أمَلّ المحللون والمتابعون لأوضاع المملكة تغيرًا في الدبلوماسية الخارجية بعد وفاة الملك عبد الله وخلافة الملك سلمان له، كانت أولى العلامات البرودة في التعامل مع نظام الانقلاب وعودة العلاقات الطبيعية مع حركة حماس بالزيارة التاريخية لقيادة المكتب السياسي للملك الجديد، تلى هذه الخطوات توجهًا صادقًا من الملك سلمان لتقوية الساحة السنية بتحالف صلب مع تركيا ظهرت لنا بشائره الأولى.
انتهت فترة أوباما وصعد الرجل الأبيض بمشروعه اليميني المتطرف القائم على النبؤات الإنجليكانية، لم تكن السعودية خارج حملة ترامب الدعائية لفوزه بالرئاسة الأمريكية، التصريحات الدعائية العدائية المذلة من طرف ترامب التي حملت في رحمها الإهانة الكامنة بوصفها بـ”البقرة الحلوب” لكن العبارة الراسخة التي جعلت السعودية المحتمية بسيدتها الولايات الأمريكية والمبتغية العزة فيها، هي التي قذفها ترامب في قلوب القيادة السعودية “الدولة الغنية التي لا تدفع ثمن حمايتها”، لقد هرولت السعودية تثبت عكس المقولات، فما لبثت أن استقبلت رجل البيت الأبيض الجديد وجهزت له الموائد السياسية الثلاثة كقرابين بين يدي سيد العالم الحليف ودفعت الثمن الباهظ معتقدة الحماية في كيان دولة ترامب.
لقد كانت القمم الثلاثة المركزية بين السيد والأتباع المتوددين نقلة جديدة بهدف رسم واقع جديد للمنطقة، لا سيما أن الزيارة الأولى لترامب كانت للمنطقة والأكثر ألمًا أنه مهد بها أو أخذ بها شيكًا على بياض لتطبيق مشروعه، وأكمل السفرية بزيارة المستفيد الأكبر من رحلة السياحة والسيادة والسيطرة.
كانت علامات التحول ظاهرة منذ الدقائق الأولى بالحرب الإعلامية المبيتة غداة فبركة تصريحات لأمير قطر تميم بن حمد بعد قرصنة مدروسة للوكالة القطرية “قنا” وخروج الآلة الإعلامية لقادة الحرب الإعلامية عن المهنية والاحترافية في التأكد من صحة الخبر حتى إنها ظلت تسوق البهتان رغم نفي المستهدف.
لقد أظهرت الحملة الشعواء طرف حبل المكيدة المخطط له لتحجيم قطر عن القيام بدورها الرئيسي كحام للشرعية الثورية للشعوب المضطهدة وحاضنة رسمية للمقاومة المشروعة في فلسطين للانعتاق من المحتل واسترجاع المقدسات الإسلامية المسلوبة.
ظلت الإمارات تصور نفسها أمام السلطات الأمريكية المتعاقبة أنها الدولة العربية الحليفة بل المشروع الأول لأجل شرق أوسط جديد
لطالما كان أبناء زايد ونظامهم الدولة “الخنجر” التي تقود بها الولايات المتحدة أجندتها في المنطقة سواء في مصر ابتداءً من خلال الرز الإماراتي الذي قدمته للإطاحة بأول رئيس مدني بشرعية شعبية، مرورًا بالخطوات المريبة والمكشوفة للإمارات في الأزمة الليبية من خلال رشوة المبعوث الأممي برناردينو ليون، إلى دعم انفصال اليمن بهدف السيطرة على ميناء عدن وباب المندب، لقد ظلت الإمارات تصور نفسها أمام السلطات الأمريكية المتعاقبة أنها الدولة العربية الحليفة بل المشروع الأول لأجل شرق أوسط جديد.
ظلت هذه الخطط في عداد التحريات إلى أن تأكدت من خلال التسريبات الخطيرة للعلبة السوداء لنظام أولاد زايد، السفير الإمراتي يوسف العتيبة، رجل الإمارات الأكثر سحرًا في واشنطن الذي كان رأس الحربة في الخطط الإماراتية للضغط على الإدارة الأمريكية حتى من خلال إفساد صورة الحلفاء “السعودية”.
