيرة حافظ الأسد، لكنني اعتبر أن رئيس الدولة مناور جيد خاصة في علاقاته مع إسرائيل، بغض النظر عن توصله إلى اتفاق سلام معها أو لا. لهذا، لا يطرح العمل على إنتاج أسلحة كيميائية إستراتيجية، ذات إمكانات ردعية حقيقية، وطائرات وصواريخ قادرة على توزيع ذخائرنا الكيميائية أي مشكلة بالنسبة لي”.
وبخصوص المسألة نفسها، أورد المصدر نفسه أنه “الشكوك والمشاكل بدأت بالبروز عندما تم تعييننا لتجهيز القواعد الجوية السبعة وأمرنا بتصميم ذخائر “غاز المنمنم”. لم تكن مسارات المطارات المختارة طويلة بما يكفي للسماح بإقلاع مقاتلات “سوخوي 22″ و”ميغ 23″ التابعة لطيراننا، لذلك لم تكن تخدم أي استعمال إستراتيجي للأسلحة الكيميائية. بالإضافة إلى ذلك، لم تتسع إحدى القواعد إلا للمروحيات فقط. أما بالنسبة لقاعدة السويداء الواقعة في الجنوب، فإن قربها من الحدود مع إسرائيل جعلها عُرضة للتدمير التام باستعمال مدفع واحد، في حال مست مصالح الكيان”.
وفي هذا الصدد، استنتج هذا المسؤول السابق قائلا “يبدو أنه لا معنى لتزويد هذه القواعد بأنظمة لتخزين غاز السارين وبالمعدات اللازمة لشحن القنابل به. ولكن، السبب الوحيد الكامن وراء هذه التعليمات تمثل في تخطيط الحكومة لاستخدام هذا السلاح في الداخل السوري، لقمع ثورة محتملة. كنت قد أعربت، حينها، عن شكوكي إلى رئيسي في العمل. كما نبهت أيضا رئيس الاستخبارات، علي مملوك، من أننا تلقينا أوامر سخيفة، وغير منطقية. لكن في الحقيقة، كانت فكرة استخدام غاز السارين ضد المعارضة مقترحة من قبله”.
وفي تشرين الأول/ أكتوبر، اعتقد عمال مركز الدراسات والبحوث العلمية في كفر تخاريم، الذين أعربوا عن شكوكهم أو تحفظاتهم أو ترددهم إزاء هذه الأوامر وأشاروا إلى أنه من المتوقع أن يقع تسريحهم من وظائفهم على خلفية ذلك، وسيرفق ذلك بفضيحة دولية ستهز أرجاء العالم قريبا، وبأن النظام سيضطر، على الأقل، لشرح ذلك وربما التخلي عن هذه الإستراتيجية.
إلا أن كل هذه التوقعات كانت خاطئة، ذلك أن حجم الهجمات كان محدودا، كما أن أغلب ضحايا أولى استعمالات السلاح الكيميائي كانوا من مقاتلي المعارضة المسلحة. في الواقع، لم تحظ هذه الواقعة بالتغطية الإعلامية اللازمة. والأسوأ من ذلك أن تداعياتها الدبلوماسية كانت مدعاة للسخرية.
تم اختطاف بشار هاموي، أحد المسؤولين عن برنامج التسليح الكيميائي، من قبل أجهزة الاستخبارات من أمام مكتبه في مركز الدراسات والبحوث العلمية. وصرح أحد زملائه السابقين بأنه “منذ ذلك الحين، لم يردنا أي خبر بخصوص حياته أو وفاته”
ونتيجة لكل هذا، أدرك بشار الأسد أنه قادر، باللجوء إلى بعض الاحتياطات، التي شجعه مرور الزمن والإفلات من العقاب على التخلي عنها، على مواصلة مهاجمة خصومه بالغاز السام. لكن الأشخاص الذين أنتجوا الأسلحة، ثم عبروا عن رفضهم لما أقدم عليه الأسد وشهدوا على ارتكابه لجرائم ضد الإنسانية، مع سابق الإصرار والترصد، صاروا يعانون من الألم والإرهاق المستمرين بالتزامن مع استمرار نزيف الجرح السوري.
