في عصر الانفتاح الكبير للعالم لم يعد الناس بحاجة إلى زيارة المساجد أو قراءة الكتب الدينية بأنواعها للتزود من علوم الدين أو للحصول على الفتاوى في المسائل الدينية المختلفة، بل أصبح الأمر مقتصرًا على الدخول إلى صفحات وحسابات الدعاة الإسلاميين لمعرفة الأحكام والنصائح في كل جانب في الدين.
ولا شك أن ما تحتويه مواقع التواصل الاجتماعي من خصائص كالمحادثة والرسائل المباشرة والتعليقات، خلق علاقة وثيقة ومباشرة بين رجال الدين والجمهور، لكن لا بد أن هذا التقارب كان له مزايا ومساوئ، خاصة بعد أن أثيرت جدالات عديدة على نطاق واسع وصلت إلى كل متابع في أنحاء العالم.
غني عن الذكر أن منصات التواصل الاجتماعي لها نجاح ملحوظ في التأثير على ملايين الناس، لذلك يتخوف البعض من انتقال الدعاة من المنابر إلى المنصات الإلكترونية ومن تغيير البنية التقليدية للخطاب الديني إلى تغريدات ومقاطع مصورة، لأن هذه الطريقة في الدعوة قد لا تخدم أو تحافظ على الصورة المقدسة للدين بالشكل المفروض، وإنما قد تزيد من احتمال الوقوع في الكثير من التجاوزات غير اللائقة أو الأحكام والفتاوى المبهمة وذلك رغم أن النية قد تكون نبيلة، فإن الوسيلة قد لا تبرر غاية هؤلاء الشيوخ ومتابعيهم.
إذ كشف موقع “ياهو” عن قائمة الأشخاص الأكثر شعبية في العالم العربي في مواقع التواصل الاجتماعي، ولقد اكتسح رجال الدين 8 مراتب من أصل 19 اسمًا، وتترواح جنسياتهم بين الكويت واليمن والسعودية ومصر.
يقول في هذا الخصوص أستاذ كرسي الأمير نايف لدراسات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، غازي المطيري: “لقد اكتسبت الكلمة في عصرنا وضعًا مهمًا للغاية، وذلك لانتشارها بشكل واسع ويصبح من الصعب إزالة نتائجها السلبية أو تعديلها، فعلى الدعاة والمفكرين الذين لهم صلة مباشرة بالجمهور أن يشعروا بالمسؤولية والرقابة على كل مشاركاتهم ومنشوراتهم على هذه المنصة”، كما أضاف الأستاذ المطيري “من السهل أن يتعرض أي موضوع ديني أو غيره، أو أي شخصية عامة إلى الوقوع في الكثير من التجاوزات واللغط، لذلك الرقابة المسؤولة تحمي من أي أخطاء”.
أغلب ما يكتبه الشيوخ الإسلاميون من تغريدات أو تعليقات عرضة للجدل والهجوم أو للمدح والموافقة من قبل الملايين الذي يتابعونهم
البعض الآخر يرى أن على رجال الدين استغلال كل وسيلة متاحة في عصرنا الحالي للدفاع عن صورة الإسلام وتقوية المجتمعات الإسلامية دينيًا وذلك يكون بإتاحة كل العلوم الدينية لكل مسلم في العالم وتسهيل وصول الناس إلى أي معلومة أو فتوى دينية لتسيير علاقته مع الدين.
يستخدم العلماء المسلمون صفحاتهم الشخصية على السوشيال ميديا ليس فقط للحديث عن الأمور الدينية وبث حلقات برامجهم الدينية، وإنما يستخدمها البعض لإظهار تضامنهم مع بعض شعوب العالم في أوقات الشدة أو للتحشيد لرأي معين أو سياسة ما وأحيانًا دعوة أشخاص معينين علنيًا للهداية.
وبما أن الشبكة العنكبوتية ليس فيها حدود لأي ممنوع أو مسموح، فإن غالبية ما يكتبه الشيوخ الإسلاميون من تغريدات أو تعليقات عرضة للجدل والهجوم أو للمدح والموافقة من قبل الملايين الذين يتابعونهم.
المسؤولية الكبيرة ملقاة على دعاة الدين الإسلامي الذين يعملون بوسائل الإعلام بشكل خاص
في بحث أجراه فوزي بن دريدي مدير مخبر الشباب والمشكلات الاجتماعية، تبين أن الموضوعات الدينية أكثر ما يركز عليه الدعاة على الشبكة الاجتماعية، وتليها الموضوعات التربوية والاجتماعية والسياسية.
وقد أشار البحث أن مزايا تغيير الخطاب الديني الإسلامي على شبكات التواصل يعتبر تطورًا وذلك لأنه بدأ بالتركيز على الجانب العقلي في الأمور الدينية أكثر من جانب إثارة العاطفة واتباع سياسة الترغيب والترهيب القديمة.