الدعم الاستخباراتي والسياسي الذي قدمته الإمارات للكيان الصهيوني لمحاصرة غزة منفقة ثروة مالية كبيرة، من خلال دعم مشروع التهويد في القدس بتحويل منازل البلدة القديمة لمنظمات يهودية بعد شرائها بمبالغ باهظة من رجال الأعمال الإماراتيين بتأكيد من الشيخ رائد صلاح
في الوقت الذي كنا ننتظر انتفاضة سعودية تجاه التسريبات التي قدمت صفعة كبرى من الحليف الأول في التحالف العربي، رأينا كيف حولت السعودية الأنظار عن التسريبات – التي افتخرت بها مصادر إماراتية – بل عجلت بتنفيذ المخطط المبيت له بعد انكشاف فصوله، مذكرة لنا بخطط الانقلابات المنكشفة آخرها الانقلاب الفاشل في تركيا الذي قدم توقيت تنفيذه والذي لعبت فيه الإمارات دورًا مهمًا بالتنسيق مع غولن بوساطة من مستشارها دحلان.
انكشف مخطط ترامب الذي أصبح ينفذ بالوكالة عبر أيادي عربية التي اختارت ذكرى النكسة البشعة لها مع الكيان الصهيوني لتسويق مشروعها الجديد.
الأخطر في الأحداث ليس محاولة الإمارات حصار المقاومة الفلسطينية لأن ذلك مهمتها التي لطالما أجادت تنفيذها، بدءًا من الدعم الاستخباراتي والسياسي الذي قدمته للكيان الصهيوني لمحاصرة غزة منفقة ثروة مالية كبيرة، من خلال دعم مشروع التهويد في القدس بتحويل منازل البلدة القديمة لمنظمات يهودية بعد شرائها بمبالغ باهظة من رجال الأعمال الإماراتيين بتأكيد من الشيخ رائد صلاح رئيس الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني.
لكن الأخطر هو التحول الخليجي بقيادة السعودية من موقف السكوت عن وضع ترامب لحركة المقاومة الإسلامية حماس في قائمة المنظمات الإرهابية التي يسعى لتجفيف منابعها، إلى موقف التحقيق والتنفيذ من خلال قتل الدور العظيم لقطر في دعمها لفلسطين شعبًا وفصائل بجهدها الدبلوماسي أثناء الحرب الإسرائيلية على غزة أو من خلال الوساطات بين الفصائل بهدف تسريع المصالحة التي أفرزت اتفاق الدوحة 2012.
لقد كان إعلان الوثيقة السياسية لحماس، التحدي الأكبر الذي نجحت فيه قطر ضمن الضغوطات الكبيرة التي كان للإمارت دورًا كبيرًا فيها، حتى إنها ألغت قبل الدقائق الأخيرة المؤتمر في الفندق الإماراتي الذي كانت قد حجزته قيادة حماس لإعلان الوثيقة.
في ذكرى ضياع المقدسات تركب السعودية ودول حلف الأحزاب الجديد نفس القارب مع الكيان الصهيوني – حسب وزير الحرب الصهيوني الأسبق موشيه يعلون – القارب الذي سيقود التحالف العربي الجديد لقتل القضية الفلسطينية
إن قطع العلاقات مع قطر بداية مشروع صياغة خارطة سياسية جديدة للمنطقة مع حسم كامل للقضية الفلسطينية بحصار دبلوماسي سياسي على حركة المقاومة الإسلامية وحاضنتها السياسية دولة قطر وقيادتها الناضجة، وهي الصورة التي أبهجت القيادات السياسية “الإسرائيلية” التي وصفت خطوات حلف الأحزاب الجديد بالإيجابية في ذكرى النكسة.
في ذكرى ضياع المقدسات تركب السعودية ودول حلف الأحزاب الجديد نفس القارب مع الكيان الصهيوني – حسب وزير الحرب الصهيوني الأسبق موشيه يعلون – القارب الذي سيقود التحالف العربي الجديد لقتل القضية الفلسطينية.
في ظل هذه الأحداث نحن على يقين أن الخطط السياسية الظالمة الموجهة لقتل صمود الشعب الفلسطيني وحقه في مقاومة المحتل سترتد على واضعيها، لأن سنن الله الكونية هي المسيرة للأحداث، تشتد الأزمة لتنفرج وتزداد المؤامرات لتقوى الأمة الإسلامية، الباطل إلى زوال والعاقبة للمتقين.