ترجمة وتحرير: نون بوست
يوافق هذا التاريخ، ذكرى اليوم الذي صدر فيه حكم في حقي بالسجن لمدة خمس سنوات. كانت “جريمتي” “العمل لصالح منظمة دولية تدعم حقوق الإنسان والديمقراطية”. في الواقع، لقد مرت خمس سنوات منذ أن حملت حقيبة صغيرة وغادرت بلدي، على أمل أنني سأعود إليها في غضون بضعة أسابيع.
مرت خمس سنوات تقريبا، أي ما يعادل مدة عقوبتي، منذ أن قررت أن أعيش في المنفى في الولايات المتحدة. وكنت أهدف إلى مواصلة عملي هناك للدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان. لا أستطيع العودة إلى منزلي الذي أشتاق إليه كثيرا، علما وأن مصر لم تعد المكان نفسه الذي تركته. في الوقت الراهن، وفي ظل نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي المتعسف، يواجه المواطنون مستويات غير مسبوقة من القمع والتدهور الاقتصادي.
أتمنى لو كنت أكتب هذا في ذكرى حدث مختلف، ولكن الأمر ليس بذكرى حقيقية. ولئن كنت محظوظة أنني لم أمض السنوات الخمس الماضية في زنزانة في السجن، إلا أنني اضطررت إلى العيش في المنفى. ويعد ذلك في حد ذاته صراعا من نوع آخر.
في الحقيقة، لقد تركت عائلتي وعالمي بأسره عندما جئت إلى واشنطن. وحين توفيت والدتي، التي أصيبت بعد فترة وجيزة من مغادرتي بسكتة دماغية، الصيف الماضي لم أتمكن من رؤيتها أو حتى حضور جنازتها لأُودعها للمرة الأخيرة. لقد اضطررت للانفصال عن طفلاي التوأم اللذان يبلغان من العمر سبع سنوات، فضلا عن أنني حرمت من مشاهدتهم وهم يكبرون، بيد أن عزائي الوحيد هو أنهم في وطنهم وبين أهلهم.
حتى المنفى لا يعد ملاذا آمنا للمعارضة. فلا تزال السلطات المصرية تهددنا وتثير الرعب في نفوس أسرنا. في الواقع، لقد تم إعادة النظر في قضيتي، التي أسفرت أيضا عن إدانة 42 ناشطا آخر، السنة الفارطة
خلافا لذلك، وحتى المنفى لا يعد ملاذا آمنا للمعارضة. فلا تزال السلطات المصرية تهددنا وتثير الرعب في نفوس أسرنا. في الواقع، لقد تم إعادة النظر في قضيتي، التي أسفرت أيضا عن إدانة 42 ناشطا آخر، السنة الماضية. وترتكز القضية هذه المرة على مسألة المدافعين البارزين عن حقوق الإنسان والمجموعات التي لا تحظى بالاهتمام الدولي الذي، لحسن حظنا، نتمتع به.
في الشهر الماضي كنت مشاركة في ورشة عمل حول حقوق الإنسان في روما. وفي الأثناء، رأيت رجلا يلتقط صورة لي أمام الفندق الذي أنزل به وعندما اتجهت صوبه دفعني وفرّ هاربا. وبعد ساعات، تداولت وسائل الإعلام المصرية التابعة للدولة منشورات لصور المشاركين الآخرين في ورشة العمل، مما أدى إلى التشهير بنا. فقد ادعت السلطات المصرية أننا كنا نتآمر ضد مصر في اجتماع سري. في الوقت ذاته، تم استدعاء خالد علي، المرشح الرئاسي السابق الذي شارك في ورشة العمل، للاستجواب بينما كنا في روما. وعندما عاد إلى مصر، احتجز علي لمدة يوم إثر تلفيق إحدى التهم له. وينتظر علي الآن جلسة المحاكمة التي ستعقد في 3 من يوليو / تموز.
وفي برنامج تلفزي عرض مؤخرا، ذهب مصطفى بكري، عضو البرلمان، إلى ما هو أبعد من السؤال عن سبب السماح لنا بالعيش في الخارج. فقد تجرأ أن يقول إننا يجب أن نعود إلى منازلنا “في تابوت”. في الواقع، حُرم الصحفيون والناشطون والباحثون المصريون جميعا من حق الخضوع لمحاكمات عادلة، حيث زج ببعضهم في السجن في حين تم ملاحقة البعض الآخر قضائيا.
تزعم الحكومة أن هذه الحملة تعد جزء من الحرب على الإرهاب فضلا عن أنها تندرج ضمن جهودها الرامية لاستعادة الاستقرار والازدهار الاقتصادي
في الآونة الأخيرة، أغلقت السلطات المصرية أكثر من 21 منصة إعلامية في مصر، بما في ذلك “مدى مصر”، وهو أكبر مصدر إخباري محترف مستقل في البلاد. بالإضافة إلى ذلك، أصدرت السلطات قانونا صارما بشأن المنظمات غير الحكومية يجرم مجموعة واسعة من أعمال المجتمع المدني. وستؤدي هذه الإجراءات حتما إلى السيناريو الذي نحاول تجنبه جميعا ألا وهو إغلاق كل منفذ سلمي للتعبير عن المظالم التي يشكو منها المواطنون ومنع كل السبل المتاحة للتعامل مع الحكومة بشكل فعال.