وفي ذلك الوقت بالذات، وتحديدا في شهر أيلول/سبتمبر من سنة 2012، تم اختطاف بشار هاموي، أحد المسؤولين عن برنامج التسليح الكيميائي، من قبل أجهزة الاستخبارات من أمام مكتبه في مركز الدراسات والبحوث العلمية. وصرح أحد زملائه السابقين بأنه “منذ ذلك الحين، لم يردنا أي خبر بخصوص حياته أو وفاته. لكن تواصل إنتاج الأسلحة المنمنمة، الذي كان يُشرفه عليه، وتواصل استعمالها هذه المعدات العسكرية في مرات عديدة بعد حادثة اختفائه المريبة. لا نستبعد فرضية أن يكون مخطوفا إلى يومنا هذا ومجبرا على مواصلة عمله في السر، مقابل سلامة عائلته الرهينة”.
غازات قتالية من المتوقع أن تكون قد استخدمت أكثر من 130 مرة
اكتشف أحد إطارات قسم 3000، الذي تم إعفاؤه من مهامه بعد مخالفته لتعليمات النظام، ظهور اسمه في إحدى المنتديات المنددة بمصنعي الغاز القتالي والمطالبة بقتلهم. وفي هذا السياق، أورد هذا الإطار أنه “بدلا من أن يقدم النظام على تصفيتي بطريقة مباشرة، كشف عن هويتي للرأي العام على أمل أن تقوم المعارضة بالقضاء علي. وفي أعقاب ذلك، أدركت أنه علي مغادرة البلاد مع عائلتي. ومن حسن الحظ أن لدي أصدقاء من المعارضة وأقارب في الخليج وأوروبا… لقد سافرت”.
وعلى الرغم من بعض الانشقاقات، إلا أن قسم الأسلحة الكيميائية، التابع لمركز الدراسات والبحوث العلمية، الذي لا يعتمد على الجيش بل على فرع الطيران في المخابرات، واصل العمل على تطويع السارين ليُستخدم في الداخل السوري، وعلى تصميم الذخيرة المنمنمة القادرة على القيام بهذه المهمة، وتقديم ذلك لمصالح الطيران.
وإلى حدود سنة 2008، وقع تخزين سلائف للأسلحة الكيميائية في وحدتين للمخابرات الجوية: وحدة 417 وحدة 418. وإثر الجدل الذي أثارته قضية فساد مجموعة من الجنود عمدوا إلى الاستيلاء على جزء من الميزانية المخصصة لأمن المخزونات، عُزل الضابط غيث علي، وعدد آخر من زملائه.
وتجدر الإشارة إلى أنه تم ربط الوحدات بمركز الدراسات والبحوث الإستراتيجية بطريقة مباشرة، حيث أصبح فرع 450 مسؤولا عن تخزين المنتجات وتزويد فرعي 451 و452 بها. وهكذا، ظنت السلطة أنها ستنجح في التخفيض من نسب الفساد الذي تفشى في صفوف الجيش، على الرغم من أنه لم ينتشر بعد في المركز. وفي هذا الإطار، تعززت المراقبة المفروضة على المعهد المسؤول عن الأسلحة الكيميائية وزادت سرية استخدام الغازات القاتلة في الداخل السوري.
ومع حلول شهر تموز/ يوليو سنة 2011، وفي الوقت الذي أعلن فيه الجيش السوري الحر عن تكونه، بدأ فرع 450 بملء خزانات عدد من القواعد الجوية بالغازات القاتلة. وتلقت وحدات مروحية أولى القنابل اليدوية المشحونة بالسارين. أما في تشرين الأول/ أكتوبر من سنة 2012، ومع استمرار “عسكرة” الانتفاضة، تم الاشتباه باستخدام الجيش السوري لغاز السارين في كل من كفر تخاريم وسلقين، التي تبعد حوالي 60 كيلومترا عن غرب حلب، ثم في حرستا قرب دمشق في تشرين الثاني/ نوفمبر، وصولا إلى حمص في شهر كانون الأول/ديسمبر.