يقول الدكتور أحمد زارع رئيس قسم الإعلام في جامعة الأزهر: “المسؤولية الشديدة ملقاة على دعاة الدين الإسلامي الذين يعملون بوسائل الإعلام بشكل خاص، لأن منصات الإعلام الحديثة تعتبر من أهم الوسائل التي تساعد في نشر الدعوة للدين الإسلامي وتحسين صورته النمطية الخاطئة أو المشوهة إن صح التعبير”، أضاف الدكتور زارع قائلاً: “يمكن تعريف دول العالم وخاصة غير الإسلامية على الإسلام وسماحته ويسره، بجانب ما تعرضه وسائل الإعلام الغربية التي تعمل على تعميم صور مؤذية للإسلام”.
مواقع التواصل الاجتماعي لا تصلح لرجال الدين
يعتقد البعض أن الدعوة من خلال المنصات الإلكترونية لا تليق برجال الدين وذلك لأنهم يتحولون من شيوخ إلى مجرد موظفين للسلطات الحاكمة ويتبنون آراءً دينية وسياسية ويعرضونها على الرأي العالم لأغراض عديدة كالتأثير والتحشيد، الأمر الذي يثير الفتن والشكوك.
المفزع في الأمر ليس رجال الدين وحدهم، وإنما الجمهور الهائل المتابع لهم والمصدق لكل ما يصدر عنهم من حكايات وتفسيرات وفتاوى تصبح مراجع لملايين الناس
أما المفتي العام للمملكة العربية السعودية عبد العزيز آل شيخ، فقد حذر من مواقع التواصل الاجتماعي، معتبرًا أنها الصوت الأعلى للترويج للفتاوى دون علم أو دليل ومساحة لطعن الشخصيات الدينية على الملأ، كما ذكر على سبيل المثال أن موقع “تويتر” زاوية للتراشق التهم والحقائق الزائفة.
وفي نفس السياق، قال المفتي الإمام تركي بن عبد الله: “لا يجوز أن تكون هذه المواقع المصدر الديني للمسلم، لكثرة ما يُنشر عليها من معلومات وقصص دون معرفة المصادر وتشجيعًا للانسياق وراء أهواء معينة”، ويضيف أن المفزع في الأمر ليس رجال الدين وحدهم، وإنما الجمهور الهائل المتابع لهم والمصدق لكل ما يصدر عنهم من حكايات وتفسيرات وفتاوى تصبح مراجع لملايين الناس.
كما اعتبر اللورد نورثكليف مؤسس صحيفة ديلي ميل أن هذه المنصات أداة إعلامية هائلة تعمل على اختراق العقول بالخرافات أحيانًا وبالحقائق أحيانًا أخرى، وأن رجل الدين والداعية جزء من الهيكل الإعلامي الذي يساعد في اختراق العقول عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
عبء ثقيل على أكتاف دعاة الدين
يقول مزيد المزيد، دكتور بكلية الشريعة في القصيم، إن مسؤولية رجال الدين كبيرة وذلك لأهمية الفتاوى لا سيما في عصرنا الذي يتميز بالانفتاح والتطور السريع، فيجد العالم نفسه مضطرًا للمواكبة، فبالتالي يطالب الدين بتجديد الفتاوى لتتناسب مع حياته العصرية، لذلك من الضروري تسهيل وصول الجمهور للمفتي، لكن هذه المنصات لا تجمع بين المفتي والمستفتي فقط وإنما تصل إلى ملايين الناس من المسلمين وغير المسلمين، الأمر الذي يجبر عالم الدين ألا يكون فقط ملمًا بأصول الدين وحال الأمة ومشاكلها في الوقت الحالي، وإنما أيضًا أن يكون مدركًا أنه في منصة عالمية والحفاظ على صورة الإسلام مهمة أساسية.
أضاف المزيد أن الأحكام الشريعة والفتاوى لم تعد مسألة دينية فقط بل نشاطًا إعلاميًا يتدخل في صناعة الرأي العام لأن هذا النشاط قد يوظف في نشر أفكار متطرفة تشكك في الثوابت وفي استقرار المجتمع أو أفكار سليمة يمكن الاستفادة منها في تنمية وترقية المجتمعات.
وللإجابة على سؤال هل يمكن أن تكون وسائل التواصل الاجتماعي مرجعية علمية للفتاوى الدينية؟ يجيب الدكتور المزيد أن هذه المنصات قد تكون مباشرة وسريعة لكن تقرير الأحكام والفتاوى على هذه المواقع يختلف لغةً وأسلوبًا عن الفتوى الشفوية، لأن السوشيال ميديا لها سمات وخصائص محددة قد لا تتناسب دومًا مع نوع وصياغة المسائل الدينية.