طيلة الأسابيع الماضية، ظل الاحتلال الإسرائيلي وأبواقه يردد مزاعم تعرض الأسرى لدى المقاومة في غزة للتعذيب والاضطهاد النفسي والبدني، وأنفق ملايين الدولارات للترويج لهذه الفكرة بين قادة الدول والشعوب، حتى يبرر عدوانه الهمجي على القطاع.
ادعت حكومة الاحتلال أيضًا توغلها بريًا لمسافات كبيرة في عمق غزة، وسيطرتها على كل المفاصل والطرقات الحيوية في القطاع، وأنها أنهكت المقاومة وتكاد تقضي عليها، لمغازلة الرأي العام الداخلي الساخط عليها.
راهن الاحتلال على تفوقه الإعلامي للترويج لادعاءاته طيلة الفترة الماضية التي أعقبت عملية “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، كما فعل بحروب سابقة في فلسطين ولبنان، لكن معطيات عديدة تغيرت، فالمقاومة تطورت عسكريًا وإعلاميًا أيضًا.
من خلال فيديوهات قصيرة لا تتعدى مدة الواحد منها في الغالب الدقيقتين، نجحت المقاومة الفلسطينية في نسف ادعاءات الاحتلال الإسرائيلي فيما يخص معاملة المقاومة للأسرى، وكذلك سيطرة الاحتلال على الأرض، وهو ما سنستعرض تفاصيله في هذا التقرير.
قوة حماس
ادعى الاحتلال الإسرائيلي إنهاك المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حماس وجناحها العسكري كتائب القسام، إلا أن الواقع عكس ذلك، فالهدنة التي تم التوصل إليها تعد انتصارًا للمقاومة، ذلك أن الفلسطينيين أجبروا الاحتلال على الموافقة على شروطهم صاغرًا.
إتمام المقاومة لعمليات تسليم الأسرى الإسرائيليين والأجانب بطريقة احترافية، وفق المتفق عليه، زمانًا وتفاصيل لوجستية، دون أي خلل، يؤكد أن المقاومة ما زالت قوية والمتحكم في سير الأمور في قطاع غزة.
ادعى الإسرائيليون قرب القضاء على حماس، لكن كلامهم مجانب للحقيقة كالعادة
وفي الوقت الذي يروج فيه الاحتلال لتقدمه ميدانيًا ويصرف ملايين الدولارات لترويج هذه الأكاذيب، نشرت حماس فيديو قصيرًا يظهر عناصر من “كتائب عز الدين القسام” وسط مدينة غزة، في استعراض للقوة رافق تسليم الدفعة الثالثة من المحتجزين المفرج عنهم ضمن بنود اتفاق الهدنة السارية في غزة.
يبين هذا الفيديو تسليم القسام 13 محتجزًا إسرائيليًا و3 محتجزين تايلنديين وروسيًّا للجنة الدولية للصليب الأحمر في ميدان فلسطين وسط مدينة غزة، المعروف محليًا بـ”الساحة”، وسط حضور عشرات الفلسطينيين المدنيين وعناصر ملثمة من كتائب القسام.
وتعد المنطقة التي تم فيها تسليم المحتجزين منطقة قتال في شمال وادي غزة، وفقًا لبيانات سابقة للجيش الإسرائيلي، وسبق أن قال الجيش إنه توغل فيها، لكن هذا الفيديو يبين أن المقاومة تتحرك هناك بأريحية تامة وسط دعم جماهيري كبير.
راهن الجيش الإسرائيلي طيلة 50 يومًا مضت من القصف العشوائي لقطاع غزة، على إضعاف الحاضنة الشعبية للمقاومة، وحشرها في الزاوية، لكنه عجز عن ذلك، فحاضنة المقاومة اليوم أكبر وأشد قوة من أي وقت مضى.
عزز فيديو القسام الأخير وسط غزة خسارة الكيان الإسرائيلي للرأي العام، وأكد أن المقاومة تبسط قوتها ميدانيًا وأنها المتحكم على الأرض، عكس ادعاءات كيان الاحتلال، ما يجعل حكومة نتنياهو في ورطة أكبر.
نجحت المقاومة بهذه التقنيات البسيطة في نسف فكرة الجيش الذي لا يُقهر، فطيلة أيام العدوان، كان الإسرائيليون يرددون الأكاذيب ويزعمون التقدم على الأرض، لكن هذه الهدنة فضحت كذبهم وعرت فشلهم أمام الرأي العام العالمي.
لم يشاهد العالم نموذجا لأخلاق الإسلام في الحرب منذ مائة عام تقريبا
مشهد عظيم يقول أن المسلم يغير الظروف بالإسلام ولا تغيره ظروف الإجرام، وأن الإسلام يجعل من حق الإنسان دينا نتعبد الله بالحفاظ عليه
الغرب يخشى من هذه الصورة التي تكشف أكاذيبه عن الإسلام والمسلمين#تبادل_الأسرى#غزة pic.twitter.com/NrU1WyN2Qn— خالد وليد الجهني (@KhaledEljuhani) November 26, 2023
ادعى الإسرائيليون قرب القضاء على حماس، لكن كلامهم مجانب للحقيقة كالعادة، فمحمد الضيف والسنوار ممسكان بزمام الأمور، يحركان الأوراق بالطريقة التي تناسبهما وتخدم القضية الفلسطينية العادلة بعيدًا عن البروباغندا الإسرائيلية.