في المقابل، تزعم الحكومة أن هذه الحملة تعد جزء من الحرب على الإرهاب فضلا عن أنها تندرج ضمن جهودها الرامية لاستعادة الاستقرار والازدهار الاقتصادي. والواقع هو أن هذه التحركات ليست سوى محاولة يائسة منها لدرء التراجع الاقتصادي السريع الذي تشهده البلاد، فضلا عن أنها تسعى للتغطية على طريقة حكمها المستبد وتدهور الأمن.
ووفقا لتقرير صدر مؤخرا، تم الإبلاغ عن ما لا يقل عن 795 حادثا إرهابيا في مصر سنة 2016، كما ظهرت ثلاث مجموعات إرهابية جديدة في العام الماضي. فضلا عن ذلك، لا تزال المنظمات التابعة لتنظيم الدولة في مصر نشطة. وقد أدى الهجوم الأخير الذي شنه تنظيم الدولة على المسيحيين الأقباط في الشهر الماضي، إلى ارتفاع العدد الإجمالي لضحايا العنف الطائفي في سنة 2017 إلى حوالي 90 شخصا.
من جانب آخر، يشهد الاقتصاد المصري تراجعا لا نظير له، حيث ارتفعت الأسعار خلال سنة 2016 بنسق سريع للغاية، في حين وصل معدل التضخم إلى 24 بالمائة بحلول نهاية السنة. ونتيجة لذلك، ترى العديد من المصريين من الطبقة الوسطى يكافحون للحفاظ على مستوى معيشتهم، أما الأقل دخلا، فهم بالكاد يستطيعون تغطية نفقاتهم.
ينبغي أن نواصل توثيق الانتهاكات التي ترتكب في حق المدنيين، للضغط على الجهات المعنية من أجل إخضاع كل الأطراف المتورطة للمساءلة
حقيقة، لا أحد منا يرغب أن يرى مصر تعيش حالة من الفوضى، ولكننا نرفض أيضا أن نشاهد استمرار تدهور الوضع في ظل النظام الحالي، دون فعل أي شيء. وفي الأثناء، لا ينبغي للمصريين ولا للمجتمع الدولي أن يتبعوا خطى التيار الحالي الذي يبرر جميع أشكال الفشل والقمع الذي يسلطه النظام باسم مكافحة الإرهاب.
من خلال التحاليل المعمقة للأوضاع في البلاد، يتجلى أن تحركات وقرارات الحكومة ليست إلا سياسة فاشلة لنظام ليس لديه ما يقدمه. وبالتالي، ينبغي أن نواصل توثيق الانتهاكات التي ترتكب في حق المدنيين، للضغط على الجهات المعنية من أجل إخضاع كل الأطراف المتورطة للمساءلة. والأهم من كل ذلك، من الضروري أن نعمد إلى تثقيف أنفسنا بشأن السياسات البديلة وطرق الحكم الأفضل. في الحقيقة، المعارضة ليست غاية في حد ذاتها، بل يجب علينا أن نسعى جاهدين لإيجاد حلول للمشاكل القائمة.
قبل خمس سنوات، شعرت بالوحدة وأنني خُذلت. ولكن بينما أشاهد المزيد والمزيد من الأصدقاء والزملاء ينضمون إلي في المنفى، نظرا للاستبداد المتفشي في بلدنا، أصبح رد فعلي غريبا، حيث يمتزج الشعور بالسعادة مع مشاعر المرارة. في الواقع، كنت أشعر بالسعادة لأنني التقيت بوجوه مألوفة افتقدتهم لفترة طويلة، من بينهم نشطاء وعلماء وفنانين نتقاسم معا الأهداف والأحلام نفسها، ألا وهي مستقبل أفضل لمصر. وعلى الرغم من أنني أحس بالارتياح لرؤيتهم في مأمن، إلا أنه يساورني خوف شديد بشأن مصير الأشخاص الذين ظلوا محاصرين هناك في انتظار مصيرهم المجهول، علما وأن أغلب التطورات الأخيرة في مصر تدل علىأنه سيكون كارثيا.
نحن لم نستسلم ولم نيأس في عهد مبارك عندما كان العالم بأسره يدعم نظامه القمعي، ولن نفعل ذلك في ظل النظام الحالي. أملنا الوحيد أن لا يتخلى العالم عنا أيضا.
على مدى السنوات الخمس الماضية، تنامى داخلي شعور بأن المنفى أمسى وجهتي النهائية بدلا من محطة مؤقتة في طريق العودة إلى الوطن. لذلك، ليس لدينا خيار سوى العمل من أجل بناء وطن أفضل. نحن لم نستسلم ولم نيأس في عهد مبارك عندما كان العالم بأسره يدعم نظامه القمعي، ولن نفعل ذلك في ظل النظام الحالي. أملنا الوحيد أن لا يتخلى العالم عنا أيضا.
المصدر: واشنطن بوست