بداية فلتعذرني كيم كاردشيان على تطفلي، و ليعذرني القارئ إن صح التعبير على وقاحتي، ولكنه غيظ أثقل كاهلي و أحتاج لنضحه. بعد أن بكت و تباكت المرأة لعقود على وضعها، فتحت لها الدنيا ذراعيها مرحبة، فلم تعرف ما العمل فبدأت تتخبط في عقر مرارة الواقع الذكوري البحت و التقاليد و العادات المحافظة التي تختفي تحت ابتسامات تشجيعية واهية . فوقفت حائرة لا تعرف ماذا تفعل بالباب المفتوح أمامها، و الذراع المرحبة تارة و الباطشة تارة أخرى. لها الحق إذاً في هذه الحيرة التي تُنْتقد عليها ” هذه هي حريتك، أريدني ما الذي ستفعلينه ؟”.
بداية المرأة العربية وجدت نفسها على مقاعد الدراسة تلبية لسوق الزواج، لأن الرجل بات يريد أن يتباهى بثقافة زوجته بالإضافة إلى جمالها. أيضاً لتحمل بعض أعباء المنزل و تساعده في الدخل، فالحكومات العربية لا تكف عن صفع المواطن العربي على وجهه فتثقب جيبه، و كلما أراد أن يعترض أتته صفعة أخرى دشنت ثقباً آخر. عندما فتحت عينيها وجدت أمها تحثها على الخروج من الجامعة و في يدها رجل يزفها في حياته، لكن دون أن تخالط الرجال و تعبث “بشرف” العائلة ! لا أدري كيف من الممكن أن يحدث ذلك منطقياً. و لكن المرأة التي أقنعوها منذ نعومة أظافرها أن البيت و السلام لها، و المعترك الخارجي للرجل لأن راحتها “تهمهم”، أقنعوها أن التاريخ لا يسجل في سطوره إلا الرجال! لقد كانت هذه حقيقاً نعيشها عربياً، بالعودة إلى تاريخنا العربي النساء لا يشكل أكثر من 5% في كافة المجالات. هنا وجدت المرة نفسها تائهة، فأكاديمياً يحثها الجميع على التقدم في تحصيلها لأن معدلها مرتفع ثم تتهم بأنها اكتسحت سوق العمل و كانت سبب بطالة الرجال. أما في محيط العائلة تطاردها عيون الأقارب، لتربط عريس الغفلة من عنقه و تجره إليها جراً، فتعيش حائرة و متخبطة دون وعي. كعادة الإنسان العربي الذي تفرض عليه سايكالوجياه عدم النقد و الإكتفاء بالتلقين، لا تفكر المرأة و تبقى عاجزة عن التفكير لأن التكفير هو مصيرها في نهاية المطاف.
بالعودة إلى كيم كاردشيان صاحبة أجمل مؤخرة و التي قامت بتأمينها ب5 ملايين دولار، نجد أن بنات “زماننا المهمش” تهافتن للحصول على قوام يشبه قوامها، و التبرج على النحو الذي يظهر وجهها متألقاً. فتجد أنهن قد أنفقن ما يعادل الـ100 مليون دولار على مستحضرات التجميل سنوياً و لا يكتفين، بينما يعجزن عن شراء مقدمة ابن خلدون بـ5 دولارات يبقى إلى الأبد ! بالخروج من المتاهة الإقتصادية و الإنفاق و بالعودة إلى الفكر. المرأة العربية تتخبط و تتدحرج ضائعةً ً بين سؤالين لا تجد الجرأة في طرحهما، الأول هو “هل أهتم بجمالي؟” و الثاني “هل أهتم بثقافتي؟”. السؤال الأول في منتهى الذكاء و السؤال الثاني في منتهى الغباء. و السبب واضح جداً، إن الإهتمام بالثقافة يبرز الأنثى و يزيدها بهاءً، و جمالها الخارجي من السهل أن تعتني به، كأن تقضي ست ساعات متواصلة في مركز التجميل، فتنافس بجمالها كيم كاردشيان، بينما كتلة الصدأ التي يحملنها أغلبهم فوق الأعناق المترنحة لا تتفتح في يوم و ليلة. و لكن عدم الجرأة على طرح هذين السؤالين أدى إلى أن تتفلت الأمور من بين يد الحسناوات، فلا هي اهتمت بصورتها و لا عملت على بلورة مضمونها و بقيت على التلفاز طول اليوم تبكي في حضرة المسلسلات التركية، و تتراقص على نغمات بوليوود.