يبدو أن السيطرة على غزة والقضاء على المقاومة وعلى رأسها “حماس” وجناحها العسكري كتائب القسام، لم تكن إلا أحلام يستحيل تحققها على أرض الواقع، فالمقاومة مؤمنة بقضيتها العادلة، عكس مرتزقة الاحتلال القادمين كل حدبٍ وصوْب.
أثبتت “حماس” بعد أكثر من شهر ونصف من القتال المتواصل أنها ما زالت قوية وتسيطر على قطاع غزة، على عكس الادعاءات الإسرائيلية، وأثبتت أن سياسة الأرض المحروقة التي يتبعها الاحتلال الصهيوني لم تزدها إلا قوة.
“باي مايا”
هزائم الاحتلال الإسرائيلي لم تتوقف هنا، فالدعاية التي روجها بخصوص الأسرى لدى المقاومة سقطت في الماء أيضًا، فطيلة أسابيع مضت كان الاحتلال يدّعي بمعية حلفائه تعرض الأسرى للاضطهاد والتنكيل على يد المقاومة، لكن الفيديوهات الأخيرة للقسام أثبتت عكس ذلك.
تم منع الأسرى المفرج عنهم من التصريح لأي وسيلة إعلامية حتى لا يتكرر ما حصل من قبل، لكن الصورة أبلغ من الوصف، إذ نشرت المقاومة صورًا وفيديوهات توثق عملية الإفراج عن الأسرى وتسليمهم للصليب الأحمر.
Good Bye .. pic.twitter.com/h8BNWotdvc
— بلال نزار ريان (@BelalNezar) November 25, 2023
انتشرت هذه الصور والفيديوهات بسرعة في مواقع التواصل الاجتماعي وتم تناقلها بكثافة، ما مثل صدمة لحكومة نتنياهو، إذ وثقت هذه المشاهد المعاملة الحسنة من عناصر المقاومة للأسرى المحتجزين لديها، وتُظهر حالتهم الحسنة كأنهم لم يكونوا تحت القصف.
من الفيديوهات التي انتشرت بقوة، فيديو لأم وطفلتها وهما تودعان جنود المقاومة الفلسطينية بالابتسامات، فضلًا عن مقطع لشابة مصابة يودعها جندي المقاومة بقول: “باي مايا”، لترد عليه بنظرات حب “باي شكرًا”.
📍 ذكر موقع “والا” أن الأسـ.ـرى الإسـ.ـرائيليين المفرج عنهم عوملوا بطريقة إنسانية، ولم يتعرضوا لأي أذى خلال فترة الاحتجاز.
– ونقلًا عن أحد أقرباء الرهـ.ـائن، فإن الأسـ.ـرى كان بإمكانهم الوصول إلى الراديو والتلفزيون لمتابعة الأخبار وآخر المستجدات.
– كما قال المصدر إن الرهـ.ـائن… pic.twitter.com/oa6ACmAbaR
— نون بوست (@NoonPost) November 26, 2023
كما برز فيديو آخر لأحد عناصر المقاومة يحمل أسيرة كبيرة في السن، على ذراعيه ويضعها برفق في سيارة الإسعاف التابعة للصليب الأحمر، حتى لا يحمّلها عناء المشي على قدميها، ومشهد آخر لمقاوم يحمل طفلًا أيضًا.
أظهرت هذه المشاهد المتداولة أن عناصر المقاومة الفلسطينية كانوا أرحم بالأسرى الإسرائيليين والأجانب من الاحتلال الصهيوني نفسه، فهذا الاحتلال الذي يدّعي حمايتهم، وضعهم بعد الإفراج عنهم في أماكن منعزلة يصعب الوصول إليها، ومنع عنهم الحديث حتى لا يتم فضح أكاذيبه.
الاحتلال في موقف صعب
هذه المرة الأولى التي نرى فيها أسرى يعبرون عن ودّ آسريهم، وهو ما يحرج الكيان الإسرائيلي، الذي بنى حربه ضد غزة على شعارات تحرير الأسرى وإنهاء الاضطهاد الذي يتعرضون له على يد المقاومة الفلسطينية، وفق زعمهم.
طيلة سنوات مضت عمل الاحتلال الصهيوني على شيطنة المقاومة الفلسطينية وتشويهها، للحصول على الدعم الدولي وتبرير اعتداءاته الهمجية المتكررة ضد الفلسطينيين، لكن المقاومة أثبتت عبر فيديوهات قصيرة، علو كعبها وعدالة الإسلام ورحمة المسلمين.
ودعوا مقاتلي الـ.قـ.سام والابتسامة على وجوههم.. لقطات من تسليم الدفعة الثانية من الأسرى الإسرائيليين في قطاع غزة لطواقم الصليب الأحمر ضمن التهدئة الإنسانية وصفقة التبادل بين الـ.مقـ.اومة والاحتلال#تبادل_الأسرى #غزة_تنتصر pic.twitter.com/Im1AjUskaZ
— نون بوست (@NoonPost) November 26, 2023
سجلت المقاومة الفلسطينية مواقف كثيرة خلال عمليات تسليم الأسرى، وبعثت رسائل متعددة للإسرائيليين والمجتمع الدولي ككل، فهي عكس ما يروج له الاحتلال، لا تعتمد العنف ولا تتبناه إنما تدافع عن قضية عادلة.
وضع الأسرى الإسرائيليون الذين كانوا محتجزين في غزة من المقاومة الفلسطينية، حكومة الاحتلال الصهيوني في موقف لا تحسد عليه، إذ أثبتت المقاومة سيطرتها على ساحة المعركة وأكدت حسن تعاملها مع الأسرى، عكس ما تروج له آلة الدعاية الإسرائيلية.