بعض من جنود النظام الذين كانوا بانتظار حافلات الخارجين من حمص المحاصرة برعاية الأمم المتحدة متجمهرين حول الوفد الحكومي والإعلامي، كان بعضهم يلّف عصبة على وجهه – كما يفعل عناصر الجيش الحر – ثم يلتقطون لبعضهم الصور في مشهد ساخر!
أحد أولئك الجنود صرخ بشكل جنوني – مع نزول أحد الرجال الخارجين من حمص المحاصرة من حافلة كانت تقله – : “إنه منهم .. إنه منهم .. الأوباش” ، هكذا نقل بالتحديد مراسل روتيرز لما حصل واصفاً المشهد “التراجيدي” هذا بكثير من الترقب والشك الذي كان يحيط بالخارجين من حمص المحاصرة والموت البطيء بالجوع .. إلى الحياة الطبيعية التي يأملون أن تستمر .. بعد أن تذهب الكاميرات ورجال الأمم المتحدة.
ثم يضيف المراسل بأن أحد هؤلاء الجنود صرخ : ” كل أولئك يجب أن يخرجوا في حقائب الجثث – يقصد مقتولين – ” ، مما يعبر عن حالة من عدم الرضى عن خروج المدنيين من حمص المحاصرة، وأن كثيراً من الجنود يتبعون أوامر بعدم التعرض لهم في الفترة الحالية، كما تعبّر على أن النظام مضطر لفعل هذا في ظل الضغط الدولي مع محادثات جنيف التي يبدو فيها النظام ضعيفاً مع كل هذا القتل الممارس.
هكذا بدا المشهد في اليوم السادس من وقف إطلاق النار لإجلاء المدنيين عن حمص المحاصرة وإدخال المساعدات لآخرين في الداخل، الأمر الذي نجم عنه إخراج أكثر من 1000 شخص وإدخال قوافل مساعدات متعددة لاغاثة من هم في الداخل برعاية الأمم المتحدة والهلال الأحمر السوري.
وفي الوقت الذي لم تتعرض قوات الأسد للنساء والأطفال ، حجزت كل الرجال بالأعمار التي بين 15 و 55 – وهو سنّ القتال حسب قولهم – للتدقيق على أسمائهم ، حيث تقول الأمم المتحدة أن 336 تم احجتازهم ليفرج فيما بعد 152 فقط ويبقى الباقي رهن الاحتجاز.
وأثناء مراقبة عملية الإخلاء ونزول الرجال من الباص، ذهب أحد جنود النظام للظن بأنهم من جنسيات أخرى لمناظرهم الرثّة ، في الوقت الذي قال فيه أحد رجال الأمن التابعين للنظام السوري بلباس مدنّي بأن مهمته التأكد من أن جميع لهجاتهم سورية، وأن لا يتواجد بينهم أي أجنبي.
أحد الرجال الخارجين قال لأحد موظفي الهلال الأحمر السوري مبرراً عدم حلاقتهم كل هذه الفترة فقال :” ليس لدينا مقص .. ليس لدينا أي شيء” !
المتحدثة باسم مفوضية الأمم المتحدة للاجئين ميليسا فلمنج قالت أن قوات النظام احتجزت العديد ممن هم في سن التجنيد لاستجوابهم، في الوقت الذي أضافت: ” دورنا محدود ، خصوصاً في متابعتهم بعد أن نرحل من هنا” ، داعية النظام السوري الى ضمان سلامتهم وأمنهم.
حالات الخارجين بشكل عام مستعصية، سواء على الجانب الجسدي أو النفسي .. فالذهول من الوضع الذي كانوا فيه ثم خرجوا هو أكثر ما يسيطر عليهم بعد 600 يوم من الحصار والقصف والموت المحيط بهم من كل جانب .. الخارجون من حمص كما لو أنهم خرجوا من الموت إلى الحياة.
أحد الكبار بالسن وكان منحني الظهر مصطحباً طفلاً معه كان في حالة ذهول شديد لدرجة أنه عبر إلى قسم تفتيش النساء، آخرون كانت علامات نقص الوزن ظاهرة عليهم بشكل كبير لدرجة عدم القدرة على المشي .. بالإضافة إلى الجروح حيث المعظم مصاب بها في الوقت الذي لم يكونوا قادرين على الحديث عن كيفية إصابتهم بها .. كيف يخبرون الجلاد بفعلته وهم في حضرته ؟