العشرات من هذه العمليات كانت قد سبقت الاتفاق الروسي الأمريكي بخصوص تدمير الأسلحة الكيميائية السورية في أيلول/ سبتمبر 2013. كما سبقت أيضا انضمام سوريا، في الشهر ذاته، إلى الاتفاقية الدولية لحظر الأسلحة الكيميائية
وفقا لإحصاء “مزاعم استخدام الأسلحة الكيميائية” الذي أجرته شعبة الاستخبارات العسكرية في سوريا، والذي عمل “التقييم الوطني” الصادر عن وزارة الخارجية الفرنسية في شهر نيسان/ أبريل المنقضي على التدقيق في معطياته، استُخدمت الغازات السامة حوالي مائة وثلاثين مرة في سوريا، في الفترة الممتدة بين تشرين الأول/ أكتوبر من عام 2012 ونيسان/ أبريل من العام الجاري، ضد المناطق التي تسيطر عليها المعارضة. استهدفت هذه الهجومات المواقع التي يسيطر عليها المقاتلون أو أهداف مدنية على حد السواء.
والجدير بالذكر أن العشرات من هذه العمليات كانت قد سبقت الاتفاق الروسي الأمريكي بخصوص تدمير الأسلحة الكيميائية السورية في أيلول/ سبتمبر 2013. كما سبقت أيضا انضمام سوريا، في الشهر ذاته، إلى الاتفاقية الدولية لحظر الأسلحة الكيميائية. أما بقية الهجمات فقد تلت هذه الوقائع، الأمر الذي يؤكد الخرق الواضح للقوانين الدولية، بل وسخرية نظام دمشق المطلقة منها. وهو احتقار وسخرية يعززهما خمول المجتمع الدولي من ناحية والدعم العسكري والدبلوماسي الحاسم الذي يُقدمه الحليف الروسي.
ووفقا للوثيقة التي أدلت بها شعبة الاستخبارات العسكرية، فإن الأجهزة الفرنسية لم تتمكن من إثبات ثلاثة أرباع شكوك استخدام الأسلحة الكيميائية من قبل النظام السوري. فقد دارت هذه “المزاعم” حول “فرضيات قوية حول استخدام السارين” و”الكلور” في هجمات مختلفة. أما في حلب وجوبر وسراقب، في نيسان/ أبريل 2013، ثم في دمشق في شهر آب/ أغسطس من العام ذاته، وصولا إلى الهجوم على محافظة خان شيخون الذي جد بتاريخ 4 نيسان/ أبريل من هذا العام، فقد نجحت هذه الدولة الأوروبية في الوصول إلى أدلة “استخدام غاز السارين”.
أثناء إحدى الهجومات التي أثبتت فيها الأجهزة الفرنسية استخدام هذا الغاز القاتل، ألقت طائرة هليكوبتر تابعة للجيش السوري ثلاث قنابل من نفس النوع على الأحياء الواقعة شرق مدينة سراقب. فانفجرت القنبلة الأولى دون أن تسبب أي إصابات، أما الثانية فقد قتلت شخصا، وجرحت عشرين آخرين. ولم تنفجر القنبلة الثالثة التي تمكنت الأجهزة الفرنسية من الوصول إليها.
انتهك النظام “الخط الأحمر” الذي نص عليه أوباما في شهر آب/ أغسطس سنة 2012 تماما، دون أن يُثير ذلك ردود فعل حازمة. والدليل على ذلك، أنه بعد بضعة أشهر، وتحديدا بتاريخ 21 آب/ أغسطس من سنة 2013، وقعت مجزرة الغوطة، التي خلفت حوالي 1400 قتيلا و5000 جريح
وبعد نقلها إلى الخبراء، أظهرت نتائج تحليل القنبلة أنها تتضمن “خليطا صلبا وسائلا من 100 مليلتر من السارين، يُقدر معدل نقائه بستين بالمائة تقريبا. كما تم اكتشاف تواجد مادة الهيكسامين، ودي آف ومنتج ثانوي، وغازات أخرى فيها، حسب الكيميائيين الفرنسيين. ويدين استخدام طائرة هليكوبتر، ونوع الذخيرة، وتحليل المركبات الكيميائية المتواجدة في القنبلة، النظام السوري بصورة واضحة.
في الواقع، انتهك النظام “الخط الأحمر” الذي نص عليه أوباما في شهر آب/ أغسطس سنة 2012 تماما، دون أن يُثير ذلك ردود فعل حازمة. والدليل على ذلك، أنه بعد بضعة أشهر، وتحديدا بتاريخ 21 آب/ أغسطس من سنة 2013، وقعت مجزرة الغوطة، التي خلفت حوالي 1400 قتيلا و5000 جريحا.
المصدر: صحيفة ميديابار