ما أقبح الصدف عندما تجلسك مع بشر يحركون فيك القاتل و المجرم. كنت جالسة مع مجموعة من الشابات و كن يتحدثن عن كيم كاردشيان و عن مقاس قدمها، و التعجب و المناقشة التي امتدت إلى ما يقارب الساعة خرجن منها بأهم إكتشاف وصلت إليه الإنسانية ألا و هو أن سبب حصول كيم على لقبها أن مقاس قدمها 38 و هذا يساعدها في الحصول على أي حذاء ترغب فيه، و الكعب العالي يساعد على إبراز المؤخرة فبذلك فازت و حققت إنجازاً تاريخياً عظيماً، و دخلت التاريخ من أوسع أبوابه. و إلى الآن أحاول أن أفهم هذا الرابط العجيب الذي بدا أن الجميع موافق عليه و راض. و بما أنني شخص كثير الإنتقاد و التعليق إلا أنني استغربت من لساني الذي تحجر أمام الحقائق، و ابتسمت فقط أواري حيائي من هذه العقول.
سبب المقارنة الفعلية بين مؤخرة كيم و مقدمة ابن خلدون، أن معظم الإناث حالياً يعرفن من هو خطيب و حبيب كيم كاردشيان و لا يعرفن ما هو اسم ابن خلدون الأول و حتى ما هي مقدمة ابن خلدون و عن ماذا تتحدث. يدرسن و بجد ملامح و تقسيمات جسد كيم و لا يعرفن ما المحتوى الذي بنيت على أساسه مقدمة ابن خلدون. و لما العجب، فالفجوة الفكرية نحن من صنعها و نحن الذين نأبى أن نطمرها إلا بالسخام. و بالحديث عن السخام الذي يأكل العقل العربي، فإن التغير يبدأ من أن تعرف المرأة عن قضاياها و تقرأ عن الحقوق التي لها و عليها. و عليها أيضاً أن لا تقرأ هذه الحقوق و تمر عليها مرور الكرام بل أن تنقدها و تفكر في كل الإحتمالات المترتبة عليها، فليست كل من صرخة في حق للمرأة كانت على صواب. الزوج يأتي، الجمال يأتي و لكن العقل لن يأتي من تلقاء نفسه و لا تخطه الأقدار على صفحات البشر.
جمال الأنثى أولوية و عقلها أيضاً، و لكن أن تكتفي بجمالها و تأخذ في تجميل نفسها وقتاً على حساب عقلها، فهذه كارثة عظيمة بأثر سلبي عميق. إن تياراً وقوراً يمر الآن على كثير من المبدعات الشابات، ولكن جمالهن التعبيري و الأدبي لا يتعدى قصص الحب المبتذلة معروفة البداية و معلوكة الحبكة و النهاية، تثير في النفس ضيقاً و حسرة هذه الأقلام التي تنزف هباءً. أين اللواتي يكتبن عن التاريخ، المقاومة، الأرض، العرق، السياسة و الأديلوجيات. لماذا تحصر المبدعة في الأدب شعراً كان أو قصة نفسها في جغرافيا الجسد و المشاعر التي تعاد و لا تنتهي على التلفاز و في المجلات. نحتاج إلى مبدعات أمثال سلمى الخضراء الجيوسي، رضوى عاشور و فدوى طوقان و غيرهن الكثير من الأسماء المجهولة اللواتي مزجن بأسلوب متفرد الحب مع الوطن و القضايا الساخنة مع السخرية اللاذعة. نحتاج لثورة فكرية، تبنى على أرضية متينة و مساحة واسعة من الحرية التي تعطى عن وعي و دراية. فمن السهل تعرية الجسد و تجريده من الملابس و الخروج إلى الشارع، و لكن من الصعب تجريد و تعرية العقل من الغبار و السخام الذي علق و تكاثر عليه.